خلف خلف من رام الله: يواصل الشعب الفلسطيني ممثلا بقيادته استعداداته لحفل تأبين زعيمه التاريخي ياسر عرفات، في مقر المقاطعة في مدينة رام الله في الضفة الغربية، مع اقتراب مرور أربعين يوم على رحيل قائدهم الذي حمل القضية الفلسطينية أكثر من خمسين عاما.
توفي عرفات للأسباب ما زالت غامضة بعد رحلة طويلة طالت الشرق والغرب، وورى جثمانه الثرى في باحة مقر المقاطعة التي قضى فيها ثلاث سنوات محاصرا، بعد أن حفر له نعش من الإسمنت، بالقرب من مجموعة من الأشجار على بعد مائتي متر عن الجناح الذي كان يقيم فيه، لم يتحقق أمل عرفات بأن يدفن بالقدس، بل كان نصيبه، ترابا من القدس وضع في داخل قبره، بعد أن رفضت إسرائيل رفضا قاطعا دفنه في القدس، وكان مسؤولون فلسطينيين قد أكدوا فيما سبق ان مقر المقاطعه تم دفن الرئيس فيه، لكي يشكل صورة من صور صمود عرفات وحصاره داخل المقاطعة الذي استمر ما يقارب الثلاث سنوات، منعته خلالها إسرائيل من السفر والتنقل، ومن جهتها اعلنت مصادر فلسطينية أن دفن الرئيس عرفات في مقر المقاطعة بمدينة رام الله هو مؤقت إلى أن يتم نقل رفاته إلى القدس الشريف بعد تحرير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
اما بالنسبة لمهرجان التأبين فسيقام يوم الثلاثاء 21/12/2004 بجانب ضريح عرفات الذي أقيم على عجل، والذي كان مخصصا مهبطا للطائرات، وأقيم حول قبر عرفات والذي تحول مزارا للفلسطينيين، قاعة ليست بالكبيرة حيث يبلغ طولها 16 مترا وعرضا 14 مترا وغطى سقفها صاج باللون الأبيض، وأغلقت جوانب القاعة بالزجاج، فيما زرع الأنجيل وأشجار الزيتون على جوانب الضريح، ويكسيه من جميع الجوانب ورود الزائرين وبطاقتهم التي لم يجدوا شيئا يعبر عن حبهم لزعيمهم الراحل غيرها، وكما كان عرفات في حياته يستقبل الجميع في مقر المقاطعة، ما زال ضريحه يفتح ذراعيه استقبالا لكل زائر يعبر عن حبه لرئيسه الذي كرس حياته في سبيل قضيته وقضية شعبه.
وبدأت منذ صباح اليوم الجرافات الفلسطينية تواصل عملها لإزالة ما بقي من سواتر ترابية، وحطام السيارات المدمرة، والقيام بعملية تنظيف لمقر المقاطعة ليظهر الضريح المعلم الوحيد البارز فيما كان يعرف بمهبط المروحيات، حتى يصبح المكان مستعدا لأستقبال زواره في يوم الأربعين لرحيل الراحل الرئيس عرفات، حيث سيلقى رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير محمود عباس أبومازن ، ورئيس السلطة الفلسطينية روحي فتوح ، ورئيس الوزراء أحمد قريع أبو علاء كلمات العهد والوفاء لروح الشهيد عرفات ، كما سيلقى الشاعر الكبير محمود درويش كلمة في مهرجان التأبين .
الغموض يلف سبب الوفاة
ما زال الغموض يلتهم سبب وفاة عرفات، ما زالت الأنباء متضاربة حول سبب وفاة الزعيم الفرنسي، ففي الوقت الذي أعلنت فيه مصادر فلسطينية، أن سبب موت عرفات كان بواسطة سم وضع له على مراحل في الطعام أو الشراب، فقد أكد فاروق القدومي في وقت سابق أن الرئيس عرفات مات مسموما، وأوضح 'أن السم الذي وضع للرئيس عرفات من السموم المبرمجة, حيث كنا نستمع إلى الإذاعة الإسرائيلية أنه أغمي على الرئيس ولكنه يكون في حالة جيدة, وبعد ذلك يغمى عليه بالفعل'.
وقد قال القدومي انه قام بالاتصال بالقادة العرب وطلب منهم، الضغط على الولايات المتحدة لإحضار الترياق الذي يبطل مفعول السم، لكن الحكام العرب ابلغوه أن الرد سلبي، كما أشار القدومي إلى أن التعتيم الفرنسي على سبب وفاة عرفات سببه عامل سياسي، وقال مستشار الرئيس الفلسطيني الراحل بسام أبو الشريف انه كان قد حذر الرئيس الفلسطيني بكتاب خطي قبل عامين من أمكانية تعرضه لدس السم من قبل إسرائيل، وأضاف أبو الشريف أن الحالة التي مر بها عرفات تشبه تلك التي مر بها وديع حداد أحد قادة الجبهة الشعبية، والذي قامت إسرائيل بتسميمه، وتوفى في المانيا بسبب تكسر في صفائح الدم من نوع جديد، وقال مستشار الزعيم الراحل أنه كان نصحه في الخامس من شهر يونيو عام 2002، بالا يتناول سوى الماء والأغذية المعلبة التي يفتحها هو بنفسه ويشتريها له المخلصون، ونسبت وكالة أسوشيتدبرس للأنباء لطبيب عرفات الأردني الجنسية الدكتور أشرف الكردي القول "إن التسمم هو السبب الأرجح للوفاة".
أما المستشفى الفرنسي الذي كان يعالج فيه عرافات فلم يحدد المسؤولون فيه سببا للوفاة، وأشاروا إلى أن ذلك يأتي التزاما بقانون الخصوصية الطبية الفرنسي، لكن المستشفى قام بتسليم نسخه عن الملف الطبي لعرفات لزوجته سهى، وكذلك نسخه إلى ابن أخته فاروق القدومي رئيس حركة فتح، لكن لم يرشح من الملف على ما يبدوا سبب الوفاة.
الدفن ...عملية معقدة
إعلان خبر وفاة عرفات شكل صدمة قوية للفلسطينيين، فهو كان رمزا إلى النضال الفلسطيني، ويوصف برجل المواقف القوية، بعد إعلان وفاته خرج الشعب الفلسطيني من منازله كبيرا وصغيرا، وحتى الفصائل والأحزاب الفلسطينية المعارضة لسياسته وقفت صفا وأحدا معزية نفسها والشعب الفلسطيني بفقدانه زعيمه، فخرج الألوف ليشاركوا في وداعه واحتشدوا منذ الصباح الباكر قرب مقر المقاطعة قبل وصول طائرة الهليكوبتر المصرية التي أقلت جثمانه إلى رام الله، ورغم منع قوات الأمن الفلسطينية الشعب من الاقتراب من المقاطعة ليتسنى دفن الرئيس بشكل يليق بقائد مناضل، ألا أن مئات الفلسطينيين اعتلوا أسوار مقر المقاطعة، فيما تسلق آخرون أعمدة الهاتف ليكونوا في انتظار النعش، وبعد نزول الطائرة المصرية لمهبطها، لم يستطع أحد أخراج جثمان عرفات لمدة تزيد عن 25 دقيقة، ولدى خروج النعش من الطائرة مرفوعا على أيدي الأمن الفلسطيني أحاط به بحر متلاطم من البشر وانطلق الرصاص في الهواء ومرت سيارة تحمل النعش بين تلك الأمواج الهادرة من المعزيين، و أصيب أحد المواطنين خلال التدافع وتم نقله إلى مستشفى للعلاج، وفي قطاع غزة نظمت الفصائل الفلسطينية جميعها بما فيها حماس والجهاد الإسلامي جنازة رمزية في المسجد المعمري بالتزامن مع تشيع عرفات في رام الله، وقد فرضت إسرائيل إجراءات إغلاق على القطاع الذي لا يمكن لسكانه التوجه إلى رام الله، لأنهم يحتاجون إلى تصاريح خاصة ترفض إسرائيل منحها لهم بشكل عام، وكان هذا بعد أن شيعه الزعماء العرب في جنازة عسكرية، ولم يسمح للمواطنين بالمشاركة في العاصمة المصرية القاهرة، وكانت قد أقيمت لعرفات جنازة رسمية في فرنسا، والتي كان يتعالج في مستشفها العسكري "بيرسي".
التعليقات