يقظان التقي: يتناول كتاب جديد للدكتور اكبر أحمد استاذ كرسي ابن خلدون للدراسات الإسلامية والعلاقات الدولية بالجامعة الاميركية في واشنطن قضايا حيوية معاصرة تتعلق بهموم المسلمين، وبهموم الشعوب جميعاً، اذ تسعى إلى التعاون والسلام العالمي، بدلاً من خبال الساعين إلى الصدام والخراب والحروب. والأحوال السائدة في البلاد العربية والإسلامية ليست على ما يرام.
يطرح المؤلف قائمة كبيرة من الاسئلة من اجل عصرنة القضايا، ونحو نموذج عالمي جديد، نموذج ما بعد ابن خلدون، بعد انهيار دورته، وبعد تداخل الثقافات الدينية العالمية، وانتشار وسائل الاعلام التي تقتحم اشد البيوت عزلة في العالم.
تعبيرات عن الإحياء الديني اليوم، والحاجة إلى اكتشاف نظرية عامة جديدة في علم الاجتماع تأتي بعد انهيار الثقافات والايديولوجيات واندثارها. إذ ان الدين الذي كان افيون الشعوب لم يعد يؤدي إلى تخديرها، وانما اصبح اشبه "بعملية التعجيل".
يثير الكاتب مجموعات من الاسئلة: لماذا يكون هناك احياء للأديان، وكيف يتوافق الناس مع فكرة اللّه أو الألوهية؟ هل يكون الاحياء نتيجة للعمليات والتحولات الناجمة عن العولمة؟ هل يوجد التفسير في ضعف المؤسسات التقليدية مثل العائلة والقبيلة ودولة الأمة، اذ يتطلع الافراد في هذه الفوضى إلى الدين لتحقيق اليقين في عالم لا استقرار فيه، وتحقيق الاستمرار في عالم متغير؟
هل يكون الاحياء محاولة لخلق العصبية من جديد من اجل بناء الحضارة الانسانية من جديد؟ وهل يمكن تطبيق النظريات الخلدونية على حضارات غير اسلامية؟ او على حضارات صناعية. وهل يمكن في الواقع تطبيقها على مجتمعات اسلامية، حين لا تكون هناك دورات ظاهرة او حتى امتداد افقي لحركات القبائل أو الريفيين، فهي لم تعد تحدث بالطريقة التي وصفها ابن خلدون؟
المجموعة الثانية من الاسئلة بعد احداث 11 ايلول: لماذا يكون فهم الامور الإلهية من خلال منظار العنف؟ لماذا تشتد استجابة الناس لأفكار الاحتفاظ بالشرف من خلال الحرب الصليبية او الدينية؟ لماذا يتعرض الابرياء للقتل، والنساء للاغتصاب بإسم الامور المقدسة؟ ليس هناك دين يشجع على مثل هذا العنف؟ كيف يمكن أن نوقف العملية او نعكس اتجاهاتها؟ ما الذي تثيره في نفوس المسلمين معسكرات القتل والاغتصاب في سريبرينيتشا، والاحياء المحترقة في غوجارات، والركام الذي دفن كثيراً جداً من الناس في جنين بفلسطين؟ كيف يستجيب غير المسلمين للخاطفين الذين قتلوا آلاف الابرياء يوم 11 ايلول؟ وللمسلمين الذين قتلوا المدنيين الابرياء كاليهود في فلسطين، والمسيحيين في الباكستان والهندوس في الهند؟ والاجابة ليست متفائلة او ايجابية، فهي تعكس الغضب والحنق الشديد، وتزايد الحديث عن الانتقام وزيادة العنف. ما الذي يجب ان يعمله العالم؟
هل فلسفة ابن خلدون فلسفة حاضرة للتطبيق أو المقارنة إن لم يكن على سبيل الاستشهاد بحوادث الواقع القريب؟ يؤكد الكاتب على فرضية المقاربة التاريخية.
الحرب
ويرى الكاتب إلى ان الحرب على الإرهاب ـ التي اعلنها الرئيس الاميركي جورج بوش بعد 11 ايلول ـ تهدّد بالامتداد في القرن الحالي، وتبدو عند الكثير من المسلمين حرباً على الاسلام.
("سوف يكون القرن الواحد والعشرون قرن الاسلام " يقول أكبر احمد)، واحداث 11 ايلول تدل على ذلك. فخاطفو الطائرات الاميركية الاربع لم يقتلوا آلاف الابرياء فحسب، بل ان عمليتهم الشنعاء خلقت واحداً من اعظم التناقضات في القرن الحادي والعشرين: فالاسلام الذي يعتبر نفسه دين السلام يصبح الآن مرتبطاً بالقتل والشر. ويتابع أكبر: لنتصور الاسلام اليوم وهناك نحو 1.3 بليون مسلم يعيشون في 55 دولة، ويعيش منهم حوالي 25 مليوناً في الغرب (منهم 7 ملايين في الولايات المتحدة الاميركية ومليونان في المملكة المتحدة و5 ملايين مسلم في فرنسا)، والسكان في العالم الاسلامي من اسرع السكان نمواً، ويبدو ان الاسلام هو الدين الوحيد الذي يسير على طريق التصادم مع ديانات العالم الاخرى.
لاول مرة في التاريخ يواجه الاسلام الديانات الاخرى. فهو يواجه اليهودية في الشرق الاوسط، والمسيحية في البلقان وجمهورية الشيشان ونيجيريا والسودان، وبصورة متفرقة في الفيلبين واندونيسيا، والهندوسية في جنوب آسيا، والبوذية بعدما فجر الطالبان التماثيل في باميان. واصبح الصينيون الذين تمثل ثقافتهم مزيجاً من فلسفة كونفوشيوس وتاو والفكرة الشيوعية ـ على طريق التصادم مع الإسلام في مقاطعة الصين الغربية.
هذا التحالف التاريخي هو الذي ينتقي الاسلام ويخلق النظرية العالمية، وهي ان القرن الواحد والعشرين سوف يكون أوان الحرب بين الاسلام وحضارات العالم الاخرى. ويواجه هذا المفهوم الدقيق التحدي الآن، لأن الكثير جداً من البلاد الاسلامية على تحالف واضح مع دول غير اسلامية. والحضارات الاخرى تواجه مشكلات مماثلة في التعايش مع الاسلام أو حتى فهمه داخل حدودها أو خارجها. والنتيجة هلع عالمي من الاسلام، أو الكراهية والعداء أو الازدراء للإسلام وحضارته، والعواقب الناجمة عما يحدث في المجتمع الاسلامي، سوف تشعر بها مجتمعات في كل مكان، ولا حصانة لأحد من المناقشات التي تحتدم الآن حول الاسلام، وحيث هناك قدر عظيم من سوء الفهم للاسلام.
انتروبولوجيا
كانت الانثروبولوجيا محل اتهام حتى زمن ليس ببعيد، بعد عقود من اعوام النقد، غير ان 11 ايلول غيرّ كل ذلك واصبحت القضايا الاساسية في الانثروبولوجيا (علم الانسان و مقاربة تكوين الدول وتطورها والمجتمعات) تناقش في كل مكان من قبيل افكار العرقية والولاء الجماعي والشرف والانتقام والانتحار ونظام القبيلة والعشيرة (العراق). ربما العالم على غير وعي انه يناقش هذه الامور حين تتعلق بالمجتمعات التقليدية بل البدائية. ومن سخرية الاقدار ان كل الديانات اليوم هي تحت الحصار: الاسلام تحت الحصار، كما اميركا تحت الحصار، واسرائيل تحت الحصار. هذا ما تذيعه التلفزيونات كافة. انتشرت عقلية الحصار، واذا كان تعريف العدو غامضاً فسيكون امد الحرب اشد غموضاً، ولن تكون الحدود لمسرح العمليات واضحة على الاطلاق سواء في الطريق لما يطلق عليه " الجهاد "، او الطريق إلى الصليبية الجديدة مع غموض شديد وتشويش حاد في تعريفاتها الضمنية. إن الطالبان في افغانستان استثناء سنّي، والتحليل عند السيد قطب ومنطق الحاكمية بسيط. لكن كان له ـ وما زال ـ قبول لدى الكثير من عامة المسلمين، وكذلك الوقوف عند مصطلح دار السلم ودار الحرب.. يؤكد اكبر احمد (المؤلف يعبر من الثقات في العالم فيما يتعلق بالاسلام المعاصر) على دور الاسلام في العصر الحديث مع رؤية عميقة ومنفتحة ترى الحاجة إلى القول والفعل وحوار الحضارات، ويحاول الكاتب ان يقدّم السبل إلى ذلك بالتحول نحو نموذج عالمي جديد ما يقصده وتركيبة للالفية الجديدة من السنين، لكن كل هذه الامور والمسائل ليست منظورة في المدى القصير.

الكتاب: الإسلام تحت الحصار
المؤلف: د.أكبر احمد
الترجمة د. عزت شعلان
الناشر: دار الساقي، بيروت