إيلي الحاج من بيروت : ماذا ينتظر منطقة الشرق الأوسط في الصيف الآتي؟ ولماذا يزداد الحديث عن حروب فيها تجعله فصلاً حاراً بل ساخناً جداً؟ وما طبيعة هذه الحروب المحتملة؟ والأهم : أين ؟

تبرز من جهة، في محاولات الإجابة، ملامح مشروع ضربة عسكرية اميركية ضد ايران على خلفية الصراع الحاد حول الملفين العراقي والنووي، وبهدف استرداد الولايات المتحدة زمام المبادرة في المنطقة.

ومن جهة تبرز احتمالات حرب اسرائيلية ضد لبنان وquot;حزب اللهquot; تحديدا يمكن ان يتوسع مسرحها ليشمل جبهة الجولان في حال استمرت سورية في دعمها العسكري والمادي المتعدد الشكل لهذا الحزب، وفي حال وافقت اسرائيل على نظرية ادارة الرئيس جورج بوش ولم تعد مهتمة ببقاء النظام السوري الحالي خشية ان يكون البديل منه حكم quot;الإخوان المسلمينquot;. وتكون هذه الحرب في حال وقوعها بمثابة quot;حرب ثأريةquot; وحرب رد الاعتبار لاسرائيل، جيشا وصورة وقدرة ردعية ومصداقية سياسية وعسكرية، بعدما أدت حرب الصيف الماضي الى إلحاق ضرر استراتيجي بها والى اهتزاز عنيف في المؤسستين السياسية والعسكرية.

في لبنان، يكرر أحد أقطاب ١٤ آذار/ مارس رئيسquot; اللقاء الديمقراطي quot;النائب وليد جنبلاط، المرة تلو الأخرى، التنبيه والتحذير من quot;حرب جديدة قد تحصل خلال الصيف على لبنانquot;. ويقول: quot;أصبحنا على مشارف quot;صيف واعدquot; من خلال حرب جديدة لا سمح الله قد تأتي وتحول لبنان مجددا مسرحا لحروب الآخرين على أرضهquot;.
ويلمح جنبلاط بوضوح الى دور quot;حزب اللهquot; ويحمّله مسبقا مسؤولية أي حرب جديدة عندما يقول :quot;مزارع شبعا ذريعة للاستمرار والإتيان بمزيد من السلاح والصواريخ والقيام بمغامرات على حساب الدولة اللبنانية والاستقرار اللبناني والاقتصاد اللبنانيquot;.

وفي اسرائيل جرت مناورات عسكرية غير مسبوقة ل quot;الجبهة الداخليةquot; وعلى الجبهة الشمالية مع سورية ولبنان، وخرج رئيس الأركان اللواء غابي أشكنازي،ليعلن ان الوضع في لبنان quot;حساس وغير مستقر، ومؤهل للتدهورquot; متعهدا ألا يتكرر في فترة ولايته quot;وضع لا يكون واضحا فيه من انتصر ومن خسر، كما حصل في الحرب الأخيرةquot;. ويكشف أشكنازي عن تعزيز قواته في الجولان السوري المحتل quot;بسبب عدم معرفتنا بكل ما يجري في الهضبة. فنحن لن نسمح بأن يحدث ثانية ما حدث في حرب لبنان الثانيةquot;، مشددا على ان جيشه سيمضي أغلب وقته في الاستعداد للحربquot; .

ويلاقيه رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية اللواء عاموس يدلين قائلاً إن سورية وايران وquot;حزب اللهquot; يستعدون لاحتمال نشوب حرب الصيف المقبل التي تبادر الولايات المتحدة الى شنها. ويؤكد ان ldquo;استعداداتهم دفاعية لحرب وفقا لمنظورنا، وانهم يتخوفون عمليا من حرب يبادر اليها الاميركيون لأنهم يدرآون انه قد يكون هناك هجوم على ايران في الصيف، ولكن ليس من اسرائيلquot;. ويشير الى ان الحزب الشيعي في لبنان يحافظ على وقف اطلاق النارquot; لأنه لا ينوي الإنخراط في جولة ثانية من النزاع بعد حرب تموز الماضي، وهو منشغل في ترميم نفسه ويسرع بناء قوته لأنه هو أيضا، مثل السوريين، يستعد للحرب في الصيفquot;.

كلام سعودي لإيران؟

في المملكة السعودية، وفي تسريب متأخر لما دار في القمة السعودية- الايرانية،تم الكشف عما سمعه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في الرياض الشهر الماضي، وفيه تحذير من الاستخفاف بالتهديد الاميركي بتوجيه ضربة عسكرية الى ايران بسبب رفضها وقف تعليق عمليات تخصيب اليورانيوم. ونقلت مجلة quot;نيوزويكquot; عن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل قول الملك عبدالله بن عبد العزيز لنجاد: quot;لماذا تجازفون بذلك وتلحقون الأذى ببلادكم؟ لماذا أنتم مستعجلون على تخصيب اليورانيوم، ولماذا تتدخلون في الشؤون العربية؟quot;.

وفي ايران، حذر رئيس هيئة الأركان في الجيش الجنرال حسن فيروز أبادي الدول العربية المجاورة لإسرائيل وقادة هذه الدول بأنهم يواجهون تهديدا خطرا من quot;هجوم انتحاري صهيوني هذا الصيف يبدأ من لبنان وسورية ويمتد الى الاردن ومصر والسعوديةquot;.

وفي روسيا، صرح مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية الروسية أن المخاوف من تطور عسكري ضد ايران لا يستند الى أسس نظرية فحسب، بل كذلك الى تحليل التطورات، خصوصا الحشد الاميركي المستمر والنشاط العسكري في المنطقة. ولفت الى ان quot;إيران ليست العراق، واندلاع مواجهة عسكرية معها يفجر الوضع في المنطقةquot;.

وكانت وكالة أنباء quot;نوفوستيquot; نقلت عن مصدر رفيع المستوى في موسكو قوله ان الاستخبارات العسكرية الروسية تلقت أخيرا معلومات عن تزايد نشاط القوات الاميركية قرب الحدود الايرانية ، وأن المعطيات المتوافرة تفيد بتحضيرات لشن عملية جوية او برية ضد إيران quot;تتيح اخضاعها بأقل خسائر ممكنةquot;، في حين أعلن الخبير العسكري الروسي ليونيد ايفاشوف ان واشنطن أجرت أخيرا تجارب ناجحة على قنبلة جديدة مخصصة لتدمير المنشآت المحصنة، بدأ العمل لصنعها عام ٢٠٠٤.

وتذكر تقارير ومعلومات دبلوماسية اوروبية ان الادارة الاميركية رغم استمرارها في اشاعة أجواء غموض تجاه استراتيجيتها في العراق والمنطقة، توصلت الى اقتناع بأن مطلب quot;تغيير السلوكquot; مع سورية وايران لن يقود الى أية نتيجة، وبالتالي إن أفضل وسيلة لتغيير سلوك النظامين في طهران ودمشق هو تغييرهما.
وتعزز هذه المقولة تقارير اميركية حديثة مفاها أن واشنطن أدركت بعد المحاولات الكثيرة والمفاوضات والاتصالات المباشرة وغير المباشرة ان النظام الحالي في طهران لن يتخلى عن تخصيب اليورانيوم والسعي إلى امتلاك التكنولوجيا العسكرية، وان النظام السوري في دمشق لن يتخلى عن المطالبة باستعادة نفوذه في لبنان ودعم منظماتquot;حزب الله quot;وquot;حماسquot; وquot;الجهادquot; وتوثيق تحالفه الاستراتيجي مع طهران.

في ضوء هذه القراءة توصلت الادارة الاميركية الى اقتناع بعدم جدوى الحوار مع كل من طهران ودمشق، فيما تشير مصادر أخرى الى ان واشنطن تعلن رغبتها في الحوار لأسباب سياسية ودبلوماسية للإيحاء أنها جربت كل الوسائل السلمية الممكنة قبل اتخاذ قرار الحسم العسكري.

ويبدو حسب آخر المعلومات ان خطة الحسم العسكري التي أعدت قد دخلت آخر مراحل العد العكسي الذي يتوقع وصوله الى ساعة الصفر في حزيران/ يونيو المقبل، الا اذا حصلت حادثة مفاجئة في مياه الخليج او في العراق عجلت في اشعال الحرب.

حسابات إسرائيل

وقبل أيام بلغت اسرائيل الحد الأقصى في استعدادها للحرب quot;الأسوأquot;، عندما نظمت أضخم تمرينات عسكرية ودفاع مدني لمواجهة quot;حرب على كل الجبهاتquot; ضد الفلسطينيين وحزب الله وسورية وايران، وكان لافتا ان السيناريو الأبرز الذي يواجهه الاسرائيليون هو تعرض تل أبيب للقصف الصاروخي. وفي حين حاول بعض المراقبين القول ان خلفية هذه التمارين هي نفسية- سياسية وترمي الى طمأنة الشعب الاسرائيلي، واعادة ثقته بقدرة جيشه على حمايته، تشير مصادر مطلعة الى ان المناورات العسكرية هي استعدادات للحرب التي يعد لها الاسرائيليون والأميركيون في الأشهر المقبلة.

ويصل بعض التقارير إلى حد اندلاع الحرب قبل الصيف ربما، وألا تكون حرب اسرائيل ضد ايران، بل ضد quot;حزب اللهquot; وسورية معاً هذه المرة، مما يعني أن معاودة حرب لبنان التي توقفت في منتصف آب / أغسطس الماضي بتعزيز قوة quot;اليونيفيلquot; والقرار ١٧٠١ لا تزال مشروعا قائما في تل أبيب.