ابعد من توسيع الحكومة او تعديل حقائبها
لبنان دولة ووطناً على محك البقاء

بلال خبيز من بيروت : لا شك ان الازمة التي تعصف بلبنان اليوم حكومة وشعباً تتجاوز في عمقها مسألة التعديل الحكومي او توسيعها، إلى ما يمكن اعتباره صراعاً حول هوية لبنان ودوره وثقافته على نحو لم يسبق له مثيل منذ نشوء لبنان منذ اكثر من ثلاثة ارباع القرن. وهذا الصراع بات مفتوحاً على كافة الاحتمالات بما فيها احتمال الفشل في استمرار البلد نفسه مستقلاً ومعترفاً بوجوده، سواء من جانب القوى الداخلية المؤثرة او حتى من القوى الدولية المتدخلة في الشأن اللبناني عموماً. وعليه فإن سلوك السياسيين اللبنانيين بات يصدر اليوم عن قناعة حاسمة تقضي باعتبار الأزمة طويلة وشائكة ولا سبيل إلى حلها والوصول إلى نتائج حاسمة فيها بمجرد انعقاد جلسة حوار او جلستين او عشر، او بالرضوخ لمطالب حزب الله وتنفيذ ما يشترطه على القوى الاخرى تحت طائلة التهديد بالتوتير.
واقع الامر ان سبل التسوية السياسية في لبنان اليوم باتت محكومة بالفشل، ذلك ان المشترك او شبه المشترك بين اللبنانيين يشهد طوال الشهور الماضية صعوبات هائلة تحول دون امكان قيامته مجدداً في القريب العاجل، حتى لو تضافرت لقيامته جهود لبنانية وعربية ودولية صادقة.

لم يعد احد من اللبنانيين اليوم يأمل في موسم سياحي مزدهر في الصيف والربيع المقبلين، ولم يعد احد يأمل ان تنتهي الأزمة الداخلية مع تشعباتها الخارجية في بضعة شهور وحسب. وقد بات الاعتقاد راسخاً ان ما يجري اليوم ليس سحابة صيف عابرة ويمكن ان تنجلي ببعض النية الحسنة وباجتماع تشاوري من هنا ولقاء ثنائي من هناك. وقد بدا الشيخ سعد الدين الحريري معبراً عن واقع الحال الملبد حين قال في برنامج حواري مع الزميلة مي شدياق على شاشة المحطة اللبنانية للإرسال: quot;ان النظام السوري الذي هدد الرئيس الراحل رفيق الحريري بتخريب لبنان على رأسه، نجح في ذلك، ولم يعد لدينا ما نخسرهquot;. وبصرف النظر عن تحميل النظام السوري المسؤولية عما جرى ويجري، ومن دون دخول في القسط الذي يجدر باللبنانيين تحميله لهذا النظام الذي له ما له وعليه ما عليه في هذا الموضوع، فإن خلاصة الرأي في ما قاله النائب الحريري، تفيد ان القوة التي يمثلها باتت تدرك ان ما يتوجب مراعاته والعناية به والرأفة بهشاشته في الوضع اللبناني لم يعد موجوداً اصلاً، فلقد ضربت الأزمات المتلاحقة بيروت العاصمة ودمرت في ما دمرت امل اللبنانيين بالأمن والسلم والعيش باطمئنان، ولم يعد ثمة ما يخشاه اللبنانيون في هذا المجال. والحق ان ما تمت خسارته وكان يمكن تعويضه بسرعة ومن خلال الجهود الخيرة والصادقة التي ابدى بعض العرب استعدادهم لبذلها من اجل نصرة لبنان وانهاضه من عثرته لم يعد مطروحاً اليوم على جدول المناقشات. ودخل اللبنانيون في نفق مظلم وطويل لا نهاية له إلا بالإجهاز على هويته وصورته الراهنة والموروثة وولادة هوية جديدة قد تكون افضل او اسوأ، لكن المسألة لا تتعلق باستقرار الهوية اللبنانية على سمت معين في المقبل من الأيام، بل في آلام المخاض العسير الذي دخله لبنان والمنطقة.

تأسيساً على مثل هذه الوقائع الدامغة لم يعد فريق 14 آذار مستعداً لتقديم التنازلات خشية التوتير او الوقوع في الاضطراب. وبات سلاح التهديد بالتوتير واشعال فتيل الحروب الاهلية كليل الحد ولا يخيف احداً. ذلك ان ضحية الحرب الأهلية قد وقعت سلفاُ ولم يعد لدى الجماعات الاهلية ما تخشاه. لذلك يبدو ان الاتجاه الذي ستسير الاحداث المقبلة في لبنان في وجهته سيكون واحدا من اتجاهين لا ثالث لهما: اما يتجه اللبنانيون نحو التسويات الحاسمة بوصف الحروب الاهلية التي تلوح في الأفق محسومة النتائج سلفاً، ولا فائدة من تكرارها على اي وجه من الوجوه، وإما يتمترس كل طرف من الاطراف في موقعه ومكانه ويمنع على الخطاب الآخر اختراق مناطق نفوذه بكل الوسائل المتاحة. في الحال الأولى ثمة دور لا شك فيه لمن يمكن اعتبارهم من اهل التوسط بين اللبنانيين كالرئيسين نبيه بري وفؤاد السنيورة، وفي الحال الثانية يتم تعطيل كل ما هو عام ومشترك بين الفرقاء المتخاصمين ويعيش البلد في ما يشبه فيدرالية المواقع والمناطق والطوائف والأدوار.

لكننا في الحالين نحن امام ضعف في بنية الدولة لا سبيل لتجاوزه بالحهود الخيرة وحدها. مما يجعل الدولة اللبنانية بلا شرايين داخلية تتغذى منها، ولا يبقى لها من مصدر للهواء غير العلاقات الخارجية. ما يعني ان الفارق الجلي بين حكومة السنيورة واي حكومة اخرى، قد يترأسها احد الزعماء الموالين لسورية وايران، يتعلق بحجم الاعتراف الدولي بهذه الحكومة او تلك وهو مختل سلفاً لصالح الحكومة الحالية إلى حد لا يمكن لاحد نكرانه.ما زال في لبنان بقية باقية من الذين يقدمون السلم الاهلي المعيوب والمعوق على حال الانقسام البارد او الحار بين اللبنانيين. لكن مسار الأمور كما يظهر من اتجاهات الرياح اللبنانية والخارجية ستطيح بصبر هذه البقية الباقية ويتحول التنافر الحاد قدراً لا مفر منه في ما يأتي من ايام. وفي ذلك تكون مغامرة حزب الله قد وصلت إلى نهايتها واسفرت عن خسارات معنوية لا يجدي معها الحديث عن نصر او صمود، سواء كان الهياً ام بشرياً.