في الخامس والعشرين من شهر أيار (مايو) عام 1981، اجتمع زعماء دول عربية مطّلة على الخليج في العاصمة الإماراتية، أبوظبي، ليضعوا حجر الأساس لتكتل إقليمي جديد يُعرف بـ "مجلس التعاون لدول الخليج العربية".
كان أولئك الرجال هم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة والملك خالد بن عبد العزيز آل سعود والسلطان قابوس بن سعيد والشيخ خليفة بن حمد آل ثاني والشيخ جابر الأحمد الصباح - وهم زعماء كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسعودية وسلطنة عمان وقطر والكويت، في ذلك الوقت.
ولد هذا الكيان في سياق معقد؛ فالثورة الإيرانية التي قامت عام 1979، وأطاحت بالنظام الملكي، معلنة جمهورية إسلامية تتبنى خطاباً ثورياً، تسببت بتصاعد توتر إقليمي.
تزامن ذلك أيضا مع اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية عام 1980، التي امتدت لثماني سنوات وشهدت مواجهات عنيفة قرب الحدود الخليجية وتهديداً مباشراً للملاحة النفطية.
ولم يكن تأسيس المجلس "مجرد رد فعل على أزمة قائمة، بل رؤية استراتيجية طويلة الأمد تسعى إلى تعزيز التكامل بين دول الخليج، سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الأمن"، وفقًا لما قاله طارق الشميمري، الأمين العام السابق لمركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون، في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي.
ماذا عن العراق واليمن؟
لم ينضم لا العراق ولا اليمن إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربية لأسباب متعددة، رغم أن العراق يعتبر دولة مطلّة على الخليج.
يعود السبب الرئيسي في ذلك إلى سياسات العراق الإقليمية المتوترة مع بعض دول الخليج، خاصة خلال الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988) وغزو الكويت عام 1990.
ففي حرب الخليج الأولى، ورغم الدعم العسكري والمالي الذي قدمته دول مجلس التعاون الخليجي للعراق خلال حربه ضد إيران، إلا أن العلاقات توترت بسبب تطلعات العراق التوسعية وخطابه تجاه دول الخليج، والذي اعتبرته هذه الدول عدائيا، خاصة الكويت، التي رفضت طلب العراق إعفاءه من ديونه بعد الحرب.
كما ساهمت النزاعات النفطية - حيث اتهم العراق الكويت بإغراق السوق بالنفط - في تفاقم التوترات التي بلغت ذروتها مع غزو العراق للكويت عام 1990، ما أدى إلى قطيعة شاملة بين الطرفين.
يومها، أيدت السعودية والكويت والإمارات التدخل الدولي لتحرير الكويت، بينما اتخذت دول أخرى، مثل قطر وعُمان، مواقف أقل حدة، داعية إلى الحوار لحل الأزمة.
أما اليمن، فحالت تحدياته الاقتصادية الكبيرة وعدم استقراره السياسي والأمني دون انضمامه، وفق دراسة أجرتها مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي عام 2016، إذ تعاني البلاد من أزمات داخلية مستمرة وتفاوت تنموي كبير مقارنة بالدول الأعضاء في المجلس.
فدول مجلس التعاون تسعى للحفاظ على استقرارها الداخلي، مما يجعل انضمام دول تواجه صعوبات كبيرة تحديا قد يؤثر على أهداف المجلس الاستراتيجية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن العراق لم يتقدم بطلب رسمي للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، لكنه شهد دعوات من قبل سياسيين وناشطين عراقيين للانضمام، خاصة بعد حرب الخليج الثانية بهدف تحسين علاقاته مع دول المجلس، إلا أن توتر العلاقات بينه وبين دول الخليج بعد غزو الكويت، حال دون ذلك.
أما اليمن، فتقدم بطلب رسمي للانضمام منذ تسعينيات القرن الماضي، بعد تحقيق الوحدة بين جنوب البلاد وشمالها، ورغم قبولها في بعض اللجان الفرعية مثل "اللجنة الثقافية" ومجلس الصحة، قوبل طلب الانضمام بمعوقات اقتصادية وسياسية، أبرزها الفجوة التنموية الكبيرة بين اليمن ودول المجلس.
ووفقًا لبيانات البنك الدولي، لا يتجاوز نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في اليمن 1000 دولار أميركي في عام 2023، في المقابل، يتخطى نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الإمارات العربية المتحدة، مثلا، 50,000 دولار أميركي، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي.
وتلعب بعض دول المجلس دورا أساسيا اليوم في اليمن، فالسعودية تقود تحالفا يشن حربا على اليمن منذ عام 2015، في إطار عملية "عاصفة الحزم" التي هدفت لدعم الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً ضد جماعة الحوثيين، ولا تزال الحرب مستمرة وسط جهود دولية متقطعة للتوصل إلى حل سياسي.
"درع الجزيرة"
منذ البداية، كان المجلس يسعى إلى ترسيخ مفهوم "الأمن الجماعي" بين أعضائه، لذلك أنشأ قوات "درع الجزيرة" عام 1982.
يقول عنها الشميمري: "درع الجزيرة لم تكن مجرد قوات عسكرية، بل كانت رمزًا للتعاون الخليجي المشترك في الدفاع عن أمن المنطقة واستقرارها".
لعبت القوات دورا محوريا في حماية أمن الدول الأعضاء وشاركت في تحرير مدينة الخفجي خلال حرب الخليج الثانية.
وكان العراق قد دخل حدود السعودية الشرقية المحاذية للكويت، وتحديدا إلى مدينة الخفجي في 29 كانون الثاني (يناير) 1991، حيث شنت القوات العراقية هجوماً مفاجئاً وسيطرت على المدينة السعودية القريبة من الحدود الكويتية، في محاولة لفتح جبهة جديدة ضد قوات التحالف.
يومها، ردت القوات السعودية وقوات التحالف، بما في ذلك قوات مشاة البحرية الأميركية، بهجوم مضاد استمر يومين، واستطاعت هذه القوات استعادة المدينة بحلول 31 كانون الثاني (يناير) 1991، بعد اشتباكات عنيفة.
لكن المجلس لم يقتصر دوره على الجانب العسكري، بل توسع ليشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
"لا تكامل اقتصادي بلا توافق سياسي"
على الصعيد الاقتصادي، أطلق المجلس الاتحاد الجمركي الخليجي عام 2003، تلاه إطلاق السوق الخليجية المشتركة عام 2008، بهدف تسهيل حركة البضائع والأشخاص بين الدول الأعضاء.
هذه الخطوات عززت التعاون الاقتصادي، لكن حتى الآن تعثر إطلاق عملة خليجية موحدة، على سبيل المثال.
وكانت أول مبادرة لطرح عملة موحدة تعود لعام 2001، حين اتفقت الدول على برنامج لإنشاء اتحاد نقدي، وكانت الخطة تهدف لإطلاق العملة الموحدة بحلول 2010، لكن الفكرة واجهت تحديات عديدة، مثل الاختلافات الاقتصادية بين الدول ومخاوف بشأن السيادة النقدية، إلى جانب انسحاب عُمان (عام 2006) والإمارات (عام 2009) من المشروع.
إلى جانب العملة، تناقش فكرة تأشيرة خليجية موحدة لتسهيل حركة الأفراد، وشبكة سكك حديدية تربط الدول الأعضاء لتعزيز التجارة والسياحة.
هذه المشاريع، كما يشير الشميمري، قد تجعل الخليج "كتلة اقتصادية موحدة ذات تأثير عالمي كبير".
ويضيف: "التكامل الاقتصادي يحتاج إلى توافق سياسي واستقرار طويل الأمد، وهو تحدٍ لا يزال المجلس يعمل على تجاوزه".
أربعة عقود وأزمات مفصليّة
على مدار العقود الأربعة الماضية، مر مجلس التعاون الخليجي بمراحل محورية، وهذه أبرز مواقفه من أكبر التحديات الإقليمية:
الغزو العراقي للكويت (1990)
غزو الكويت كان "لحظة فارقة للمجلس، حيث أثبتت دول الخليج قدرتها على الوقوف معا أمام الأزمات"، كما يقول الشميمري.
فالغزو العراقي للكويت، كان أول اختبار حقيقي لوحدة المجلس، إذ دعمت كل الدول الأعضاء الكويت، حيث استضافت السعودية قوات التحالف الدولي التي تشكلت من 34 دولة، منها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا ومصر وسوريا وتركيا واليابان.
وبعد تحرير الكويت، ساهم المجلس في جهود إعادة الإعمار.
الحرب الأهلية اللبنانية واتفاق الطائف (1989)
لعب المجلس دورا في إنهاء نزاعات إقليمية مثل الحرب الأهلية اللبنانية، من خلال دعم اتفاق الطائف.
يومها، قادت السعودية والكويت جهود الوساطة، حيث مثّل الاتفاق نقطة تحول في تاريخ لبنان.
الأزمة اليمنية (2011)
في أعقاب الاحتجاجات الشعبية في اليمن، أطلق المجلس "المبادرة الخليجية" التي قدمت خارطة طريق لنقل السلطة بشكل سلمي.
وواصلت بعض دول الخليج مثل السعودية والإمارات وغيرها تقديم المساعدات الإنسانية. وعام 2017، أكّد وزير الإدارة المحلية، رئيس اللجنة العليا للإغاثة في اليمن، عبد الرقيب فتح الخميس، أن 80 في المئة من المساعدات المقدّمة للشعب اليمني مصدرها دول مجلس التعاون الخليجي.
لكن في الوقت نفسه، تدخّلت السعودية والإمارات بشكل عسكري في دعم الحكومة المعترف بها دوليا في حربها ضد الحوثيين في اليمن.
الأزمة الخليجية (2017-2021)
شكّلت الأزمة الخليجية التي بدأت بـ"حصار قطر" اختبارا جديدا لوحدة الصف الخليجي.
على الرغم من التوتر الذي استمر أربع سنوات، نجحت جهود الوساطة الكويتية في رأب الصدع خلال قمة العلا في كانون الثاني (يناير) 2021.
وكانت تلك الأزمة قد اندلعت في حزيران (يونيو) 2017، عندما قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، متهمة إياها بـ"دعم الإرهاب" والتدخل في شؤونها الداخلية، وهو ما نفته الدوحة.
كما رافق الأزمة فرض حصار بري وجوي وبحري على قطر، ما أدى إلى توتر غير مسبوق داخل مجلس التعاون الخليجي.
إعادة إعمار غزة (2009)
في آذار (مارس) 2009، تعهدت دول المجلس خلال اجتماعها الوزاري بتقديم 1.646 مليار دولار لإعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب الإسرائيلية معظمها تسلمتها السلطة الفلسطينية ومنظمة الأونروا.
أما في الحرب الحالية الدائرة في غزة، فدعت دول مجلس التعاون إلى وقف التصعيد عبر بيانات رسمية واجتماعات دبلوماسية، مثل القمة الخليجية الأوروبية، التي طالبت بوقف إطلاق النار. كما قدمت بعض الدول، مثل السعودية وقطر، مساعدات إنسانية لدعم سكان القطاع، شملت أموالاً ومواد إغاثية عبر منظمات دولية ومحلية.
كما قدمت دول الخليج مساعدات واسعة خلال أزمات الزلازل والفيضانات التي ضربت العديد من الدول الإسلامية.
تشكيلة المجلس
تتألف الهيكلة الإدارية للمجلس من المجلس الأعلى، الذي يضم قادة الدول الأعضاء؛ والمجلس الوزاري المكون من وزراء الخارجية؛ إضافة إلى الأمانة العامة، التي تتولى تنفيذ القرارات ومتابعة السياسات.
"كل دولة عضو في المجلس لها دور فريد تلعبه، مثل قيادة السعودية والكويت لجهود الوساطة السياسية، ودور الإمارات وقطر في تعزيز الاستثمارات الاقتصادية"، كما أوضح الشميمري.
أهداف المجلس حددها النظام الأساسي له، وتتضمن: تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الاعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها، وتوثيق الروابط بين شعوبها، ووضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين الاقتصادية والمالية والتجارية والجمارك والمواصلات، وفي الشؤون التعليمية والثقافية، والاجتماعية والصحية، والاعلامية والسـياحية، والتشـريعية، والادارية.
إضافة إلى ذلك، دفع عجلـة التقـدم العلمـي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية، وإنشاء مراكـز بحـوث علميـة وإقامـة مشـاريع مشـتركة، وتشـجيع تعـاون القطاع الخاص، كما ورد على موقع المجلس الإلكتروني.
يمثل المجلس مظلة إقليمية تدير مجموعة من المنظمات والمكاتب المتخصصة التي تسهم في تحقيق رؤية المجلس للتكامل الإقليمي.
فهناك مثلا بعثة مجلس التعاون لدى الجمهورية اليمنية للتعامل مع أزمة اللاجئين اليمنيين عام 2015، وجهاز الشرطة الخليجية لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب، ومركز المعلومات الجنائية لمكافحة المخدرات، ومكتب براءات الاختراع لحماية الملكية الفكرية، والمركز الإحصائي لدعم التخطيط واتخاذ القرارات.
وهناك مركز الترجمة والتعريب والاهتمام باللغة العربية.
التعليقات