عراقيون يتحدثون عن التغيير والحرب الأهلية (3-3)
التحولات السياسية لم تعد تلبي الطموح

العراقيون يتحدثون عن التغيير

الحلقة الثانية:
حماية العراق ممكنة بالوطنية بدل الطائفية لحزبية

الحلقة الأولى:
الصراع يخدم مصالح الساسة ولا دخل للشعب به

أسامة مهدي من لندن:مع بداية دخول العراقيين عامهم الرابع وقد تخلصوا من نظامهم السابق في التاسع من نيسان (ابريل) عام 2003 يبدو انهم قد اصبحوا اسرى الموت الذي يحيط بهم من كل جانب وليخفي دخان البنادق التي تسببه كل ما انجز خلال السنوات الثلاث الاخيرة من محاولات لبناء عراق جديد ديمقراطي تعددي اتحادي وحيث يبدو ان مواقف العراقيين اصحاب القضية الاساسيين مما تحقق ومما هو حاصل الان متباينة بين التفاؤل والتشاؤم نتيجة فشل السياسيين في انجاز ماوعدوا مواطنيهم به .. وهم يراوحون منذ اربعة اشهر عاجزين عن تقديم حكومة تبعث املا في نفوس ناخبيهم .

ولذلك استقصت quot;ايلافquot; آراء مجموعة من الساسة والمحللين والاختصاصيين والافراد العاديين من داخل العراق وخارجه عن مسيرة بلدهم خلال السنوات الثلاث الاخيرة وعن المخاوف التي تلف الجميع من تفجر حرب اهلية طائفية تعمل اطراف مختلفة على اشعالها.

لقد اختلف العراقيون في مواقفهم .. بين من يرى وسط الظلمة نورا وفي نهاية النفق مخرجا اذا تمكن ولاة الامر من استبدال طائفيتهم وحزبيتهم الضيقة بالوطنية المؤمنة بكل العراق وكل شعبه.. وهنا يطرح هؤلاء العراقيون رايهم بالسؤال الموجه اليهم من quot;ايلافquot; : ما الذي حققه العراقيون من التغيير .. وكيف يمكن لهم تجنب اندلاع حرب اهلية؟ :


.. حميد الكفائي .. الأمين العام لحركة المجتمع الديمقراطي الناطق الرسمي بأسم مجلس الحكم السابق (يغداد) :

إن إسقاط نظام صدام حسين هو أكبر إنجاز تاريخي حصل خلال العصر الحديث وهوبالتأكيد إنجاز عراقي أمريكي مشترك. العراق الآن بلد حر فيه مئات الأحزاب والمنظمات والنقابات والجمعيات المستقلة ووسائل الإعلام الحرة التي تنقل الأخبار والآراء حسبما تشاء. هناك اقتصاد ينمو بسرعة فبعد أن كان مستوى راتب الموظف العادي بين أربعة آلاف ndash; عشرة آلاف دينار عراقي، أصبح الآن بين ثلاثمئة ألف دينار ومليون ونصف دينار شهريا. نعم الخدمات لا تزال دون المستوى المطلوب لكنها توزع بعدالة نسبية بعد أن كانت توهب لمن أطاع وقدم خدمات للنظام، الأمن متدهور في بعض المناطق والحكومة وأجهزتها ضعيفة لكنها في تنامٍ متواصل. بالتأكيد كانت طموحاتنا أكبر فقد كنا نعتقد أن بالإمكان إقامة الديمقراطية وتحقيق الازدهار الاقتصادي خلال عام أو عامين. وكان بالإمكان أن تتحسن الأوضاع كثيرا لو أن دول الجوار قبلت بالنظام الجديد في العراق وتعاونت معه في ملاحقة المتسللين والمسلحين الأجانب الذي يعبرون الحدود العراقية بشكل يومي. ولو أن الأمريكيين لم يرتكبوا بعض الأخطاء التي حولت التحرير إلى احتلال وقادت إلى تدهور الأمن، ولو أن الأحزاب والشخصيات السياسية والدينية العراقية طرحت خلافاتها جانبا وركزت على تهدئة الأوضاع الأمنية وتحسين الظروف المعيشية للناس.

إلا أنه وبالرغم من المعوقات التي ذكرناها فإن العراق يسير بخطى حثيثة إلى الأمام لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة المنصفة لكل أبنائها. هناك صعوبات بسبب حداثة الديمقراطية في العراق وبسبب القمع الديني والطائفي الذي مارسه النظام السابق الذي جعل العراقيين يتمسكون بانتماءاتهم الطائفية والدينية، وبسبب التنوع العراقي الشديد وعدم الثقة بين مكونات الشعب العراقي التي خلفها لنا النظام السابق، إلا أن هذه المعوقات ستزول بمرور الزمن عندما يتعلم الجميع أن عليهم أن يتعايشوا مع الآخرين وأن عليهم أن يتنازلوا عن بعض مما يعتقدونه حقا لهم من أجل الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي ومن أجل العراق الذي هو ملك للجميع دون استثناء. إن الاصرار على التمسك بالمواقف عند بعض العراقيين سوف يتعبهم ويتعب الآخرين معهم، لكنهم سوف يضطرون بمرور الزمن إلى التنازل عن هذه المواقف. لن يقبل العراقيون بعد اليوم بحكومة طائفية أو عنصرية ولن يقبلوا بهيمنة طائفية أو قومية أو حزبية أو عائلية. التمسك بدولة القانون والحقوق المتساوية للجميع هو الخيار الوحيد المتبقي أمامهم وأعتقد أنهم يسيرون نحو قبول هذا الخيار والكثيرون منهم مستعدون للدفاع عنه.
مرة أخرى فإن زوال نظام صدام هو إنجاز لا يضاهيه إنجاز ولن يقلل من هذا الإنجاز التعثر الذي نراه في العملية السياسية أو التدهور الأمني في بعض المناطق لأن هذه كلها أمور وقتية. لقد أصبح لنا أمل بعد يأس طويل وصرنا أحرارا بعد عبودية مقيتة وتمتعنا بحقوقنا بعد ظلم قاس. سنتمسك بالأمل والحرية والعدالة وسوف نضحي للحفاظ عليها.

.. هارون محمد ndash; كاتب وناشط سياسي (لندن) :

في وقفة موضوعية لتقييم ما حدث في العراق خلال السنوات الثلاث الماضية عقب الاحتلال، لابد ونلحظ ان هذا البلد العربي الأصيل قد تعرض الى هجمة استعمارية شرسة تذكر تماماً بهجمات هولاكو والتتار التي استهدفت بغداد قبل الف عام، فالتدمير هو سمة الهولاكيين والامريكيين، والقضاء على التراث الحضاري والثقافي والإبداعي هدف جمع بين حملات المتوحشين السابقين والمعتدين الحاليين، وهذا هو قدر العراق منذ بدايات نهوضه قبل 750 سنة، كلما قام وأرسى أسس حضارة جديدة تصت له قوى الشر واجهزت عليها، ولكن التأريخ يعلمنا أيضاً ان العراق وبعد كل محنة يتعرض لها، ينهض من جديد وينطلق من الرماد ويحلق عالياً.
وكان واضحاً منذ بداية الاحتلال الجديد ان الامريكان لم يأتوا الى العراق بماكنتهم الحربية المدمرة لاسقاط نظام صدام حسين وبناء تجربة ديمقراطية تكون إنموذجاً لدول المنطقة كما زعم بوش وأركان إداراته، وإنما جاءوا لتدميرالدولة العراقية التي قامت بتضحيات العراقيين على امتداد ثمانية عقود حفلت بالجهد والعمل والبذل، والاجهاز على الشعب العراقي وقدراته، بعد ان فشلت واشنطن وحلفائها في تحقيق اهدافها عبر حصار جائر استمر ثلاثة عشر عاماً صمد فيها العراقيون وقبضوا على الجمر وصبروا وصابروا، وواجهوا التحديات بعزم وإصرار على مواصلة الحياة.
وقد وضح الآن وباعتراف القادة الامريكيين ان احتلال العراق مكلف ومورط، وإن العراق ليس جمهورية موز او دولة هامشية، وثبت ايضاً ان مقاومة شعبه للاحتلال تتصاعد يوماً بعد يوم ولن تهدأ او تتوقف الا برحيل الغزاة وانسحاب قواتهم، هذه الحقيقة المرة على المحتلين وعملائهم ستقود حتماً الى خلاص العراق وبعد ذلك سيكون متاحاً للعراقيين ان يحددوا خياراتهم الوطنية واعتماد ما يناسبهم من الصيغ والاشكال الديمقراطية التي تنسجم وتتوافق مع إراداتهم وتأريخهم وموروثهم الحضاري والثقافي والاجتماعي، بعيداً عن الاستعمار والاحتلال والتخلف وقوى الظلام من الملالي وشيوخ الحرب والعصاة وميلشيات الغدر.

.. اللواء الركن ابو حازم الحميري - ضابط في الجيش العراقي السابق ( ديالى) :

كجندي سابق عايش احداث التاسع من نيسان (ابريل) 2003 والايام التي سبقته اشعر بالألم كخنجر يضرب في كل جسمي من قمة رأسي واعماق قلبي الى اخمص قدمي، مع ان مفردة (الاخمص) بالنسبة الينا كعسكريين لها مدلولات اخرى.
وأشعر بالحزن أيضاً لان فرصة القتال ضد محتلي بلدي لم تتوفر لي ولأمثالي من الجنود والضباط بسبب الانهيار الذي حدث للقيادة السياسية وسوء التخطيط لادارة المعارك وخصوصاً في المدن التي استهدفها العدوان، وما زلت وعقب ثلاثة اعوام على الاحتلال عندما التقي مع زملائي السابقين ورفاقي في السلاح نستعرض قدراتنا العسكرية والتسليحية ونناقش الخيارات التي كانت متاحة لنا في ذلك الوقت، كنا نتوصل الى ان المعركة كانت من جانب واحد ولو قيض لنا ان نشارك فيها لما انتهت الحرب الى نتيجتها المعروفة، مع ادراكنا سلفاً باننا لا نستطيع هزيمة قوات تستخدم اسلحة فتاكة وذات تقنية عالية وطيران متطور وصواريخ عابرة القارات، ولكننا على الاقل كان بمقدرونا ان نوقف احتلال بغداد بالطريقة التي حدثت فيها، وبغداد تعني الكثير، واعتقد بانها لو صمدت شهرين او ثلاثة لتغيرت نتائج الحرب تماماً.
ومما يزيد من معاناتنا اكثر من نتائج الحرب وما افرزته من احتلال وسطوة الاجنبي، الاتهامات الظالمة التي توجه الينا باننا لم نقاتل، دون ان يسألنا أحد: هل تلقينا امراً بالقتال ولم نقاتل؟ هل تركنا ساحة المعركة وهربنا منها؟ هل هزمنا في اشتباكات جرت بيننا وبين الغزاة؟ كل هذا لم يحصل وسيأتي يوم لاشك فيه وتتضح الصورة وتكشف الحقائق وستعرف الاجيال العراقية ان الجيش العراقي كان مستعداً للمنازلة والتضحية لو توافرت له قيادة سياسية تلتزم خططا وعمليات معدة من قبل قيادة عسكرية محترفة وهيئة أركان مؤهلة لادارة الحرب.
في فمنا دم.. وليس ماء، ونلوذ بالصبر والجلد ولكننا نؤكد ان جيشنا لم يهزم لانه لم تتح له الظروف للقتال حتى يهزم، وحتى تلك الوحدة العسكرية الصغيرة الباسلة في أم قصر، لو توافرت لها امدادات واتصالات لما تمكنت تسع ألوية مدرعة امريكية وبريطانية مع غطاء جوي كثيف من احتلال الميناء العراقي ، كما اقر القادة العسكريون في البنتاغون بذلك خلال استجوابهم في الكونغرس، ونشر ذلك في اكثر من صحيفة امريكية.

.. نبيل ياسين .. كاتب ومحلل سياسي (لندن) :

ان الامكانات التي اتاحها سقوط النظام امام الشعب العراقي كثيرة فهو اصبح مستعدا ليكون متحررا من الخوف وبالذات الخوف التاريخي المتراكم, الذي كان يعيق أي تحرك شعبي.والتحرر من نظام الاعدامات الجماعية والمقابر الجماعية ونظام الدكتاتور وعبادة الفرد والراي الواحد والصحافة الحزبية الموجهة والتبعيث القسري وشبكة الامن والمخابرات الهائلة والضاربة وغيرها من مظاهر الارهاب الرسمي للدولة والنظام السياسي.واطلاق التعددية السياسية والقومية والدينية والاعتراف بالغير والمغاير وحرية الصحافة وحرية التنظيم السياسي.
ولاننسى اهمية اطلاق عملية سياسية قائمة على الانتخابات والدستور ودور البرلمان ومشاركة قوى متعددة في السلطة, وغير ذلك من مظاهر جديدة في البنية السياسية والاحتماعية الثقافية العراقية رغم مايظهر الان من صراع بين نزوع نحو التحرر من الاليات السياسية التوافقية الانقلابية, والعقل السياسي الشمولي الذي لايقبل بالحرية, وظهور بوادر انقلاب في الاهداف والرؤى التي بشرت فيها الولايات المتحدة بشأن الديمقراطية واعداد العراق كنموذج للاهتداء به في المنطقة.
لقد حقق العراقيون هذه الامال التي تواجه ارثا من التعارض بينها وبين الارهاب غياب القانون وشيوع الفساد الاداري والمالي وازدياد البطالة وانتشار الموت كما كان في حروب النظام السابق. ولكن هذا الصراع الذي يراهن على حرب اهلية تنقصها ارادة مشتركة من الاطراف التي يمكن ان تخوضها, لايتحمله النظام السياسي الدستوري الجديد وانما اعداؤه من مختلف الاتجاهات المعادية للديمقراطية وتغير بنية النظام السياسي , سواء من الداخل حيث يتفانى رجال النظام المنهار لاعاقة التحول واستقراره مستخدمين اساليب القتل والدمار الجماعي, او من دول اقليمية ترى في النظام السياسي الجديد كسرا وتحطيما للبنية التقليدية للنظام العربي القائمة على واحدية مطلقة سواء قومية او مذهبية او سياسية او عشائرية او عائلية او زمرية ,عسكرية او مدنية, او حزبية عصبوية. او من دول كبرى ترى ان مصالحها تقتضي استمرار الفوضى والعنف وعدم استقرار العملية السياسية وتوفير امن المجتمع لتمرير مصالحها وخططها واستمرار الفكر السياسي العراقي القائم على المحاصصة والاحتكار والالغاء والاقصاء ونفوذ الزعامات الفردية.
لكن اهم الانجازات ماتزال تتركز على الجانب السياسي لانه المدخل للاصلاحات الاخرى الاقتصادية او الاجتماعية. فالنظام السياسي السابق ,وعلى مدى ثمانين عاما, كان نظاما فاسدا من الناحية الحقوقية والدستورية.وعلى الرغم من توفر وارادات هائلة من النفط ,الا ان النشاط الاقتصادي للاقتصاد العراقي مايزال بطيئا ومتعثرا وخاضعا لتدني الامن مما ينعكس سلبا على توفير فرص العمل وتنشيط السوق وجلب الاستثمارات ونشاط سوق الاسهم وعملية اعادة الاعمار المهمة والضرورية والتي تنشط بدورها العملية الاقتصادية وتفتح آفاقا واسعة امامها . وقد ترافق ذلك مع الاسف مع انتشار الفساد واتساع ظواهر الرشوة وسرقة المال العام وتهريب العملة والسيولة النقدية إلى الخارج وتكريس الفساد في اجهزة الدولة خاصة الخدمية منها. وعلينا التاكيد ان اغلب هذه المظاهر كانت قد نشأت في جنح ظلام النظام السابق وقد شجع عليها واعتبر انتشار الجريمة جزء من السيطرة على المجتمع وتهميشه لصالح قوة وجبروت الحكم الدكتاتوري الذي مايزال يسعى إلى حرب اهلية تتناتسب مع مصالح بعض دول الجوار والاجندات التي ترى في الحرب الاهلية حربا ايرانية-عراقية جديدة تكون ساترا لها من لهب التغيير.

.. سيف الدين الدوري .. دبلوماسي سابق واعلامي (لندن) :

هل حقق التغيير في العراق آمال واماني العراقيين؟ سؤال يردده العراقيون والعرب والعالم ، اذ بعد مرور ثلاث سنوات على التغيير لم يجد العراقيون أي تحول او تغيير في حياتهم الامنية اليومية ، صحيح ان تغييرا سياسيا كبيرا قد حصل لكن ذلك لم يعد يلبي طموح ورغبات العراقيين وتطلعاتهم وامالهم ، حيث كانوا يأملون في التغيير ان ينقلهم من نظام سياسي شمولي الى آخر تعددي ديمقراطي تتعايش فيه كل فئات ومكونات المجتمع العراقي ضمن حالة الاندماجية والمساواة بعيدة عن التمييز والتفرقة .لا فرق بين عربي وكردي وتركماني وكلدواشوري وبين مسلم ومسيحي وبين شيعي وسني تجمعهم هوية واحدة هي العراق التي به تكبر كل الطوائف والمذاهب والاعراق والاديان فهو الحاضنة للجميع وهو المفخرة لنا ولاجيالنا القادمة كما كان مفخرة للاجيال السالفة لما تميز به من حضارة امتدت الاف السنين قبل الميلاد وكان واحدة للمضطهدين والمستضعفين ومركزا للعلم والعلماء يؤمه العديد القادمون من مشارق الارض ومغاربها ينهلون من علومه وعلمائه .
وكان العراقيون يأملون افاقا جديدة من الحب والتسامح والتعاون والعلم والمعرفة تظهر امامهم الا ان دخان التفجيرات والاغتيالات والاحقاد والثارات ودخان البنادق قد حجبت تلك الافاق والامال والتطلعات. بعد ان اختفى الامن واختفت السلطة القادرة على حماية المواطنين ولم تبق هناك سلطة الا سلطة الموت.
ان السبيل الوحيد لسلامة العراق والعراقيين هو نبذ العنف واعتماد القلم وسيلة للحوار بدلا من البندقية ، فالافكار لا تواجه الا بافكار اخرى والدم يقود الى الدم والثار يقود الى الانتقام . بينما الحرية والديمقراطية تقود الى السلم والاستقرار والتقدم والتطور .

.. الدكتورة راقية القيسي .. باحثة في الشؤون العراقية (لندن) :

يقول غالبية العراقيين البسطاء اننا نعيش جميعا منذ قرون عديدة على ارض واحدة ونتقاسم مصير مشترك واحد ، وان اندلاع العنف الطائفي والصراع الاهلي امر غير معروف في العراق. ثم يستنتجوا من هذه الحقيقة الحياتية البسيطة بأن انزلاق البلاد الى مستنقع العنف الطائفي والثأر الذي اغرق البلاد بالدم وجعل العراق على شفا حرب اهلية مرعبة، تزامن مع دخول قوات الاحتلال وحلفائها الى العراق.
لقد حلل العراقيون البسطاء باسلوبهم الفطري اسباب الاستقطاب الطائفي وتطوره، وجاء تحليلهم لا يختلف عما قاله المفكر المصري الماركسي سمير امين بأن الاستقطاب ملازم للرأسمالية وهو جزء من اليات التوسع الراسمالي..الذي ينتج بالضرورة ازمة تؤدي الى الصراع والحروب نتيجة التنافس على النفوذ والموارد.
ومن المعروف بأن الكيانات السياسية الطائفية، جرى تأسيسها او أحتوائها، من المجموعات المعارضة في بريطانيا والولايات المتحدة، وبرعاية السلطات الامريكية والبريطانية، منذ السنوات الاولى التي اعقبت اخراج الجيش العراقي من الكويت. وتم ذلك في اطار التعاون المناهض لدكتاتورية نظام صدام في العراق. وعندما توفرت الظروف لغزو العراق ، دخلت هذه الكيانات كتفا الى كتف مع قوات الغزو .
وبعد دخول هذه الكيانات العراق، أشاعت أجواء النزعة الطائفية، التي اصبحت تكتنف كل جوانب الحياة. فوَلدت مناخ من الاستقطاب الطائفي والاثني، أدى الى ازمة سياسية خانقة، نتيجة التنافس على السلطة السياسية والهيمنة الاقتصادية على موارد النفط. ومع اشتداد الازمة نتيجة لهذا الاستقطاب والتنافس، بدات الاطراف المتحالفة مع قوات الاحتلال تنغلق تدريجيا على نفسها، وتشكك بالاطراف الجدد في العملية السياسية، وترفض اي مشاركة في النفوذ السياسي والموارد .. الامر الذي ادى الى تصعيد اجواء العنف والثأر الطائفي، وهذه هي دائما عوامل اندلاع الصراع والحروب في التاريخ ، وهي ملازمة للتوسع الامبريالي للدول.

لقد أصبح الاستقطاب الطائفي والاثني بعد احداث الحادي عشر من سيبتمبر، يأخذ منحى اكثر سهولة، بسبب ظهور العدو (الارهاب) الذي سيكون شماعة لتعليق ازمة الاستقطاب، الذي تولده آليات التوسع الرأسمالي الامبريالي للسيطرة على العالم. وهذا ما جعل الرئيس الامريكي بوش الابن يسجل ليلة الحادي عشر من سيبتمبر في مفكرته الملاحظة التالية:
{اليوم وقعت بيرل هاربور القرن الحادي والعشرين (وهذه أشارة لاسباب دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية) نعتقد انه اسامة بن لادن. ونعتقد ان هناك اهدافا اخرى سيتم مهاجمتها في الولايات المتحدة، ولكنني أناشد البلاد أن تعود لحياتها الطبيعية، لا يمكننا ان نسمح لأي أرهاب بأن يتخذنا كرهائن، وأملي هو أن يتيح ما حدث لنا الفرصة لان نقود العالم ضد الارهاب}

أنطلاقا من مضمون هذه الملاحظة فأن الرئيس بوش ورهطه (المحافظين الجدد) كانوا بانتظار الفرصة لايجاد (عدو)، يخفي وجه النزعة الاحتكارية الصارخة للرأسمالية بعد أنفرادها بالقوة على الصعيد العالمي. وقد قدمت شبكة القاعدة ودكتاتورية صدام، هذه الفرصة الذهبية، التي ساعدت (نمور الراسمالية) من أحداث تغيير جوهري في السياسة الخارجية الامريكية، التي أصبحت بدل الاحتواء والردع، المنع والوقاية من الاخطار، وفقا لاستراتيجية الدفاع الوقائي.
وهكذا جاءت ولادة أستراتيجية الدفاع الوقائي، متلازمة مع حاجة الولايات المتحدة لدعم صراعها مع القوى الاخرى المنافسة على الزعامة العالمية، ورفضها بقيام اي منافس دولي، يشاركها في توزيع القوة. ووفقا لهذه التحول الاستراتيجي الكبير، أصبحت الولايات المتحدة تركز على الاخطار الثانوية التي قد تهدد المصالح الامريكية اذا اسيئ التعامل معها ، مما قد تتحول الى اخطار اكبر تهدد الامن الامريكي ويقوض في النهاية السلام العالمي .
ومن الملاحظ بأن الولايات المتحدة تحاول دائما أن تربط بين التهديد الذي يشكل خطر على أمنها القومي الامريكي، وبين الامن العالمي. وأستنادا لذلك، فهي تشعر بالاحساس بأنها تقوم بمهمة تاريخية واخلاقية في مواجهة معسكر الشر والظلم الذي يهدد وجودها والوجود الانساني بمجمله. ويعتقد بوش وبلير وفقاً لتصريحاتهم المعلنة، بانهم يقومون بهذه المهمة الاخلاقية بارادة من الرب وبأيعاز منه.. !
وعلى هذا الاساس، ووفقا لارادة الرب، يصر قادة واشنطن ولندن، بأن الحرب على العراق ليس خطأ، وأن أسباب تدهور الاوضاع هو نتيجة أساءة التصرف لمرحلة ما بعد الحرب. وان أستمرار التدهور الامني في العراق، يمكن ان يوصل الامور الى نهاية مفجعة تهدد المصالح الامريكية اذا انسحبت قوات الاحتلال . ولهذا سيظل العراق بحاجة الى وجود قوات وقواعد عسكرية كثيفة في العراق، وفي عموم الشرق الاوسط، وسيستمر هذا الوجود طوال القرن الحادي والعشرين. ولهذا السبب يرفض قادة الاحتلال اعطاء موعد لانسحاب او جدولة موعد محدد لخروج قواتهم من العراق.
ومن مفارقات السياسة الامريكية/البريطانية، التصريحات الاخيرة، بظهور رغبة مفاجئة للحوار بين الايرانيين والامريكيين بوساطة المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق (حليف ايران الاستراتيجي في العراق). وقد حدثت هذه الخطوة المفاجئة بعد التهديدات الامريكية التي حذرت ايران من التدخل في الشؤون الداخلية للعراق. وهذه السياسة المتناقضة التي تحكم طبيعة العلاقات الامريكية/البريطانية مع ايران ، مشابهة للسياسة الامريكية/البريطانية المتناقضة مع الالمان قبيل الحرب العالمية الثانية .
فقد كانت الجهود الامريكية/ البريطانية انذاك عدم التصدي الفعال لنمو الهتلرية، وعدم اعاقة تثبيت النازية العنصرية في السلطة، وبالتالي، توجيه عدوانها نحو الشرق لمواجهة خطر الشيوعية العالمية بعد ثورة اكتوبر الاشتراكية في روسيا.
والان نطرح السؤال التالي: أليست الجهود الامريكية البريطانية المشار اليها اعلاه مشابه لجهودهم الحالية في دعم الطائفية وتسليمها السلطة واستخدام سياسة التهدئة مع ايران، من اجل ان يكون العراق الجبهة الاساسية لحرب الارهاب كما ردد ذلك قادة الاحتلال المرة تلو الاخرى في خطاباتهم ..! أما مؤتمر القمة في السودان فليس سوى جزء من مسلسل سياسة التهدئة، ستدفع ثمنه الانظمة العربية الواحدة بعد الاخرى ..!

والان ما الحل ازاء هذه الفوضى المعممة ونزعة الحرب والدمار ؟
لا شك أننا امام صفحة مظلمة في العلاقات الدولية نتيجة لمفهوم عقيدة الدفاع الوقائي ضد الارهاب. فهي عقيدة غامضة وشديدة الالتباس. تستخدم حاليا في تبرير الاضطهاد وتكييف الواقع العراقي والعربي مع الاستقطاب الطائفي ؛ وستجعل المنطقة تدور في حلقة مفرغة من العنف والصراع الاهلي لقرن قادم من الزمن .
لذا اعتقد بان المهمة الاساسية لمرحلتنا الراهنة، هو (اولا) رفض المشروع الامريكي في العراق ومشاريع التهدئة التي تدار برعاية الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفائهم الاقليميين والعراقيين. لان هدف هذه المشاريع هي استنزاف العراق والمنطقة العربية.
(وثانيا) تكريس الجهد للقيام باعمال سلمية مفيدة مثل تنظيم دعوة دولية (ضد التطرف). ومحاولة الاتصال بالمنظمات والحركات السياسية الاقليمية والدولية وتعريف الشعوب الاخرى المحبة للسلام بان ما تقوم به الولايات المتحدة وحلفائها في العراق هو ارهابا للعراقيين المدنيين لأمركتهم، وهو ارهابا للانظمة العربية لامركة العرب، (رغم استنكاري للسلوك السياسي لهذه الانظمة ). (وثالث) تقدبم الدعم والمساندة للمقاومة العراقية المسلحة للاحتلال، لانها حق شرعي محمي بالقانون الدولي.
ينبغي أن نعلم بان الخوف من الارهاب الذي يعيشه العالم الان، والذي لعب به الرئيس الامريكي الحالي ورهطه من المحافظين الجدد دورا بارزا، قد ضيق الافق لدى الناس. ففي ظل سياسة الخوف، وحماس قادة واشنطن ولندن الذين ياخذون قرارتهم السياسية من الرب في مطاردة الارهاب ، سيتم تبرير الاضطهاد بحجة المصلحة العامة، وسيتم سحق المعارضة دون رحمة. وهذه الزمرة على استعداد لنشر البؤس والشقاء والفوضى والدمار لفرض زعامتهم العالمية، كما هو الحال في العراق .. وهنا تكمن اهمية المشاركة في تنظيم الدعوة الدولية ضد (التطرف واشاعة نزعة الحروب). فهذه الدعوة ستكشف بان عقيدة الدفاع الوقائي ضد الارهاب ليست سوى اوهام ماساوية ستحدث ضررا بليغا بالبشرية لكونها عقيدة لفرض الارهاب وليس منعه..!

.. الدكتور صاحب الحكيم .. مقرر حقوق الانسان في العراق (لندن) :

لقد سررنا للاطاحة بنظام صدام حسين ولكن حيرتنا كانت في الوقت نفسه بما يتعلق بخطط الامريكان المستقبلية.
الحالة الامنية الحالية هي فوضى بسبب العناصر الارهابية القادمة من الدول العربية المجاورة .. وليس للعراقيين.
هناك 15000 معتقل ولكن السلطات الامريكية لا تعطي معلومات وافية عنهم ....ماهي جنسياتهم؟ ماهو انتماؤهم؟ .....نريد رؤية هؤلاء في المحكمة ولكن ومع مزيد الاسف لم يعلن الامريكان عنهم. . هنالك اسئلة عديدة لا توجد اجابة عليها .. يتم اطلاق سراح معتقلين لا نعرف اسماءهم وعلى اي اسس اطلق سراحهم؟ ولماذا القي القبض عليهم ؟ ومن يدعمهم .. لا نعلم بالطبع.
نحن مسرورون لان الامريكان اطاحوا بصدام حسين وبدونهم لم يكن بالا مكان التخلص منه ابدا . تم إعتقالي في زمن النظام السابق .. من قبل نظام الحكم في سنة 1969 ومنعوني من افراغ الادرار لمدة 48 ساعة .. كنت اصرخ في السجن...الى ان فقدت الوعي..ثم ارغموني على افراغ الادرار امام النزلاء داخل السجن. قتل النظام من عائلة الحكيم 64 شخصية وكثير منهم لم يتم العثور على جثثهم الى الان . كان لعائلة الحكيم القيادة للشيعة في العالم الاسلامي في سنة 1960---1970 ولكنها فقدت القيادة عند مجئ آية الله الخميني الى ايران .
نريد رؤية حكومة منتخبة للبلاد .. ان الذي يريده الشعب الان هو الامان .. العراقيون احرار الان.. هناك صحافة حرة.. حرية الكلام..حرية الاحزاب.. حرية التظاهر.. ولكن ما يقلق راحة الموطنين هي التفجيرات في المدن .

.. نزار عسكر .. مدير مكتب فضائية عشتار العراقية المسيحية والمهتمة بشؤون الكلدان والاشوريين والسريان (السويد) :

على الرغم من أن التغيير الذي تحقق في العراق لم يكن بمستوى وحجم التضحيات الجسام التي قدمها الشعب العراقي، في نضاله المرير ضد الدكتاتورية، غير أن التغيير بحد ذاته، كان كخيار، حقا مشروعا لشعب يريد الخلاص من نظام دكتاتوري، هو سبب رئيسي من أسباب الحال الذي وصل اليه العراق اليوم.
نعم لم تتحقق معظم آمال العراقيين من هذا التغير، لأسباب موضوعية وذاتية لامجال لذكرها الآن، لكن أمل التغير بغد أفضل، وحياة ديمقراطية حقيقية لازال قائما.
أما كيف السبيل لتجنب حرب أهلية؟ فهو، برأي، الأبتعاد عن أجندة المحتل والدول الأقليمية التي لاتريد غير تفكيك العراق، ونبذ الطائفية المقيتة، وتحريم تقسيم السلطة على أساس أثني ndash; ديني ndash; طائفي، وأعتماد المواطنة على أساس الكفاءة والأخلاص للوطن.
ما يحدث من تعميق للنعرة الطائفية والقومية، خطيئة كبرى تتحمل مسؤوليتها أغلب القوى والأحزاب السياسية العراقية، وما يترتب عليها من نتائج وخيمة يومية، عار سيُكتب على جبينها في موسوعة العراق التاريخية..!