الكنيسة براء من عيد العشاق
لا أعياد في الإسلام إلا عيدي الفطر والأضحى

أزهار تنتظر العشاقفي إحدى المحال التجارية في صيدا
لبيبة عاكوم من بيروت: يتحكم الحب بمصائر البشر. و تتجاذبنا في أفلاكه قوة هائلة، تعري أنفسنا وتظهر ما فينا من مواطن عظمة، وضعف. والرابع عشر من شباط(فبراير)، تاريخ يُحتفل فيه بعيد الحب أو بعيد القديس فالنتاين، يلتقي الأحباب يتبادلون الهدايا، والورود الحمراء، ويسهرون ليلة العيد، ويعدون بحفظ عهود الحب والوفاء. ومن بانتظار فارس الأحلام يشعرن بهذه الليلة أنهن بحاجة لمن يبادر ويعترف بالحب أمامهن، فالإعتراف بالحب في مثل هذه المناسبة له نكهة مختلفة.

والحب وإن اتفقنا على معانيه فالواقع أن العيد وشخصية صاحب العيد فالنتاين قسماننا بين مؤيد للعيد ورافض له، حتى وصل الحال الى اتهام بعض الفئات الهندية من الهندوس، وبعض المسلمين في دول عدة الى اتهام المحتفلين فيه من الهنود او الإسلام بإتباع المسيحيين(الكفرة) وتقليد عاداتهم لذا عمدوا إلى مهاجمة المحلات التجارية التي تعرض بضائع عن هذا العيد وإلى تكسير وحرق واجهاتها، وإصدار الفتاوى التي تحرم على المسلم والمسلمة الإحتفال بعيد الحب .

إيلاف التي اعتادت وضع النقط على الحروف، إرتات أن تعرف رأي الكنيسة من جهة ، ورأي الشرع الإسلامي من جهة ثانية، لاستيضاح الأمور، واقفة موقف العادل والرصين من الأمر، خصوصًا وان الإنترنت أتاح الفرصة أمام من تسول له نفسه الصيد بالمياه العكرة، فينعق، ويضرب، ويشن حربه العشواء، متكلمًا باسمه وباسم غيره، كما ومن دون معرفته لوجهة نظر الآخر، أو احترام قيمه أو شعائره الدينية المغايرة.


رأي الكنيسة

الأب نقولا الياس الصغبيني: "الكنيسة لا تعترف بعيد الحب"

في مقابلة مع الأب نقولا الياس الصغبيني نائب المطران جورج الكويترفي بطريركية صيدا ودير القمر للروم الكاثوليك، قال: في الكنيسة اللاتينية قديس يقال له فالنتاين أو فالنتينوس، وقد استغل بعض المسيحيين ذكرى تكريمه (وليس عيده لأن الكنيسة لا تعتبر تكريمه عيدًا مسيحيًّا كالميلاد مثلًا، بل هي تكرمه كما تكرم في كل يوم من أيام السنة قديسًا ) هذا القديس إستغله البعض وفي إيطاليا تحديدًا، لإقامة احتفالات خاصة بالحب وهذه الإحتفالات تطورت مع الزمن لكن الكنيسة لا تعترف بها، بل لها في شأنها موقف معاكس تمامًا وهي تقف ضد استغلال اسم القديس فالنتاين، فالإنسان لا يحتاج الى مثل هذه المبررات كي يعبر عن حبه للآخر، من يريد أن يعيش المحبة، عليه بكل بساطة أن يظهر حبًّا صادقًا للآخر، ويحترمه، وينظر إليه نظرة مثالية ، لأن الإنسان برأي الكنيسة هو صورة الله وهو ابن الله .

الأب نقولا الياس الصغبيني في بطريركية صيدا

وعما كان يجري من احتفالات قديمًا في إيطاليا، كأن تكتب على قصاصات من ورق أسماء الفتيات المرشحات للزواج، فتلف هذه القصاصات، ثم يأتي الشاب ويختارمن بينها ورقة عليها إسم فتاة، يخرج معها مدة سنة ويرى إن كانت تناسبه فيتزوج بها، وإن كانت غير مناسبة فإنه سيكون لزامًا عليه اختيار إسمًا آخر لفتاة أخرى في السنة المقبلة، هنا أوضح الاب الصغبيني : أنها ليست سوى روايات شعبية غالبًا ما كانت تحاك حول سير القديسين وشيئًا فشيئًا اصبحت مع الوقت تقليدًا شعبيًّا ليس إلا، وأشار إلى أن الأساطير لم تنسج حول شخصية فالنتاين لوحده فهناك القديسة بربارة والقديس نيقولاوس وغيرهم ... ولدى سؤاله إن كانت هذه العادات وثنية بحتة أجاب الأب الصغبيني إن العادات التي ليس لها إثبات كتابي، لا يمكننا الجزم بمعرفة أصلها، فهناك تقاليد مختلفة في العالم لا نعرف أصلها، فالبعض يكتب إسمًا على ورقة يغلفها بعجينة ثم يرميها في الماء فلو طافت على وجهه ظنّ أن بداخلها إسم الحبيب.

بطل بدي كون قديس
أما في الشرق بعامة وفي لبنان بخاصة، فالعيد بحسب الكنيسة هو دخيل ومستورد، بل لا دخل للكنيسة فيه على الإطلاق، لكن مفهوم الانفتاح على الآخر وكسب عاداته نتيجة التطور الهائل والحاصل، هما السبب بانتشار هذه العادات في منطقتنا، وعليه فإن لبنان عرف كيف يستغل الرابع عشر من شباط كغيره من الدول فصار الناس يسهرون ويقيمون الإحتفالات وينفقون الأموال على شراء الهدايا والورود الحمراء. وحذر الأب الصغبيني من ممارسات الزنا مشددًا على أن لبنان مجتمعًا شرقيًّا محافظًا ونحن نفتخر بعاداته وأخلاقياته التي تتنافى واخلاقيات الغرب . لكنه حمّل مسؤولية الإحتفال بهذا العيد المستورد، عمومًا من اللبنانيين إلى جانب بعض وسائل الإعلام الذين كان همهم الأوحد، الإستفادة التجارية وذلك على حساب استغفال الناس إذ أنه لم يكن في بالهم التوضيح لأحد . وختم الأب الصغبيني كلامه قائلًا :" لو عاد القديس فالنتاين ورأى ما يجري، حتمًا سوف يقول (بطل بدي كون قديس)".

رأي الشرع الإسلامي

الشيخ ماهر حمود:
"الفطر والأضحى أعياد المسلمين"

إعتبر الداعية الإسلامي وإمام مسجد القدس في صيدا الشيخ ماهر حمود، أن الأعياد التي نؤمر أن نعيّد بها في الإسلام هما عيدا الفطر والأضحى، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"لكل قوم عيد وهذا عيدنا" والعيد يعبر عن هوية الإنسان وانتمائه فعندما نحتفل بفلان من الأنبياء معنى هذا أننا ننتمي إليه، فنحن عندما نحتفل بعيد وطني على سبيل المثال أفلا يعني هذا أننا ننتمي إلى هذا البلد دون سواه؟ من هنا إذن التشديد على عدم الإحتفال بعيد ليس لنا به نصيب أما بالنسبة لهذا العيد المسمى بعيد فالنتاين فالموضوع فيه أسوأ من ان يسمى مجرد عيد. ويدّعم الشيخ حمود رأيه بالأمور التالية:

الشيخ ماهر حمود إمام مسجد القدس في صيدا
-هذا العيد ليس من عادات المسلمين
-هو تقديس لراهب لم يحترم رهبنته بل وقع بغرام ابنة السجان وخرج عن عفته وبالتالي كأننا نحتفل بالزنا او بالخروج عن العفة.
-ومنطقيًا هذا العيد يعني تشجيع للزنا من خلال الدعوة لتقريب العاشق من عشيقته سواءً أكان ذلك بعقد زواج او من دون عقد.
-يوم عيد العشاق تحدث مشاكل داخل البيوت باعتبار أن واحدهم يتذكرعشيقته، أو فلانة تتذكر عشيقها غيرزوجها وكأنهم يقومون فعلًا بشيء مقدس.

وعلى الرغم من ضم صوته إلى أصوات الذين يرون في أن هذا العيد مهزلة من المهازل، إلا ان الشيخ حمود رفض تحريمه قائلًا: كلمة تحريم ليست كلمة بسيطة، بل نتحفظ عليها لأنها مهمة ،أما من حيث المبدأ فنعم إن عيد العشاق قريب من الحرام إن لم يكن حرامًا مئة في المئة، بسبب المعاني التي يحملها وبسبب عدم انتمائنا أو رفضنا لهذا الإنسان الذي يقدسون الزنا من خلال شخصه.

ورأى الشيخ حمود رفض الكنيسة وبكل أقطابها لهذا العيد الذي حسب عليها عن طريق الخطأ بأنه أمر جيد، لأن رموزه تدعو إلى الزنا، والزنا فاحشة في الشريعة الإسلامية كما في الشرائع الأخرى فضلًا عن أن هذا العيد يشجع على الفساد وعلى الإنحلال الأخلاقي.

التصدي للبدع
وعن مواجهتنا لهذه البدع والتصدي لها حتى لا تتغلغل أكثر فأكثر في مجتمعاتنا قال الشيخ حمود : الأمر ليس بسيطًا ولا يأتي "بكبسة زر" لقد تغلغل عيد العشاق بمجتمعنا نتيجة ثقافات معينة وترسبات في النفوس،أي سبقته مقدمات، مثل الإنبهار بالحضارة الغربية او بالأحرى بالحرية الغربية التي تروج للحرية الجنسية والحرية السياسية وغيرها، وشدد على أن تلقفنا للعيد جاء من باب التقليد الذي حذرنا منه الرسول (صلعم) حين قال:"لا تتبعن الذين من قبلكم شبرًا فشبراوذراعًا بذراع ،حتى لو دخلوا جحر ضب فدخلتموه، قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى، فقال فمن إذًا".

وحذر الشيخ حمود من تقليد الغرب بالمضر والفائد معًا :علينا أخذ الحكمة من الغرب فالحكمة وكما أوصى المصطفى (صلعم )ضالة المؤمن ومأمورون أن نلتقطها أينما وجدت، لذا وجب تقليد تقنية الغرب وتقليد أنظمتهم الإجتماعية والسياسية، لكن ان نأخذ ما يعاني منه الغرب فهذا غير معقول، فالغرب اليوم يعاني من مشكلات التفكك الأسري والإدمان على الكحول وعلى المخدرات وعودة الأمراض الجنسية التي كان قد تم القضاء عليها في السبعينات، مثل مرض الزهري ناهيك عن انتشار الإيدز، أما نحن فلدينا الترابط العائلي وروح الجماعة ومبادئ أخلاقية تجعلنا متفوقين على الغرب.

النظام السياسي الإسلامي المتشدد فاشل
وعن الممارسات التي يقوم فيها المتشددون ضد المحال التجارية كأعمال الشغب والتكسيروالحرق ورفع الشعارات المعادية في مناطق من الشرق الأوسط، وجنوبي آسيا قال الشيخ حمود ما هكذا تحل الأمور : فمع احترامنا وتقديرنا للمجاهدين المسلمين وصدقهم بالدين لكن هذه الأعمال تعتبر شكلًا من أشكال الفشل في الإسلام بل لا يوجد مثال سياسي إسلامي متشدد ناجح كي يحتذى به، وأضاف طالبان مثلا حطموا الآثار (فهم على حق إن كان هناك من يذهب للعبادة فيها) لكن الصحابة رأوا آثار الفراعنة في مصر ولم يحطموها.وختم الشيخ حمود بقوله لو أن هناك تجربة إسلامية في الحكم توازي ما بين التجربة السياسية والثقافة والوعي الديني، عندها قد تنجح التجربة الإسلامية بشقيها الإجتماعي والسياسي، وتشمل المجتمع بكل مرافقه ما يصون مجتمعاتنا من كل ما يسمى بمفهوم المؤامرة.

القديس فالنتاين
عاش في عهد الإمبراطور الروماني الثاني كلاوديوس وكانت المسيحية في بدايات انتشارها بعد في روما، وقد حرم هذا الأمبراطور رجاله من الزواج حتى لا ينشغلوا عن الحروب، إلا أن الراهب فالنتاين كان يزوجهم بالسر، ولما افتضح أمره ألقي به في السجن، وهناك تعرف الى إبنة السجان العمياء التي أحبها وقيل إنه صلى لها وشفاها من العمى، وقيل إنه أغرم بها وكان يرسل لها قصاصات ورق على شكل قلوب، وإن الكنيسة سامحته على عشقه لأنه رفض أن يزمع لأمر كلاوديوس الامبراطور فيرتد عن المسيحية ويعود إلى الوثنية، ويقال إن كلاوديوس أعدمه في 14 شباط/ فبراير سنة 270 م وبعد سنة من موته صار للمسيحية السيادة في إيطاليا فصار الرابع عشر من شباط /فبراير من كل سنة يومًا يكرم به القديس فالنتاين وليس عيدًا كما أشيع ، لكن وكما كان لكل شعب وثني أعيادًا ورموزًا تقدس الحب والخصب والزواج كان للشعوب الرومانية قديمًا أيضًا( عيد لوبركيليا ) في هذا العيد كانوا يقدمون القرابين لأوثانهم كي تحميهم من السوء وتحمي حقولهم من الذئاب، وكانوا يحتلفون به في الخامس عشر من شباط /فبراير والكنيسة رأت إكرامًا لفالنتاين الذي بقي على مسيحيته أن تكرمه في 14 شباط كنوع من إلغاء لذكرى عيد لوبركيليا واستبداله بذكرى مسيحية ولا نخفي تضارب الأساطير التي حيكت حول شخصيته ما يجعلنا نشك بأمور جمّة، حتى أن المؤرخين اختلفوا على ذكرى موته.

العيد إختلقه أهالي روما وليس البابا
ومن خلال قراءاتنا المتعددة يمكننا فهم أن المسيحين هم من اختلقوا عيدًا للحب، وليس البابا روما كما ظن البعض، حيث إن الإيطاليين حافظوا في يوم فالنتاين على عادات وثنية مثل خروجهم مع الفتيات مدة سنة وغيرها من العادات التي أثارت حفيظة الكهنة الذين تصدوا لكل ما يشجع على أعمال الزنا والفحش ومنعوا عيد فالنتاين. لكن النفس البشرية الميالة لكل ما هو عاطفي وإستهلاكي كانت تدفع بالبعض إلى إحياء ذكرى فالنتاين ،ففي العصر الفكتوري تحول العيد إلى مناسبة عامة عندما طبعت لأول مرة بطاقات تهنئة بهذا اليوم، وكانت الملكة فكتوريا ترسل مئات البطاقات المعطرة بهذه المناسبة إلى أفراد وأصدقاء الأسرة الملكية، وترجع أقدم رسالة حب كتبت باللغة الإنجليزية لهذه المناسبة إلى سنة 1477م. ومنذ عشر سنوات وإلى يومنا هذا والعيد اجتاح بوروده الحمراء وعلب الشوكولاتة المزينة وبطاقاته وصور كيوبيد ، مجمل الكرة الأرضية، وتنافس الفنانون على إحياء ليلة العيد، وضج الإنترنت بمواقع تشجع على الحب وتبادل الرسائل، وغلب اللون الأحمر على ثياب مقدمي البرامج التلفزيونية، ووزعت القلوب الحمراء وعبارات valentine's day و love you على الفضائيات المتعددة ويبقى المستفيد الأول والأخير، هم التجار الذين يصيبون أرباحًا خيالية لا تصدق.