إرتكبت إيران خطأً سياسياً كبيراً بتخفيض مستوى وفدها الى المؤتمر الذي سيعقده وزراء خارجية الدول المجاورة للعراق في عمان بعد أيام ، فالمفترض ان يأتي وزير الخارجية كمال خرازي ليتحاور مع المسؤولين الاردنيين ومع زملائه الآخرين الذين سيحضرون هذا المؤتمر بالنسبة لما أثاره كبار المسؤولين العراقيين وما أثارته دول عربية عديدة ودول محاددة اخرى من بينها الاردن حول تدخل بعض مراكز القوى وبعض الاجهزة الامنية الايرانية في الشأن الداخلي العراقي .. ولا نقول هنا الحكومة الإيرانية..
إن دبلوماسية التملص من مواجهة الحقائق لم تكن متبعة في إيران ولعل الذين إتخذوا قرار عدم مشاركة كمال خرازي في مؤتمر عمان يتذكرون ان صاحب مقولة : «الحلال والحرام » هو الإمام الخميني رحمه الله وهي مقولة المقصود بها مواجهة الحقائق وإبداء الرأي فيها على نحو قاطع إنْ لجهة السلب او لجهة الإيجاب وبدون الخوف من لوم أي لائم .
ليس في مصلحة الأردن إفتعال مشكلة مع إيران وهو يرفض ذلك من منطلقات كثيرة ولقد تجسد هذا الموقف الذي إعتمد طيِّ صفحة الماضي في الزيارة الشهيرة التي قام بها جلالة الملك عبدالله الثاني الى طهران حيث التقى الرئيس محمد خاتمي وكبار المسؤولين الايرانيين تلك الزيارة الهامة التي أعقبتها رغبة أردنية صادقة وصحيحة لتمتين العلاقات مع دولة نعتبرها شقيقة وصديقة تقتضي مصالحها ومصالحنا ان نتصارح بإستمرار وان يقول أي طرف ما يشعر به الى الطرف الآخر .. وليس من قبيل مجرد العتاب والمعاتبة .
إن الاردن ليس من بين الدول التي تظهر غير ما تـُبطن ولا مثل الدول التي تمارس في العلن دبلوماسية غير الدبلوماسية التي تمارسها وراء الأبواب المغلقة ولذلك فإنه ، أي الاردن ، عندما تحدث عن تدخل بعض الاجهزة ومراكز القوى المذهبية الإيرانية في الشؤون الداخلية العراقية فإنه أراد التقرب من الرئيس خاتمي وتياره المعتدل الذي له رأي واقعي بمسألة ولاية الفقيه والذي لا يوافق على محاولات تصدير الثورة الى الدول المجاورة والاردن لايزال يريد التقرب من هذا التيار والتفاهم معه على الكثير من القضايا التي تهم البلدين الشقيقين ولهذا فإننا نقول انه كان يجب ان لا يغيب خرازي عن مؤتمر عمان وانه كان يجب عدم تخفيض مستوى الوفد الايراني الى هذا المؤتمر الذي تفرض تطورات الوضع العراقي وظروف المنطقة وتطوراتها ان يسوده الصدق وان تسوده المصارحة.
ولعل ما تعرفه إيران ، والمؤكد انها تعرف هذا ، ان غالبية الدول المحاددة للعراق تشكو في السر وخلف الابواب المغلقة مما شكا منه الاردن بوضوح وصراحة وفي العلن ولذلك فإنه كان يجب ان تكون المشاركة الايرانية في مؤتمر عمان على أعلى المستويات كي تكون هناك إمكانية لعلاج هذه المشكلة التي تؤرق العراقيين بمن فيهم الطائفة الشيعية العروبية الكريمة التي ترفض أي تدخل في شؤون بلدها وحتى وإن جاء هذا التدخل بإسم المرجعية في « قُمْ » وطهران .
وهنا فإن الاردن الحريص كل الحرص على علاقات أخوية مع إيران تستند الى المصالح المشتركة والتاريخ المشترك والقناعات الكثيرة المتطابقة يعرف ان المتطرفين الذين يواصلون رفع رايات تصدير الثورة ، رغم كل ما عانته هذه المنطقة منذ بدايات ثمانينات القرن الماضي وحتى الآن ، والذين تمكنوا من حسم الامور لمصلحتهم وسيطروا على بعض المواقع الايرانية الحساسة في الأونة الاخيرة يشكلون مشكلة كبيرة داخل المجتمع الإيراني وللدولة الإيرانية ممثلة بالحكومة التي يرئسها خاتمي ولعلاقات هذه الدولة مع معظم الدول المجاورة العربية وغير العربية.
سيبقى الأردن حريصاً على العلاقات الأخوية مع إيران وسيبقى متمسكاً بعروبة العراق ووحدته وعدم التدخل في شؤونه الداخلية وهذا موقف يجب ان يثمنه ويؤيده ويقدره الرئيس خاتمي الذي يحظى بتقدير وإحترام كبيرين ومعه التيار الايراني الرافض للتطرف والساعي لإبعاد التوترات والاستقطابات عن هذه المنطقة الحساسة التي أوصلتها السياسات الرعناء الى ما وصلت إليه وأول ذلك وأخطر ذلك هو إحتلال العراق العزيز بهذه الطريقة وعلى هذا النحو.