أسامة مهدي من لندن: تباينت المواقف من دوافع مغادرة المرجع الديني الشيعي الاعلى اية الله السيد علي السيستاني للعراق والحلول في لندن حاليا فيما تشهد مدينة النجف مقر مرجعيته معارك ضارية بين جيش المهدي التابع لرجل الدين مقتدى الصدر والقوات العراقية والمتعددة الجنسيات والتي يتساقط فيها المئات من القتلى والجرحى يوميا.

ففي حين يؤكد انصار الصدر الذين لم يدعم السيستاني (73 عاما) حركتهم المسلحة وطروحاتهم السياسية انه غادر العراق لتجنب اتخاذ موقف ضد القوات العراقية والاجنبية التي تواجههم يؤكد مقربون منه ان متاعبه الصحية بدأت قبل اسبوعين وان قرار سفره الى العاصمة البريطانية اتخذ قبل اندلاع المعارك الحالية باسبوع.. لكن مراقبين محايدين يشيرون الى ان الرأيين يمكن ان يكونا صحيحين، وان المرجع اختار الابتعاد عن الاضطرابات الحالية واستغلال الفرصة لاجراء فحوصات طبية هو بحاجة اليها فعلا.

مساعدو الصدر يهاجمون
ففي تصريحاتهم يقود مساعدو الصدر حملة ضد السيستاني مؤكدين ان مغادرة المرجع للعراق جاءت بالتنسيق مع السلطات العراقية التي كانت تبيت لضرب جيش المهدي وتصفيته ولذلك زورت تقارير صحية لتبرير خروجه من العراق في هذا الوقت بالذات كما اكد مدير مكتب الصدرفي بغداد الشيخ حازم الاعرجي.

ثم ابتعدت هذه الاتهامات اكثر من ذلك حين قال الشيخ محمود السوداني احد مساعدي الصدر اليوم ان طائرة مروحية اميركية نقلت السيستاني من النجف (160 كيلومترا جنوب بغداد) الى مطار بغداد الدولي في اشارة الى تنسيقه مع القوات الاميركية حيث غادر المطار الى بيروت بطائرة خاصة ومنها الى لندن التي وصلها امس.

مساعدو السيستاني يدافعون
لكن مقربين من السيستاني سارعوا لابداء استغرابهم من طروحات انصار الصدر، وابلغ السيد مرتضى الكشميري ممثل السيستاني في لندن "ايلاف" ان هذه المعلومات كاذبة ولاتمت الى الحقيقة بصلة لان قرار السفر اتخذ منذ ايام وقبل اندلاع المعارك الحالية.

كما نفى مدير مكتب المرجع في بيروت السد حامد الخفاف الذي رافقه في رحلته من بغداد الى بيروت ثم لندن ان يكون السيستاني نقل الى مطار بغداد بمروحية اميركية وقال في حديث مع فضائية "العربية" انه غادر النجف بالسيارة في رحلة برية شاقة كان المرجع يتالم فيها من اوجاع، وانه غادر بطائرة تجارية عادية الى العاصمة اللبنانية ومنها استقل اخرى مماثلة مع مسافرين عاديين الى العاصمة البريطانية.

واكد ان السيستاني رفض بشدة الاستفادة من اية تسهيلات عرضتها عليه القوات الاجنبية وشدد على ان قرار سفره الى الخارج اتخذ منذ ايام لان متاعبه الصحية بدأت منذ اسابيع وقال ان اطباء بريطانيين اجروا له فحوصات ليلة امس وانهم بانتظار نتائجها من دون ان يستبعد اجراء عملية جراحية للمرجع الذي يعاني من اضطرابات في القلب للمرة الاولى وانه الغى كل مقابلاته الاسبوع الماضي.

وشدد على ان المرجع الاعلى قلق جدا من الاشتباكات الجارية في النجف والمدن العراقية الاخرى وقال انه يتطلع الى العودة الى بلده باسرع وقت ليكون الى جانب الشعب العراقي والمساهمة في حمايته.

مراقبون سياسيون يعلقون
وبين هذين الموقفين، طرح مراقبون سياسيون عراقيون مستقلون تحدثت معهم "إيلاف " اليوم رأيا مختلفا يقول ان خروج السيستاني من العراق قد انقذه من احراج عدم تأييد الصدر وجيشه في مواجهة القوات العراقية والاجنبية بخاصة وانهما يرفعان شعار القتال ضد المحتلين .. او من الوقوف معهما وهو الامر الذي سيؤدي الى توسيع رقعة المعارك وامتدادها الى مناطق اخرى مع كل ما سيؤدي ذلك من نتائج وخيمة .. اضافة الى ان وقوفه على الحياد سيعرضه لانتقادات تتهمه بالسلبية وعدم القدرة على اتخاذ موقف حاسم، مطلوب شعبيا في مسالة مهمة وخطيرة كهذه الاشتباكات التي تشهدها مدن عراقية عدة .

واضاف المراقبون ان انصار الصدر الذين بداوا يشعرون بالخطر المحدق بهم بعد التاكيدات الرسمية بالاصرار على تصفية المجموعات المسلحة غير القانونية فإنهم بداوا يطلقون تهديدات بالحاق الاذى بالمراجع الشيعية الاربعة في العراق لعدم دفاعها عنهم .. وهم السادة الكبار علي السيستاني ومحمد سعيد الحكيم واسحاق فياض ثم بشير النجفي الذي تعرض منزله في النجف ليلة امس الى اربعة قذائففيما فسر انه تحذير من امكانية تنفيذ هذه التهديدات بهدف خلط الاوراق السياسية .

ولهذا فإن السيستاني، كما يقول المراقبون، فضل استغلال حاجته الى الفحوصات الطبية ومغادرة العراق في هذا الظرف بالذات من دون ان يغفلوا التذكير بان الانتظار ايام عدة لادخاله الى المستشفى ومشاهدته وهو يسير ماشيا من دون مساعدة عدا عصاه على ارض مطار هيثرو اللندني برغم انه بدا متعبا دليل على عدم حراجة حالته الصحية بأكثر من حراجة الظروف التي تعيشها مدينته وبلده .

السيستاني حياة علمية حافلة ومواقف سياسية
يعد آية الله السيد على السيستاني احد المراجع الدينية الرئيسية للشيعة في مختلف أنحاء العالم .

وعاش السيستاني حياة مضطربة مع النظام العراقي السابق حيث قضى فترات طويلة من عمره قيد الاقامة الجبرية، لكنه ظل بعيدا عن السياسة بشكل كبير.

ويتبع السيستاني الخط التقليدي لحوزة النجف الذي لا يؤمن بولاية الفقيه الذي نادى به زعيم الثورة الاسلامية في ايران آية الله خميني فهو لا يؤمن بتدخل الدين في السياسة. وقد تعرض أسلوبه الهادئ الذي اضطر لنهجه للعيش في عراق صدام حسين للانتقاد من جانب زعماء الشيعة من جيل الشباب الأكثر راديكالية وحماسا مثل مقتدى الصدر ابن آية الله محمد صادق الصدر الذي قتل على يد النظام المخلوع.

وبعد سقوط النظام العراقي السابق مباشرة حاصر اتباع الصدر منزل السيستاني مطالبين مغادرته البلاد وأن يعترف بمقتدى الصدر مرجعا دينيا، ولكن المرجع لم يواجههم واعتكف عن الانظار.

ويمثل السيستاني الاتجاه السائد لرجال الدين الشيعة المحافظين في العراق المولودين في ايران بينما تطالب جماعة الصدر بمرجع عربي الاصل وهو نادرا ما يدلي بمواقف سياسية لكنه اصبح اواخر العام الماضي اكثر انتقادا للخطط السياسية الأميركية في العراق حين رفض خطة أميركية تم الاتفاق عليها مع مجلس الحكم يسمح بنقل السلطة لحكومة مؤقتة في حزيران (يونيو) عام 2004.

وكان من المفترض أن تصيغ الحكومة دستورا مؤقتا لانها تقضي بعدم انتخاب الحكومة العراقية من قبل العراقيين كلية، لكنها ستختار من قبل مجلس مؤقت ينتخب هو نفسه من قبل أعضاء مجلس معين من قبل أميركا وأعضاء من الحكومة المحلية في مختلف أنحاء البلاد. وانتقد السيستاني هذه الخطة على اعتبار أنها لا تعطي ما يكفي في صياغة العملية السياسية. . وقال أيضا إنها تفتقر إلى الحفاظ على الهوية الاسلامية للبلاد مشددا بالقول "نريد انتخابات حرة وليس تعيينات".

وبرغم أن السيستاني قبل بتوصيات بعثة الأمم المتحدة التي خلصت إلى أن الانتخابات لا يمكن عقدها قبل حزيران (يونيو) عام 2004 غير أنه انتقد بشدة قانون ادارة الدولة الذي أعلن عنه مجلس الحكم في آذار(مارس) الماضي وقال إن القانون الجديد وضع "عراقيل في طريق التوصل إلى دستور دائم للبلاد".

وحجبت الاشتباكات الدامية بين جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر والقوات الأميركية في نيسان (ابريل) الماضي الضوء عن انتقادات السيستاني لعملية تسليم السلطة فدعا جميع الجماعات المسلحة للانسحاب من المدينتين .

وقد ولد آية الله علي السيستاني عام 1930 في مدينة مشهد شرقي ايران وتلقى تعليمه الاولي فيها ثم انتقل بعد ذلك إلى الحوزة العلمية في قم، حيث تتلمذ على يد المرجع السيّد حسين البروجردي وغيره من العلماء والمراجع الشيعية. وغادر قم متجهاً إلى النجف بالعراق في عام 1951 حيث اكمل دراسته الدينية تحت اشراف الإمام الحكيم وآية الله الشيخ حسين الحلي والإمام الخوئي. وقد اشتغل بالبحث والتدريس وإلقاء المحاضرات على التلاميذ في حوزة النجف وله الكثير من المؤلفات في العلوم الدينية.

وفي اعقاب حرب الخليج الثانية تمكن نظام صدام حسين من القضاء على الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في محافظات العراق الشمالية والجنوبية فاعتقل السيستاني ومعه مجموعة من العلماء ومكث في السجن لفترة قبل اطلاق سراحه . وفي عام 1992 عندما توفي المرجع السيد الخوئي نودي بالسيستاني مرجعا ولكنه بقي رهن الاقامة الجبرية في منزله بالنجف حتى اطيح بنظام صدام حسين في العام الماضي.

وبرغم تباين المواقف من خروج السيستاني من العراق في هذا الوقت بالذات فمن المؤكد ان التطورات الميدانية الحاصلة على الارض خلال الايام القليلة المقبلة ستحسم الموقف من هذا الخروج والبقاء اياما على الارض البريطانية للراحة ودوافع ابتعاده عن بلده .. على الصعيدين السياسي والصحي .