أول وزير زراعة في عهد بريمر يكشف أوراقه:
مجلس الحكم من دون صلاحيات وبريمر هو الأول والأخير!
عبد اللطيف السعدون من كاراكاس: كان د. عبدالأمير العبود أحد الخمسة والعشرين الذين اختارهم بول بريمر الحاكم المدني لعراق ما بعد صدام بترشيح من القوى السياسية العراقية، ليشكلوا أول وزارة في ظله، و لم يكن معروفًا على صعيد النخب السياسية المعارضة للنظام السابق، إذ كان قد جنح للعمل الأكاديمي كأستاذ في الاقتصاد ثم عميد لكلية الاقتصاد في جامعة البصرة، وهو واحد من قلة ممن تسلموا منصبًا وزاريًا في أول وزارة شكلت بعد الاحتلال، وكانوا مقيمين في العراق فعلاً، ولم يغادروه طيلة حكم صدام حسين، ولم يعرف عنه أنه عمل ضمن حزب سياسي، وإن كان قريبًا في توجهاته من (التيار الوطني الديمقراطي) الذي إقترن منذ خمسينات القرن الماضي باسم زعيمه الراحل كامل الجادرجي.
والعبود الذي اختار ( ايلاف ) ليكشف أمامها أوراقه، فكان قد عين عضوًا في اللجنة الاقتصادية التي شكلها بريمر ثم وزيرًا للزراعة ثم مستشارًا لرئيس الوزراء اياد علاوي، وهو لم يكن يتوقع أن يدرج اسمه ضمن اول تشكيلة وزارية لعراق ما بعد صدام، وقد شعر في حينه بمزيج من الفرح والقلق بسبب من ادراكه لعظم المسؤولية التي ألقيت على عاتقه والتي قد لا يستطيع توفير متطلباتها.والأكثر اثارة من ذلك أنه إختير وزيرًا، ليس لكونه ممثلاً للتيار الوطني الديمقراطي الذي يعتز به، كما يقول، إنما جاء ترشيحه على اساس quot;المحاصصة الطائفيةquot; التي شرعها بريمر، وكممثل لحزب الله العراقي والذي تربطه برئيسه الشيخ عبالكريم المحمداوي علاقة صداقة وود، وربما تكون هذه المفارقة لفتت انتباهه في وقت مبكر الى خطورة تكريسها كصيغة في ادارة الحكم والدولة، وجعلته يقتنع انها ستكون سببًا لعرقلة العملية السياسية التي يريدها نظيفة وعادلة، وتضمن المواطنة المتكافئة!
بريمر مناور من الطراز الاول !
يقول العبود الذي كان شاهدًا على سير جلسات quot;مجلس الحكمquot; الذي حضر بعض جلساته، إن بول بريمر كان يريد من المجلس ان يكون جهة استشارية فقط، وان تكون صلاحية القرار بيده وحده، وقد دفعت ضغوط الامم المتحدة وممثلها في العراق سيرجيو دي ميلو الذي كان يؤكد دائمًا ضرورة نقل السلطة الى العراقيين بريمر لأن يتراجع ويمنح بعض الصلاحيات للمجلس، وإن ظل في حقيقة الامر صاحب القرار أولاً وآخرًا!quot; بدا لي، في اكثر من حالة، أن بريمر رجل مناور ومراوغ من الطراز الاول، تصور ان أعضاء مجلس الحكم يطرحون على طاولة الاجتماع مقترحاتهم ومطاليبهم في القضايا الادارية والمالية التي تخص المشاريع العامة ومشاريع الخدمات وغيرها، وكان بريمر في البداية يظهر تفهمًا واستيعابًا لتلك الطلبات والمقترحات، لكنه سرعان ما يتذرع بالكثير من الأعذار لعدم الاستجابة إليها، كما كان دائمًا يتذرع بالوضع الأمني الذي يأكل، كما كان يقول، من حصة مشاريع اعادة الاعمار وتأمين الخدمات! لكنه بالمقايل كان يحمل أعضاء مجلس الحكم المسؤولية عندما كانت الاوضاع الأمنية تسوء ويقوم بتوجيه النقد اللاذع إليهم، وهذا ما جعل دور الوزراء باهتًا في معالجة المشكلات اليومية التي يعاني منها المواطنون وجعلهم عاجزين عن توفير الخدمات العامة مثل الكهرباء والماء والصحة والتعليم ومصادر الطاقة على الوجه المطلوبquot;.
وقد سبب ذلك، ما يسميه العبود، حالة انفصام بين مجلس الحكم وبين الجمهور الذي لم يجد في نشاطات المجلس معالجات لما كان يعانيه يوميًا، يضاف الى ذلك ان المجلس لم يكن شريكًا حقيقيًا لسلطة الاحتلال في ادارة شؤون البلاد، فبينما كانت قرارات مجلس الحكم تخضع دائمًا لمصادقة بول بريمر، فإن سلطة الاحتلال في المحافظات كانت تتخذ القرارات وتصرف الأموال من دون الرجوع الى مجلس الحكم ومثال ذلك أنها عينت محافظين ومجالس محافظات ومسؤولين اداريين، وصرفت لهم الأموال لمشاريع معينة من دون أن تعرض ذلك على المجلس!
ويضيف الوزير الأسبق أن المشكلات الشخصية لاعضاء المجلس مثل تأمين الحماية لهم وصرف مخصصاتهم وتجهيزهم بالأسلحة والسيارات، وما إلى ذلك كانت تطغى على اجتماعات المجلس، ومع ذلك، يستدرك العبود فإن quot;المجلس قام بإنجازين مهمين هما تشكيل الحكومة الموقتة، وتشريع قانون ادارة الدولة الإنتقاليquot;.
تفشي الفساد الاداري والمالي
وعن اجتماعات مجلس الوزراء الذي كان يتعاقب على رئاسته شهريًا أحد أعضاء مجلس الحكم، يقول العبود إنها كانت هي الأخرى تعاني من انعدام التنسيق والغياب المتكرر للعديد من أعضائه لسفرهم خارج البلد، وانعدام الوضوح في الصلاحيات المعطاة للوزراء، وتحكم المستشارين الأجانب بالصلاحيات المالية، وقد أدى ذلك كله الى غياب الرقابة الفعلية على أعمال الوزارات وتفشي الفساد الاداري والمالي والاثراء على حساب الدولة عن طريق المبالغة في احتساب مبالغ التعهدات والعقود، وكذلك سرقة أموال الدولة من قبل ممثلي قوات التحالف الذين كانوا يتحكمون بصرف الأموال في الوزارات المعنية، عبر الادعاء بصرف مبالغ وهمية كبيرة مدعومة بحسابات وأرقام غير حقيقية، وقد تم كشف العديد من اعمال الفساد هذه من قبل دوائر المفتشين العامين التي أسست في الوزارات عام 2004 .
وعن عمله في وزارة الزراعة يقول الدكتور عبدالامير العبود إنه حاول أن يحقق نوعًا من الاستقلال قي اتخاذ القرار بعدما لاحظ أن الوزارة، كسائر دوائر الدولة الأخرى، تدار من قبل ممثلي قوات التحالف المرتبطين بمكتب بريمر مباشرة حيث تنحصر هناك الصلاحيات التشريعية والمالية، ولم تكن هناك ثمة تخصيصات مالية مقررة لعمل الوزارة ومشاريعها، باستثناء رواتب الموظفين التي تصرف من وزارة المالية مباشرة، وتخصيصات لبعض المشاريع الصغيرة في المحافظات التي تصرف من قبل ممثلي قوات التحالف وليس للوزارة دخل فيها !
ولاحظ العبود أثناء عمله في الوزارة أن الكادر الأميركي كان جل عمله منصبًا على متابعة عقود مذكرة التفاهم بين العراق ومنظمة الغذاء والزراعة الدولية المتعلقة بالأسمدة والمبيدات ومواد الوقاية الزراعية والمكائن الزراعية والسيارات، وأغلب هذه العقود كان مبرمًا في زمن النظام السابق فيما أبرم الباقي من قبل ممثلي سلطة التحالف قبل تشكيل الوزارة، وقد اكتشف ان تلك العقود أبرمت بأسعار مرتفعة جدًا، ولم يجر التعاقد عليها بالصيغ القانونية المعروفة، وفضلاً عن ذلك لم ينفذ منها إلا الجزء القليل مما أضطر الوزارة كما يقول العبود الى متابعة الموضوع بشكل مباشر مع مكتب المنظمة في عمان الذي أكد أن المواد المطلوبة شحنت الى العراق، وإتضح بعد التحقيق ان الشاحنات التي قيل إنها نقلت البضاعة الى العراق لم تغادر الأردن مطلقًا، وإن هناك تواطؤًا واضحًا بين متعهدي النقل المرتبطين بمكتب منظمة ( الفاو ) في عمان وممثلي قوات التحالف، وقد أبلغت الوزارة مجلس الحكم بنتائج التحقيق ولكن من دون نتيجة!
يضيف العبود quot;تشاء الصدف أن تقع في يدي، عندما عملت فيما بعد، مستشارًا لرئس الوزراء لشؤون الخدمات العامة وثائق رسمية تؤكد أن متعهدي منظمة ( الفاو ) وغيرهم من المتعهدين الدوليين تسلموا ملايين الدولارات من البنك المركزي العراقي عن قيمة تجهيزات زراعية زعموا أنها شحنت من قبلهم الى العراق، لكن وزارة الزراعة لم تتسلمها، وأن ممثلي قوات التحالف كانوا يصدقون وثائق استلام هذه السلع على الحدود الأردنية من دون التأكد من استلامها من قبل دوائر وزارة الزراعة وهو ما يؤكد مشاركة اولئك الممثلين بعمليات الفساد هذه، مما يستوجب احالة الامر الى القضاء والمطالبة بالتعويض عن الضررquot;.
يختتم الدكتور العبود حديثه مع ( ايلاف ) بالقول إن تجربته كوزير على الرغم ممّا رافقها من هفوات وأخطاء، إلا أنها تظل كأي تجربة أخرى خاضعة للنقد والتقييم، لكنه واثق من أن التاريخ سينصفه لأنه لم يمارس خلالها ما لا يرضي الله وما يخالف القانون، وحسبه أنه أدى بعض ما عليه من دين لوطنه.
التعليقات