"لا يوجد لنا صوت واحد يكتب قضايانا في كل الصحافة السعودية". الجملة السابقة مقطع من سياق رسالة طويلة بعث بها مواطن من نجران تحت دلالة حروف رمزية وكأنه سيبعثها إلى فرع القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي لا للنشر في صحيفة يومية سيارة. لا أعلم لماذا الهوس السعودي بالأسماء المستعارة حتى وهم يتحدثون إلى قنوات الرقص الفضائية أو يعلقون على أحداث مباراة لكرة القدم. يختزلون شخصياتهم كتابة عبر الحروف، وقولاً عبر أسماء الكنية وكأننا نستعرض مجلساً للآباء في مدرسة ابتدائية. تعليقاً على الرسالة الطويلة الجميلة أقول:
أولاً: يصعب الحديث دوماً عن تنمية عادلة ومتوازنة، لكل بلد في الكون مشاكله مع بعض الأجزاء والمناطق. حتى في أمريكا التي تعتقد أن الخطط فيها تتوزع حسب البرامج الكمبيوترية الرياضية، هناك فرق هائل بين نيويورك وكنتاكي أو كاليفورنيا وأيداهو أو فلوريدا وولاية المسيسبي. ودعونا من حكاية الصوت، فالتنمية تبدأ من السواعد والعقول لا من الحلق أو مخارج الحروف. تجربتي مع أهل نجران، رغم محدوديتها تثبت لي أن المواطن في نجران خلوق وخلاق. عصامي بدرجة مفرطة ومن كان في شك من هذا فليذهب إلى هذه المدينة التي قامت وانتشرت بشكل يفوق الوصف عبر مجتمع تواق إلى الحداثة والتحديث وعبر قيم رجولية جادة لا تعرف في الحياة هزلاً أو استكانة إلى الكسل والراحة. خلال مشواري كأستاذ جامعي، لمحت من نجران أنظف العقول وأكثرها إصراراً وجدية، ومع هذا سأقول بكل صراحة مطلقة إن قتل التفوق في هذه العقول كامن في غياب الحافز، لأن لهم سقفا من التعليم لا يمكن لهم أن يتجاوزه عرفا لا كتابة على الأوراق. سقف المتاح لهم لا يتجاوز الدرجة الجامعية ودرجة تفوق الأفراد منهم، لا تسمح لهم بالوقوف أمام لجان اختيار المعيدين والمحاضرين ولهذا تجدهم بكل صراحة مطلقة أيضاً أقل نسبة مناطقية في تمثيل الهيئة التدريسية بالجامعات السعودية. مشكلتهم مع الأدلجة التي توزع وظائف التعليم العليا ومشكلتهم مع الوصاية التي يراها البعض فيمن يمنح ثقته أو لا يمنح. لا مشكلة لديهم مع النظام والأوراق. ولن أسترسل في أسباب تعرفونها جيداً ومن الخطأ أن أفصح عنها في مقال عام مقروء. صوت نجران قوي وحاضر بحناجر الزامل التاريخي وبرجلة ورجولة أهله. صوتهم مكانه الجامعات لا أروقة الصحافة. هم اليوم بحاجة إلى أساس جامعة تحتضن هذه العقول المبدعة وتفتح لها آفاقاً نوعية في المجالات التي برعوا فيها. هم بحاجة إلى تعليم نوعي في الهندسة والعلوم التطبيقية والعلوم الطبية ومن الخطأ التنموي أن تمر هذه الخطط الطويلة ليكون نصيبهم منها مجرد كلية للمعلمين أو كلية للمجتمع. وبكل تأكيد، فنجران ليست وحدها التي حرمت من هذه الفرص - وكي نعيد التوازن لهذه المناطق يجدر بنا أن نخصص لأهلها عشرة مقاعد محجوزة في كل كليات الطب والهندسة والحاسب كي ننشر عدالة الاستثمار في العقول ريثما يأتي هذا الاستثمار التعليمي النوعي إلى هذه المناطق.
- آخر تحديث :












التعليقات