أرجوك قارئي العزيز أن تدقق في العنوان مرة أخري، فالكلمة بدون نقطة علي حرف الخاء وهكذا حال اللغة العربية نقطة واحدة تقلب المعني من الانتخابات إلي الانتحابات. لم يكن لدي وقت لأدقق لك معني الكلمة الجديدة وهل لها علاقة بالانتحاب الذي هو البكاء أم أن الأمور اختلطت عليّ. ما من سنة اختلف الكتاب في تسميتها مثل هذه السنة: 2005. قال عنها الأستاذ هيكل قبل أن تبدأ سنة الفزع. وسماها آخرون السنة الصعبة أو سنة حسم القضايا المعلقة. والتي رحلت إليها من السنة السابقة عليها 2004. وإن كنت أعتقد أنها السنة التي بدأ فيها القرن الجديد. الأول بعد العشرين. أعرف أنها السنة الخامسة منذ بداية القرن الجديد واستهلال الألفية الثالثة. ومع هذا فإن الأمور التي من المتوقع أن تحسم خلالها هي التي ستحدد شكل السنوات القادمة. سيجري استفتاء علي ولاية جديدة. هي الخامسة تحديداً للرئيس حسني مبارك. وسيجري انتخاب مجلس شعب جديد. وإن كانت ولاية الرئيس الجديدة ست سنوات تصل إلي 2011. فإن مدة المجلس الجديد تنتهي عام 2010. أيضاً هناك انتخاب نقيب جديد للصحفيين. أو التمديد للنقيب الحالي. وأيضاً ثمة انتخابات في نقابة المحامين. يجري الاستعداد لها من الآن. وإن كانت معركة نقابة الصحفيين محصورة بين جلال عارف وإبراهيم نافع وهي انتخابات النقيب فقط. لأن المجلس الحالي أمامه عامان آخران. فإن المعركة في نقابة المحامين ستمتد إلي خارج المبني. هناك الناصريون والإخوان والدولة المصرية. لكل منهم مرشح. وملامح المعركة التي بدأت توحي بشكل معارك ما قبل معارك وحروب يوليو السياسية حيث يختلط الخاص مع العام. ويكتب البعض باسمه الحقيقي. والبعض الآخر يتستر تحت أسماء مستعارة وهو ما كان سائداً من قبل. بالتحديد في مصر الملكية.
الاستفتاء علي الرئيس قد يحمل العديد من المفاجآت. أولها دخول بعض من أعلنوا عن نواياهم في الترشيح. فالكل يعرف ويعلم أن مجلس الشعب لابد وأن يتقدم ثلث أعضائه بتسمية مرشح المجلس. ويوافق الثلثان علي ذلك الترشيح وأن يكون المرشح واحداً. وبالتالي فالفرصة لمرشح واحد فقط. يعرفه الجميع من الآن. ولذلك فإن التواجد الإعلامي أو الفرقعة الإعلامية هي الهدف. المتصور أن يكون العمل مركزاً علي تغيير الدستور الحالي. وعلي الرغم من المرشحين الثلاثة. أو الذين أعلنوا عن النية في ترشيح أنفسهم أعلنوا أنهم بصدد جمع مليون توقيع من المصريين من أجل تغيير الدستور. فإنهم لم يتحركوا لتحقيق هذا.
العدو الاسرائيلي يحاول الدخول علي خط ما يجري في مصر. فبعد نشر إحدي الصحف تصريحات زعمت الصحيفة الإسرائيلية أن الدكتورة نوال السعداوي أدلت بها إليها ولم تكذبها نوال بعد نشرها. إذ بفريد حسنين يسافر إليها من أجل الوصول إلي فلسطين لكي يشارك في مراقبة الانتخابات الفلسطينية. بل وصل الأمر بالعدو الصهيوني إلي القول أن بعض أقباط المهجر لجأوا إليه للتدخل من أجل إنصاف أقباط الداخل المصري. بعد أزمة وفاء قسطنطين. بالتحديد زعمت أن رسالة وصلت لشارون من موريس صادق القبطي المقيم في أمريكا علي طريقة تقدم يا شارون. التي تذكرنا بنداء تقدم يا روميل في الحرب العالمية الثانية انطلاقاً من القاعدة التي تقول عدوي عدو صديقي. تحرشات إسرائيل بمصر وصلت إلي القول أن هناك طائرات مصرية اخترقت المجال الجوي الإسرائيلي. وأنه عند تكرار ذلك لن يكون هناك مفر من ضرب هذه الطائرات. ومصر طلبت معلومات دقيقة عن هذا الموضوع وستعلن موقفها منه خلال 48 ساعة. الصحافة الأمريكية دخلت علي الخط خدمة لإسرائيل وأعلنت أن العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان يقوم بتوفير تكنولوجيا نووية متطورة لمصر. والهدف من حكاية السلاح النووي المقصود به محمد البرادعي والنية في إعادة انتخابه لرئاسة هيئة الطاقة النووية. ويبدو أن الذهول الإسرائيلي تجاه الموقف الأمريكي الجديد من البرادعي دفعهم إلي الكلام مجددا عن السلاح النووي المصري.
لدينا مرشح مؤكد للرئاسة من أجل الاستفتاء عليه هو الرئيس مبارك. وقد قال كمال الشاذلي البرلماني العتيد ورجل الحزب الوطني أن الاستفتاء سيجري في تاريخه المحدد سلفاً وسيقوم الرئيس مبارك بحلف اليمين الدستورية أمام مجلس الشعب بعد إعلان النتيجة. وهذا الكلام معناه أن نجاح الرئيس مقرر سلفاً. وأن ما سيتم من الإجراءات هو استكمال شكلي. مما دفع جمال مبارك لأن يعلن أمام شباب الحزب الوطني أن الرئيس لم يتخذ قرار الترشيح بعد. وأن هناك العديد والكثير من الإجراءات. وأن الأمر ليس سهلاً كما يتصور البعض. صفوت الشريف أمين الحزب ورئيس مجلس الشوري. بدأ يلمح إلي فكرة تقديم موعد الاستفتاء علي الرئاسة. وأن يكون في مايو بدلاً من الانتظار حتي نوفمبر القادم. وهناك تيار في السلطة يري عدم تحويل مسألة الولاية الجديدة إلي قضية من قضايا الرأي العام. ولذلك كان هناك توجه للتريث والتأخير بقدر الإمكان في طرح الأمر علي الجماهير. وعندما افتتح الرئيس مبارك الدورة الجديدة لمجلسي الشعب والشوري جري التنبيه علي النواب بعدم الكلام عن الولاية الجديدة وعدم ترديد هتافات بهذا المعني. لأن لكل قضية أوانها ووقتها.
لكن المثير في قضية الاستفتاء علي رئيس مصر هي الزج بعمرو موسي في الحكاية. فقد فوجئنا بأن الجبهة الشعبية المصرية لإنقاذ مصر. قامت بمناشدة عمرو موسي من خلال موقعها علي الإنترنت أن يدخل المعركة ويرشح نفسه لرئاسة مصر. وأنها تجمع المزيد من التوقيعات من أجل إقناع عمرو موسي بذلك. وعمرو موسي غني له شعبان عبد الرحيم: بحب عمرو موسي وبكره إسرائيل فترك الخارجية. والموقف الجديد الذي يحاول جعله طرفاً في حكاية رئاسة مصر يأتي في موقف يمر فيه عمرو موسي بظروف بالغة الصعوبة في جامعة الدول العربية حيث أن منصب الأمين العام يبدو مهدداً أكثر من أي وقت مضي. وبدون دعم صريح وواضح من مصر. قد يطير عمرو موسي من الجامعة نفسها. عمرو موسي يلتزم الصمت تجاه الأمر حول رئاسة مصر. يكفيه طرح فكرة تدوير منصب أمين عام جامعة الدول العربية الذي تبنته الجزائر. وتراجعت عنه ولكن بعد طرح الفكرة. علي مجلس وزراء الخارجية العرب وعلي الرأي العام العربي. صديق مقرب لعمرو موسي قال لي أن حكاية موقع الإنترنت الذي يدعو لحكاية رئاسة عمرو موسي لمصر. عمره الآن حوالي أربعة أشهر. ويبدو أن الصمت أكثر أماناً من أي كلام.
الحوار الدائر حول الرئيس ومنصبه وسلطاته لا يمر يوم إلا ويكون هناك كلام جديد فيه. وفي الوقت الذي تجمع قوي المعارضة علي ضرورة تعديل الدستور. فإن خالد محيي الدين فاجأ الجميع بموقفه الذي قال فيه أنه يري أن اختيار الرئيس هذه المرة يمكن أن يكون بالاستفتاء علي أن تكون آخر مرة. وأن يتضمن برنامج الرئيس النص علي تعديل الدستور حتي يكون الاختيار في المرة القادمة - سنة 1011 - بالانتخاب وليس بالاستفتاء. وهذا معناه وجود أكثر من مرشح.
لكن مشكلة عام 2005 ربما تكمن في تدبير أكبر عدد من القضاة. من أين سيأتون بالعدد الذي يتمكن من إجراء كل هذه الانتخابات في عام واحد؟. المعروف أن عدد القضاة في مصر محدود. وأن هناك حرصا علي أن يكون الإشراف القضائي علي الانتخابات تاماً وكاملاً. وهذا موقف لابد من الحفاظ عليه. أما كيف؟ فلا أحد يعرف. أيضاً فإن قدرة المصريين علي متابعة كل هذه الانتخابات في سنة من المتوقع أن تشهد طفرات رهيبة في الأسعار. هناك توقع أن يصل سعر كيلو اللحم. في عيد الأضحي المبارك إلي خمسين جنيهاً. ولا تسألني من فضلك عن معاني التضحية والفداء الموجودة في دلالات هذا العيد. فالاستغلال يسبق أي معني آخر الآن. وهناك سلع عندما يرتفع سعرها تجر معها العديد من السلع الأخري. وفي الأطعمة رغيف الخبز وكيلو اللحم وطبق الفول وقرص الطعمية. والاقتراب من الرغيف والفول والطعمية مسألة حياة أو موت. ولذلك فإنها من الأمور المؤجلة.
التدخلات الخارجية في هذا السياق المصري ليست قليلة. فقد دهش المصريون من ذهاب السفير الأمريكي لدي مصر. ديفيد وولش، إلي حفل عيد القيامة المجيد في كاتدرائية العباسية. وبلغت الدهشة أقصي درجاتها عندما كانوا يقدمون الضيوف الذين حضروا. ووصل التصفيق إلي ذروته التي لم تحدث من قبل. ولا حتي للزوار الآخرين الذين لن أكتب أسماءهم حتي لا تحدث حساسيات لا داعي لها الآن. لقد سألت هل توجه الكاتدرائية دعوات لحضور الاحتفال؟ قيل لي أن هذا لا يحدث. وأن كل من يحضر لا يدخل. حتي لا يوجد داخل الكاتدرائية في هذه المناسبة الهامة. كل من "هب ودب". وأن هناك نوعا من الإحكام في الأمر. ولكن لا يعقل أن يذهب السفير الأمريكي إلي الكاتدرائية دون علم من قادتها. ربما لا يكون معنياً بإبلاغ الحكومة المصرية ولا حتي بهدف تأمين وجوده. فقد تعود الذهاب حتي أقاصي صعيد مصر دون إبلاغ مسبق. ومهما كانت حساسية المكان الذي يذهب إليه. مثل أسيوط وسوهاج وقنا. فإن الحكومة المصرية تكون آخر من يعلم. لقد ذهب السفير الأمريكي إلي الكاتدرائية. كممثل لدولة عظمي، لأنه يهودي الديانة وحتي لو كان مسيحياً لكان عليه أن يذهب إلي مكان آخر غير الكاتدرائية. التي يتبعها بعض الأقباط المصريين فقط سواء داخل مصر أو خارجها. سمعت من مثقف مصري مسلم هذا التعبير: لقد أصبح الأقباط دملاً في جبهة مصر بعد أن قال بعضهم تقدم يا شارون. قلت له صحيح أن المشكلة الحقيقية لن تحل ولكن التصرف الفردي لموريس صادق المقيم في واشنطن لا ينسحب علي أقباط مصر. قال لي: ولكنهم لن يدينوا هذا التصرف، والكاتدرائية نفسها لم تعلن موقفها منه. لكن هناك حالة من التقدم أو التجرؤ علي هيبة الدولة المصرية. مما قد يعكس تراجع هذه الهيبة. ولو أن هذا التراجع أدي إلي تقدم قوي الشعب لكان ذلك تطوراً في حالة المجتمع المصري عموماً. لقد توقفت طويلاً أمام مانشيت جريدة المصري اليوم بمناسبة نهاية 2004 وكان عنوانه في إطار توقعات 2005 هو: الإصلاح أو الرحيل. ومهما كانت أرقام توزيع الجريدة فذلك تطور لا بد من الوقوف أمامه.
كل هذا يجري عند القمة. ولكن ماذا عن القاع؟ حيث الشعب العربي في مصر. أو الشعب المصري في مصر. إن شئنا الدقة وليس في ذلك أي عدوان علي البعد القومي العربي. أقول أن هذا الشعب الذي تدور كل هذه الحروب حول أقداره. ربما كان في جانب آخر أبعد ما يكون عن كل هذا الذي يجري.. تلك محاولة للاقتراب من الناس اللي تحت في بر مصر. بعد أن تكلمنا كثيراً عن الناس اللي فوق. ونسينا تماماً الناس اللي في الوسط وهذا النسيان ربما يعني أنهم لم يعد لهم وجود.
كان أخطر ما قرأته الأسبوع الماضي هو الإعلان المثير عن أن في مصر الآن 9 ملايين في سن الزواج. ولكنهم بدون زواج. الشاب يسمي أعزباً . والفتاة يقال عليها عانس. والتفاصيل أن خمسة ملايين و246 ألفاً و237 شاباً بلغوا سن الزواج ومازالوا عزاباً. وأن هناك ثلاثة ملايين و736 ألفا و631 فتاة عانس في بر مصر الآن. وهذا الكلام منسوب إلي تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
وفي نفس الصحف القومية خبر عن وقف التعيين في الجهاز الإداري للدولة للخريجين بصفة نهائية بمن فيهم أوائل خريجي الجامعات. حيث أن الجهاز الإداري يضم 5.7 مليون موظف وعامل. أي بواقع موظف لكل 13 مواطناً مما أدي إلي وجود سلبيات داخل الجهاز الإداري. منها التكدس في مواقع العمل. مع عدم كفاية الحوافز وغياب سياسة الثواب والعقاب.
الخبر الثالث. وأتمني أن يكون الأخير أن شاباً سكب الكيروسين علي والده. لامتناع الوالد عن أن يدفع للشاب ثمن ما يتعاطاه من الهروين. وأشعل النار في والده. وجلس يتدفأ عليه. وبعد أن طرد البرد. ترك والده يحترق. إلي أن أخذه الجيران للمستشفي ولم يستطع سوي نطق اسم ابنه قبل وفاته. باعتباره هو الذي حرقه.
أعود لقراءة كل هذا الهول الذي يعانيه شباب مصر مع بداية سنة التفاؤل الكبري 2005 في حياة المصريين. فنحن نعلم أن العجز المالي هو السبب - ربما الوحيد - في عدم زواج المصريين. وأن كلمة عانس امتدت لتطلق علي الشاب غير المتزوج. وأن الفتاة غير المتزوجة تسمي "عزباء" من باب اللعب علي حبال اللغة لتقليل الإحساس بكآبة كل ما يحيط بهم. المهم أنه لا يجرؤ أحد علي وصف نفسه بأنه فاته "قطار الزواج". لأن الأكثر دقة هو العجز عن الزواج. غير المتزوجين مع أنهم في سن الزواج مشكلة جوهرية في المجتمع المصري. فقد الشاب الأمل والقدرة علي الحلم. وحب الذات ومحبة الآخرين والانتماء للوطن. مع أن سن الشباب هو مرحلة الرومانسية والرغبة في تغيير العالم إلي الأحسن والأفضل والأجمال.
وهل يصبح لدي الشاب سوي الحلم بالآخرة ما دامت الدنيا قد خلت من كل شيء جميل. وفي الطريق إلي الآخرة. يفعل أي شيء ويقدم علي كل محرم. ويمارس كل ممنوع لأن اختلال القيم. يوصله إلي حالة عدمية يتساوي فيها الحق والباطل والخير والشر والحلال والحرام. لا ينجو من هذا الحال سوي أبناء وبنات القادرين. سواء علي البقاء في مصر. أو علي الهجرة منها.
أما العمل فهو مأساة أخري لو عدت للخبر لقرأت وقف تعيين الخريجين. بمن فيهم الأوائل، الأول علي الدفعة كانت تهتز له مصر كلها من قبل. لكن كلمة الأول وصلت إلي حدود أنها سبة الآن. فعلاً عندما أتوسط عند أي مسئول لتعيين شاب. يقول لي لو كان غير متعلم تكون المهمة أسهل. وأن تعلم الإعدادية أفضل من المؤهل المتوسط. والمتوسط أحسن من العالي. بل أن محافظة القاهرة أعلنت منذ فترة عن طلب كناسين للشوارع. فكان المتقدمون من خريجي الجامعات. خاصة كليتي الأعداد المهولة الحقوق والتجارة. لماذا نعلم كل هذه الأعداد؟! بأي هدف؟ ومن أجل أي غرض؟ هل من أجل المباهاة برقم الخريجين كل سنة؟ نضحي بكل هذه الأرقام الحقيقية لأفضل شباب مصر. من أجل أرقام وهمية عن أعداد الخريجين. هل أصبح التخرج من الجامعة لعنة.
وأصبح البحث عن العمل مأساة. لأننا نعرف وندرك ونعلم أن كل من يحمل "كارت توصية" يجد جميع الأبواب مفتوحة أمامه. في مصر الآن كل شئ مستحيل. وكل شيء ممكن. ولذلك لم يجد أحد الشباب من حل أمامه. سوي البحث عن الدفء علي نار تحرق والده. ثم ماذا؟ أقسم بالله أنني لست أدري. إيضاح أخير أنني أدين سلوك الشاب الذي أحرق والده مهما كانت المبررات والدوافع. فأخطر ما يتم في مصر الآن هو عدم مراعاة علاقات الدم التي كانت تمثل محرمات أمام سلوك حتي أعتي المجرمين من قبل.