بغداد هناء علام:

ارتفع صوت بكاء صغير وضعيف من بين الجثث بينما كان الجنود العراقيون يبحثون في حطام الحافلة الصغيرة التي دمرت في التفجيرات التي هزت العاصمة العراقية بغداد يوم الجمعة الماضي.

تتبع الجنود جهة الصوت ليجدوا خلف جثة بلا رأس وأخرى محترقة بصورة يستحيل معها التعرف إلى صاحبها الرضيع سَجّاد حسن (8 أشهر) وانتشلوه وقد غطت الدماء ثيابه.

وقد كتبت له النجاة بحماية وفرتها على ما يبدو جثتا أمه وجدته.

وفي يوم مليء بالدمار والدماء أسهمت عائلة الطفل سجاد ومنقذوه من الجنود في ظروف تشبه المعجزة في نجاته.

ففي صباح يوم الجمعة استقلت نوال غريب (26 عاماً) و”حماتها” هديدة صيوان (56 عاماً) الحافلة ومعهما الرضيع “سجاد” إلى أحد المساجد في الكاظمية للصلاة والدعاء لله لحفظ الطفل الذي كان يعاني من مشكلات في المعدة، وكان مسار الحافلة يمر من أحياء وسط بغداد المزدحمة والتي يكثر وجود رجال الشرطة والأمن العراقيين فيها، وما ان مرت الحافلة بجوار دورية عسكرية عراقية حتى قام أحد العراقيين بتفجير سيارته لتتطاير شظايا الزجاج وتضرب ركاب الحافلة وتصيبهم بجروح قاتلة، وحينما هرعت قوات الأمن إلى الحافلة لم تتوقع العثور على أحياء بسبب الحريق وشدة التدمير، لكن الجنود سمعوا بكاء سجّاد الذي قضت أمه احتراقاً واخترقت قطعة كبيرة من الحديد الملتهب جسد جدته لتفصل رأسها عن بقية الجسد، وتم نقل الرضيع مع جثتي جدته ووالدته في سيارة اسعاف إلى مستشفى النعمان العام، الذي تكتظ غرف قسم الطوارئ فيه بجثث ضحايا أربعة تفجيرات عنيفة وقعت في ذلك اليوم، وأوقعت عشرات القتلى والجرحى، اضافة إلى ذوي وأفراد أسر الضحايا الذين سيطرت عليهم حالة من الهستيريا والعصبية الشديدة. وبعد أن فحصه الأطباء لم يعثروا إلا على بعض الجروح البسيطة في بطنه ورقبته، ولكن تبقى مشكلة العثور على أقارب له بين الجموع الحزينة في ردهات المستشفى.

وقالت العراقية سعدية نصر (59 عاماً) وهي أم لإثني عشر من الأبناء والتي تصادف وجودها في المستشفى انها تأثرت وبكت بحرقة لدى سماعها حكاية العثور على سجاد ورؤيتها له، وتعتبر نفسها حارسة أمينة عليه حتى يأتي ذووه، وقالت ان المستشفى بكل ما فيه من جلبة وصراخ ليس مناسباً لبقاء الطفل، وطلبت من قوات الشرطة العراقية السماح لها باصطحاب الطفل إلى منزلها لليلة واحدة، وتم لها ذلك، ورافقتها الشرطة إلى بيتها بعد الاحتفاظ بمعلومات كاملة عن أسرتها ومكان اقامتها.

تبدو الحالة الاقتصادية والمعيشية لأسرة سجاد صعبة للغاية، وكان أبوه حسن راشد ينتظر في المنزل في مدينة الصدر عودة أمه وزوجته وابنه، وكانت الساعة العاشرة صباحاً حينما شاهد على شاشة التلفزيون مناظر دموية بعد أحد الانفجارات التي وقعت للتو في بغداد، واستولى عليه الخوف الشديد من أوهام سيئة راودته، ولكن سرعان ما اتضح له ان تلك الأوهام لم تكن إلا الحقيقة، فقد شاهد جثتي أمه وزوجته وظل يفكر في مصير ابنه الرضيع سجاد حتى تأكد ان الضحايا موجودون في مستشفى النعمان ليتوجه إلى هناك ويتم ارشاده إلى منزل سعدية نصر ليتسلّم ابنه والدموع تبلل وجهه.