قطع اسفلت كبيرة في مكان الانفجار (تصوير وائل اللادقي)
فداء عيتاني من بيروت: الساعة حوالي الواحدة بعد الظهر بالتوقيت المحلي في مدينة بيروت، قرب المركز الرئيسي للمصرف الذي تتعامل معه إيلاف في لبنان جلس بضعة شبان وشابات، الطقس الجميل ربما دفعهم للهرب من برودة الدروس في مدرستهم الرسمية القريبة، وحين اشاهدهم اتذكر اننا تعلمنا في ظل "صفر تكنولوجيا" خلال مراحل الحرب الاهلية في لبنان، ومع ذكرى التكنولوجيا اتوجه نحو الصراف الالي، ما ان اقترب منه يصدر دوي انفجار، لم التفت، انتظرت صوت اخر لانفجار اخر، هي عادة تعودناها في لبنان بانتظار صوت انفجارين متتالين، لنطمئن انفسنا بانها الطائرات الحربية الاسرائيلية تخرق جدار الصوت فوق العاصمة او غيرها. قبل ان اتمكن من سحب المال كان لوح من الخشب يقع من اعلى المبنى إلى الطريق، لم يصدر صوت انفجار تالي، بدأ الذعر يدب في الشارع المكتظ، اصوات السيارات تعلو، ارتباك واضح، ثمة شيء يحصل.

دقيقتان تماما يرتفع في السماء عمود من الدخان البني، لماذا عمود ولماذا بني؟ لا شك بانه انفجار ولكن انفجار ماذا، اتابع طريقي من قرب تقاطع شارعي فردان الصنائع، عمود الدخان يرتفع بشكل اسطواني في السماء عاليا، في الانفجارات التي عرفناها سابقا كان الدخان يرتفع في السماء ككتلة او غمامة وعادة ما يكون رماديا واسودا، ان كانت عبوة ناسفة فلا شك بانها من مواد حديثة او غير تقليدية، ليست تي ان تي، وليست جينيلايت ولا سي اربعة، شيء اخر ربما يصدر هذا اللون، او انها انفجرت بمكان ملوث بهذا اللون.

اتابع طريقي للقاء صديق في منطقة قريبة سيرا على الاقدام، اتلقى اتصالا من الزميل نبيل جلول في إيلاف، يقول لي ان ما سمعناه هو عبوة ناسفة، وثمة اشاعات ان المستهدف هو وليد جنبلاط، يقول لي انه الان قرب منزل وزير العدل، اخبره بانني اتجه نحوه ولكن ربما لن نلتقي، نتفق على التهاتف بحال توافر المعلومات لدينا، اتجه إلى مكان لقاء الصديق، واتصل به لاخبره انني ربما سانزل نحو منزل وليد جنبلاط علنا نلتقي هناك او نلغي لقاءنا، الهاتف الخليوي (الجوال) يعطيني إشارة انه خارج الخدمة، لوهلة اعتقدت ان الهاتف تعطل في هذه الثواني، الشبكة تظهر على الشاشة، الارسال ممتاز، ولكن لا امكانية للاتصال، بعد خمس دقائق من الانفجار توقفت الاتصالات في بيروت.

الاضرار في الطوابق العليا من مبنى قديم
يتصل نبيل ، اسأله عن صعوبة الاتصال، نعم يجيب، ثمة مشكلة، ولحسن الحظ انه مشترك بشبكة اخرى، يصل صديقي وانا لا ازال احاول الاتصال باي من زملاء الديسك في إيلاف، يخبرني الزميل نبيل ان ثمة من اتصل به ويبدو ان الانفجار على الشريط البحري لبيروت، صديقي الناشط سياسيا ضمن المعارضة - طالما اختلفنا معا في كل شيء تقريبا – يوصلني إلى اقرب ما يمكن من الشريط البحري، ثم نكتشف ان شرطة السير تغلق الطرق عشوائيا تقريبا، المهم منع المواطنين من الوصول إلى مكان الخطر، دقائق كثيرة ثمينة انقضت، اركض مترجلا من السيارة، ومن قرب ما كان يشكل فندق "هوليدي ان" يظهر الشريط البحري، ثمة زجاج محطم على مبعدة سبعماية متر (خط نار او خط مباشر) من مكان الانفجار.

في موقف سيارات كبير بدأ موظفو فندق الفينيسيا بالتجمع، وثمة فريق صغير من الصليب الاحمر يضمد الجرحى، كل هذا الوقت الاتصالات الهاتفية معطلة، ادخل إلى دكان بقالة لاجراء مكالمة هاتفية، "الخطوط مقطوعة" يقول رجل عجوز في الدكان، كل الطريق شبان وشابات يحاولون اجراء اتصال بهواتفهم، للحظة اتذكر حرب نيسان العام 1996، حيث لحظة ضربت الضاحية الجنوبية انهارت شبكة الهاتف الخليوي تحت وطأة كثافة الاتصالات، ولكن ثمة امر اخر كما يبدو الان، الشبكة لم تنهار تماما، ولكن ثمة ما يمنع من الاتصال.

على مبعدة مبنى واحد من حيث كانت السيارات تشتعل، ولكن على الشارع الموازي تماما، كان ثمة قطعة حديدية من سيارات، متفحمة وممزقة وملتوية، لن الاحظ ان مكان الانفجار لا يظهر مباشرة للعين، وساعود بعد اربع وعشرين ساعة لاسير في المكان، الاستنتاج الوحيد لوصول قطعة السيارة هذه هو ان تقفز فوق المبنى الذي يشكل فندق الفاندوم الضخم وتقع في الشارع الموازي للشارع حيث وقعت الجريمة.

الاضرار في الطابق الاول من المبنى المواجه اكبر من الأرضي والثاني
اتمكن اخيرا من الاتصال بزميلتي مراسلة إيلاف ريما زهار، ارجوها الا تقفل الخط لاي سبب، كنت قد تكلمت مع عدد من الشهود العيان، وانا اتابع سيري، وهم يفرون من المنطقة، وكذلك مع جريح كان قرب منطقة الانفجار، اخبرتها ان تبلغ الزميلات النهاريات في الديسك بيلاف باية وسيلة بان شخصية سياسية رئيسية تعرضت لمحاولة اغتيال بعبوة ناسفة كبيرة قرب فندق الفينيسيا في بيروت، سألتني ريما من هو، رفيق الحريري قلت لها "ولكن لا تعلني الامر ريما لست واثقا"، والحقيقة كنت غير مصدق للأمر، وحملت شكا بان يكون رفيق الحريري هو ضحية الانفجار، اضف إلى انه لربما نجا او اصيب اصابة طفيفة، او ربما كان الشهود الذين شاهدوا موكبه يدخل قرب فندق الفينسيا لم يلاحظوا خروج الموكب سالما من قرب فندق الفاندوم.

اصل إلى قرب نقطة الانفجار، عشرات الفضوليين ومثلهم من القوى الامنية، الجيش اللبناني وقوى الامن وفرقة مكافحة الإرهاب التابعة لوزارة الداخلية اللبنانية، اتحاشى القوى الامنية واضطر إلى قطع مسافة طويلة، بطاقتي الصحفية ليست في جيبي، واعرف جيدا من الانفجارات السابقة الاحداث الامنية التي غطيتها خلال الاعوام الخمسة عشر الماضية مدى توتر وحساسية رجال الامن في مواقف مشابهة ومدى قسوة التعليمات التي يتلقونها وهم يركضون هنا وهناك. ادور حول موقع الانفجار، فرق الاطفاء تصل تباعا وكذلك الدفاع المدني والصليب الاحمر، المزيد من السيارات التابعة لكل الفرق تصل تباعا إلى المكان، احاول بيأس الاتصال بمصور إيلاف وائل اللادقي، اعرف انه ان لم يسبقني إلى الموقع فسيكون قريبا الان في مكان ما حولي.

لحظة وقفت على نقطة مشرفة على مكان الانفجار كان ثمة شيء غريب، الطابق الاخير من مبنى قديم انهار، بينما الطوابق السفلى لم تتضرر بشكل بالغ، ومن الناحية المقابلة لمكان الانفجار كان الطرف الغربي لفندق السان جورج هو الاكثر تضررا، بينما الطرف الشرقي والوسط لم تيمنى باضرار مماثلة، وقبل معاينة حفرة الانفجار ومن خلال الاضرار المحيطة بالمباني القليلة في المنطقة الواقعة على الخط البحري كان يمكن بسهولة تقدير زنة العبوة الناسفة بمئة وخمسين كيلوغراما من التي ان تي.

سيارتان في الدائرة المباشرة للعبوة لم يحركهما الانفجار من مكانهما
تسألني زميلة صحافية "كيف يمكنك ان تقدر الزنة؟" ويتضح لاحقا ان الزميلة كانت على حق، الحفرة وعمقها تظهر زنة اكبر من تلك التي قدرتها عبر تقدير الاضرار، اتصل مجددا باعجوبة بالزميلة ريما وابلغها ان الحريري هو المستهدف وان ثمة معلومات متناقضة حول مصيره. وفي هذه اللحظات فان المصور الذي التقط صورة رفيق الحريري ميتا لم يعرف انه صور من كان رئيس الحكومة السابق، كان الجحيم يتحول إلى رماد، والنيران تطفئ، والجثث تكتشف، ورجال الدفاع المدني يركضون مسرعين ببقايا بشرية وضعوها على حمالات لنقلها بعيدا عن اعين الفضوليين، وكان يمكن احصاء الجثث تمر، كما يمكن ملاحظة عدد من الجرحى المصابين اصابات بليغة.

دروس أولية في الكيمياء والفيزياء

حين تنفجر العبوات الناسفة فانها تولد ضغطا كبيرا يسمى عادة بالجهد الانفجاري او القوة الانفجارية، هو نتيجة تحول كيميائي سريع للمواد المتفجرة من حالة صلبة او سائلة إلى حالة الغاز، وعادة ما تنفجر المواد الكلاسيكية نتيجة تعرضها لصدمة قوية وسريعة، أي انفجار اخر، هو ما يحدثه الصاعق، وباتجاه انفجار الصاعف يذهب معظم الجهد الانفجاري، فان كان الصاعف مزروعا في اسفل العبوة الناسفة فان الجهد الانفجاري الرئيسي سيكون باتجاه الاعلى وان كان الصاعق مزروعا في الجانب الايمن فان الجهد الانفجاري سيتجه إلى اليسار.

ثمة امكانية تقنية لتوجيه الانفجار أيضا، عبر استخدام الصاعق وعبر رصف المواد المتفجرة (سواء اكانت الواح تي ان تي او غيرها) ونتيجة التفاعل الكيميائي السريع تنشأ ليس فقط قدرة ضغط عالية، بل أيضا حرارة مرتفعة، يمكنها ان تصل إلى آلاف الدرجات المئوية في بعض العبوات المخصصة ضد المدرعات.

سيارتان من الموكب على حافة مركز العبوة لم يقذفهما الانفجار
لاحظ الجنود يسيرون على حافة ارتفعت إلى الاعلى
اضافة إلى هذا العامل ثمة عامل اخر يؤثر على الدقرة التدميرية للمواد المتتفجرة، هو المسافات، فان حصل الانفجار في منطقة خالية فان الجهد الانفجاري يذهب في الخواء، وان حصل الانفجار في شارع ضيق على سبيل الافتراض فان الجهد الانفجاري سيؤدي إلى اضرار بالمباني المحيطة، وعادة بحالات العبوات الناسفة الكبيرة والتي يتم زرعها في سيارات إلى جانب الطرقات (كما كان يحصل في لبنان خلال الحرب الاهلية) فان الجهد الانفجاري يضرب اسفل المباني، مما يؤدي إلى انهيار الاعمدة الاساسية للمباني وبالتالي عدم قدرة الاعمدة الاسمنتية المتبقية من توزيع ثقل المبنى وتوزيعه فينها جزء من المبنى او كله بحسب حالة البناء.

عودة إلى ساحة الاغتيال

وبهذه المعلومات البسيطة يمكن لاي مشاهد لما حصل يوم الاثنين الرابع عشر من الشهر الحالي قرب فندق السان جورج في بيروت ان يكتشف غرابة الانفجار، اولا وقع الانفجار في منطقة بها بضعة مباني فقط لا غير، بينما المدى مفتوح حول هذه المباني باتجاه البحر وطريق عريضة، وهو ما يعني بان الجهد الانفجاري سيتشتت في المدى الواسع، ولن يشكل ضغطا مضاعفا على اعمدة المباني المحيطة به، وحين كنت انظر إلى المباني المحيطة وخاصة مبنى السان جورج ومبنى اخر قديم انهار طابقه الاعلى بدى المنظر شاذا بطريقة لافتة.

الجزء الاعلى من مبنى قديم تعرض لضغط انفجاري كبير بينما الطوابف السفلى منه لم تتضرر، المبنى المواجه مباشرة لمكان الانفجار تعرض الطابق الاول والثاني منه لضغط الانفجار بينما الطابق الارض والطوابق العليا لم تتعرض لضغط مماثل، الجزء الغربي من الطوابق العليا لمبنى السان جورج تعرض لضغط انفجاري وتم تدميره، بينما الطوابق السفلى من الفندق لم تتدمر، الاعمدة الاسمنتية الداخلية في مبنى السان جورج تدمرت من الاعلى، بينما بقيت واقفة ولم تدمر من اوسطها او اسفلها.

قطعتان كبيرتان من الاسفلت رفعها الانفجار من الارض
صف السيارات الذي كان يشكل موكب الحريري تعرض لحريق كاسح، وتمزقت بعض اجزاء السيارات الا ان ضغط الانفجار لم يرمي بهذه السيارات بعيدا عن نقطة التفجير التي تحولت إلى حفرة عميقة، السيارات المحطية بالمكان لم يقذفها الانفجار بعيدا عن نقطته، يخرج زميل مصور في جريدة السفير وهو يقول ان الحفرة التي احدثها الانفجار عميقة جدا، وبعد لحظات تبدأ قوات الجيش اللبناني بابعاد الجميع عن مكان الانفجار، الصحافيون والمراسلون والمصورون والفضوليون، الحشد كان يكبر، والكل يحاول استخدام الهاتف الخليوي ولكن لا زالت الاتصالات مقطوعة.

بعد مضي ساعة على دوي الانفجار، او ربما أكثر قليلا تأكدنا من مصدر امني كبير وصل إلى مكان الانفجار ان الرئيس الحريري قد مات، الخبر حصلت عليه زميلة تعمل في احدى الصحف الورقية، المصدر الامني اجابها عن سؤالها حول موت الحريري بهزة بسيطة من رأسه، الاتصالات لا تزال متوقفة، والحظ وحده يمكنني من الاتصال بزميلتي ريما، اعطيها الخبر، تقول لي انها لاتتمكن من الدخول إلى شبكة الانترنت ولكنها ستتصل بالزميلات في الديسك لاعطائهم الخبر وتفاصيله.احاول الاقتراب مجددا من موقع الحدث، المنطقة المحيطة اصبحت تشبه ثكنة عسكرية بحالة تأهب.

"قف على سطح السيارة وانظر إلى المكان" يقول لي زميل مشيرا إلى تفحم سيارات موكب الحريري، "لا احد يخرج حيا من جحيم مشابه"، السيارات المتوقفة على جانبي الطريق وعلى امتداد أكثر من مئة وخمسين مترا طولا عن نقطة الانفجار تعرضت لضغط بحيث تحطمت نوافذها، وبدل خروج اسقف السيارات إلى الاعلى كما كنا نرى في حالات التفجير المعتادة، امتص الضغط اسطح السيارات المتوقفة على جوان الطرق إلى الاسفل، إلى داخل هيكل السيارات.

الغرق في الخبر

الصورة الشاذة: الجهد الانفجاري يعلو مع المسافات
لم يكن ممكنا كتابة أي تقرير تفصيلي، ضغط المواد الاخبارية أكبر من ان نكتب التفاصيل، كل ما فعلته مجموعة إيلاف كان ينحصر في اعطاء صورة سريعة لما يحصل، اضافة إلى الركض خلف الخبر، عادت الاتصالات الهاتفية جزئيا، لم يتوقف الهاتف عن الرنين، الوصول إلى اجهزة الكومبيوتر وتفريغ ما امكن من موادنا والصور هو الاولوية بعد حوالي الساعة ونصف إلى الساعتين من حصول الانفجار. حتى لحظة خروجي من ساحة الانفجار كانت اذاعات محلية تقول ان الحريري جريح في مستشفى الجامعة الاميركية، اتصلت بي زميلتي ريما لتسألني عما لدي من معلومات حول مصير الحريري، كان احد مرافقيه قد اكد لنا وهو يبكي الخبر الذي عرفناه، اكدت لها الأمر، وتركت لها مجالا للشك، كل الانباء متضاربة.

حين وصل زميلي المصور وائل لم ننظر إلى الصور، تصفحناها بسرعة، اخترنا بعضها، كنا نملك مئات من الصور، تابعنا الخروج وملاحقة النباء، وائل ذهب إلى مستشفى الجامعة الاميركية وانا إلى كتابة تقريري بسرعة قبل ان اعود للخروج إلى منزل الحريري.

انتهى اليوم الاول قبيل شورق الشمس في بيروت، ليس دون ان يتعرض زميلي المصور للدفع والاهانة قرب مقر حزب البعث في منطقة الكولا في جنوب بيروت. وكنا نملك مئات الصور لموقع التفجير وكافة الاحداث.

اليوم التالي يوقظني زميلي المصور باكرا بالنسبة لمن نام مع الفجر، نعود إلى مكان الانفجار ومنه ننطلق في بداية جولة اليوم التالي، هي احدى عادات الصحافيين السيئة باستعادة الاحداث، نصل إلى المكان، نلتقط المزيد من الصور لموقع التفجير، نشاهده من زاويتين متقابلتين، لقد تمت ازالة كل سيارات موكب الحريري من المكان، لم نعرف من ازالها بهده السرعة، لم تنقضي 24 ساعة على حصول الجريمة، ولكن المكان صار يبدو أكثر تنظيما بعد فوضى الامس، قوى الامن الداخلي والمحققون الجنائيون يرفعون قطعا لسيارات متفحمة، ربما كانت هي السيارات المشتبه بها.

سيارة مرافقة وداخل صندوقها جهاز التشويش
منذ ليل الامس وكل اجهزة الدولة وشخصياتها الرسمية والسياسية تروج لكون التفجير تم عبر انتحاري، اتى بث شريط فيديو يتبنى العملية بمثابة خشبة خلاص لاركان الدولة، تم توجيه اصبع الاتهام إلى الإرهاب الاصولي، تركزت كل التصريحات الرسمية على شريط الفيديو والشاب الذي ظهر فيه، ولكن ليلا كان يمكننا مع قليل من التهرب من الاخبار ان نشاهد الصور التي التقطناها من مكان الحدث.

حتما لا، ليست سيارة مفخخة ما ادى إلى مقتل رفيق الحريري، ثمة شيء اخر، هذا الانفجار اتى من مصدر تحت الارض، "كان هناك ورشة صيانة مكان الانفجار قبل اسبوع من التفجير" يقول زميل مصور، ويؤكد كلامه ببرود زميل مصور اخر اكبر سنا واكثر خبرة في تغطية الاحداث الامنية، "صحيح سبق ان اغلقت الطريق هناك لاعمال الصيانة الارضية".

ما كنت الوم زميلي المصور وائل عليه من انه يعطيني صورا أكثر من قدرتي على النشر، واكثر حتى من قدرة جهاز كومبيوتري على الحفظ اصبح الان نعمة، ثمة مرجعية كاملة تكمن في الصور التي لدينا، في صور الانفجار تظهر كل المعطيات، المباني واتجاه الجهد الانفجاري إلى الاعلى، مما ادى إلى رفع سقف فندق السان جورج، المبنى المقابل، اتجاه الحفرة إلى الاعلى، قسطل من الحديد ارتفع إلى الاعلى من باطن الارض، ولم يفتته الانفجار، ويظهر في الناحية المقابلة دائرة في قطعة اسمنتية حيث كان يفترض ان يكون القسطل الحديدي متصلا قبل الانفجار، وهذه الفتحة التي كان متصلا بها القسطل هي نفسها باتت تتجه إلى الاعلى، صخور رفعها الانفجار من الارض إلى الاعلى، سيارات الموكب الاخيرة والتي لم يقذفها الانفجار، حيث انها لم تتعرض للجهد الانفجاري الرئيسي.

مئات من الصور مكنتنا من رؤية ساحة الجريمة بعد يومين من وقوعها بعين مختلفة، لقد حصلنا على ساعة من الوقت لتصفح الصور، ثمة شيء مدهش هنا، هذا المشهد لم نره سابقا، الانفجار تم من قاعدة ارضية، ولو كان من سيارة لما كان ادى إلى حصول حفرة باتجاه الاعلى، ولكان دفع بالصخور والقسطل الحديدي إلى الاسفل حتما.

الصخور في نقطة الانفجار تتجه نحو الاعلى
تقدير قوة العبوة بمئة وخمسين كيلو غرام من التي ان تي هو نتيجة رؤية الاضرار في المباني المجاورة والسيارات المحيطة، ولكن الخبراء الرسميون والمحققون قدرواا وبناء على تفحص الحفرة زنة العبوة بما بين 350 كيلو غرام ونصف طن من التي ان تي، وهي مكونة من مواد أنشط من التي ان تي، واذا افترضنا صحة التقديرين معا، فيمكن الاستنتاج بان هناك قدرة انفجارية اظهرتها الحفرة اكبر مما اظهرته اضرار المباني المحيطة وخاصة السيارات في مكان التفجير. ليست الارض هي المستهدفة بالتفجير، ولكن كان لا بد من وضع كمية ضخمة من المتفجرات لان الارض ستمتص جهدا انفجاريا كبيرا وبالتالي ما سيتعرض له الموكب المستهدف سيكون اقل.

في مبنى حزب الكتائب الذي تعرض لعبوة ضخمة في النصف الاولى من التسعينيات نجا المكتب السياسي الكتائبي (باغلبها) كون الجهد الانفجاري امتصته الارض اسفل مبنى الحزب الذي يقف على تلة، كانت الارض الصخرية هناك قد شكلت حاجزا طبيعيا امتص القدرة الانفجارية، وكانت الاضرار التي احدثها الانفجار في المبنى الكتائبي غير فادحة قياسا إلى حجم العبوة.

في موكب الحريري الجهد الرئيسي كان في الارض، ما ادى إلى حريق الموكب وتحطم السيارات (دون قذفها بعيدا عن مركز الانفجار) هو جهد ثانوي نسبيا للعبوة الكبيرة. الا ان المهندس الذي صمم العبوة قد اخذ بعين الاعتبار كل النقاط.

التكنولوجيا ضد التكنولوجيا

فندق السان جورج الاعمدة متضررة من اعلاها
السؤال الاول الذي طرحه الجميع هو كيف امكن تجاوز اجهزة التشويش والمسح التي يحملها موكب الحريري، هذا السؤال عززته السلطة اللبنانية، لترفع احتمال تعرض الموكب لهجوم انتحاري، ومن المعروف ان رفيق الحريري يمتلك احدث التكنولوجيات في الامن والحماية، ولكن لنفترض ولنخمن.

في لبنان وبعد الاجتياح الإسرائيلي تم وضع معادلة بسيطة لتجاوز القدرة التكنولوجية المتقدمة للجيش الإسرائيلي، لضرب التقدم التنولوجي يمكن اللجؤ إلى أكثر الاشكال بساطة في العمل، التفجير السلكي بدل التفجير اللاسلكي، مجموعات صغيرة من المقاتلين بدل المواجهات المباشرة الخ...

في حال صح زرع العبوة التي ادت إلى مقتل رفيق الحريري تحت الارض فما المانع من ربطها مباشرة بخط هاتفي ارضي محدد من ضمن شبكة الهاتف في المنطقة، ما المانع من وضع جهاز استقبال ضوئي صغير بارز لمسافة نصف سنتيميتر فوق الارض يعمل بالاشعة تحت الحمراء، ويمكن تفجيره من مسافة قريبة نسبيا ضوئيا (انفرا ريد)، او زرع جهاز استشعار يعمل تحديدا على استقبال موجات التشويش التي يرسلها موكب الحريري، وبدل ان يتعطل من اجهزة التشويش فانه سيتم تفعيله من هذه الاجهزة نفسها. الاحتمالات التقنية أكثر من ان تعد هنا. ويتحول السؤال هنا إلى من يملك القدرة التقنية على تنفيذ كل ذلك.

قسطل حديدي يرتفع من الارض إلى الاعلى
وفي الناحية المقابلة دارة اسمنتية حيث كان الطرف الثاني للقسطل

سيارة من الموكب وجنود لاحظ كيف شكل الانفجار حفرة طرفها يرتفع إلى الاعلى

اليوم التالي الصورة اوضح للاضرار في فندق السان جورج