اقتراح ميغيل انخيل موراتينوس، وزير الخارجية الاسباني، بصدد قيام تحالف استراتيجي بين أوروبا والعالمين العربي والإسلامي ضد الإرهاب لم يلق الاهتمام الذي يستحقه في المنطقة العربية. لربما يعود ذلك الى ان موراتينوس اطلقه في اجتماع حكومي اسباني ولم يطلقه في محفل دولي عام. أو لعل مرد ذلك انه لم يبلور الاقتراح ولم يقدمه كمشروع محدد الى الاطراف العربية المعنية. مهما كانت الأسباب فإن الاقتراح جدير باهتمام ومتابعة الدول العربية.

العرب اليوم هم الضحية الأولى للإرهاب الدولي. الصورة الشائعة عالمياً والتي يصدقها الكثيرون من العرب أنفسهم، هي ان العرب هم الإرهابيون وانهم هم المستفيدون من الإرهاب. اذا عرفنا الإرهاب بأنه إرهاب الافراد والجماعات والدول، واذا أجرينا جردة بما انزله الإرهاب بنا من مآس ومجازر ودمار خاصة إرهاب الدولة في فلسطين والعراق، وإذا أمعنا النظر في ما تنفقه الحكومات العربية من أموال لمكافحة الإرهاب، وأخيراً لا آخرا اذا توقفنا عند نمو البنى القمعية في بلادنا التي تبرر بحجة مقاومة الإرهاب، اذا فعلنا ذلك كله، لتأكدنا اننا فعلا ضحية الإرهاب الأولى في العالم. من هذه الزاوية فإنه ينبغي ان نتأكد ان الحلف الذي يقترحه موراتينوس لا يخدم مصالح الأوروبيين فحسب، ولكنه يخدم مصالح العرب قبل غيرهم ويساعدهم على درء المخاطر عن مجتمعاتهم وعلى الالتفات الى قضايا البناء والانتقال الى القرن الحادي والعشرين.

الحلف الذي اقترحه موراتينوس ليس فريداً من نوعه، فهناك قبله مشروع حلف ضد الإرهاب الدولي يجري تركيبه في مناخ العداء للعرب. هذا المشروع يضم الحلف الاطلسي فضلاً عن “اسرائيل”. ولقد برزت معالم الحلف المقترح عندما فوض الاطلسي الاضطلاع بمهام خارج الاراضي الاطلسية، كما تبرز معالمه حالياً عبر الضغوط المكثفة التي تمارس على دول أوروبية تعارض السياسة الامريكية في الشرق الأوسط لكي تتخلى عن معارضتها وتنضم الى الولايات المتحدة و”اسرائيل” لمواجهة “الإرهاب الدولي”. اذا ترسخ هذا التحالف، بات من المستطاع عندئذ توسيعه بحيث يشمل دولا كثيرة تعاني من “الإرهابيين العرب”. بين هؤلاء روسيا التي تنتشر فيها عقب كل عملية إرهابية مروعة انباء عن “العرب” الذين يسهمون في هذه العمليات. من بينهم ايضاً الهند التي تتهم بعض الاطراف العربية بأنها تمد الجماعات الكشميرية بالمال والتغطية السياسية، وفضلاً عن روسيا والهند فهناك الصين المرشحة للانضمام الى قائمة الذين يوجهون الاتهامات الى “العرب” بسبب متاعبها المتوقعة في اقليم سينكيانج الذي يضم اقلية اسلامية.

يكاد موراتينوس يقول في اقتراحه هذا: فلنعقد نحن وأيامكم حلفاً ضد الإرهاب الذي هو عدونا المشترك قبل ان ينجح اعداؤكم في بناء تحالف دولي يستهدف العرب قبل الإرهاب. وزير الخارجية الاسباني لن يتحدث صراحة عن هذا الجانب، ولكن علينا نحن ان نفهمه خاصة في ضوء ما يجري في العراق والمساعي التي ترمي الى تكوين جبهة أمريكية أوروبية ضد سوريا والتحريضات الإعلامية التي لا تكل والتي تربط بين العرب والإرهاب.

إن غياب التجاوب مع اقتراح موراتينوس لا يدل، بالضرورة، على انتفاء الشروط المناسبة لقيام الحلف المقترح. فهناك علامات كثيرة تدل على رغبة عربية واسعة رسمية وشعبية في التعاون مع أوروبا. ردود الفعل العربية الساخطة على اختطاف الصحافيين الفرنسيين في العراق تعبر بوضوح عن هذه الرغبة، وتؤكد ان العرب لا يزالون، رغم كل القصور العربي، يقيمون وزناً للأصدقاء ويرغبون في الحفاظ على علاقات الصداقة معهم. هذا النزوع يوفر شرطاً ملائماً لقيام التحالف بين الطرفين. هناك ايضاً اهتمام عربي واسع بمكافحة الإرهاب. قسم من العرب قد يعبر عن تأييده أحياناً لبعض العمليات الإرهابية في المنطقة العربية أو خارجها، ولكن القسم الأكبر منهم، خاصة بين صناع القرار والرأي، لا يتعاطف مع هذه العمليات ولا يؤيدها. هذا الموقف ساعد الحكومات العربية على التوصل الى اتفاق مكافحة الإرهاب الذي وقعه وزراء الداخلية والعدل العرب قبل سنوات في تونس.

هذا الاتفاق المهم انطوى على بعض الغموض في تعريف الإرهاب بحيث اعطى الانطباع بأن كل عمل تقوم به حركات المقاومة الوطنية المسلحة هو عمل مشروع. ولقد امكن اجلاء هذه القضية قبل ايام عندما أعلن فاروق الشرع، وزير الخارجية السوري، ان بلاده “اذ تقف موقفاً واضحاً ضد الإرهاب، فإنها تعارض اي عمل ضد المدنيين في اي مكان من العالم”. الشرع قال ايضاً ان المحتل يتحمل عادة تبعات الاحتلال، ولكن هذه الاضافة لم تقلل أو تذهب بأهمية ما قاله حول العمليات ضد المدنيين. توضيحات وزير الخارجية السوري تصح مدخلاً لتطوير المعاهدة العربية لمكافحة الإرهاب. والمعاهدة في صيغتها المعدلة توفر شرطاً آخر مهماً من شروط التحالف بين الأوروبيين والعرب ضد الإرهاب. فالاتفاق على تعريف الإرهاب يفتح الطريق أمام التفاهم على تحديد قوى الإرهاب في العالم وعلى الأسلوب المطلوب لمكافحتها، ومن ثم على بلورة استراتيجية أوروبية عربية لتخليص العالم من آفة خطرة تهدد أمنه واستقراره، وتنال من أمن العرب ومستقبلهم بصورة خاصة.