الجمعة 23 مارس 2007
جاكسون ديل
على مدى السنوات القليلة الماضية، واصل بعض الساسة الغربيين، لعب مسرحية التظاهر بالعمل على حل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، حيث يعلنون من أروقة مكاتبهم في أوروبا أو في دهاليز الأمم المتحدة، أن أولويتهم القصوى من الآن فصاعداً، هي الدفع في إتجاه تحقيق حل شامل وعادل للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، بوساطة ورعاية المجتمع الدولي. وبعدها تراهم لا يأبهون كثيراً بحقيقة أن إسرائيل والفلسطينيين، هم أبعد ما يكونون عن إبرام صفقة سلام كهذه. وفي الواقع فإن أولئك الساسة ليسوا معنيين كثيراً بحل أزمة الشرق الأوسط في حد ذاتها، بقدر اهتمامهم بكسب التأييد السياسي في قواعد دوائرهم الانتخابية، أو بالتقرب من الدول العربية الغنية بالنفط، حيث أصبحت كلمة فلسطين، بمثابة رقية سحرية، أو بوابة عبور لا أكثر، إلى تلك الموارد العربية النفطية الهائلة.
وحتى وقتنا هذا، تعلمنا ألا نأخذ كثيراً على محمل الجد تصريحات رئيس الوزراء الأسباني، أو الأمين العام للأمم المتحدة عندما يعلنان عزمهما على تسوية ذلك النزاع المزمن. وقد حدث تغير في الآونة الأخيرة على صعيد تلك المسرحية الهزلية المكررة، نتيجة لاختطاف الدعوة إلى حل النزاع هذه مؤخراً، من قبل شخصين كل منهما في حاجة إلى رافعة سياسية هما وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت.
ومنذ بداية العام الحالي، واصلت رايس الإعلان عن عزمها فتح آفاق إسرائيلية- فلسطينية جديدة، وهي المرادف اللفظي لعزمها على تحقيق تسوية سلمية شاملة لذلك الصراع التاريخي. وضمن ذلك، دأبت رايس على الظهور في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، خلال العام الجاري، وها هي تعود إلى المكان نفسه، في زيارتها المرتقبة خلال الأسبوع الحالي. وكما وصفها مساعدوها ومستشاروها، فهي منهمكة هذه الأيام في مراجعة جميع ملفات quot;عملية السلامquot; الموروثة من الإدارات الأميركية السابقة، فيما يشكل تراجعاً تاماً عن السياسات الانعزالية السابقة، التي أعلن عنها الرئيس بوش مبكراً في هذا الصدد.
أما إيهود أولمرت، فقد عبر من جانبه، على نحو مفاجئ ومثير للدهشة، عن اهتمام إسرائيلي بمبادرة السلام العربية، وهي المبادرة التي كانت قد اقترحتها المملكة العربية السعودية في عام 2002. وتنص هذه المبادرة على التطبيع الكامل للعلاقات العربية- الإسرائيلية، في حال تسوية تل أبيب لنزاعها مع الفلسطينيين. وكانت تل أبيب قد استبعدت هذه المبادرة، بسبب مطالبتها لإسرائيل بالإنسحاب إلى حدود عام 1967، إلى جانب المطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين. لكن فجأة وخلال الأسبوع الماضي، بدأ أولمرت ووزيرة خارجيته تسيبي ليفني، الحديث عن quot;عناصر إيجابيةquot; في تلك المبادرة، وكذلك عن احتمال التفاوض مع الفلسطينيين على أساسها، حسبما صرح أولمرت . وفي لقاء لها مع ليفني في واشنطن، قالت كوندوليزا رايس: quot;إنني أجد نفسي أكثر ميلاً لأن تقر جامعة الدول العربية تلك المبادرة من جديد، وهو ما يتوقع أن تفعله، خلال قمتها المرتقبة في العاصمة السعودية الرياض، نهاية الشهر الحاليquot;.
إذن، كيف لنا أن نفسر كل هذا الاهتمام؟ وهل يمكن أن تكون إسرائيل قد شرعت في الاستعداد الجدي لإعلان قبولها للمبادرة المذكورة، كمقدمة وأساس للتفاوض مع الدول العربية؟ وهل سيكون في مقدور كل من أولمرت ورايس ومحمود عباس quot;أبو مازنquot;، وضع الشروط اللازمة للتسوية الشاملة والنهائية للنزاع، حتى يتسنى للرئيس الفلسطيني التفوق على منافسيه غير المهادنين في حركة quot;حماسquot;؟
في واقع الأمر، فإنه يصعب جداً على أي شخص، توقع حدوث هذه التطورات الدراماتيكية المثيرة، في الظرف الراهن. فالإسرائيليون هم أول من يعلم حقيقة أن الظروف لعقد صفقة كهذه، أبعد ما تكون عن النضج. وليس أدل على ذلك، من الضعف الشديد الذي يعتري كلاً من أولمرت وquot;أبو مازنquot;. فبينما وصلت نسبة التأييد الشعبي لإيهود أولمرت إلى ما يقارب quot;صفرquot; مؤخراً، يلاحظ أن quot;أبو مازنquot;، قد تجاوز لتوه، حملة ضغوط مكثفة، دفعته للموافقة على حكومة الوحدة الوطنية، التي يشارك فيها طرف أساسي، لا يزال يؤمن باستمرار المقاومة، وباستخدام العنف ضد إسرائيل.
وكانت quot;حماسquot; قد انشغلت كثيراً خلال الأشهر القليلة الماضية، ببناء الاستحكامات، وحشد الأسلحة المضادة للدبابات والمدرعات في قطاع غزة، مقلدة في ذلك خطى وتكتيكات quot;حزب اللهquot; في لبنان. وعلى الرغم من سريان قرار وقف إطلاق النار المعلن، بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، إلا أنه الإطلاق العشوائي للصواريخ على المدن الإسرائيلية قد تواصل، بشكل يومي تقريباً، خلال الفترة المذكورة.
أما من جهة الخارجية الأميركية، فلا يزال مستشارو رايس، يصرون على تأكيد جديتها فيما تتبناه من سياسات دبلوماسية، ومبادرات إزاء حل ذلك الصراع. لكن على الرغم من ذلك الإصرار، إلا أنه يصعب على المرء تفادي الاعتقاد بأن كل ذلك الاهتمام، ليس موجهاً إلا إلى زعامات عربية مؤثرة، لاشك في أن الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية، يمثل هدفاً رئيسياً لها.
ومهما يكن، فلعل هناك من لا يزال يعتقد، أن مجرد السعي إلى التوصل إلى إبرام صفقة سلام لا يكلف شيئاً في حال فشله. ولكن تثبت أحداث التاريخ، أن التكلفة باهظة وكبيرة، على نحو ما حدث في اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، في أعقاب فشل عملية السلام، التي أطلقها الرئيس كلينتون، في أواخر أيام إدارته. وبدلاً من التفاوض حول الشروط المُعقدة النهائية والتعجيزية، فربما كان من الأفضل التفاوض على شروط تمهد الظروف لذلك التفاوض النهائي بين الطرفين.
التعليقات