ساركوزي ينهي زيارته إلى تونس
محلل سياسي لإيلاف: ساركوزي كسب الكثير والثغرة بحقوق الإنسان

إسماعيل دبارة من تونس: اختتم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي اليوم الأربعاء زيارته إلى تونس و التي استمرت على امتداد ثلاثة أيام، وقد تُوّجت هذه الزيارة التي وصفها بعض المتابعين بالتاريخية بتوقيع صفقات اقتصادية ضخمة فاقت الملياري يورو وإشادة واسعة بسجل تونس في مجالي مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان وهو ما أثار حفيظة عدد من منظمات المجتمع المدني التي تعنى بالحريات و حقوق الإنسان.

صفقات تجارية مربحة

الهدف المعلن للزيارة كان بحث الشراكة المتوسطية، إلا أن معظم المحادثات انحرفت وفق عدد من المراقبين عن السياسة، لتركّز على الاقتصاد والصفقات التجارية، فقد وقع البلدان مجموعة من الاتفاقات الضخمة، منها بناء مفاعل نووي في تونس بقوة 700 ميغاوات، وبتكلفة تصل إلى 564 مليون دولار، على أن يسلم بعد 15 إلى 20 سنة، واشترت تونس 16 طائرة ايرباص عملاقة بتكلفة 1.57 مليار دولار، كما وقع البلدان عدة اتفاقيات شملت التعاون النووي، ومكافحة الهجرة غير الشرعية، واتفاقية أخرى لتسهيل الهجرة القانونية، كما ستقوم فرنسا بتمويل عدة مشاريع مهمة في تونس بقيمة 140 مليون يورو.

وفي هذه الزيارة حظيت مبادرة الرئيس ساركوزي quot;الإتحاد من أجل المتوسطquot;، الذي يتوقع انطلاقه من العاصمة الفرنسية باريس في يوليو المقبل، بتشجيع من الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، الذي أشاد بالفكرة قائلا إن:quot; أي مبادرة ترمي إلى إرساء شراكات أكثر ديناميكية بين ضفتي المتوسط لا يمكن إلا أن تكون مفيدة لشعوب المنطقةquot;.

أما ساركوزي فقد قال إن:quot; 13 تموز- يوليو سيكون quot;موعدا مع التاريخquot; حيث سيجتمع فى باريس ممثلون عن جميع دول الاتحاد الأوروبي ودول الضفة الجنوبية للمتوسط لاختيار quot;حزمةquot; من البرامج الأولية لتطبيقها من بينها التصرف في المياه ومكافحة تلوث المتوسط وإحداث مخطط للطاقة الشمسية في المنطقة بالإضافة إلى مسألة امتلاك الطاقة النووية لأغراض سلمية.

وذكّر ساركوزى في كلمة ألقاها صباح الأربعاء أمام الطلبة التونسيين بـquot;المعهد الوطني للعلوم التطبيقية والتكنولوجية التونسيةquot; إن quot;مسار برشلونة الذي أطلقه الأوروبيون سنة 1995 من أجل حوار أورو- متوسطي كان الهدف منه إبداء اهتمام بالجنوب الذي تم تجاهله لوقت طويلquot;، مشددا على أن quot;هذا المسار كان خطأ لأنه بني على أساس يقرر فيه الشمال لوحده في حين يكتفي الجنوب بالتطبيقquot;، وهو أمر يختلف عن مشروع الاتحاد من أجل المتوسط المبني على quot;برامج ومشاريع توافقيةquot; على حدّ تعبيره.

حقوق الإنسان ...الثغرة الكبرى

ويبدو للمتابع أن الرئيس ساركوزي تعمّد عدم الخوض في ملفّ حقوق الإنسان كما وعد قصر الإليزيه قبل أن تنطلق الزيارة ، وعلى العكس من ذلك أشاد بما أسماه quot;فضاء الحرياتquot; قائلا:quot;إنها إشارات مشجعة أريد أن أشيد بهاquot;. مؤكدا أن:quot; هذه الإشارات وهذه الإصلاحات تندرج في إطار مسار ضيق وصعب لكنه أساسي، وهو مسار الحريات واحترام الأفراد... هذا المسار لا يستطيع أي بلد أن يدّعي أنه اجتازه بشكل كاملquot;.

ولكن الإشادة الكبرى كانت حول موضوع مكافحة تونس لآفة الإرهاب إذ قال :quot;أريد أيضا أن أشيد، بحربكم الحازمة على الإرهاب، هذا العدو الحقيقي للديمقراطية... الحرب على الإرهاب التي تشنّونها في تونس هي بالنسبة إلى فرنسا مهمة جدا. لأنه من يتخيل انه في حال قام غدا أو بعد غد نظام من نوع طالبان في احد بلدانكم في شمال أفريقيا أن أوروبا وفرنسا ستكونان في أمان؟quot;.

ويعلق الإعلامي و المحلل السياسي لطفي حجي على تصريحات ساركوزي بخصوص ملف الحريات في تونس لـquot;إيلافquot; بالقول:هذه الزيارة تعتبر جد مفيدة بالنسبة إلى السيد ساركوزي الذي نجح في إبرام مجموعة من الصفقات التجارية وكذا الأمر بالنسبة إلى الحكومة التونسية التي تمكنت من الحصول على دعم معنوي ومادي هائلين ،الثغرة الكبرى في هذه الزيارة هي عدم تطرق الرئيس ساركوزي بشكل متعنت وواضح إلى الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان التي تحصل في تونس ضدّ أشخاص و هيئات مدنية وسياسية وحقوقية بما يفهم كمصادقة لا مشروطة على سياسات الحكومة التونسية في هذا المجال.

ومن المحرج لكل من الرئيسين التونسي والفرنسي أن يدخل الصحافيان المعارضان رشيد خشانة، ومنجي اللوز، من صحيفة الموقف ، في إضراب عن الطعام، احتجاجا على الإجراءات التي اتخذتها السلطة للحد من توزيع الصحيفة التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي. وقد تزامن الإضراب وفق عدد من المتابعين مع زيارة الرئيس الفرنسي إلى تونس كمحاولة من الحزب الديمقراطي التقدمي للفت انتباه الحكومة الفرنسية إلى ما يعتبرونها تضييقات وانتهاكات تستهدفهم باستمرار لكن ساركوزي لم يعلق على هذا الإضراب في أيّ من تصريحاته.

و يقول لطفي حجي في هذا الصدد:أعتقد أن تناقضا واضحا وقع فيه الرئيس ساركوزي ، خصوصا مع المبادئ التي ينادي بها السياسيون الفرنسيون عادة والمتمثلة في دعم الحريات الفردية والعامة واحترام حق الاختلاف وحرية التعبير والصحافة والتداول السلمي على السلطة وغيرها من القيم الإنسانية التي تشتهر بها فرنسا و الغرب عموما، و تجاهُل ساركوزي لما يجري في تونس في هذا المجال أثار حفيظة معارضيه بشدة وربما بعض المشاكل قد تنتظره لدى عودته إلى فرنسا ،فالحزب الاشتراكي الفرنسي اعتبر أنه من الخطأ ألا يتطرق ساركوزي الى ملف حقوق الإنسان والانتهاكات التي تحصل في تونس.كذا الشأن بالنسبة إلى الصحافة الفرنسية فقد ركّز أغلبها طوال فترة الزيارة على هذه المفارقة المتمثلة في أولوية الاقتصاد و الصفقات التجارية على حقوق الإنسان.quot;