مدينة الصدر الإسلامية الشيعية ترحب بكم! (1/3)
كيف وصل صدام وبريمر إلى القناعة نفسها عن الصدر!

زيد بنيامين من دبي : في بداية آذار (مارس) 2004 بدأ باتريك كوكبيرن بيرن صاحب كتاب (مقتدى الصدر وسقوط العراق) الصادر حديثًا، يستعرض مقاطع واسعة منه لزيارة قصيرة لمكتب صحيفة (الحوزة)، وهي الصحيفة العائدة لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وفي المبنى التابع لها وفي مكتبها تحديدًا، وجد هذا الكاتبأن هذه الصحيفة لا تضم سوى عدد قليل من العاملين وقد اختار خلال زيارته هذه التحدث الى حسين، وهو احد طلبة قسم اللغة الفرنسية في الجامعة المستنصرية الواقعة بالقرب من شارع فلسطين، وهو الشارع الذي ينتهي الى مدينة الصدر التي كان نمو التيار الصدري فيها قد وصل وقتها الى مرحلة النفوذ الكامل، وقد تولى حسين خلال ذلك اللقاء الذي جمعهما مهمة توضيح موقف الصدر والصدريين من جملة من القضايا التي كانت تعصف بالشعب العراقي وقتها قبل ان يتسبب انفجار وقع وسط المدينة في قطع هذا اللقاء، حيث كان على الكاتب شد الرحال الى مركز مدينة الصدر تحديداً للحديث مع ضحايا ذلك الانفجار من الجرحى.

كان من الصعب الدخول الى منطقة الانفجار لأن مثل هذه الحوادث في بغداد تتسبب في اغلاق الطرق مباشرة، إذ يبدأ الازدحام بعد ان يتم إحاطة موقع الانفجار ومنع الدخول اليه وقطع كل شرايين الطرق الواصلة والخارجة من موقع الحدث، وافضل طريقة لك للحصول على الصورة الكاملة هي الذهاب الى مستشفيات المدينة (باي طريقة) والحديث مع المصابين لكي تعرف تمامًا ما حدث في قلب منطقة الانفجار.
كان حسين يريد رؤية الانفجار وتبعاته مثله مثل بارتريك كوكبيرن، حيث يقول الكاتب في معرض روايته لتلك اللحظات quot;سألني ان كنت مستعدًا ان آخذه معنا ولم نمانع، كان علينا الانتقال الى مستشفى الكندي، ولكن رجل الامن الذي يقف امام باب المستشفى قال لنا انه وتحت الاوامر العليا يمنع دخول اي شخص الى المستشفى، ولكن حسين قرر ان ينزل زجاج نافذة السيارة ليقول للجندي الواقف (نحن من مكتب السيد الشهيد) في اشارة الى والد مقتدى الصدر الذي يتخذ التيار اسمهquot;.
يواصل كوكبيرن روايته بالقول: quot;وحال سماع رجل الشرطة لهذا الاسم تجمد في مكانه! ...ركض نحو البوابة ليفتحها مشيرًا الى مساعديه بكلمات تهرب منه quot;انهم من مكتب السيد مقتدىquot; وكان يبدو واضحًا ان تأثير الصدر قد تنامى عمّا تركته قبل اشهر في زيارتي الاخيرة للمدينة.
يتذكر الكاتب هذا الحادث حينما قام بول بريمر الحاكم المدني الاميركي في العراق باصدار قرار نصَّ على إغلاق صحيفة الحوزة لمدة 60 يومًا والذي جاء بعد ايام معدودة quot;من زيارتي لمستشفى الكندي، واعتقدت لوهلة ان رجال المنطقة الخضراء من الاميركيين سيتخذون قرارات حازمة هذه المرة ضد مقتدى الصدرquot;.
وبحسب مقتضيات قرار اغلاق الصحيفة، فإن القائمين عليها نقلوا كلامًا عن مقتدى يصف فيها هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 على انها quot;معجزة وبركة من اللهquot; من خلال رسالة تم تسليمها الى محرر الصحيفة ووصفت الرسالة بانها تخرق وبوضوح مسألة السلم الاهلي وعدم تشجيع اعمال العنف.
quot;اغلقوا هذه المهزلةquot; بهذه الكلمات جاء قرار بريمر الى اقرب مساعديه بعد ان قرأ ترجمة للرسالة المذكورة في الصحيفة وخلال السنة التالية كان بريمر يعامل الصدر بتطرف واضح واصفاً اياه بانه من (الرعاع) وقارنه اكثر من مرة بهتلر، وفي احدى جلساته في يونيو 2003 قال بريمر ان quot;مقتدى الصدر لديه القابلية على تقسيم البلاد الى اجزاء وهذا ما لا يمكن ان نتركه يحدث!quot;.
في النصف الثاني من عام 2003 كان بريمر والاستخبارات الاميركية والبريطانية قد اوصوا بعدم إطلاق أي مواجهة عسكرية مع مقتدى الصدر خوفًا من إثارة انتفاضة شيعية في الوقت الذي كانت الاقلية السنية في العراق في مواجهة مباشرة مع السلطات الجديدة في البلاد وبالتالي كان من الصعب على جنود التحالف او اي قيادة عراقية ايضًا تحمل فتح النار على جبهتين في وقت واحد.
وخلال الاشهر التالية كانت مذكرة ايقاف مقتدى الصدر في جيب بول بريمر على الدوام لكي يظهرها في أي لحظة بدعوى قتله للسيد مجيد الخوئي ابن آية الله العظمى الخوئي الكبير وأحد اهم معارضي الرئيس العراقي السابق صدام حسين حيث تم جره من صحن الامام علي في النجف وتم قتله بعد أقل من 24 ساعة من سقوط الرئيس العراقي السابق صدام حسين .
بدوره كان (رائد جوحي) قاضي التحقيق العراقي قد اصدر مذكرة بحق (مقتدى الصدر) في تشرين الثاني (نوفمبر) باعتبار ان لديه شاهدين قالا ان الصدر هو من اصدر اوامر القتل في تلك الحادثة.
كانت افكار بريمر في وقتها تدور في مسلكين رئيسيين الاول ان مقتدى شخصية بدأت تأخذ حجمها السياسي والديني في المجتمع ولديه القدرة على تقسيم العراق، وفي الوقت نفسه كان ضعيفًا الى درجة انه في حال تطبيق مذكرة الاعتقال، فإن الصدر غير قادر على اخراج مظاهرات كبيرة في شوارع العراق، وكان الوزراء العراقيون متعجبين من مقدار الكراهية التي يكنها بريمر لمقتدى الصدر واصراره على تسمية جيش المهدي بـ (ميليشيا المهدي).
علي علاوي أحد العاملين في مجلس الحكم في العراق حاول في مرة من المرات إظهار ان التيار الصدري يمثل الملايين من الفقراء من الشيعة لكن رد بريمر كان عاصفًا بأنه لا تهمه هذه النوعية ذات المستوى المتدني من الناس ولا من يمثلون.
كان الصدر والصدريون على درجة من الضعف لا تمكنهم من الوقوف في وجه الولايات المتحدة الاميركية لكنهم في المقابل اصبحوا قوة لا تستهان بها في النصف الثاني من العام 2004 باعتبارهم الحركة الشيعية الوحيدة ضد الاحتلال، وفشل القوات الاميركية في فرض النظام وتطوير الخدمات التي تقدم للعراقيين بعد مرور أشهر من سقوط صدام حسين، حيث استفاد عدد محدود من العراقيين من ارتفاع الرواتب وبقي اصحاب الدرجات المتدنية من الناس كما وصفهم بريمر من دون ان يشهدوا تغييرًا واضحًا في حياتهم.
وقتها كان 70% من العراقيين من دون وظائف وفق ارقام وزارة العمل، وكانت الاحزاب الكردستانية وحزب الدعوة والعديد من احزاب مجلس الحكم تحصل على جميع المناصب في الدولة التي كانت تقترب من الدمار، وبمقتل محمد باقر الحكيم في تفجير ورحيل الخوئي تم القضاء على ابرز اثنين من منافسي الصدر على الساحة الشيعية العراقية.
استفاد الصدر من كون السيستاني ينأى بنفسه عن السياسة ساعيًا لعدم تكرار التجربة الايرانية في العراق وبالتالي تشكيل حكومة من شيوخ الدين كما هو الحال في طهران، لكنه في الوقت نفسهأعلن في اكثر من مرة عدم رضاه على التجربة الغربية القاضية بفصل الكنيسة عن الدولة كما كانت الحال في الولايات المتحدة وفرنسا، وقد قرر عدم لقاء اي مسؤول اميركي من مسؤولي المنطقة الخضراء كي يبقى بعيدًا عن السلطة، وهو ما تسبب في ما بعد في ان يخفق بول بريمر في تقييم دور المرجعية على الانتخابات العراقية وذلك لعدم وجود اي اتصال شخصي بينه وبين السيستاني وكذلك قيام الاخير بتميرر وجهات نظره الى مساعديه بطريقة اقرب الى العمل السري.
خلال الاشهر القليلة التالية من سقوط الرئيس العراقي صدام حسين ، كان الاميركيون يظنون انهم قد سيطروا على العراق تمامًا خصوصًا مع بداية ظهور المقاومة السنية في البلاد وتراجع عدد حلفاء السلطات الاميركية في العراق، فكان القرار هو مقاتلة السنة من اجل الفوز بتعاطف الشيعة وجاء هذا القرار على وجه خاص بعد الاصرار على عدم التعاون الذي ابداه السيستاني مع السلطات الاميركية وكان افضل بديل لبريمر هو الصدر نفسه.

في الحلقة الثانية: الصدر الصورة.. والسيستاني الكتابة!