دمشق ـ يوسف بزّي: بعد أن خانته قدماه، واستبدّت به الكآبة.. ها هو محمد الماغوط، الشاعر والروائي والكاتب "الملعون" يستعيد صولجانه الملكي، وصوته المدوّي، وقلمه المسنون.
في شقته التي بات نادراً ما يغادرها، بدا الماغوط متوهجاً، متابعاً أحوال الدنيا متلصصاً على العالم وأكثر قدرة على الحب والتسامح: "أنا ابن هذه اللحظة.. وأنا أيضاً ابن لحظة الحجّاج".
يعترف الماغوط (نص اللقاء يُنشر في ملحق "نوافذ" غداً): "مررت بمرحلة انتحارية، أدمنت على الكحول شارباً ثلاثة ليترات من الويسكي يومياً". وبعد ذاك التعب الذي أنهك جسده عاد متوازناً وأقل غضباً وأكثر رضى: "أعطاني الله أكثر مما استحق من الكرامة والشهرة".
الماغوط ينسى مناماته، لكنه يعاني كابوساً يتكرر عليه باستمرار: "أجد نفسي وقد أضعت عنوان منزلي.. أفتّش عنه فلا أجده. وغالباً المكان هو بيروت.. أدور في الشوارع تائهاً يطاردني رجال الدين ورجال الشرطة والكلاب.. فاستيقظ مذعوراً".
عن العراق، يصرخ الماغوط: "انسوا فيتنام.. سيظبط العراق.. أهم شيء أنه ما عاد هناك حاكم يظن نفسه الله.. ولم يعد هناك من طاغية الآن يظن نفسه فرعون".
يصمت لحظة. ثم يعلن: "أيها اللبنانيون، الطائفيون منكم، والعلمانيون والماديون والروحانيون.. تمسكوا بما بين أيديكم من أطلال حرية عربية.. تمسكوا بكعب حذاء الحرية المتبقّي لكم، فهو خشبة الخلاص".
وإذ نسأله عن ذعره، هو الذي كان قد أعلن سابقاً أنه ولد مذعوراً وسيموت مذعوراً، يقول: "بين نسر خائف وفأر مطمئن.. كنت طوال حياتي اختار أن أكون ذلك النسر الخائف".
إنه الآن يعاني من وهن قدميه، محروماً من مشواره التاريخي اليومي بين منزله ومقهى أبو شفيق: "عندي عكاز في خيالي، بصحبته ما زلت أتجول في المدينة".