دخل لبنان حمّى المعركة الانتخابية. أعطى lt;lt;توافق بعبداgt;gt; إشارة الانطلاق. إنها الدوائر الصغرى إذاً. القضاء أو أقرب شيء إليه. سيناقش المجلس النيابي المشروع في القريب. لكن lt;lt;سيد نفسهgt;gt; ليس سيداً كفاية. هنا، أيضاً، السيادة محدودة. ثمة نواب يتحسسون رؤوسهم. ثمة وزراء في الحالة نفسها. غير أن الحسابات الإجمالية ستغلب. لن تكون الحكومة صفاً واحداً. وليست قوى المعارضة على المسافة نفسها من lt;lt;القضاءgt;gt;.
العنوان العام لlt;lt;توافق بعبداgt;gt; هو lt;lt;تصحيح التمثيل المسيحيgt;gt;. من الأفضل أن يأتي ذلك متأخراً من ألا يأتي أبداً. إلا أن هذه هي المفارقة الأولى. فمنذ اتفاق الطائف وlt;lt;التلاعب بالتمثيل (زيادة عدد النواب، التعيين، التقسيمات الإدارية) ينتج احتقاناً مسيحياً يدفع بهذه المجموعة إلى الرد على التهميش بالتطرف والجذرية حتى لو اتخذ ذلك شكل الانتقال من المقاطعة إلى المشاركة. لقد امتنع الائتلاف الحاكم، على امتداد سنوات، عن اقتراح تسويات تثبّت الاعتدال وتحوّله إلى نقطة جذب. جرى تفويت فرص كثيرة في ظل اطمئنان إلى انعدام أي شكل من أشكال المحاسبة. ولما استوى الأمر لصالح خط أقرب إلى الراديكالية، وبعد انفجار الائتلاف الحاكم، تقرّر التوجه إلى قانون انتخاب هو الأكثر عدلاً (قياساً بالسوابق) يسمح للخط الاعتراضي، كما تبلور منذ سنوات، بوضع اليد على كتلة شعبية واسعة تعيش حالة دينامية واضحة. عبقرية خالصة.
لقد كان التمديد للرئيس إميل لحود دليل قوة وضعف في الآن نفسه. دليل قوة إدارية في التحكّم بأكثرية نيابية، ودليل ضعف سياسي يشير إلى الفشل الذريع في بناء نصاب اجتماعي معافى يدافع عن الخيارات الإقليمية للبنان. استعضنا عن المجتمع الوطني والقومي طوعاً برئيس لlt;lt;خط وطنيgt;gt; يستفز الخصوم ويطرد الحلفاء إلى الصف الآخر. قيل، تبريراً، أن لا بديل للرجل. ولكن ها هو التبرير ينقلب إلى عكسه. فالوظيفة الجوهرية لقانون الانتخاب العتيد هي التمهيد لتمثيل القوى الاعتراضية التي كان الهدف الرئيسي للتمديد حجبها. خطوة إضافية على طريق الإدارة كيفما اتفق.
تصحيح التمثيل السياسي للمسيحيين خطوة في الاتجاه الصائب. أو هكذا يتراءى للبعض. إلا أنها خطوة تتم خارج الوعود الإصلاحية وضدها. إنها تعديل ضمن المنطق الطوائفي من دون فتح أي كوة فيه. هل هذه هوية مسموحة؟ ألم يكن ممكناً الدمج بين تصغير الدوائر وإدخال قسط من النسبية الوطنية بحيث يحصل الجمع بين تصديع القوالب المذهبية وتشذيب الخطاب السياسي؟
لقد حلّ وهم الإصلاح محل الإصلاح. وتبيّن أن هناك قوى تُستخدم وقوداً في معركة ليست هي معركتها بالضبط. لنأخذ lt;lt;لقاء البريستولgt;gt; مثلاً. معروف جداً من هو صاحب المصلحة في القضاء. إنه كل من يريد احتكار التمثيل السياسي لنفسه حساب النظام الأكثري وفي دوائر تقترب من الصفاء الطائفي أو من ثنائيات طائفية مؤتلفة مرحلياً. ولكن السؤال هنا عن مصير الأقليات السياسية ضمن الطوائف. والسؤال الأهم عن الأقليات السياسية العابرة للطوائف والتي تحاول كسر القيد. التمثيل الأكثري يلحق ضرراً بها، ويخضعها لlt;lt;أمراء الطوائفgt;gt; ويطرح المعضلة التالية: هل الخطوة نحو عدالة طوائفية هي، بالضرورة، خطوة إصلاحية جدية؟من المبكّر الحسم في أن صفقة حصلت. ولكن لا بأس من طرح عدد من التساؤلات. على أي لبنان سنستفيق في اليوم التالي للانتخابات؟ هل تستمر الديناميات المتنابذة أم أن هناك من سيدفع ثمن الحصول على التمثيل السياسي بخفض مستوى الخطاب السياسي؟ هل نحن أمام تسوية محلية فقط أم أننا أمام تعديل في التوازن له بُعده الإقليمي، وقادر على توفير قدر من الاستقرار في انتظار أن تستبد الطموحات مرة جديدة بالمذاهب والطوائف؟ هل نتجه نحو صيغة قابلة للعيش في ظل التحولات العاصفة في المنطقة أم أن التجاذب المستعاد حول لبنان يحوّل الانتخابات إلى محطة لتصعيد الاستقطاب؟ ألا يحق التساؤل عن حجم الضربة التي وجهت إلى فكرة lt;lt;القوة الثالثةgt;gt; من أجل إجهاضها؟ وهل، أصلاً، lt;lt;القوة الثالثةgt;gt; الافتراضية التي يدعو إليها سليم الحص قادرة على منافسة lt;lt;القوة الثالثةgt;gt; الواقعية التي يمثلها رفيق الحريري؟
قد يُقال إن lt;lt;توافق بعبداgt;gt; يحاول إنعاش lt;lt;اتفاق الطائفgt;gt; لدرء مفاعيل القرار 1559. إلا أن هذا القول يصر على أن lt;lt;اتفاق الطائفgt;gt; نص. كلا. إنه تسوية سياسية تتحكّم بها موازين القوى. ولهذا قيل إن سوء تطبيق lt;lt;اتفاق الطائفgt;gt; هو صيغة من صيغ تطبيق lt;lt;اتفاق الطائفgt;gt;. نحن قادمون، بالتأكيد، على تعديل. والتعديل المشار إليه يؤكد أن النضال مثمر. كما أنه يؤكد على أن الردود الإدارية على الاعتراضات وإن كانت حققت، في السابق، نجاحات تكتيكية إلا أنها انهارت تاركة للمياه المتجمعة وراء سد الضبط أن تتدفق دفعة واحدة. لقد تهرّب lt;lt;الائتلاف الحاكمgt;gt; ورعاته عبر تأجيل سداد الدين، ومنعوا انتظام الحياة العامة، غير أنهم يجدون أنفسهم اليوم أمام استحقاق الدفع ومع الفوائد المترتبة منذ عقد ونيف.
وما كان يمكنه أن يبدو مبادرة يتخذ شكلاً آخر. ما كان يمكنه أن يكون خطوة انفراجية يبدو أقرب إلى خطوة اضطرارية يقدم عليها من يخوض قتالاً تراجعياً يأمل منه تثبيت انهياره عند لحظة معينة.
يشير المشهد الراهن، وحسابات المستقبل القريب، الى أن بعض lt;lt;مسيحيي سورياgt;gt; حققوا مكسباً يمكن لخصوم سوريا، من مسيحيين وغيرهم، توظيفه والاستفادة منه. إلا أن الموازين الإجمالية تشير إلى أن هناك من يراهن على تسوية محتملة تقوم على إلغاء واحدة من قواعد الحياة السياسية اللبنانية بعد lt;lt;الطائفgt;gt;.
تقضي هذه القاعدة السياسية بأن يكون رئيس الجمهورية الماروني ضعيفاً في طائفته، وموافقاً، بالتالي، على الاحتكام إلى المرجعية الإقليمية من أجل تطويق الاندفاعات لدى قادة الطوائف التي باتت الأكثر تأثيراً في رسم المصير الوطني اللبناني (بما في ذلك المكاسب الداخلية).
وإذا حصل وألغيت هذه القاعدة، مع ما أدته من وظيفة، فإن المواجهات المحتملة في قمة السلطة تصبح متصلة مباشرة بالقواعد الطائفية لكل رئيس مع ما يعنيه ذلك من انقلاب في المشهد الذي نعرفه حيث رئيس الجمهورية عاجز عن استنفار طائفته في صراعات يخوضها ضمن lt;lt;الترويكاgt;gt; أو مع وليد جنبلاط. أليس التخوّف واجباً من هذا الاحتمال في ظل الوضع الإقليمي، والتخندق الداخلي، وضعف القوى الوسيطة القادرة على امتصاص الأزمات؟