نجلاء عبد ربه من غزة: ليس الأمن والأمان هو فقط ما يفتقده سكان قطاع غزة, فالأمور باتت تأخذ مناحي آخري وأوسع, فالحياة في القطاع بدأت بالتأزم, والافتقاد لأبسط مقومات الحياة هو اللون الغالب علي الملامح العامة في الشارع الغزي. مشاهد كثيرة بدأت تتكرر أمام الناظرين فثارتا تشاهد عدد كبير من المواطنينيقفون الساعات الطويلة في طابور بقرب إحدى المخابز لكي يستطيعوا شراء القليل من أرغفة الخبز ليسدوا بها جزء من جوعهم وجوع عائلاتهم و أطفالهم الصغار الذين تآكلت أمعائهم من الجوع وكثرة البكاء, وثارتا آخري تشاهد عدد من الرجال وحتى النساء يبحثون عن الحطب لكي يستطيعوا من خلاله تدفئة بيوتهم التي بالكاد تسترهم في عتمة الليل وتسترهم من البرد القارص الذي يتخلل هذه البيوت الفقيرة والمتواضعة جدا.

هذا الحطب الذي أصبح بمثابة كل شئ بالنسبة لهم ففي ظل انقطاع الغاز والكهرباء علي القطاع يعتبر هو الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامهم لسير الحياة, وأصبحت النساء في غزة تعتمد بشكل كلي في عملية الطهي وتحضير الغداء علي الحطب, في الوقت الذي تجد فيه مئات آخرين من سكان غزة يمسكون بجالونات quot;براميلquot; فارغة يبحثون عن الكاز المستخدم في إنارة المصابيح, تجهيزا لليل الذي أصبح يمثل لهم مشكلة كبيرة في ظل انقطاع التيار الكهربائي, هذا الليل المعتم المليء بأصوات الطائرات والصواريخ والإنفجارات القوية والمخيفة التي باتت أحلام تراود عقول كل أطفال فلسطين الذين يقنتون في القطاع وتهدد نومهم الملائكي الهادئ .

جميلة البريم، أم لثمانية أطفال تقول لـquot;إيلافquot; : quot; منذ حوالي العشرين يوم لا يوجد في بيتي الدقيق quot;الطحينquot; الذي يعتبر من أهم المواد الغذائية الذي من دونه لا نستطيع سد جزء من جوع أطفالنا الصغار وأحاول بقدر الإمكان أن ألهيهم بأي شئ غير هذا الرغيف الذي أصبح حلمهم الوحيد, وحاولت أن استلف من جيراني القليل من الدقيق لكن للأسف فوضعهم مثل وضعي ووضع الغالبية من الأهالي, والسبب في ذلك الحصار القاتل المفروض علي قطاع غزة منذ حوالي أكثر من سنة أي منذ سيطرت حماس علي غزة في حزيران 2007 , ومما زاد من تدهور الأوضاع الحرب الحالية التي تشنها إسرائيل علي سكان القطاع من حوالي أسبوعquot;.

كريم عبد الله يروي لـإيلاف quot; كل يوم أوقد كمية من الحطب لأبنائي الصغار لكي تحميهم من البرد القارص وبنفس الوقت نستغل تلك النيران للطبخ، بعدما نفدت جرة الغاز الثانية من بيتيquot;.

وأضاف quot;غالبية الناس هنا أصبحت تعتمد على الحطب بديلا عن غاز الطهي، لكن هذا الحطب غير متوفر عن الجميع، فسكان المدن تفتقر كثيراً إلى الحطب، ويضطر عدد كبير منهم لشراء كمية من الحطب، بينما في القرى والمناطق الزراعية، فهي متوفرة بكثرة هناكquot;.

وتقول البريم أن الأوضاع في غزة تزداد صعوبة أكثر من الأشهر والأسابيع الماضية. وأضافت quot; لن تكفي المساعدات التي تقدمها الدول العربية والغربية لسكان غزة، فأساسيات الحياة هنا إنعدمت تماماًquot;.

وتعتمد آلاف المنازل في غزة على الطبخ من خلال الأجهزة والتدفئة الكهربائية. لكن تلك الأجهزة فشلت أمام قطع الكهرباء المستمر لأكثر من 16 ساعة عن كافة المناطق في غزة، الأمر الذي فاقم من معاناة الفلسطينيين في ظل تساقط الصواريخ الإسرائيلية على بيوتهم.

ولا يزال الطيران الحربي الإسرائيلي يواصل غاراته على مدار الساعة في أرجاء مختلفة من قطاع غزة، مما أدى إلى شلل كبير في مناحي الحياة الإقتصادية، وأغلقت أكثر من 97% من المحلات والمؤسسات أبوابها، بينما لا زال عدد من المطاعم والمخابز والمحلات التجارية يفتح أبوابه أمام الناس.

ولعل دخول موجة البرد القارص لفصل الشتاء على غزة، خيّم على الوضع السكاني، ففي الوقت الذي تنهار الأبنية والحجارة فوق السكان، ينشغل آخرين في ترميم بيوتهم وأسطح منازلهم بقطع من النايلون السميك لتفادي سقوط المطر داخل غرف نومهم، وآخرين يحاولون شراء ما يمكن شراءه من حطب وأخشاب للتدفئة.

وقال الشاب وسيم سلامة انه وقف لأكثر من ساعتين ليتمكن من شراء ربطة خبز بـ 10 شيكل. وأضاف لإيلاف quot;في ظل عدم توفر الطحين في البيوت نضطر لأن نقف طابور لساعات للحصول على بعض أرغفة الخبزquot;.

وأشار إلى أن سكان المدن في غزة يعتمدون بشكل شبه كلي على المخابز التي تصنع الخبز، لكن معظم تلك المخابز توقفت عن العمل بسبب نقص الغاز أو قطع الكهرباء أو نفاد الطحين من مخازنها.