عرفت الشعر الخليجي من الأمير الراحل بدر بن عبدالمحسن (الذي رحل عن عالمنا بالأمس)، فقد كانت كلماته رومانسية رقيقة لا تعرف اللغة العربية "المقعرة" ولا تنحاز للحروف الخليجية العامية (النبطية) التي قد يكون فيها اقصاء (لغوي وثقافي) غير متعمد بالطبع لبقية مناطق العالم العربي، وتحديداً مصر والمغرب العربي، كما أن حروفه التي كانت قابلة دائماً أن تتحول إلى نغمة غنائية استقرت في وجدان الملايين من شباب المنطقة، وليس شباب الخليج فحسب.
عرفت شعر الأمير الراحل في بداية التسعينيات من القرن الماضي، وكنت حينها في مستهل العشرينيات من العمر، فإذا بهذا الشاعر يأخذني إلى أفق أكثر رحابة من مصر، ولمن لا يعلم، فنحن في مصر في الحقبة المشار إليها وما سبقها، لم نكن نرى أو نعترف إلا بمصر وثقافتها وفنها وأدبها وشعرها.
فقد كنت على سبيل المثال متيماً بالشاعر المصري الكبير فاروق جويدة، ومن ثم لم يكن هناك حافز أو دافع للبحث في محيطي العربي عن شاعر لا يجسد رومانسيتي كشاب في مستهل شبابه، ولا يدغدغ ثقافتي ونزعتي المصرية.
ولكن مع تعارفي على كلمات بدر بن عبدالمحسن، تلقيت مع نفسي، وبيني وبين نفسي درساً لا أنساه، قلتها لنفسي، إن هذا العالم أكبر من مصر، وخليج العرب قد يكون به قامات شعرية وأدبية وثقافية لا أعرفها، ومن هنا كانت رحلة تعارفي على عبده خال ورواياته، والإماراتي علي أبوالريش وكلماته السحرية ومقالاته الأدبية الرشيقة.
وذهبت صوب البحرين والكويت، فإذا بي أرى تاريخاً للثقافة والصحافة، ومن هنا أدركت أن "العالم أكبر من مصر" وكان الفضل في ذلك للشاعر الراحل الأمير بدر بن عبدالمحسن، الذي أخذني إلى ما هو أكبر من محيطي المصري.
إلا أن "نزعة الزهو بمصريتي"، عادت من جديد حينما قرأت في سيرته الذاتية أنه تعلم في مصر، ومن خريجي مدرسة فيكتوريا العريقة بالأسكندرية، والتي تخرج منها الأمراء وأبناء الطبقات الميسورة في كافة أرجاء العالم العربي.
وكذلك غالبية النخبة في دول الخليج ممن تعلموا في مصر بداية من الأربعينيات وصولاً لحقبة الثمانينات من القرن الماضي، وقبل أن تتغير الخريطة، ويصبح الخليج العربي أكثر نضجاً واستقلالية تعليمياً وثقافياً، وأكثر انفتاحاً على العالم، مقابل عثرات مستمرة طاردت مصر، ولكنها لم تنزع عنها تاريخها أو قوتها الناعمة، أو تأثيرها الكبير في محيطها.
وهذا ليس بيت القصيد الآن، ولكن ما أريد قوله بكل بساطة، أن بدر بن عبدالمحسن، جزء مؤثر من قوة السعودية الناعمة، بل هو جزء من قوة الخليح الناعمة، وقد لا يشعر أبناء الخليج بذلك لأنهم عاشوا معه عن قرب، ويدركون جيداً عبقريته الشعرية وتأثيره في الثقافة الخليجية، ولكنهم قد لا يدركون أن "البدر" أخذنا نحن العرب جميعاً صوب الخليج بوجهه "الرومانسي المشرق الجميل".
التعليقات