جورج كعدي: أهي نعمة السينما تبقيه على هذا التوثّب، على هذه النضارة الفكرية والشعورية؟ أهي معجزة السينما تمدّه بتلك الحماسة الدائمة وفرح الابداع الموصول فيلماً فآخر، فلا يني يقفل صفحة من الذاكرة ليفتح صفحة أخرى، غائصاً في دفاتر ماضيه، ناهلاً منها اللحظات المشرقة يستعيدها بروحه الشابة أبداً فلا يرهقها العمر ولا يحدث فيها تبدلاً. هذا الشيخ الشاب، المقبل على ثمانينه، هو هو لا يتغير. مرح، ضاحك، عاشق أبدي، نرسيس جميل، سيّد حرفة وأسلوب، نسيج وحده بين سائر أقرانه، بل في السينما العالمية كلّها واحداً من أعلامها الكبار. وأكثر ما أثارني واستفزّ مشاعري في جديده اسكندرية... نيويورك قدرته، وهو في هذه السنّ الحكيمة المتقدمة، على الاحتفاظ بنبض السينمائي الشاب وحماسته وعودته اكثر من نصف قرن الى الوراء، مستعيداً ذكريات عشق أوّل قديم كأنه يحياه اليوم، بل في اللحظة الراهنة، بكامل اشتعاله واحاسيسه المضطرمة. فأنّى للشيخ العائد الى صباه كل تلك النضارة والايقاع الحيّ المدهش والطاقة على الحب والحلم والأمل، من غير ان يتغاضى عن مشاكل عصره وهمومه من سياسة ظالمة وحروب وقتل وارهاب، معلناً في موازاة العودة الحالمة والواقعية الى الذاكرة موقفاً سياسياً من اميركا اليوم التي لم تبق اميركا الأمس التي عرفها وحصّل فيها معارفه الفنية الأولى.

في كلّ لقاء جديد لي معه تخطفني المتعة الى عمق روح يوسف شاهين وعالمه وشغفه، وأجلس إليه مفتتناً بحيويته ومرحه، فنتبادل أطراف الحديث المهني والانساني على نحو من الودّ والجدية اللذين تتخللهما ضحكاته العالي. هذا السينمائي الكبير كتلة مركّبة من فكر وعمق وحب وسخرية وأمل وغضب وتفاؤل. صور بهيّة مختزلة للحياة بكامل حيويتها واندفاعها.

جورج كعدي: اسكندرية...نيويورك استكمالٌ للسيرة التي روتها ثلاثيتك اسكندرية ليه؟ و حدوته مصرية و اسكندرية كمان وكمان ؟ أم عساه اعلان لموقفك الغاضب، المتحوّل والمستجدّ حيال أميركا؟ أم كلا الأمرين معاً؟ وأيّ منهما رجحت كفّته؟

يوسف شاهين: عقب انهاء دروسي في معهد اسادينا في كاليفورنيا لم أعد الى الولايات المتحدة إلاّ بعد خمسة عشر عاماً، ثم بعد عشرين، ثم بعد ثلاثين. التحوّل كان مأسوياً. فالناس الذين أحببتهم من أساتذتي، فضلاً عن حبي الأول هناك، كنت أقف حيالهم متسائلاً: لماذا لا يفهمونني؟ّ كنت أشعر بأن ثمة تدهوراً لديهم لناحية العلم، ولم أصدّق ذلك لأني كنت مدركاً كم هم متقدمون في ميادين عديدة، تكنولوجية وحتى انسانية...

جورج كعدي: أي كان ثمة تبدّل في القيم.

يوسف شاهين: بالتأكيد. كانت قيمهم في الماضي عظيمة، ما كنت أتصوّر أن يأتي رئيس اميركي غبيّ الى هذا الحدّ، كذّاب الى هذا الحدّّ...

لكني لا أزال أرى ان جانب السيرة في فيلمك هو الذي ترجح كفّته. ربما لأني افتتنت به. شعرت بك أكثر ميلاً الى السيرة، في حين ان الموقف السياسي فرض نفسه كحاجة ضرورية وحتمية. تلك المرحلة الاميركية كانت ناقصة في ثلاثيتك.

- صحيح، لم أتناول قطّ هذه المرحلة المهمة جداً لي كي أفهم انا نفسي أفلامي الباقية على نحو افضل. اليوم لو شاء احد عرض افلامي الذاتية هذه فإن عليه ان يعرض اسكندرية ليه؟ وبعده مباشرة اسكندرية... نيويورك ثم حدوتة مصرية فـ اسكندرية كمان وكمان .

أي أنك تعتبره الجزء الثاني من هذه السيرة؟

- بلى، ليس الجزء الرابع بل الثاني. وهو ملائم لزمنه إذ يتساءل الجميع ماذا يحصل في أميركا؟ وما يحصل خطير جداً، أكثر من زمن انطواء اميركا على نفسها. إنها اميركا العالمية اليوم. استغرب تحوّل أميركا. حتى سينماها التي كانت تنتج افلاماً رومانسية جميلة وعذبة عن البشر الطيبين، أضحت تنتج اليوم افلاماً عن السفلة والمتوحشين والمنحرفين. شاهد الافلام القديمة... لا أحب سوى هوليوود القديمة في أي حال.

- وأنت محقّ.

كانت السينما الانسانية المليئة بالمشاعر الجميلة والحب والبراءة. الناس كانوا ابرياء.

- واليوم اصبحوا بهائم.

لِمَ تركّز في أفلامك الأخيرة على الحبّ والغناء والرقص والفرح؟ هل لأن اختبارات الحياة أوصلتك الى هذه الحكمة، أن لا خلاص إلاّ بالحب؟ قلت في مقالتي عن فيلمك انك أخر رسل الحب.

- (ضحك). هذا صحيح فعلاً.

انك تمجّد الحب في اسكندرية... نيويورك .

- الحب أروع شيء في الدنيا. ذات مرة كنت أتحدث في حلقة إذاعية مع فيلسوف فرنسي في الثمانين من عرمه يدعى ألان توران، فقاطعته معتذراً وسائلاً إيّاه: هل ترقص؟ استغرب سؤالي واجابني: بلى، لكن لِمَ تطرح عليّ هذا السؤال؟ أجبته: لأني لا أتصوّر فيلسوفاً يتحدث عن الطيبة وجمال الحياة ولا يرقص. مستحيل. تعلثم ثانية وقال: بلى، بلى، اني أرقص، أرقص (ضحك). الرقص أمر رائع فعلاً. انه يتيح اخراج الكثير من المشاعر والانفعالات. من الصعب ان تسمع آلة ايقاعية ولا ترافقها بحركة من رجلك.

سلام مع من؟

لكنك تحب الرقص ايضاً كأداة تعبير عمّا في داخلك. انك عاشق للميوزيكال وأرسلت بنفسك تحية الى جين كيلي عندما رقصت غناء تحت المطر في اليوم السادس . أعرف شغفك. لكن دعني أعود الى رسالة الحب والفرح وعشق الحية في أفلامك الأخيرة. هل هي تجارب الحياة أفضت بك الى هذه الحكمة؟

- تُطرح اليوم في العالم امور غير منطقية. يتكلمون عن السلام. سلام مع مَنْ؟ مَنْ هم الجالسون الى طاولة السلام؟ هل يتبادلون الحب أم الكراهية؟ لو كانوا يتبادلون الكراهية فلن يصلوا الى نتيجة، مستحيل. الذي يحب يسامح الآخر حتى لو سمع منه كلاماً قاسياً. انما لن يكون هناك ابداً حوار بين المتكارهين. مَنْ سيجلس مع مَنْ؟ من دون التغلب على الكراهية لا حوار ولا وصول الى السلام.

أنت من غلاة الداعين الى التسامح وتدعو اليه تكراراً، حتى مع اليهود لكونك ولدت ونشأت في مدينة كوسموبوليتية تتعايش فيها كل الأديان، الاسكندرية. لكن خطاب التسامح هذا هل تلقى له ردوداً ايجابية من الآخرين؟ هل يتجاوبون أم يستمرون في محاربتك؟

- لم يقولوا عني، في الأقل، اني معاد للسامية. رغم اني في فيلمي القصير عن 11 أيلول أعلنت موقفاً مناهضاً لاسرائيل، لكني لست مناهضاً لليهود.

وهل يقدّر اليهود مواقفك المتسامحة؟

- هم بلى. الاميركيون كلا.

ما رأيك في قبول العرب مبدأ السلام ورفض اسرائيل لهذا المبدأ واستمرارها في قتل الشعب الفلسطيني ومعاداة العرب أجمعين؟

- انها عقدة النازية التي يتخذونها ذريعة فيما هم يمارسون اساليبها اليوم ضد الشعب الفلسطيني، وعلى نحو أخطر مع تطور الاسلحة في العالم.

اذن ما فائدة خطاب التسامح الذي تطرحه ويطرحه معك كثر في العالم؟

- انهم كذابون اولاً. الكذب اضحى اليوم امراً عادياً ومبتذلاً. حين يكون رئيس الولايات المتحدة كذاباً وكريهاً واصولياً كبيراً ومعتبراً نفسه مرسلاً من السماء، فماذا تتوقع؟ أما إله اليهود فهو رهيب. لم يأنف من إغراقهم وحرقهم وتجويعهم وقتلهم، فيفعلون كل ذلك بنا.

اذا كان إلههم لا يرحمهم فكيف سيرحموننا؟

- (ضحك).

الحب بين الرجل والمرأة هل ترى انه يهب المعنى للحياة؟

- صحيح.

انه احساسي لبما تبغي قوله في اسكندرية... نيويورك عبر قصة الحب الرائعة التي صوّرتها. بل لطالما فعلتَ ذلك في معظم أفلامك. إنك من أروع السينمائيين الذين يدينون بالحب والشغف. لكن هذه المرة شعرت بأنك تقول ان لا معنى للوجود من غير الحب.

- آه، خلاص، انا رأيي كده. إنه أمر حقيقي. الانسان غبي من دون الحب. الحب لغز حقاً. لماذا نقع في الحب؟ ولِمَ نغرم بهذه المرأة تحديداً؟ (ضحك). في الحب عطاء. انت مستعد دوماً أن تعطي الآخر، أو الأخرى...

لا بأـس إن كان آخر أيضاً؟

- (ضحك).

لا خلاص إلا بالحب

كيف تمكنت من تحقيق معجزة عودة الشيخ الى صباه، أي الى حبّك الأول. كأننا إزاء سينمائي شاب يستعيد مشاعر قصة حب غير بعيدة زمنياً, في حين أنك تحيي قصة حب واقعية عشتها قبل اكثر من نصف قرن. كيف تمكنت من استعادة تلك المشاعر بنضارتها واشتعالها. ثمة حقاً شعلة حب ملتهبة في اسكندرية... نيويورك . احرقتني هذه الشعلة. أثّرت بي عميقاً.

- أنت حساس.

انها حقاً معجزة. مع تقدم الانسان في العمر يغدو عرضة للنسيان والعجز عن تذكر مشاعر حب أوّل قديم. انت لم تنسَ وأريتنا في الفيلم أنك لم تنسََ. انها المشاعر نفسها مثلما اختبرتها في الأمس البعيد.

- لكنه أمر يحصل معي دوماً. لا أزال أعيش الحب. أنا على طول في حالة حب منيّلة (ضحك). حبّي الأول لا يُنسى.

جنيجر هو الاسم الحقيقي للفتاة الاميركية التي أحببتها؟

- بلى، اسمها جنيجر كوكس. أنجذبت اليها كلياً. عندما أحب أعشق حتى الجنون. لو أحببت اليوم، في سنّي، فإني أحب تماماً مثل الشاب الذي كنته والذي رأيتَه على الشاشة. حتى في السياسة أتكلم عن الحب. لا يعني ذلك أني لا أعي ما يحصل. لكني مؤمن بأننا لا ننجح إلا بالحب.

السياسة على رأسي وعيني ، لكني شاهدت الفيلم في حسّ مختلف.

- في حسّ لا يصدّق. حقاً لا يصدّق. في مهرجان كانّ لم يكن هناك سوى مقدم تلفزيوني فرنسي واحد بكى في فيلمي. الكلمة الأولى التي قالها لي: أبكيتني.

تناقض وفوارق

أيها المعلم العزيز. كيف ولدت فكرة الفيلم وكيف تحوّل العنوان من الغضب الى اسكندرية... نيويورك ؟

- أميركا حديثنا اليومي. كذلك اسرائيل، الولاية الحادية والخمسون للولايات المتحدة... رغم اني كنت اتمنى دوماً أن يكون هناك حوار بيننا وبين اميركا.

قلت في قراءتي لفيلمك ان علاقتك بأميركا هي بين الحب والكره. أنت لا تتنكر لها ولست عاقّاً معها. إنك تقول: كنت أحب أميركا التي عرفتها في شبابي ولم أبق أحبّها لما أضحت عليه. إنك ممزّق بين هذين الشعورين.

- صحيح. هذا التناقض آلمني ولا يزال يؤلمني الى الآن. كما لو أني شاب خاب أمله. لو أردت قراءة سياسية لنهاية فيلمي فهي: عوض ان نتقارب نحن نفترق. أي أن الحوار والإصلاح اللذين يتحدثون عنهما لن يتحققا. الفوارق كبيرة. تأخّرنا نحن خمسين عاماً كانوا يتقدمون خلالها، في التكنولوجيا فقط.

التكنولوجيا في خدمة الشرّ.

- تماماً، أشعر بأنهم يتقدمون نحو التدهور. الامبراطوريات كلها سقطت.

هذا لأنهم لا يقرأون التاريخ.

- ماذا بقي من الامبراطوريات التاريخية غير الفنون والحضارة الجميلة.

كم استمرّ التحضير للفيلم واختيار مواقع التصوير؟

- استمر سنتين.

كيف اخترت اماكن التصوير بين مصر والولايات المتحدة؟ أيّ مشاهد صوّرت في أميركا؟

- صوّرت في نيويورك خاصة. اما المشاهد المفترضة في كاليفورنيا فهي مصوّرة في مصر، ناحية قناة السويس حيث بنى الفرنسيون منازل مطابقة للمنازل الكاليفورنية... معقول؟ عالم اساداينا وكاليفورنيا عثرت على موقع مطابق له في مصر؟!

- صحيح. انه مطابق تماماً.

يبدو كأنه حقاً في أميركا.

- بلى (ضحك). التقطت نحو ألف صورة لتلك المواقع لأقتنع مئة في المئة. كل زاوية مدروسة. لديّ في هذه الاماكن نحو ثمانمئة لقطة، وكل لقطة مصوّرة من ست زوايا كاميرا.

مشاهد محمود حميدة في نيويورك وحدها مصوّرة في مكانها الحقيقي، والباقي كلّه في مصر!

- كلّه في مصر. لأني احفظ اسادينا جيداً اذ عشت فيها حبي الكبير.

كنت حاضراً في تصوير كل المشاهد؟

- في كل لقطة. كل شيء معدّ لديّ سلفاً ولا يبقى سوى تنفيذه. لا اؤمن بإلهام اللحظة. لماذا؟ لِمَ لا يكون هناك تحضير. على السينمائي ان يرى الفيلم في رأسه. لديك على اللاتو ثمانون فرداً لا يمكن تركهم ينتظرون إلهامك و عفويتك . يمرّ الممثلون في حالات نفسية مختلفة، في حين عليك ان تخلق حالة واحدة يفرضها مغزى الفيلم. لا تستطيع أن تتخيّل كم بكيت خلال التصوير.

مثلما كان يحصل لعزّ الدين ذو الفقار أثناء تصوير أفلامه.

- عز الدين كان رومنطيقياً جداً. كانت الدموع في عينيّ طوال مرحلة التصوير.

هذا لأنك تعيد بناء ذاكرتك.

- بالتأكيد.

كيف انجزت الكاستينغ وكيف اخترت هذه المواهب الجديدة الشابة؟ علماً أنك معروف باكتشافك الدائم للممثلين.

- ذهب غابي (خوري، ابن شقيقة يوسف شاهين والمنتج المنفذ لأفلامه) الى اوبرا القاهرة وشاهد احمد يحيى مؤدياً زوربا، فنصح لي به وذهبت بدوري لمشاهدته فألفيته يرقص في احساس خطير جداً وطلبت اليه ان يأتي لمقابلتي. أتحدث طويلاً الى الممثلين وأعود بهم الى بطن امهم وكل مراحل حياتهم ومحطات الحزن والسعادة فيها. كان احمد في التاسعة عشرة يومذاك وراقصاً أوّل في الاوبرا، من دون ان يصاب بالغرور، بل هو غاية في البساطة واللطافة. سكّر.

والممثلات الشابات كيف عثرت عليهن.

- يسرا، الصغيرة، اكتشاف معجزة.والدها مخرج ويدرس في الجامعة الاميركية، وامها امرأة لامعة إذ قلت لها: ثمة مشكلة تتدهور بسببها السينما المصرية. انها الموجة الاسلامية التي اضطهدت ممثلة كحنان ترك بسبب قبلة على الشاشة. لكن كيف نصوّر مشهد حب من دون قبلة؟! فأجابتني أمها: وممّ أنت خائف ؟ قلت: الدور يتطلب تقبيلاً. فقالت: ماذا تعني بالتقبيل؟ انا مارست الحب مع زوجي طوال خمس سنين قبل الزواج... اكتشفت انها امرأة ذات عقل منفتح الى آخر حدّ. امرأة قوية تصلح لأن تكون مدرّسة، فهي ليبرالية وقادرة على تعليم الحرية والانفتاح والحقيقة. عندما تقول الجنس عيب ، خلاص، روح تحجّب او روح موت ! الاصلاح الذي يطالبون به ويتحدثون عنه يبدأ من التربية في الحضانة.

سحرتني المشاهد الراقصة في فيلمك. هل تشاركني الرأي في أنها الافضل لك الى اليوم؟

- بلى. هل تقصد مشهد كارمن ؟

بل كل المشاهد الراقصة. انها لحظات من النعمة.

- النعمة والله انك تملك هذا الاحساس.

حفظك الله. أشكرك.

- أنت قريب جداً من احساسي. هنيئا لك بهذا الاحساس.

الكوريغرافيا من تصميمك في اسكندرية... نيويورك ؟

- بلى. أتيت باسبانيين للفلامنكو في كارمن . والمزيج بين الموسيقى الشرقية واوبرا بيزيه انا صنعته.

قليل من الجنون الضروري

تلجأ دائماً في ديكورات الرقص في افلامك الى الـConventionnel ولا تبحث عن الكامل والمطلق. هذا ما لا يتوصل البعض الى فهمه وتقبله.

- القليل من الجنون ضروري طوال تصوير الفيلم. ليس من أجل الجنون بل من أجل دفع السأم. هنا لا تفيد العقلانية. يسعني ان أكون عقلانياً وأصنع فيلماً بارداً جداً. ينبغي الخروج من العقلانية واطلاق العنان للذات.

العقلانية كانت موجودة في بعض أفلامك. بيد انك تصنع هنا فيلم قلب خاصة.

- تماماً.

نُطق شخوصك الاميركيين بالمصرية صَدَم البعض. لماذا لم تلجأ الى الانكليزية او الاميركية لينطق بها ممثلو الأدوار الاميركية في الفيلم.

- لا أبالي بذلك. جمهوري هو جمهور عربي.

أرى كذلك انه أمر اعتمدته سينمات اخرى في العالم، فالاميركيون صنعوا افلاماً عن الحرب العالمية الثانية وجعلوا الالمان يتكلمون الانكليزية.

- تماماً، قلت لمنتج فرنسي ايضاً: قل لي، فيلم هيروشيما حبيبتي هل هو ناطق باليابانية أم بالفرنسية؟ في الأمر اصطلاح Convention واستعارة.

كيف جمعت تصوّرك لمناخ الفيلم مع تصوّر مدير تصويرك القدير رمسيس مرزوق الذي أحسن اعادة احياء الحقبة.

- طلّعت دينو لأني أدوّن حتى مصادر الضوء. انا اوجهه، وينبغي ان يكون ثمة قران تام بيني وبينه وان يفهمني تماماً. أروي له الفيلم مثلما ارويه للممثلين الى حين اوصله الى حالة. أشتغل على احاسيسه هو. كنت رهيباً وشريراً معه (ضحك).

لكنه نفّذ لك صورة جميلة.

- ممتازة. اني مجنون بالصورة وتشكيلها.

رافقت المونتاج ايضاً أم تركت امره لرشيدة عبد السلام؟

- بل رافقت كل لقطة.

كم استطاع محمود حميدة ان يكون الـ ألتر إيغو لك؟

- بل افضل، وسأقول لك لماذا. لأنه لم يقلّدني. وضعته في الحالة واشتغل من خلال شخصيته هو.

لكنه تمكن من ايصال عصبيتك وتوترك

- قليلاً، بلى (ضحك).

حضوره ممتاز، وغريب شبهه بك حتى جسدياً في هذا الفيلم.

- كان محمود شديد الانتظام. كان ماكياجه يستلزم اربع ساعات واستعنّا بفنان ماكياج فرنسي. كان محمود عذباً للغاية.

هل فاجأك على الشاشة؟

- كلا، بل خلال التصوير. كنت أنظر في عينيه وأدرك هل يمثّل أم يعيش. فلو كان يعيش الشخصية يكون بؤبؤ العين مختلفاً.

ادعوك سينمائي العيون.

- آه، بلى، هذا صحيح. أموت بالعيون.

أنت سينمائي النظرة.

- العين مرآة الفكر والروح والشعور. أحسن قراءة عيون الآخرين.

هل تعتقد مثلي أنك كنت نرسيساً جميلاً في اسكندرية... نيويورك .

- (ضحك) بل أنا خجول جداً.

تقول في فيلمك انك خجول ووحش في آن واحد .

- هذا صحيح. يمكنني أن أكون قاسياً جداً ايضاً.

ماذا تعتقد انك لم تقل بعد في السينما؟

- لديّ أمنية. ثمة حقائق كثيرة وثمة أمنيات. أود ان أتمنى أن أكون مثل... هذا ما ستراه نرسيسياً، أني كنت اتمنى هكذا وأحب هكذا...

سيكون ذلك موضوع فيلمك الآتي؟

- تطلب مني أمراً صعباً (ضحك).

لا تعرف بعد موضوع فيلمك المقبل.

- كلا، لا أعرف. أبحث وأستمرّ في البحث والقراءة. أحب الكلام عن اناس جميلين لا عن اناس قبيحين. عن اناس مميزين ويعيشون الحب.