ن

عبد الناصر والشقيري يوم إعلان
قيام منظمة التحرير الفلسطينية 1964
صر المجالي من لندن: اصبح في حكم المؤكد أن ألفا من لواء بدر التابع لقوات جيش التحرير الفلسطيني سيتوجه من مواقعه في الأردن الى مناطق ستخليها إسرائيل في الضفة العربية، للقيام بمهمات حفظ الأمن بالتعاون مع قوات أمن السلطة الفلسطينية، وكان جرى الحديث عن إرسال هذه القوات منذ زمن طويل، لكن تصريحات العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي أول من أمس كانت صريحة في هذا الاتجاه، والملك أشار إلى أن القرار تم بالتنسيق مع القيادة الفلسطينية وإسرائيل.

وبذلك القرار يكون تم حسم الجدل حول المعلومات التي كانت أثيرت في الأوان الأخير عن اعتزام الأردن إرسال جزء من قواته إلى الضفة الغربية التي فقدها الأردن، حيث كانت تابعة لسيادته في الحرب العربية الإسرائيلية التي أطلق عليها اسم حرب الأيام الستة إسرائيليا، ونكسة حزيران عربيا.

ومع عودة هذه القوات التي تخضع للقيادة العسكرية الأردنية، حسب قرار قيام جيش التحرير من جانب المجلس الوطني العام 1965 ، وهو حال القوات المماثلة التي ترابط في كل من سورية ومصر. وكانت الاستعدادات بدأت منذ أشهر في قطعات جيش التحرير المرابط في الأردن الذي يقوده اللواء فيصل عزت الفاهوم، من حيث التدريب والجهوزية القصوى إمدادا وتدريبات، كما تمت أيضا دعوة الشباب الأردنيين من أصل فلسطيني من سن 17 إلى 27 عاما للتجنيد "إذا كانوا راغبين بالعودة للضفة مع قوات هذا الجيش" الذي يسبق مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين بهذه العودة تحت غطاء ومهمات أمنية.

يشار أيضا إلى أن السلطة الفلسطينية حين عادت إلى المناطق المحتلة في أواسط التسعينات استعانت بجنود من قوات حطين المرابطة في الأردن، ومن لواء عين جالوت المرابط في مصر للمساهمة في الترتيبات الأمنية، لكن صلاحيات هذه القوات انتزعتها لاحقا فصائل أمنية عديدة كانت تتبع مباشرة للرئيس الراحل ياسر عرفات.

يذكر أن جيش التحرير الفلسطيني يتبع للدائرة العسكرية في منظمة التحرير الفلسطينية، حسب قرار إنشائه رسميا العام 1964 بضغوط من الراحل أحمد الشقيري أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولكن قيام هذا الجيش سبق ذلك التاريخ بوقت طويل ولكن من دون أن يسمى رسميا بتلك الصفة، حيث تشير الوثائق الرسمية لدى مركز المعلومات الفلسطيني الى أن الجيش جاء وريثا لمحاولات محدودة في دول عربية عدة، لإقامة وحدات عسكرية فلسطينية، من بينها "الكتيبة 141"، و"كتيبة الاستطلاع 68"، و"فوج التحرير"، في خمسينات القرن الماضي.

* دور الاستخبارات العربية

وتشير الوثائق إلى أن إنشاء "الكتيبة 141 ـ فدائيين" جاء نتيجة لشن القوات الإسرائيلية غارات مسلحة متوالية ضد التجمعات الفلسطينية في قطاع غزة، وخاصة اعتداء 28 شباط (فبراير) 1955، والتي قامت به الكتيبة (101) الإسرائيلية، التي أسسها وتولى تدريبها، أرييل شارون، بالإضافة إلى "مشروع شمال غرب سيناء"، الذي هدف إلى توطين 60 ألف فلسطيني في صحراء سيناء، ما أدى إلى قيام شعب القطاع بانتفاضة، طالب فيها برفض هذا المشروع، وتشكيل جيش عربي ـ فلسطيني، وهو ما أدى إلى حضور الزعيم جمال عبد الناصر إلى غزة، وتشكيل قوات الفدائيين الفلسطينيين، والتي تحولت إلى وحدات، ثم إلى كتيبة 141، والتي تولى أمرها مدير الاستخبارات الحربية المصرية في قطاع غزة، البكباشي (المقدم) مصطفى حافظ، وقد قامت هذه الكتيبة بالعديد من العمليات الفدائية داخل الأراضي المحتلة، وأرهقت القوات الإسرائيلية، وأقلقت إسرائيل على كيانها، وبدأ الإسرائيليون يبحثون عمن وراء كل هذه العمليات. التقت كل الأسهم عند البكباشي (المقدم) مصطفى حافظ، وبدأ التخطيط لاغتياله، حتى تم اغتياله، بالفعل، في يوم 11 تموز(يوليو) 1956. بعد أن تمكنت عناصر الكتيبة 141 من قتل نحو 1400 إسرائيلي (حسب البيانات الفلسطينية).

وفي سورية، فإنه على غرار الاستخبارات المصرية، أنشأت الاستخبارات العسكرية السورية، بناءً على أوامر عبد الحميد السراج، الرجل القوي في سورية أثناء الوحدة مع مصر "كتيبة الاستطلاع 68"، في كانون الأول (ديسمبر) 1955، وكان أبرز رجالها الفلسطيني محمد خليفة (أبو عبد الله) والضابط السوري أكرم الصفدي. وبرز في أحداث 1958 في لبنان، من أعضاء هذه الكتيبة، جلال كعوش، ونفذت هذه الكتيبة بعض العمليات في الجليل، وغور طبرية، ثم ضمت إلى "جيش التحرير الفلسطيني"، عند تأسيسه، في 5/9/1964.

أما فوج التحرير، فإنه قام بدعم عراقي ، حيث دعا إلى قيامه الرئيس العراقي الراحل اللواء عبد الكريم قاسم في العام 1959 حيث انضم إليه نحو 300 جندي، و50 ضابطاً من الفلسطينيين، ونسبة كبيرة من هؤلاء الضباط كانوا من قطاع غزة ،من المقيمين في دول الخليج، ومن فلسطينيي لبنان، والعراق، وعدد قليل من الأردن، أما جنود الفوج فكانوا من فلسطينيي العراق، واتخذ الفوج من معسكر الرشيد قرب بغداد مقرا لقيادته.
والذي دفع المتطوعين للالتحاق بهذا الفوج ظنهم بأنه سيكون نواة الحركة المسلحة الفلسطينية، التي تأخذ دوراً طليعياً في معركة التحرير، غير أن الأيام خيبت ظنهم. ففي عهد قاسم لم تزد مهمات الفوج عن الاستعراض أثناء زيارات الوفود العربية للعراق والتدريب المتكرر في معسكر الرشيد قرب بغداد. ولكن مع إطاحة قاسم في انقلاب عبد السلام عارف في 8 شباط (فبراير) 1963 ، فإن وزارة الدفاع العراقية عرضت3 خيارات أمام ضباط الفوج: التسريح أو النقل إلى الوحدات العراقية أو البقاء في الفوج. ثم أُلحق الفوج بالوحدات العراقية العسكرية العاملة في شمال العراق، وأُبدل اسمه من "فوج التحرير" إلى "الفوج الأول ـ اللواء 65 المستقل". وقد استمر ضباط الفوج في الجيش العراقي، حتى تشكيل جيش التحرير الفلسطيني.

وإذ ذاك، فإنه مع تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية في مؤتمر القمة العربي الثاني المنعقد في الإسكندرية، في أيلول (سبتمبر) 1964 فإن أحمد الشقيري، مندوب فلسطين في جامعة الدول العربية، سارع الى عقد مجلس وطني فلسطيني، مكون من 388 عضواً في القدس، في 28 آيار (مايو) 1964 حيث تقرر تأسيس "جيش التحرير الفلسطيني"، وصار من ضمن إدارات المنظمة العليا مثل اللجنة التنفيذية والمجلس الوطني ومركز الأبحاث. ولكنه اُتبع للدائرة العسكرية في المنظمة.

ومع قيام هذا الجيش،تم افتتاح أول معسكر في قطاع غزة، في آيار (مايو) 1964، فيما افتتحت الحكومة الجزائرية معسكر تدريب للفلسطينيين، وظهر أول وجود علني للجيش الفلسطيني النظامي، في احتفالات الجمهورية العربية المتحدة (مصر) بعيد الثورة، في يوم 23/7/1964، حيث اشتركت وحدات رمزية في العرض العسكري، باسم "جيش فلسطين".

وأيد مؤتمر القمة العربية الثانية، الذي انعقد في الإسكندرية، يوم 5/9/1964 قرار منظمة التحرير الفلسطينية، بإنشاء جيش التحرير الفلسطيني، التابع للمنظمة، وعينت ضابطاً فلسطينياً قائداً لهذا الجيش. وبدأ تشكيل وحدات جيش التحرير الفلسطيني في سورية والعراق ومصر والأردن، فتشكلت في سورية "قوات حطين" (3 كتائب مغاوير ووحدات إسناد ودعم)، وفي العراق "قوات القادسية" (كتيبة مغاوير ووحدات)، وفي مصر "قوات عين جالوت" (3 كتائب ووحدات)، وتشكلت في كل من لبنان، والأردن (كتيبة مغاوير).

يذكر أن أول قائد لجيش التحرير الفلسطيني كان اللواء وجيه المدني، وهو ضابط فلسطيني كان يرأس حرس أمير الكويت ثم تم تعيين ضابطين فلسطينيين، يقيمان في سورية، هما صبحي الجابي، ومحمد أبو حجلة، مستشارين عسكريين، ثم عين الجابي رئيساً للأركان، في تموز (يوليو) 1962 .

* الأردن والمنظمة

إ

الراحلان فيصل بن عبد العزيز وعبد الناصر
يحققان مصالحة أردنية فلسطينية العام 1970
نطلق "جيش التحرير الفلسطيني"، خلال السنة الأولى من تشكيله، بقوة إجمالية، راوحت بين 4,000 و5,000 رجل، وقد توسع، تدريجياً، حتى بلغ قوامه 12000 رجل، عشية حرب 1967. وواجه الجيش، عقب خسارة التجمعات البشرية الرئيسة في قطاع غزة والضفة الغربية، ظروفاً صعبة، فانخفضت قواته إلى 5500 رجل، في الفترة من 1964-1976، إلا أنه ظل يستقطب المتطوعين من الأراضي المحتلة، وطبَّق التجنيد الإلزامي على الفلسطينيين في سورية ما أدى إلى زيادة تعداده، في 1968-1970، إلى 6,600 رجل، وأضيف إليه فدائيو "قوات التحرير الشعبية"، استقر حجم الجيش في سبعينات القرن العشرين على 8000 رجل.

وبرزت أول أزمة في خطوات تشكيل الجيش العام 1966، حينما اقترحت المنظمة على الأردن السماح لها بتطبيق التجنيد الإلزامي على الفلسطينيين وإنشاء كتائب أخرى للجيش، حيث تفجرت الأزمة كون الأردن راى أن هذا تدخل في شؤونه الداخلية، لأن التجنيد كان سيشمل فلسطينيين يعتبرون أردنيين بحكم الدستور، وكانت الضفة الغربية وقتها جزءا لا يتجزأ من المملكة الأردنية الهاشمية. وفي الأخير توصل الجانبان إلى تسوية لم تنفذ معظم بنودها وهي تنص على :
ـ مواصلة الحكومة الأردنية دراسة موضوع التجنيد الإلزامي.
ـ إحالة موضوع تشكيل وحدات الجيش إلى القيادة العربية المشتركة.
ـ تأليف لجنة من قيادة الجيش الأردني وجيش التحرير لدراسة موضوع تشكيل وحدات جيش التحرير الفلسطيني.
ـ إنشاء المنظمة معسكرات في فصل الصيف للتدريب العسكري في الأردن.
ـ تسليح المدن والقرى الأمامية بمساهمة مالية من المنظمة.

وإثر تأزم العلاقة بين الحكومة الأردنية والمنظمة، انقطعت العلاقات بينهما، في تموز (يوليو) العام 1966، فيما كان التوتر يسود العلاقات العربية بصفة عامة، وعقد المجلس الوطني الفلسطيني دورته الثالثة، في غزة، في 20 تموز(يوليو) لبحث مستقبل جيش التحرير، وقرر المجلس:
ـ مناشدة الدول العربية الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه قيادة الجيش.
ـ تحويل إيرادات "الصندوق القومي" إلى حساب "جيش التحرير".
ـ وضع الدائرة العسكرية في قيادة المنظمة تحت إشراف قيادة الجيش.

على الرغم من الصعوبات التي واجهها "جيش التحرير الفلسطيني" في مرحلة تأسيسه، فإن قيادته استطاعت أن توفر لأفراده مستوىً تدريبياً عسكرياً جيداً فتخرجت الدفعات الأولى من ضباط الجيش من الكليات العسكرية العربية، وتم إرسال بعثات تعليمية للانتساب إلى كليات عسكرية في الدول الاشتراكية الصديقة، وخصصت المنظمة 85% من موازنتها للجيش، فمعظم الدول العربية لم تدفع حصصها المالية. ويمكن القول إن عام 66 شهد تطويراً لوضع الجيش ولكنه شهد، في الوقت ذاته صعوبات أثرت سلباً في تنفيذ المرحلة الثانية من إنشائه.

* حرب 1967والأزمات

كان تطور الجيش وتسليمه يسيران ببطء، بسبب الصعوبات التي واجهها، وقد جابه هذا الجيش، في عام 1967، ثلاثة أحداث مهمة، وهي انعكست سلبيا على تنفيذ المرحلة الثانية من خطة إنشائه، ولعل أول ذلك إصدار رئيس المنظمة الشقيري، في 1/2/1967 بياناً، في القاهرة، أعلن فيه تشكيل "مجلس قيادة الثورة"، وقرر هذا المجلس تطوير جيش التحرير، بحيث يصبح جيشاً ثورياً، وتطوير موازنته، وتشكيله، وجميع شؤونه. وقرر "مجلس الثورة" إخضاع الجيش لسلطة مجلس تحرير، يضم خيرة الكفايات العسكرية العربية، ولكن قيادة الجيش لم تقبل، واعتبرت مجلس التحرير سلطة تنقص من مسؤولياتها في قيادة الجيش.

أما الحدث الثاني، فكان نشوب حرب 1967، وكانت أول تجربة مهمة للجيش، الذي خاض الحرب، خاصة في قطاع غزة. وكانت منظمة التحرير وضعت قوات الجيش، في شهر آيار(مايو) 1967، تحت تصرف القيادة السورية (قوات حطين) والقيادة العراقية (قوات القادسية) والقيادة المصرية (قوات عين جالوت) لإشراكها في المعركة ضد العدو الإسرائيلي، إذا ما شن عدوانه.وثالثا، وأخيرا، استقالة أحمد الشقيري من رئاسة منظمة التحرير، وتولى يحيى حمودة رئاسة المنظمة، بالوكالة.

وتشير وثائق مركز الدراسات الفلسطينية إلى أنه في أيلول (سبتمبر) 1967 جمع وجيه المدني الضباط، وأوضح لهم بأنه لابد من التحول للعمل الفدائي، وطلب متطوعين من بين الضباط، اختير من بينهم عشرة ضباط، وهم: فايز جراد، وليد أبو شعبان، حسن أبو لبدة، أحمد صرصور، يحيى رفيق عكيلة، صائب العاجز، عمر عاشور، ويرجس ديب إحجير. انتقلوا جميعاً إلى الأردن، وقادهم فايز الترك، على أساس أن يلتحقوا بقوات الداخل، التي يقودها كل من مصباح صقر، ووليد أبو شعبان، وحسين الخطيب، ونمر حجاج. إلا أن الاستخبارات السورية اعتقلت المجموعة المتجهة من القاهرة إلى الأردن، عبر سورية وإن أعادوا الكرة، عن طريق بغداد، في مطلع تشرين الثاني(نوفمبر) من العام نفسه. ونقلتهم سيارات الجيش العراقي من بغداد إلى عمان، وتشكلت مجموعات "قوات التحرير الشعبية"، ودخلت إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، وفق الاتصال بمصباح صقر، منذ شباط (فبراير).1968.

وبنت "قوات التحرير الشعبية" ثلاث قواعد في الكرامة، بقيادة نمر حجاج، والقطاع الأوسط بقيادة أحمد صرصور، والمنطقة الشمالية بقيادة يحيى مرتجى، مع نقطة صغيرة في الكرك في جنوب الأردن، وافتتحت مركز تدريب في جرش، وتولى قيادته وليد أبو شعبان، ثم فايز جراد، فأحمد صرصور، وأخيراً محمد رزق أبو عبده، وقد سقط من "قوات التحرير الشعبية" 24 شهيداً في معركة الكرامة (21/3/68). وفي هذه المعركة قاد مقاتلو "قوات التحرير الشعبية" صائب العاجز، وكان على رأس الشهداء، شحته طبيل، وتولى قيادة التحرير لاحقاً، فايز الترك ثم بهجت الأمين وعبد العزيز الوجيه، ثم بهجت الأمين من جديد.

* ما بعد الشقيري

ومع هذه التطورات والأزمات ومجيء قيادة جديدة للمنظمة ، رأت اللجنة التنفيذية الجديدة أن المرحلة الجديدة تتطلب إجراء تغييرات في مناصب قيادة الجيش، فعينت، في شهر تموز (يوليو) 1968، رئيساً جديداً لهيئة أركان الجيش، وهو عبد الرزاق اليحيى، كما عينت، في 14/12/1968، رئيساً جديداً لهيئة أركان العامة، ومنحته اختصاصات القائد العام للجيش.

وفي مرحلة ما بعد الشقيري وبسبب تركيبة جيش التحرير الفلسطيني، وتأثير الدول العربية المتواجد فيها على قراراته، إلى حد اتخاذ مواقف متعارضة مع مواقف اللجنة التنفيذية للمنظمة، حدث تمرد في "قوات حطين" المرابطة في سورية، على قيادة المنظمة، وذلك في شهر تموز(يوليو) 1968، حين أصدرت القيادة العامة لجيش التحرير بياناً، دعت فيه اللجنة التنفيذية إلى عدم التدخل في شؤون الجيش، حيث ردت اللجنة التنفيذية على تصرف القيادة العامة بأن أسندت منصب رئيس الأركان الى العميد عبد الرزاق اليحيى، خلفاً للعميد صبحي الجابي، واتهمت،كعادة المنظمة، بعض الضباط بالتمرد وباقتحام مكتب المنظمة في دمشق، وباحتجاز رئيس الأركان الجديد لمدة يومين، ثم أوقفت اللجنة التنفيذية صرف رواتب الضباط والجنود هناك، قبل التوسط بين الجانبين، نجحت في إطفاء التمرد وتم إخلاء سبيل اليحيى من قبل المتمردين، وتم الاتفاق بين المتمردين وقيادة المنظمة على تعيين قيادة جديدة للجيش، في أواخر عام 1968، وكان هذا التمرد نتيجة سيطرة الدول العربية المعنية على وحدات الجيش الموجودة على أراضيها، ونتيجة لعدم قدرة القيادة السياسية للمنظمة على التحكم بتوجيه الجيش، أو تنظيمه.

وفي 1/2/1969 عقد المجلس الوطني الفلسطيني دورته الخامسة، في القاهرة، ، وانتخب لجنة تنفيذية جديدة، برئاسة "ياسر عرفات"، الذي شغل منصب رئاسة الدائرة العسكرية أيضاً وكان أول عمل قام به هو زيارة "قوات عين جالوت" المرابطة على قناة السويس مع القوات المصرية، و"قوات القادسية" المرابطة في الأردن مع القوات العراقية، و"قوات حطين" في سورية، ظهرت نتائج التغييرات في قيادة الجيش، حينما شاركت قواته في عملية "الحزام الأخضر" ضد العدو الإسرائيلي، في آب(اغسطس) 1969 حيث قامت قوت القادسية في الأردن، بالاشتراك مع "قوات التحرير الشعبية"، و"قوات العاصفة"، بتنفيذ هذه العملية الناجحة على جبهة طولها 7 كيلو مترات من خط المواجهة، بين الأردن وإسرائيل، وكان حجم القوات المشتركة في هذه العملية أكبر حجم شهدته عمليات المقاومة الفلسطينية، حتى ذلك الوقت.

وتوالت عمليات جيش التحرير العسكرية ضد إسرائيل، حيث تلت ذلك "عملية البكر"، حين قامت مجموعة من "جيش التحرير الفلسطيني" وقوات التحرير الفلسطيني الشعبية، في أيلول(سبتمبر) 1969، بالهجوم على مراكز دفاع العدو على جبهة طولها 10 كيلو مترات، من خط المواجهة بين الأردن وإسرائيل. تلتها عمليات "جيش التحرير الفلسطيني"، بالاشتراك مع "قوات التحرير الشعبية"، ومنظمات المقاومة الأخرى. بالإضافة إلى إسهام جيش التحرير، و"قوات التحرير الشعبية" في معارك حركة المقاومة الفلسطينية، خلال الأزمات التي واجهتها الحركة في لبنان، خلال شهري نيسان (ابريل)وتشرين الثاني(نوفمبر) 1969، وأثناء أحداث الأردن، في أيلول(سبتمبر) 1970. إثر ذلك قررت اللجنة التنفيذية للمنظمة، في 16/9/1970، وقبل اندلاع أحداث الأردن بيوم واحد، توحيد جميع قوات الثورة الفلسطينية، (جيش التحرير، وقوات التحرير الشعبية، وقوات الفدائيين، والقوات التابعة لمنظمات المقاومة، وقوات الميليشيا) تحت قيادة واحدة، وتعيين ياسر عرفات قائداً عاماً لقوات الثورة الفلسطينية.

* حرب 1973

عندما نشبت حرب تشرين الأول(أكتوبر) 73، كان لوحدات جيش التحرير الفلسطيني دور مهم في المعارك، التي دارت على الجبهتين السورية والمصرية، وقد اختلف الدور الذي قامت به وحدات جيش التحرير الفلسطيني في حرب 1973، تبعاً للجبهة التي تواجدت فيها هذه الوحدات، عند نشوب الحرب. تكونت قوات هذا الجيش من كتائب مشاة نظامية، مسلحة بأسلحة خفيفة ومتوسطة، تمتعت بتدريب جيد، ومعرفة بالأراضي المحتلة، قادرة على القيام بمهام وحدات المغاوير، المحمولة بالحوامات، والمشاة المرافقة للدبابات، ومهام التخريب وراء خطوط العدو. وكانت هذه الكتائب، عند اندلاع حرب 1973 موزعة على الجبهات العربية كالتالي:

ـ كتيبة مصعب بن عمير: التي توزعت وحداتها على الحدود اللبنانية الإسرائيلية وأسندت إليها المهام التالية:
ـ العمل خلف خطوط العدو، بنصب الكمائن، وزرع الألغام، وتنفيذ الغارات على تجمعات العدو.
ـ قصف تجمعات القوات الإسرائيلية في المعسكرات، وتدمير جهاز الرادار في جبل الجرمق.
ــ الدفاع عن محور حاصبيا ـ ميمي ـ راشيا الوادي، محور مرج الزهور ـ المصنع بغرض إعاقة أي وحدات للعدو، تحاول التقدم في العرقوب.

ومن جانبها نفذت قوات حطين بعض المهام القتالية، بشكل مستقل، أو كجزء من الجيش السوري. وأهم أعمالها الاشتراك في الهجوم، مع قوات الفرقتين التاسعة والخامسة، السوريتين (مشاة)، وتنفيذ عملية الإنزال بالحوامات على تل الفرس، والإغارة على مؤخرات القوات المعادية، بعد توغلها على جيب سعسع. وتألفت "قوات حطين" من ثلاث كتائب (كتيبة 411 وكتيبة 412 وكتيبة 413) وبلغت خسائرها 44 شهيداً و65 جريحاً.

أما قوات القادسية، التي بقيت مؤلفة من كتيبتين، في احتياطي قيادة جيش التحرير، وتمركزت في بعض المناطق المهمة في عمق الجبهة السورية، ولم تستخدم هذه القوات في المجابهة المباشرة مع العدو، بل كانت مكلفة بإحباط أي محاولة للعدو للضرب في العمق، والتصدي لأي محاولة إنزال جوي. والتحقت كتيبة زيد بن حارثة بالفرقة الأولى للمشاة (الأردنية)، ونظراً لعدم اشتراك الجبهة الأردنية في القتال، بقيت هذه الكتيبة في مواقعها الدفاعية، تقوم بأعمال الدوريات والكمائن في الخطوط الأمامية.

وكانت قوات عين جالوت، التي عملت بإمرة قيادة الجيش المصري، وكانت، قبل اندلاع الحرب، متمركزة آنذاك على قناة السويس، وقد أسندت إلى هذه القوات مهام ضمن خطة العمليات على الجبهة المصرية، لأنها وحدات مشاة خفيفة، تم إلحاقها بالجيش المصري الثالث، الذي أسندت إليه مهمة الدفاع عن الضفاف الغربية للبحيرات المرة، بين كبريت وكسفريت. وبعد عبور قوات الجيش المصري قناة السويس، بقيت قوات عين جالوت ضمن مؤخرة الجيش، ووحداته الإدارية، مع الوحدات العربية الأخرى (الكويتية، المغربية)، وأسندت إليها مهمة الدفاع خلف منطقة العبور وقامت قوات عين جالوت بدفع عدة مجموعات استطلاع أمام منطقة دفاعها، إلى الشمال. وتمكنت هذه المجموعات من التبليغ عن الأعمال الأولى للخرق الإسرائيلي في منطقة الدفرسوار، يوم 16/10/1973، كما قامت بالتصدي للوحدات الإسرائيلية التي تسللت خلف مواقعها، وخسرت قوات عين جالوت 30 شهيداً، و70 جريحاً، وعدداً من المفقودين.

في الختام، يشار إلى أن مجمل الدراسات الوثائقية الفلسطينية تقول إن جيش التحرير لم يكن يعاني أي نقصان في الأسلحة، نظراً لعلاقته العسكرية بالدول العربية، وتوفر الميزانية المالية المخصصة لدى منظمة التحرير،
أما التدريب فتلقى جنود الجيش التدريب على أيدي المدربين المصريين، وجرى التدريب في معسكرات في قطاع غزة، وتلقى كثير من ضباط الصف والجنود التدريب من الجيش السوري، فيما تولت المنظمة مهام تدريب "قوات التحرير الشعبية" في الأردن، ولبنان، في فترة 1968-1971.