منطقة الخليج العربي تعد من أكثر المناطق في العالم تعرضاً لهزات كبيرة، لما لها من أهمية اقتصادية واستراتيجية في الخريطة العالمية. وجاءت أحداث 11 سبتمبر لتعجل في وتيرة التغيير التي قد تشهدها المنطقة الخليجية. أهمية منطقة الخليج لم تخلقها المستجدات العالمية الجديدة، وإنما حظيت المنطقة بأهمية استراتيجية على مر التاريخ.

استطاعت دول مجلس التعاون الخليجي أن تنأى بنفسها عن عواصف التغيير لعقود طويلة، اعتماداً على قدراتها المالية التي مكنتها من تحقيق رفاهية اجتماعية واقتصادية لسكانها. وبالرغم من التباين في السياسات بين دول المنطقة الخليجية، إلا أنها تمكنت من القفز على خلافاتها واحتفظت بشكل من أشكال الوحدة التي أوجدها إطار مجلس التعاون الخليجي.

منطقة الخليج ارتبطت تاريخياً بدول جنوب آسيا وتأثرت الثقافة والحياة الاجتماعية بالثقافة الآسيوية، بل إن طبيعة الظروف الاقتصادية السابقة لاكتشاف النفط مكنت هذه الدول من بناء علاقات ثقافية واقتصادية مع دول جنوب آسيا.

بعد اكتشاف الثروة النفطية بدأت ملامح التغيير في التوجهات الخليجية وتوجهت علاقاتها نحو العالم الغربي وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، وكان تطوير علاقاتها مع الغرب على حساب علاقاتها التاريخية مع دول جنوب آسيا.

وبالرغم من سرعة التغيير في جوانبه المادية في الدول الخليجية، ورغبة حكوماتها في إقامة الدولة الحديثة إلا أنها كذلك سعت إلى الحفاظ على أبنيتها التقليدية المتمثلة بالقبيلة والعائلة، ولم تتمكن هذه الدول من توفير فرص الاندماج الاجتماعي بين مواطنيها. وجدت دول الخليج العربي نفسها أمام رغبة رسمية في استمرار أبنيتها التقليدية، التي ترى فيها ضماناً للاستقرار السياسي، الذي قامت عليها نظم الحكم.

ومع التحولات الكبيرة التي شهدها العالم وخصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر وجدت المنطقة الخليجية نفسها متورطة بشكل أو بآخر في تنامي ظاهرة العنف التي عصفت في العالم. فأموال النفط وجدت طريقها لدعم تنظيمات دينية تحول بعضها إلى حركات سياسية تبنت فقه الراديكالية الإسلامية.

سارعت بعض من دول المنطقة الخليجية في إحداث تغييرات في سياساتها لكي تجنب نفسها أية انفجارات قادمة، إلا أن السياسات الجديدة مازالت عاجزة عن استيعاب طبيعة متطلبات المرحلة الحالية، ما يجعل هذه الدول عرضة لتغييرات قد تهز أبنيتها التقليدية.

تشكلت قناعات جديدة لدى العالم المتقدم وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية التي وجدت أن العوائد النفطية تسببت في أحداث عالمية ضخمة نتيجة لغياب الإدارة الفاعلة للأموال النفطية ما يجعل المنطقة معرضة لمجموعة من السيناريوهات ومنها على الأرجح احتمالية إفقار المنطقة، الذي ربما قد يكون المفتاح لإعادة التوازن العالمي وضبط حدة تنامي مدارس التطرف و"الإرهاب" التي عصفت في العالم.

المنطقة الخليجية مطالبة أكثر من غيرها بتبني سياسات جديدة، وخصوصاً أن أوضاعها الاجتماعية تمكنها من ذلك. فشعوب المنطقة الخليجية ترتبط بأنظمتها السياسية بروابط قوية وترى في هذه الأنظمة صمام الأمان لاستقرارها وبالتالي تملك هذه الدول ميزة لا تتوفر للدول الأخرى التي معظم أنظمتها السياسية جاءت نتيجة لانقلابات عسكرية.

على دول الخليج العربية البدء في انتهاج سياسات جديدة وخصوصاً إعادة التوازن في علاقاتها التاريخية مع دول جنوب آسيا باعتبارها الأقرب جغرافياً واجتماعياً وثقافياً. وربما إرجاع علاقاتها التاريخية بدول جنوب آسيا يفتح لها أفاقاً جديدة من التوازن الدولي ويمكنها من تجنب عواصف التغيير التي يشهدها العالم. كما على دول المنطقة الخليجية أن تعمل على تقديم حلول لمشاكلها الاقتصادية والتي أهمها اعتمادها على العمالة الوافدة التي أخلت بالتركيب الاجتماعي والاقتصادي لها وأن تبدأ باتخاذ خطوات عملية وجريئة في إصلاح نظمها التعليمية.