اذا سلّمنا بأن هدف القوى السياسية في‮ ‬مجتمعنا أن‮ ‬يمضي‮ ‬مشروع الاصلاح قدما نحو ارساء أسس المجتمع الديمقراطي،‮ ‬فان توجه أطراف من التيارات الاسلامية لتبني‮ ‬شيء من الليبرالية المتفتحة سيكون من أهم العوامل المساعدة على تحقيق الهدف المذكور‮. ‬ذلك باعتبار أن الديمقراطية في‮ ‬جوهرها توافق على الشراكة في‮ ‬ادارة المجتمع من قبل كافة قواه الفاعلة‮. ‬وهذا‮ ‬يعني‮ ‬قبول الأطراف بالتعددية أي‮ ‬القبول بالآخر وحقوقه مما‮ ‬يطلق حريات الرأي‮ ‬والموقف والمعتقد ويمنح هوامش ملائمة لحريات العمل الاقتصادي،‮ ‬السياسي‮ ‬والثقافي‮ ‬تحت مظلة القانون وبآليات العمل المؤسسي‮. ‬ان أي‮ ‬توجه في‮ ‬التيارات الاسلامية نحو الانفتاح واللبرلة ضروري‮ ‬اليوم لدفع عجلة الاصلاح والدمقرطة خطوات للأمام‮.‬
‮ ‬والواقع البحريني‮ ‬يظهر أن القوى السياسية الاسلامية من الطائفتين هي‮ ‬القوى التي‮ ‬تحرك اليوم القاعدة الجماهيرية الأوسع في‮ ‬الشارع البحريني‮ ‬سواء عبّرت عن مصالح تلك الجماهير وعن تطلعاتها وطموحاتها المستقبلية أم لم تعبر‮. ‬ونظرا لما تحمله رؤى ومشاريع الفئات الاسلامية الأصولية والمتشددة من تناقض مع متطلبات التنمية الديمقراطية في‮ ‬غير منحى،‮ ‬فالحاجة باتت ماسة لظهور وتنامي‮ ‬الاتجاهات الوسطية المعتدلة داخل التيارات الاسلامية‮. ‬اذ بامكان هذه الاتجاهات الجديدة أن تبث ما‮ ‬يلزم من أنفاس اللبرلة والانفتاح في‮ ‬أجواء هذه القوى وجماهيرها‮. ‬وفي‮ ‬عالم عربي‮ ‬واسلامي‮ ‬راهن‮ ‬يتمرغ‮ ‬في‮ ‬مستنقعات التشدد الديني‮ ‬وسفك الدماء والقتل الرخيص للانسان،‮ ‬أحسب أن ظهور ونمو اتجاهات التسامح والاعتدال في‮ ‬رؤى ومواقف التيارات الاسلامية أصبح من أهم ضمانات انجاز نجاحات حقيقية في‮ ‬المشروع الديمقراطي‮ ‬العربي‮ ‬على المستوى المحلي‮ ‬والعربي‮ ‬عموما‮. ‬حول قيام الجمعية المزمع تأسيسها بمسمى العدالة والتنمية ضمن التيار الاسلامي‮ ‬الشيعي،‮ ‬طرح الكثير من التكهنات الايجابية والسلبية‮. ‬ونحسب أن الجمعية الجديدة ستحقق الاضافة الايجابية المطلوبة ان أتت برؤى ومواقف تنحو للوسطية والاعتدال والتسامح،‮ ‬أي‮ ‬عدم التشدد والتطرف الديني‮ ‬والسياسي‮ ‬المغذى بمشاعر وطروحات مظلومية الطائفة‮. ‬كما نظن أن قيامها سيلبي‮ ‬حاجة ملحة لتحقيق مستوى من اللبرلة داخل التيار السياسي‮ ‬المذكور وفي‮ ‬محتوى برامجه‮. ‬وذلك سيؤتي‮ ‬أكله في‮ ‬مزيد من المكاسب الديمقراطية للمجتمع‮. ‬ومما‮ ‬يزرع التفاؤل أن القائمين على المشروع هم من فئة التكنوقراط ورجال الأعمال بجمعية الوفاق بما تتوفر عليه هذه الفئة عموما من انفتاح ووسطية وانحياز لمستويات معقولة من الحريات والحقوق‮.‬
‮ ‬واذا كان الأمر كما نحسب،‮ ‬فقد‮ ‬يتحقق ما نتأمله من توجه الموجة الجديدة في‮ ‬التيار الاسلامي‮ ‬الشيعي‮ ‬نحو العمل السياسي‮ ‬المؤسسي‮ ‬بأدواته وآلياته الصحيحة‮. ‬مما سيخرجه من وعاء القرار العلمائي‮ ‬ويمهد لتحقيق مستوى من استقلالية العمل السياسي‮ ‬وما‮ ‬يستتبعه في‮ ‬كل ما هو بعيد عن الشأن الديني‮ ‬البحت‮ . ‬وبالاضافة لذلك ستتحقق مستويات من التعددية السياسية وسط هذا التيار الواسع المؤثر‮. ‬وسيمكن لحلحة تابو الرفض الملازم لمزاج العديدين من قادة وجماهير هذا التيار بما فيه رفض الآخر أو تخوينه أحيانا ووصمه بالتآمر مع السلطة‮.‬
‮ ‬ومن ناحية أخرى فان القائمين على التأسيس أعلنوا ما‮ ‬يرتؤنه في‮ ‬جدول الأولويات بعملهم السياسي‮ ‬القادم‮. ‬ووضعوا على رأس أولوياتهم المعضلات التي‮ ‬تواجه الحياة المعيشية للناس والاهتمام والاسهام بتقديم الحلول الممكنة والناجعة لها‮. ‬وذلك‮ -‬بظننا‮ - ‬توجه عملي‮ ‬قائم على التعامل الموضوعي‮ ‬مع معطيات الواقع المجتمعي‮ ‬وأهم احتياجاته‮. ‬كما أن قيام هذه الجمعية‮ ‬يعني‮ ‬توسيع مساحة الدور الضروري‮ ‬والمرتقب لرجال الأعمال وفئة التجار في‮ ‬العملية السياسية بهذا المجتمع كونهم رافعة هامة في‮ ‬بناء المستقبل الديمقراطي‮ ‬للبحرين‮.‬
نظن أن ردة الفعل السريعة التي‮ ‬جابهت الاعلان عن نية تأسيس الجمعية بالاستنكار والرفض لم تنطلق سوى من هواجس التخوف من المساس بالتابو الديني‮ ‬المغلق الذي‮ ‬يوجه ماهية العمل السياسي‮ ‬وآلياته المعتمدة في‮ ‬أوساط التيار الاسلامي‮ ‬الشيعي‮. ‬لقد قوبل طرح المشروع باستنفار ظاهر واعتبره البعض سوءة ستفضي‮ ‬لانقسام التيار وتقوّض وحدته‮. ‬وكاد أن‮ ‬يغيب الحديث عما‮ ‬يمكن أن‮ ‬يحققه من ايجابيات على مستوى العملية السياسية في‮ ‬المجتمع عموما‮. ‬
أما بالنسبة للرؤية التي‮ ‬تداولها البعض بأنه مشروع قادم من صوب السلطة ويخدم أجندتها الحالية والمستقبلية،‮ ‬نقول‮: ‬ليكن،‮ ‬ففي‮ ‬لعبة السياسة‮ ‬يغدو من الوارد‮ - ‬في‮ ‬أي‮ ‬حدث‮ - ‬أن تسعى أي‮ ‬قوة سياسية الى توظيف الحدث وتطويع مساره لصالح أجندتها‮. ‬لكن بالمقابل لنضع في‮ ‬الاعتبار ما‮ ‬يمكن أن‮ ‬يحققه الحدث من ايجابيات على صعيد التيار الاسلامي‮ ‬الشيعي‮ ‬من جهة وعموم العمل الوطني‮ ‬الديمقراطي‮ ‬في‮ ‬البحرين من جهة أخرى‮. ‬نحسب أن الخير من قدوم العدالة والتنمية لا‮ ‬يعادله ما‮ ‬يراه البعض من شر‮. ‬ونظن أن فتح أبواب النور أمامها أجدى من وأدها وهي‮ ‬لمّا تزل في‮ ‬رحم أمها‮.‬