هيلينا كوبين - كريستيان ساينس مونيتور

ما تزال المساءات باردة، بينما يستعرض المتسوقون محلات السوق الجديدة باحثين عن احدث الأزياء الأوروبية. أما في الشوارع الجانبية، فثمة باعة متجولون يبيعون اللوز الأخضر. وبينما تتغير الفصول، يمكنك أن تستشعر إحساساً جديداً بالثقة بالنفس في النظام هنا، والذي كان الكثيرون من المراقبين في الشرق الأوسط يعتبرونه، لسنة خلت وحسب، على شفير الانهيار.

وقد تجلت هذه الثقة في المقابلة التي أجريتها مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم لسبعين دقيقة يوم الثامن والعشرين من شباط-فبراير الماضي. وقد رحب المعلم في حينه بحقيقة ان الولايات المتحدة اعلنت عن عزمها المشاركة في اجتماع بغداد، حيث ستجري واشنطن اول اتصال مباشر رفيع المستوى لها منذ عدة سنوات مع ممثلي سورية وايران (وتحضر الاجتماع، بالإضافة إلى العراق جاراته الاخريات والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي).

حتى وقت قريب، عملت إدارة بوش بجد من اجل عزل كل من سورية وايران. وفي كانون الثاني الماضي، تجاهل الرئيس بوش نصيحة مجموعة دراسة العراق بضرورة اشراك هذين الجارين المهمين سياسيا في عملية دبلوماسية جديدة نشطة حول كل من العراق والسلام العربي-الاسرائيلي على حد سواء. والآن تراه، وقد انتقل نحو الأخذ بجزء واحد من تلك التوصية.

وليد المعلم، الدبلوماسي المحترف الذي يتمتع بخبرة واسعة وغنية، صور سورية على انها تواقة للتعاون فيما يتعلق بالعراق. ووصف قرار واشنطن المشاركة في اجتماع بغداد بانه quot;خطوة جزئية في الاتجاه الصحيحquot;. لكنه قال ان سورية لا تزال تسعى للحصول على المساعدة الاميركية في إطلاق quot;حوار شامل حول القضايا الاقليمية، بدءا بالقضية العربية-الاسرائيلية، وهي القضية المحورية في المنطقة.quot;

في تشرين الثاني الماضي، كان الوزير المعلم قد قام بزيارة رسمية الى بغداد، كما قام الرئيس العراقي جلال طالباني هو الآخر بزيارة رسمية الى سورية. (تجدر الشارة الى ان السيد طالباني واحد من العديدين من اعضاء الحكومة العراقية الحالية الذين كانوا قد التجأوا الى سوريا في عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين). واعلن المعلم في المقابلة انه يرى ان الأولوية الأولى في العراق يجب ان تكون وضع جدول زمني من قبل الحكومة الاميركية لانسحاب اميركي كامل للقوات الأميركية من العراق. وقد امتنع عن الرد على طلب مني بتحديد او تقدير طول هذا الجدول الزمني، قائلا فقط انه يجب ان يكون رهنا باعادة بناء قوات الأمن العراقية quot;على اسس وطنية حقةquot;. واضاف المعلم quot;لا احد يفكر في الحاق الهزيمة بالقوات الاميركية. بل على العكس، اننا نحاول العثور على طريقة لتوفير انسحاب مشرف لهاquot;.

وقال المعلم ان سورية تخشى من اطالة حالة عدم الاستقرار الحالية في العراق لسببين رئيسيين. أولهما ان حالة عدم الاستقرار قد تسببت في قدوم quot;اكثر من مليون عراقيquot; ممن هربوا الى سورية، وهو ما وضع عبئا ثقيلا عليها من ناحية الانظمة الصحية والتعليمية. (يقول العديد من السوريين ان العراقيين النازحين الى سورية تسببوا في رفع اسعار العقارات والإيجارات بشكل كبير، ما افضى الى تزايد الشعور بالاستياء). أما السبب الثاني، فهو ما حذر منه المعلم من خطر انتشار الطائفية القاتلة التي تعصف بالعراق. وتساءل quot;لماذا لا يساعد الاميركيون في لجم الطائفية في العراق؟ ان لدينا قلقاً كبيرا من حدوث فتنة طائفيةquot;. وما لم يذكره المعلم هو أن سورية نفسها ربما تشكل أرضا خصبة لمروجي الفتنة الطائفية، نظرا لظهور إشارات استياء جدي في الماضي من جهة الجماعات الاثنية والدينية التي تشعر بانها مستبعدة من المشاركة في السلطة الحكومية. وقال فقط quot;اننا في سورية نشعر بالفخر لأننا بلد تسامح وتعايش من دون اي تفرقة على اسس دينية أو عرقيةquot;.

حذر المعلم أيضاً من التبعات الخطرة -على الولايات المتحدة والاستقرار الكوني- والتي ربما تأتي في أعقاب اي هجوم عسكري على ايران. واعرب عن الأمل في ان يتمكن لبنان من حل ازمته السياسية سلميا. ووصف سورية على أنها تواقة لاستئناف مفاوضات السلام مع اسرائيل، والتي كانت قد بترت في عام 2000. حتى انه المح الى انه متى ما تم التوصل الى استئناف مفاوضات سلام quot;شاملةquot; مع اسرائيل، فإن سورية لن تنتظر بالضرورة احراز تقدم على المحور الفلسطيني قبل ان تتحرك قدماً في مباحثاتها الخاصة مع اسرائيل.

بعد تعقبي للسياسات السورية والاقليمية في المنطقة لثلاثين سنة واكثر، وصلت الى الحكم بأن هذه الثقة السورية الجديدة بالنفس، والتي عرضها المعلم، انما تستند الى اسس راسخة. وقد أجريت في الأيام القليلة التي امضيتها في دمشق حوارات مفيدة مع محللين مستقلين وناشطين مخضرمين في حركة حقوق الانسان في سورية وفي المعارضة الليبرالية الضئيلة فيها. وعلمت من هؤلاء الناس ان فشل ادارة بوش في اعادة قولبة العراق، وحقيقة ان الولايات المتحدة عالقة هناك الآن، كل ذلك بعث برسالة قوية الى كافة السوريين بان بلادهم لم تعد في خطر الخضوع الى اي مشروع اميركي لتغيير قسري للنظام فيها. وفي الحقيقة، يبدو ان واشنطن قد اقتربت من الاستنتاج بانها تحتاج لمساعدة دمشق اذا ما ارادت الحد من مدى الضرر الناجم عن مأزقها في العراق.

أما بالنسبة لكل من مؤيدي النظام هنا ومعارضيه هنا، فقد أثبتت التطورات في العراق طيلة السنوات الثلاث الماضية انها درس قاس لما عساه ينجم عن اندفاع سريع جدا وقسري وغير مدروس جيدا نحو quot;دمقرطةquot; الشرق الاوسط. اما المنشقون الذين تحدثت اليهم، فقد شددوا على ان يكون الدفع باتجاه الدمقرطة تدريجيا وأن تقوده قوى من الداخل. وفيما الشرق الاوسط الآن تحت رحمة السكين، يبدو الوقت وقد أصبح مناسباً حتى تعمد واشنطن إلى إشراك سورية جديا. فلنصلِ من اجل أن يكون اجتماع بغداد قد أفضى إلى تجسيد مثل هذا الأمل.