القاهرة من خليل فليحان وجمال فهمي: عشية بدء اعمال الدورة العادية لمجلس وزراء الخارجية العرب في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، تحرك الموقف المصري اكثر في اتجاه الموقف الاردني من قرار مجلس الامن الرقم 1559 المتعلق بسيادة لبنان، كذلك كان موقف وزراء الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي الذين اجتمعوا في الرياض وحضوا سوريا على احترام القرار الدولي.
وشهدت القاهرة مشاورات مكثفة اجراها الامين العام للجامعة عمرو موسى تمهيدا لاجتماع وزراء الخارجية العرب اليوم.

وينتظر الوزراء العرب جدول اعمال متخما بقائمة طويلة عريضة من العناوين والمواضيع الروتينية والتقليدية يتقدمها عنوان الصراع العربي الاسرائيلي المزمن وتطوراته، لكن القضايا والعناوين المستجدة ستكون، على الارجح، الاكثر اجتذابا للضوء والاهتمام. فالى الملف العراقي وملف اقليم دارفور السوداني، هناك ملف الضغوط الخارجية الملحة للاصلاح السياسي والديموقراطي في المنطقة. كما استجد حديثا مع صدور قرار مجلس الامن 1559، موضوع آخر بالغ الحساسية عنوانه العلاقة بين سوريا ولبنان، ولعل ما يزيد حساسيته ان المواقف من حوله لا تبدو متجانسة ولا متطابقة. فبينما كانت دمشق وبيروت تطمحان الى ان يكون الموقف العربي موحدا خلفهما في رفض القرار الذي اتى في سياق تمديد ولاية الرئيس اميل لحود، فان الواقع على الارض لا يبدو مؤاتيا لهذا الطموح، وقد برز على الاقل الموقف الاردني الذي كان واضحا في هذا المجال وازداد وضوحا امس، اذ رأى وزير الخارجية مروان المعشر في تصريحات ادلى بها بعد اجتماع تشاوري عقده مع موسى ان حديث بعض الدول عن رفض قرار مجلس الامن الرقم 1559 في شأن لبنان يعتبر انتقائية في التزام قرارات المنظمة الدولية ويعتبر سابقة خطيرة لا يجوز ان تحدث لأن هناك قرارات عديدة لمصلحة الدول العربية واولها القرار 242 . وقال: لسنا في مجال معارضة قرار صادر عن مجلس الامن ولا نملك ان نكون انتقائيين في قرارات المجلس ، داعيا الى التعامل مع القرار بهدوء وحكمة وعقلانية بغض النظر عن درجة اتفاقنا او اختلافنا معه لأنه اصبح جزءا من الشرعية الدولية ولا يمكن تجاهله .
وسارع موسى الى تبديد الخلاف العاصف الذي نشب بين المندوب السوري لدى الجامعة يوسف الاحمد والمندوب الاردني هاني الملقي خلال اجتماع عقد الاحد في الجلسة الثانية للجنة السياسية.

وافادت مصادر عربية ان الملقي احتج على ما ورد في فقرة في مشروع قرار التضامن مع الجمهورية اللبنانية من ان للبنان خصائص مميزة مع سوريا، فسأل لماذا مع سوريا فقط وليس مع كل الدول العربية، فدافع الاحمد عن ذلك من غير ان يقنع الملقي. ثم تدخل المندوب اللبناني السفير عبد اللطيف مملوك شارحاً اهمية تلك الخصائص، الا ان المندوب الاردني لم يقتنع ايضاً، فأرجأ موسى بت هذه الفقرة قائلاً انه سيتولى معالجة ذلك على مستوى الوزراء.

وكان للامين العام للجامعة حديث عن هذه المسألة مع المعشر ومع وزير الخارجية السوري فاروق الشرع ومع وزير الخارجية والمغتربين اللبناني جان عبيد، خلال الجلسة التشاورية التي انعقدت ليلاً في فندق ميراج بمنطقة القطامية في محيط القاهرة بعيداً من الصحافة واضواء الفضائيات.
وعلى رغم ان قضية الاصلاح السياسي والديموقراطي في العالم العربي غير مدرجة في جدول الاعمال الرسمي لمجلس وزراء الخارجية العرب، الا انها احتلت حيزاً في الاجتماع التشاوري.

وقالت المصادر ان الاجواء السائدة في القاهرة غير مشجعة، نظراً الى خطورة الوضع في العراق, وكذلك الوضع الفلسطيني - الاسرائيلي والفلسطيني - الفلسطيني، واضيف الى ذلك القرار 1559. واوضحت ان عبيد يركز في اتصالاته على تبديد الانقسامات من اجل توفير الدعم العربي الشامل، وهو يقول ان المساعي بدأت امس وانها لن تنتهي في القاهرة، بل ستمتد الى نيويورك الاسبوع المقبل مع انعقاد الدورة العادية للجمعية العمومية للامم المتحدة.

الى ذلك، حاول مشروع القرار الخاص بلبنان الذي اعدته الامانة العامة للجامعة وحصلت النهار على نسخة منه ان يلتف على هذا التباين والاختلاف في المواقف من الموضوع اللبناني- السوري من طريق صيغة تجنبت اي اشارة صريحة الى قرار مجلس الامن والسياق الذي صدر فيه (تعديل الدستور اللبناني والتمديد للرئيس لحود)، اذ اكتفى بالحديث عن مساندة لبنان في حقه السيادي في ممارسة خياراته السياسية الداخلية ضمن الاصول والمؤسسات الدستورية ودعم قراره الحر في اقامة وتعزيز علاقات الاخوة والتنسيق والتعاون خاصة مع سوريا وسائر الدول العربية الشقيقة . وندد بـ استمرار اسرائيل في احتلال اراض لبنانية وكذلك بالتهديدات الاسرائيلية الموجهة الى لبنان وسوريا ، واعتبار اي اعتداء عليهما عدوانا على الدول العربية جمعاء ، كما اكد الدعم للبنان في استكمال تحرير اراضيه من الاحتلال الاسرائيلي حتى الحدود المعترف بها دولياً بما في ذلك مزارع شبعا ، مشدداً في هذا السياق على احتفاظ لبنان بحقه في مقاومة هذا الاحتلال بشتى الوسائل المشروعة .

*اقتراب من الاردن
ولا يبدو الموقف الاردني من القرار 1559 متفرداً ولا وحيداً، ذلك ان الاشارات التي صدرت عن القاهرة في الايام الاخيرة تحمل على الاعتقاد ان الاخيرة تحركت تدريجاً من موقع الدفاع الحار عن دمشق، ثم ابداء التحفظ، الى ان وصلت الى اقرب نقطة من الموقف الاردني، بل ربما تطابقت معه، وهو ما عبرت عنه بوضوح تصريحات الناطق باسم الرئاسة المصرية ماجد عبد الفتاح الاحد والتي حذر فيها سوريا من عدم التجاوب مع القرار 1559، ودعاها الى التعامل معه بواقعية .

وتقول مصادر مطلعة في العاصمة المصرية ان الموقف المصري بات ينطلق من اقتناع مؤداه ان منهج المقايضة الذي سجلت دمشق نجاحات مشهودة في استخدامه لم يعد قادراً الآن على حمايتها من العاصفة، وبمعنى اكثر وضوحاً، ستخطئ دمشق اذا تصورت انها ستتمكن من الافلات من المطرقة الاميركية، اذا ابدت اقصى قدر من التعاون في الملف الامني العراقي فقط، فهي تحتاج الى جانب ذلك الى ان تفعل أشياء ملموسة على الساحة اللبنانية تستجيب بقدر ما كما جاء في القرار 1559 .