الأربعاء 21 مارس 2007
هيلينا كوبان
أدى الغزو الأميركي للعراق والانهيار السوسيو- سياسي الذي أعقبه، إلى إرسال موجات صادمة إلى مختلف أنحاء الشرق الأوسط. ولقد أُتيح لي أن أشعر بتأثير هذه الموجات على نحو مباشر وذلك خلال إقامتي التي استمرت شهراً في كل من مصر والأردن وسوريا.
يمكنني القول إن هناك أربعة أفكار سياسية تتصارع على النفوذ والدعم في الدول العربية. والنتيجة التي سيسفر عنها هذا الصراع خلال فترة الثلاث أو الخمس سنوات القادمة، هي التي ستقرر- على الأرجح- مستقبل هذه المنطقة ذات الأهمية الكبيرة من الناحية الاستراتيجية خلال الجيل القادم. وفيما يلي أورد عرضاً لهذه الأفكار:
1- القومية العربية العلمانية: سادت هذه الفكرة في العالم العربي إلى أن سقطت من الاعتبار اثر حرب عام 1967. وهذه الفكرة المفتوحة أمام المسلمين والمسيحيين، ضمت في وقت من الأوقات ثلاث نسخ متنافسة فيما بينها: النسخة الناصرية المصرية، والنسخة البعثية العراقية، والنسخة البعثية السورية التي ظلت وحدها في الحكم حتى اليوم، وإن كان من الملاحظ أنها قد غدت تتبنى نهجاً ينحو بشكل متزايد إلى التركيز على سوريا في المقام الأول. مع ذلك يمكن القول إن مشاعر القومية العربية لا تزال منتشرة على نطاق واسع بفضل تبني بعض وسائل الإعلام لها وبفضل الفعاليات الثقافية. ورغم أن صعود القومية الفارسية مؤخراً أدى إلى إثارة بعض القلق في صفوف أنصار القومية العربية، فإن معظم الشعوب في الدول المحيطة بإسرائيل لا تزال تعتبر إسرائيل تهديداً أخطر بكثير من التهديد الإيراني.
2- الفكرة القطرية العلمانية: من المعروف أن النظام العربي القائم على الدولة القطرية قد نشأ في أعقاب الحرب العالمية الأولى. ومنذ ذلك الحين تمكنت كل دولة من اكتساب قدر كبير من ولاء مواطنيها: فالمواطن اللبناني اليوم يشعر أنه لبناني فقط، والبحريني يشعر أنه بحريني فقط... وهلم جرا. ورغم انهيار الدولة المركزية في العراق بفعل الحرب، وما نجم عنها من مذابح وحمامات دم بين طوائف الشعب العراقي، فإن العديد من المواطنين في البلدان العربية الأخرى استجابوا لتلك الحرب بالالتفاف حول الدولة المركزية العاملة، حتى لو افتقرت إلى كثير من عناصر الديمقراطية طالما ظلت- هذه الدولة- قادرة على تلافي تكرار نموذج الفوضى القاتلة في العراق.
3. الإسلاموية السنية: الغالبية العظمى من العرب تنتمي إلى المذهب السني. وقد شهدت الجماعات السنية، بالاضافة الى أنشطة إسلاموية أخرى ازدهاراً كبيراً في العالم العربي، في حين اختارت أقلية صغيرة من تلك الجماعات اتباع الأفكار العدمية وخيار الجهاد العالمي الذي يروج له تنظيم quot;القاعدةquot;. وأكبر حركة إسلامية سنية في الوقت الحالي هي حركة quot;الإخوان المسلمينquot; التي تأسست في مصر في عشرينيات القرن الماضي، وقد اكتسبت وجوداً سياسياً ملحوظاً؛ ففي الأردن تتعايش مع نظام الحكم الهاشمي. أما في سوريا فقد دخلت في ثمانينيات القرن الماضي في صراع عنيف مع النظام الذي دأب على قمعها بقسوة منذ ذلك الحين. وفي فلسطين يعرف quot;الأخوان المسلمونquot; تحت اسم quot;حماسquot; التي قاومت الاحتلال الإسرائيلي في السنوات الأخيرة، وفازت في الانتخابات البرلمانية أوائل العام الماضي، وهي تسعى الآن إلى السيطرة على السلطة الفلسطينية من خلال التحالف مع حركة quot;فتحquot; الوطنية العلمانية، كما أعربت عن استعدادها لإجراء مباحثات مع إسرائيل وإن تحت شروط قاسية.
في المجتمعات الثلاثة المذكورة تتواجد حركات إسلامية ذات نزعة قتالية جنباً إلى جنب مع حركة quot;الإخوان المسلمينquot;، لكن أتباع تلك الحركات أقل عدداً من أتباع quot;الإخوانquot; والحركات المنبثقة عنهم.
4- الإسلاموية الشيعية: الحركات الشيعية السياسية الرئيسية في العالم العربي تتمثل في quot;حزب اللهquot; اللبناني وتلك التشكيلة من الأحزاب الشيعية في العراق. والشيعة العراقيون الذين استبعدوا تاريخياً من السلطة بواسطة السنة، يشعرون الآن بأنهم قد أصبحوا أكثر قوة بسبب الصعود الإيراني. غير أنه تلزم الإشارة مع ذلك إلى أن معظم الشيعة يعتبرون أنفسهم عرباً مخلصين، ويأنفون من الاتهامات التي توجه إليهم باعتبارهم يمثلون طابوراً إيرانيا خامسا في العالم العربي.
ورغم الصراع الواسع النطاق بين الشيعة والسنة على السلطة في العراق، فإن ما لا يعرفه الكثيرون أنه كانت هناك محاولات كثيرة لنسج علاقات سياسية بين المجموعتين على قاعدة وطنية مناهضة للأميركيين.
التفاعلات بين الاتجاهات الأربعة المشار إليها أعلاه في العالم العربي كانت دوماً تفاعلات معقدة بل مفاجئة تماماً في بعض الأحيان. مع ذلك هناك أربعة مبادئ تبرز بوضوح في هذا السياق:
الأول، أن هذه الأفكار بشكل عام لا تقوم على النفي المتبادل بمعنى أن اللبناني الشيعي يمكن أن يشعر بالولاء نحو quot;حزب اللهquot; ونحو لبنان في الوقت ذاته، كما يمكن للمصري السني أن يشعر بأنه مصري وquot;أخquot; مسلم وعربي في وقت واحد.
الثاني: رغم أن الشيعة والسنة يحاولون ممارسة النفي المتبادل باعتبارهم يمثلون نسختين مختلفتين من الإسلام، فإن ذلك لم يمنعهم من التعاون: فإسلاميو quot;حماسquot; السنة حافظوا على علاقات عملية طيبة مع quot;حزب اللهquot; الشيعي اللبناني ومع إيران... وفي العراق وجدنا الشيعة التابعين لـquot;جيش المهديquot; يمدون أيديهم لمساعدات الإسلاميين السنة في الفلوجة.
الثالث: أن تلك الأفكار تتضمن عنصراً قويا مؤيداً للفلسطينيين. وقد يحدث أحياناً أن يدخل أتباع فكرة من تلك الأفكار في تحالف تكتيكي مع الولايات المتحدة لسبب أو لآخر، لكن ذلك التحالف لا يستمر طويلاً بسبب أن أميركا ينظر إليها بشكل عام على أنها تقف حجر عثرة في سبيل تحقيق الآمال الفلسطينية.
الرابع: رغم قوة المكون العقائدي في تلك الأفكار فإن زعماءها كثيراً ما تبنوا خيارات سياسية شديدة البراجماتية.
والسؤال الآن، كيف يمكن لنا نحن الغرباء عن المنطقة النظر إلى تلك الحركات؟ أولاً، ليس من حق الغرباء أن يقرروا ما إذا كان على الأنظمة السياسية أن تحظر الأحزاب السياسية الدينية أو تلك التي تقوم على أساس طائفي، لأن هناك أحزاباً عقائدية ساهمت في بناء الديمقراطية المعاصرة؛ في دول كألمانيا والهند وإسرائيل.
ولعل المهمة الأكثر دقة، هي العمل على تأسيس ثقافة حل الصراعات والاختلافات السياسية بوسائل سلمية، سواء داخل الدول أو خارجها. فداخل الدول يجب أن تكون الديمقراطية هي الأسلوب الأمثل لحل النزاعات والخلافات بحيث يتم الترحيب في المنظومة القائمة بأي حزب سياسي يلتزم بمبادئ الديمقراطية ويكتسب تفويضاً بتمثيل الناخبين.
التعليقات