اسطنبول: بالسوق المصري بالجزء الأوروبي من مدينة اسطمبول التركية وقف شخص ذو بطن منتفخة ونظارات شمسية دائرية وسحنة مائلة إلى السمرة، أمام متجر لبيع الحلويات التركية والفواكه الجافة وبعض الأنواع من الملابس التقليدية. يعرض التاجر على زوار السوق، كل حسب بلاده، منتجات متجره بلغتهم في سعي لاستمالتهم. كلما مر أمام المتجر سياح مغاربة يوجه لهم عبارات بالعامية المغربية. هذا الشخص يدعى محمود، من مواليد المدينة القديمة بالدار البيضاء، "أقيم بتركيا منذ عشر سنوات، وأشتغل في التجارة". اندمج محمود كلية في المجتمع التركي وحصل على الجنسية وأدى الخدمة العسكرية، يقيم مع زوجته المغربية.
لم يختر محمود تركيا إلا معبرا لبلوغ دول الاتحاد الأوروبي "زيارتي لتركيا مثل مئات المغاربة كانت لهدف واحد، وهو الدخول إلى إحدى دول الاتحاد الأوروبي. اقترح علي في البداية اليونان القريبة من هنا، غير أنني رفضت لتزامن العرض مع زفافي. والآن أفكر في الأمر بجدية، قد تكون الوجهة المقبلة لندن، هناك عرض مفتوح مازلت أفكر فيه وأنتظر وصول طفل في الشهور المقبلة".
اتخاذ تركيا مطية لدخول إحدى دول الاتحاد الأوروبي رغبة شباب آخرين يشتعلون في السوق المصري، قبالة محل محمود يعمل المراكشي مصطفى منذ عشرة أشهر في التجارة. ما إن يبدأ شخص بالحديث أمامه حول وجود وسيط يتكفل بالتهجير إلى دول الاتحاد حتى يبدأ في طرح مجموعة من أسئلة عن الموضوع. يبدو مصطفى الذي قدم إلى تركيا من روسيا بعد فترة دارسة، أكثر لهفة في الانتقال إلى إحدى دول الاتحاد "أعمل منذ حوالي ستة أشهر في التجارة، تقدمت إلى صاحب المحل فقبل توظيفي لأنني أجيد أربع لغات، الآن أحاول تدبير مبلغ مالي يساعدني في تحقيق هدفي"، لذا يوفر كل شهر حصة من 300 دولار التي يتقاضاها. لا يود مصطفى قضاء فترة طويلة في السوق المصري "أنتظر الفرصة الأولى وقد تكون وجهتي الأولى اليونان".
بعض التجار الشباب كان سيّء الحظ إذ رحل من أوروبا إلى اسطمبول مستفيدا من إعفاء المغاربة من التأشيرة لدخول الأراضي التركية، كما هو الشأن لعلي، 31 سنة، "رحلت من إسبانيا، كنت أشتغل في حقولها الجنوبية فألقي علي القبض وخيرت في وجهتي، فكانت اسطمبول لأنها ستنضم إلى الاتحاد الأوروبي ولأنها قريبة من الجزء الشرقي من دول الاتحاد". لعلي رغبة وحيدة وواحدة وهي العودة إلى الحقول الإسبانية "هناك أكون قريبا من المغرب وقادرا على توفير مبلغ مالي أؤمن به مستقبلي". يعتقد الشاب المغربي جازما أن عودته إلى إسبانيا وشيكة "قد يحدث هذا في الأشهر المقبلة".
شاب رابع 23 سنة يدعى فتح الله من الدار البيضاء يعمل في متجر بالسوق نفسه يطمح لما هو أبعد من دول الاتحاد الأوروبي "ستكون وجهتي كندا، لقد تعرفت على كندية ونرتب أمورنا للهجرة". جاء فتح الله إلى السوق المصري بعد فشله في الدراسة الجامعية لنية التجار الآخرين، وهي الانتقال للعمل في دول الاتحاد، ليجد نفسه على بعد أسابيع فقط من الإقامة في كندا.
تعترض هؤلاء الشباب المغربي مشكلة كبيرة، يلخصها محمود في عجزهم ماديا لزيارة المغرب خلال فترة العطل "لم أزر المغرب منذ سنوات، تحتاج زيارة أمي ما يفوق ألفي أورو وتذكرة طائرة ذهابا وإيابا لشخصين، وهو ما أعجز عن توفيره". أمام هذا الوضع يعتزم محمود دعوة أمه للإقامة معه في اسطمبول بعد حصولها على التقاعد في السنين المقبلة "لا يوجد حل آخر غير هذا"، أما علي وفتح الله ومصطفى فينتظرون الأيام المقبلة لحل هذه المشكلة.
في انتظار تحقيق كل واحد من هؤلاء التجار الأربعة للحلم نفسه، وهو الانتقال إلى دول الاتحاد أو كندا، يحرص بعضهم على التواصل فيما بينهم أو مع مغاربة آخرين يقيمون هنا ويزاولون مهنا أخرى خاصة في المناسبات الدينية. يؤكد الشباب الأربع أنهم استطاعوا الاندماج بسهولة مع مجتمع اسطمبول متمنين أن يحصل الأمر نفسه حينما ينتقلون في الأشهر المقبلة إلى أوروبا أو أميركا الشمالية.