هاني يونس: عند الكيلو‏93‏ طريق مصر ـ إسكندرية ـ الصحراوي‏,‏ تقع مدينة السادات‏,‏ التي تبلغ مساحتها نحو‏500‏ كيلو متر مربع‏,‏ وتعد امتدادا طبيعيا لمحافظة المنوفية‏,‏ وكان لانشائها هدف اساسي هو انتقال ابناء المنوفية إلي خارج حيز الكثافة السكانية التي تعاني منها محافظتهم‏.‏ وما أن تخطو أولي خطواتك علي ارض مدينة السادات ـ هذه الأيام ـ حتي تسأل نفسك‏:‏ هل حقا كان هناك تفكير بأن تصبح هذه المدينة عاصمة ثانية لمصر؟ ربما‏..‏ ثم لاتلبث أن ترفض هذه الفكرة تماما باعتبار ماهو كائن ـ بالطبع ـ لا باعتبار ما قد كان ساعة طرح الفكرة‏!‏ فشوارع المدينة للنظرة الأولي تبدو عشوائية‏,‏ تحتاج معظمها إلي اعادة رصف وتنتشر فيها بالوعات الصرف الصحي غير المغطي والصفة بالطبع من عندنا‏,‏ أما منظر المباني الكئيب‏,‏ المكتسي بالتراب‏,‏ وبقع مياه الصرف الصحي فهي من الملامح الاساسية لمعظم شوارع المدينة‏.‏
الحقيقة كل هذا ليس مهما‏,‏ فهذه المدينة لاتختلف كثيرا عن مدن الجمهورية الأخري‏,‏ ولكن ما لفت انتباهنا في الرحلة إلي مدينة السادات مشكلتان كبيرتان تحتاجان إلي تدخل سريع من المسئولين‏,‏ المشكلة الأولي تخص‏16‏ مبني هي عدد وحدات المدينة الجامعية التابعة لجامعة المنوفية التي تحولت إلي اطلال تسكنها الاشباح ولاتسمع فيها سوي صرير الابواب‏,‏ وأصوات الزجاج المكسور‏!‏
سألت الدكتور عباس الحفناوي رئيس جامعة المنوفية عن حكاية هذه المباني فأجاب ـ بأن الجامعة تسلمت من تاريخ‏1996/10/16‏ وحتي‏2001/6/6‏ عدد‏16‏ عمارة بالمنطقة الثامنة بمدينة السادات‏,‏ من جهاز التعمير‏,‏ لاستخدامها كمدينة جامعية لطلبة الجامعة فرع السادات‏,‏ وبالفعل تم نقل اصولها لحساب الجامعة‏,‏ بعدها رغبت الجامعة في استحداث مطبخ وصالة طعام لخدمة الطلبة المقيمين بتلك العمارات في عدد‏3‏ عمارات بالدور الارضي‏,‏ وبالفعل تمت مخاطبة جهاز التعمير بهذا الشأن ووافق بتاريخ‏2002/9/18‏ ـ إلا أنه وللأسف الشديد عند البدء في التنفيذ‏,‏ اتضح ان حديد التسليح بركاب الاعمدة به صدأ‏,‏ وحديد السملات به أيضا صدأ‏,‏ ونظرا لخطورة تلك العمارات قامت الجامعة باخلائها من الطلاب‏,‏ وبعثنا خطابا بهذا الموضوع إلي الدكتور محمد إبراهيم سليمان لتكليف لجنة بمعاينة هذه العمارات من جهته‏,‏ ووضع الحلول المناسبة‏,‏ والترميمات المطلوبة‏,‏ حيث ان تلك العمارات مازالت في فترة الضمانات العشرية تاريخ الخطاب المرسل للوزير‏2003/7/7.‏
ويتابع د‏.‏ عباس الحفناوي سرد حكاية المدينة الخاوية قائلا‏:‏ الجامعة في أشد الاحتياج إلي هذه المباني‏,‏ فالطلاب في ازدياد مستمر‏,‏ ولو كانت التكلفة بسيطة لتحملتها الجامعة‏,‏ خاصة ان وزير الاسكان لبي كثيرا من الطلبات للجامعة‏,‏ وخصص لها منشآت كثيرة بالاتفاق مع وزارة المالية‏.‏

*وماذا فعل وزير الإسكان؟
بالفعل تم تشكيل لجنة لمعاينة المباني مرة أخري‏,‏ وأكدت ما توصل إليه استشاريو كلية الهندسة بالمنوفية من قبل‏,‏ بعدها طلبت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة من شركة مصر للأسمنت المسلح ـ الشركة المنفذة للمدينة الجامعية ـ فحص ودراسة العيوب الانشائية الموجودة بالمباني‏,‏ ومعالجتها‏,‏ علي نفقة الشركة لان تلك العمارات مازالت في فترة الضمان العشري‏..‏ وهكذا مر أكثر من عام ولم يحدث جديد‏.‏
المهندس مجدي فرحات رئيس جهاز مدينة السادات‏,‏ باعتباره ممثلا لوزارة الاسكان‏,‏ أكد أن هذه العمارات تم بناؤها منذ فترة طويلة‏,‏ ولكن لم تسلم للجامعة إلا عام‏1996,‏ وهي مازالت في فترة الضمان العشري‏,‏ وقد قامت الجامعة بانشاء مطبخ داخل احدي العمارات‏,‏ ولما كان ارتفاع المطبخ يجب ألا يقل عن‏4‏ امتار‏,‏ فقد تمت ازالة بلاط الارضيات‏,‏ والنزول بعد ازالة الردم بعمق متر‏,‏ مما نتج عنه الكشف عن السملات وتبين أن هناك صدأ في الحديد بالسملات‏,‏ فتوقفت الجامعة عن أعمال الحفر‏,‏ ثم قامت باخلاء باقي العمارات علي سبيل الاحتياط‏,‏
وبناء عليه تم تشكيل لجنة من مركز بحوث البناء وهيئة المجتمعات العمرانية لمعاينة العمارات المذكورة‏,‏ وجار اعداد التقرير النهائي لتحديد اسلوب معالجة العيوب الظاهرة‏,‏ حتي يتم تنفيذها بمعرفة الشركة المنفذة‏,‏ وتحت اشراف الجهاز‏.‏
ملحوظة‏:‏ مر أكثر من عام والمراسلات‏,‏ والمداولات هنا وهناك لإتمام أمر مهم جدا يتعلق براحة طلاب جامعة‏,‏ المفروض انهم ـ كما نعلم جميعا ـ نصف الحاضر‏,‏ وكل المستقبل‏,‏ فما بالنا اذا كان الموضوع يهم اسرة واحدة‏,‏ أو شخصا بعينه؟‏!..‏ المهم جامعة المنوفية قامت بشراء عدد‏22‏ عمارة حديثة من وزارة الاسكان ـ ايضا ـ لتسكين الطلاب ـ ولكن مازالت في حاجة إلي مبان أخري‏,‏ أو علي الأقل إلي مبانيها‏!‏

*حكاية مبنى‏!‏
اذا كانت المشكلة الأولي تهم قطاعا من الشباب‏,‏ فان المشكلة الثانية تهم الجميع‏,‏ فكلنا يتعامل مع الضرائب والتأمينات‏,‏ فما بالنا إذا كان المبني الكائن به هاتان الهيئتان المهمتان‏,‏ اللتان تتعاملان يوميا مع آلاف البشر تحوم حوله الشكوك‏,‏ بل والشكاوي والقضايا‏,‏ بين المواطنين‏,‏ وجهاز مدينة السادات؟‏!.‏
جميع الاطراف ترمي المسئولية عن نفسها‏,‏ والكل ينتظر ان يتحمل غيره مهمة اصلاح المبني‏,‏ ولكن يبدو ان الجميع ينتظر كارثة لكي نتحرك‏.‏
المبني الإداري الكائن بالمنطقة الأولي بمجمع الوزارات يملكه جهاز المدينة‏,‏ وتم بناؤه في مارس‏1976,‏ ويشغل الدور الأول علوي‏,‏ والثاني والثالث‏,‏ هيئتا التأمينات والضرائب‏..‏ وفي مزاد‏2004/7/4,‏ تم تخصيص الدور الارضي لعدد‏5‏ محلات‏..‏ ومن هنا تأتي المشكلة علي لسان أصحابها‏:‏
عبدالرءوف عبد الصادق أبوالمجد‏,‏ ود‏.‏ شعبان عمارة‏,‏ يملكان محلين بالعقار‏,‏ الأول لنشاط مكتبة‏,‏ والثاني صيدلية‏,‏ إلا انهما ـ كما يقولان ـ بعد رسو المزاد عليهما فوجئا بأن هناك عيوبا جوهرية في اساس المبني‏,‏ فهناك تشققات طويلة وعرضية في خرسانة الاعمدة‏,‏ وتشققات بالسقف المستعار والصرف الصحي الخاص بالتأمينات والضرائب يمر أسفل المحلات‏,‏ ويسبب مشكلات كثيرة‏,‏ وقدما شكاوي للجهاز‏,‏ ولكن دائما هناك‏,‏ ودن من طين وأخري من عجين كما يقولان‏.‏
ويتساءل عبدالرءوف ود‏.‏ شعبان هل هناك تأثير لمياه الصرف الصحي المتواصلة علي السقف الاصلي‏,‏ مثلما اثرت في السقف المعلق؟ ويؤكدان هناك لجنة استشارية هندسية عاينت المبني‏,‏ وأوضحت أن أعمدة الدور الارضي تحتاج إلي قمصان‏,‏ وهذا يحتاج إلي الكشف عن الاساسات‏,‏ ومعاينتها عاجلا‏,‏ وأوصت اللجنة بازالة السقف المعلق‏,‏ ومعاينة سقف الدور الارضي وترميمه حسب حالته اذا لزم الأمر‏,‏ وكذا ترميم دورات المياه الخاصة بالتأمينات‏.‏
ماسبق كان رؤية للمشكلة من وجهة نظر أحد أطرافها‏,‏ ولكن المهندس مجدي فرحات رئيس جهاز المدينة له رأي آخر‏,‏ حيث يؤكد أن بداية المشكلة ترجع إلي التكسير الذي قام به اصحاب المحلات من الخلف‏,‏ وقد اثبتنا هذه الحالة في خطاب رسمي إلي قسم الشرطة‏,‏ وبخصوص ماهو موجود في السقف المعلق أكد رئيس الجهاز أن اصحاب المحلات قد عاينوا الوحدات المخصصة لهم قبل الشراء‏,‏ معاينة نافية للجهالة‏,‏ اما بخصوص مياه الصرف الصحي فقد أكد أن كلا من إدارة التأمينات والضرائب العامة يتحملان عيوب عدم الصيانة كقاسم مشترك بينهما‏,‏
وأن الرشح الناتج بالدرو الارضي لسوء الاستخدام وعدم الصيانة من الإدارتين‏,‏ وعليه يلزم كل من الادارتين سرعة عمل الصيانة اللازمة حتي لايتعرض المبني للخطر‏.‏ لم يقف الأمر عند هذا الحد‏,‏ فبينما تقدم مكتب التأمينات ببلاغ إلي شرطة ونيابة السادات لسرعة اتخاذ اللازم وحماية ارواح العاملين والمواطنين المترددين علي المبني يوميا‏,‏ فانه تمت الاشارة ايضا إلي انهم ليسوا مسئولين عن تسربات الصرف الصحي‏,‏ وان جهاز المدينة قد أشرف بنفسه علي صيانة دورات المياه الخاصة بالتأمينات‏,‏
وتم سداد قيمة المقايسة الخاصة بذلك بموجب شيك بتاريخ‏1999/10/12‏ وآخر بتاريخ‏2000/5/16‏ وفي الوقت نفسه قام عبدالرءوف أبوالمجد صاحب المحل الأول برفع دعوي قضائية علي جهاز المدينة يؤكد فيها انه سيمتنع عن التسلم حتي يتم التأكد من سلامة المبني‏,‏ ولن يتم التسلم سوي بمعرفة احد بيوت الخبرة المعترف بها قانونا‏,‏ وينذر بأنه سيوقف جميع الالتزامات التي وردت في كراسة الشروط‏,‏ بما فيها سداد الاقساط‏.‏
وردا علي علي هذه الدعوي القضائية اكد المهندس مجدي فرحات انها ليست سوي محاولة للتملص من دفع مستحقات الجهاز‏,‏ ويؤكد ذلك طلب عبدالرءوف تغيير نشاطه‏,‏ الذي علي أساسه رسا عليه المزاد‏,‏ ومع هذا فالجهاز علي استعداد كامل لحل المشكلة‏,‏ ولكن مع تحمل كل طرف مسئوليته‏!‏
‏*‏ إلي هنا انتهي اطراف المشكلة من عرض قضيتهم‏,‏ دون تدخل منا‏,‏ وان كان الأمر لم يعد يحتمل عدم التدخل‏,‏ فالمطلوب ـ وبسرعة ـ هو علاج العيوب الموجودة اسفل المبني‏,‏ حفاظا علي أرواح زائرية يوميا‏,‏ وبعدها نري من سيدفع فاتورة الحساب‏,‏ بدلا من انتظار رفع الانقاض‏!‏