أسامة العيسة من القدس: تمسكت بلدية بئر السبع بموقفها بمنع مسلمي المدينة من الصلاة في المسجد الكبير لأسباب أمنية وتحويله لمتحف، وذلك خلال جلسة لمحكمة العدل العليا الإسرائيلية، عقدت الأسبوع الماضي ونظرت في التماس قدمه مركز عدالة- المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل، وطالب فيه بالسماح لأهالي المدينة بالصلاة في المسجد.

وذكر المركز بان الهيئة القضائية للمحكمة العليا اقترحت حلا وسطا يقضي بـ "تخصيص مبنى المسجد لاحتياجات المسلمين في البلدة، واستعماله كمركز ثقافي- اجتماعي (ما عدا لأهداف الصلاة)".

وطلبت المحكمة من الطرفين فحص الاقتراح وتقديم موقفهما للمحكمة خلال 60 يوما. ووفق رد الطرفين ستقرر الهيئة القضائية كيفية الاستمرار في معالجة الالتماس.

وجاء في تقرير حول الموضوع أعدته ايفا موسى من طاقم المركز بان المسجد الكبير في بئر السبع، هو المسجد الأول الذي بني في منطقة النقب، عام 1906، بتمويل من شيوخ العشائر واستخدم حتى عام النكبة 1948.

وبعد العام 1948 حولت حكومة إسرائيل المسجد إلى معتقل وقاعة محكمة حتى عام 1953، حيث حول إلى (متحف النقب) حتى أغلق عام 1991، وأخرجت منه معروضات المتحف، وبقي مهجورا طوال 13 سنة، ومنعت السلطات الإسرائيلية المسلمين من سكان المدينة والقرى المجاورة من أداء الصلاة فيه على الرغم من مطالبهم العديدة للسماح لهم بترميمه والصلاة فيه.

ويقع المسجد في منطقة البلدة القديمة وتحيطه الحوانيت والمكاتب ومبنى البلدية وحديقة عامة. ويضيف تقرير عدالة انه يوجد الان في مدينة بئر السبع نحو 259 كنيس ل 180 ألف يهودي يقطنون المدينة، أي كنيس واحد لكل 700 يهودي. ووفق معطيات دائرة الإحصاء المركزية يسكن بلدة بئر السبع حوالي 5000 مسلم، يضاف إليهم نحو 150 ألف مسلم في النقب، يزورونها باستمرار ويعملون فيها.

وترفض بلدية المدينة المساح بالصلاة فيه وتريد أعادته كمتحف، وفي آب (أغسطس) 2002 التمس مركز عدالة للمحكمة العليا باسمه وباسم مؤسسات حقوق إنسان ومؤسسات جماهيرية في النقب، مطالباً المحكمة بالسماح للمسلمين من سكان بئر السبع وزائريها بالصلاة في المسجد. وادعى عدالة في الالتماس أن إغلاق المسجد وتحويله إلى متحف يمس بحقوق المسلمين وحرية العبادة.

و في الجلسة التي عقدت للبت في الالتماس في شهر أيار (مايو) 2003، تعهدت نيابة الدولة بتعيين لجنة لفحص الموضوع وتقديم توصياتها.

ولكن بلدية بئر السبع نشرت مناقصة في بداية شهر كانون الثاني (يناير) 2004 لإجراء الترميمات في المسجد وتحويله إلى متحف. وتضمنت قائمة الترميمات التي أرفقت بالمناقصة بناء مراحيض في مدخل المسجد وتحويل مكان الصلاة لقاعة عرض، ووجهت بلدية بئر السبع دعوات لافتتاح المتحف من جديد.

وتوجه مركز عدالة، مجددا، للمحكمة العليا مطالباً إياها بإصدار أمر مؤقت وفوري ضد بلدية بئر السبع ورئيسها يعقوب تيرنر، وسلطة التطوير، ووزير الأديان، ووزير العلوم والثقافة والرياضة، يمنعهم من متابعة نشر مناقصة لإجراء الترميمات في مبنى المسجد الكبير في بئر السبع، وذلك حتى الانتهاء من البت في التماس عدالة. كما طالب المركز المحكمة بإصدار أمر يمنع المذكورين أعلاه من تغيير مبنى المسجد في بئر السبع لمبنى متحف حتى انتهاء البت في الالتماس.

واستجابت المحكمة العليا وحذرت بلدية بئر السبع من إجراء ترميمات على مبنى المسجد الكبير في بئر السبع التي من الممكن أن تؤدي إلى تغييرات في مبنى المسجد. وورد في قرار المحكمة أن بلدية بئر السبع مخولة بترميم المسجد فقط لهدف الحفاظ على هيكله لكنها غير مخولة بتغيير واقعه كمسجد، وذلك حتى تصدر المحكمة قراراً نهائياً في الالتماس. وتعهدت بلدية بئر السبع عدم إجراء أي ترميمات على مبنى المسجد التي من شأنها أن تغير المسجد وتحوله إلى متحف.

وأصدرت اللجنة المعينة تقريرا أوصت فيه بعدم السماح للمسلمين في بئر السبع وخارجها بأداء الصلاة في المسجد. وجاء في التقرير أنه بالرغم من اعتراف اللجنة "بالقيمة التاريخية للمبنى، وبضرورة عدم المس في المبنى أو إجراء التغييرات عليه وضرورة احترام المكان نظراً إلى تاريخه واستعماله السابق"، إلا أنها لا ترى تبريراً لتغيير الوضع القائم، خاصةً وأنه على حاله منذ حوالي الخمسين عاما.
وأشار تقرير اللجنة أن بئر السبع هي بلدة يهودية، وعليه فإن مسألة المسجد تختلف عن المساجد الأخرى في البلدان المختلطة، كون المسجد يقع في وسط منطقة يهودية. واقترح على السكان المسلمين الذهاب لأداء الصلاة في إحدى البلدات المجاورة

وقدمت بلدية بئر السبع ورقة للمحكمة العليا ذكرت فيه أن الالتماس "سياسي قومجي يقف من ورائه جهات إسلامية من خارج بئر السبع".

وتبنت بلدية بئر السبع موقف شرطة إسرائيل، التي أوضحت ما أسمته الإشكالية التي ستنتج عن السماح للمسلمين بالصلاة في المسجد، والتي تكمن "في موقع المسجد، إذ أنه سيصبح مركزاً للاحتكاك بين المسلمين واليهود وسيسبب في تشويش مجرى الحياة في البلدة القديمة".

وفي رد مركز عدالة الذي قدمه للمحكمة العليا جاء أن "اللجنة فضلت الحفاظ على الوضع القائم الذي يظلم الملتمسين، ولم يكن في اللجنة حضور وتمثيل لأي من ممثلي المسلمين في بئر السبع أو في الدولة، إذ أن أعضاء اللجنة أتوا من مكاتب حكومية مختلفة لها مصلحة بإبقاء الوضع على ما هو، ولم تفحص اللجنة قضية السماح للمسلمين بالصلاة في المسجد وفق المبادئ الأساسية التي وردت في الالتماس، وكانت توصياتها معروفة مسبقاً، ولم تتطرق بشكل موضوعي وعادل لادعاءات الملتمسين، ولم تأخذ اللجنة بالحسبان مسألة المس المستمر في حقوق جزء كبير من سكان بئر السبع والدولة".

وجاء في رد عدالة أن "القهر الديني يعود إلى الأنظمة المظلمة، ففي الدول الديموقراطية تم افتتاح أماكن للعبادة والصلاة لجميع الديانات، فعلى سبيل المثال في أسبانيا تم افتتاح مسجد أغلق لمدة 500 عام، بالرغم من معارضة قسم من السكان، وهذا ما حصل في يافا واللد وهرتسليا وحيفا وأماكن عديدة أخرى هنا وفي دول العالم".

وذكر مركز عدالة انه يبحث إقتراح التسوية الذي اقترحته المحكمة على الأطراف مع الملتمسين وبعدها سيقدم رده للمحكمة.

ومن المعروف أن مواطني إسرائيل العرب يخوضون معارك معقدة لإعادة عشرات المساجد والكنائس لهم التي استولت عليها إسرائيل عام 1948 وهدمت بعضها فيما تحول البعض الأخر إلى مقاه ونواد ليلية وأماكن مفضلة لتصوير الأفلام الإباحية.