تقارب النتائج بين إتهام حماس وإيران بتكريس الخلافات الفلسطينية
استفتاء quot;إيلافquot; يُظهر إستقطابًا حادًا حول أسباب الإنقسامات العربية
هذا الرأي يتفق معه محللون بارزون في القاهرة، ومنهم الدكتور عبد المنعم سعيد مدير مركز quot;الأهرامquot; للدراسات السياسية والإستراتيجية، الذي يرى أن الإشارة إلى ما تتسم به العلاقات العراقية الكويتية قبل سقوط نظام quot;البعثquot;، والعلاقات السورية ـ اللبنانية، والعلاقات المصرية ـ السورية، والعلاقات الجزائرية ـ المغربية، والعلاقات البحرينية ـ القطرية والعلاقات السعودية ـ اليمنية، والعلاقات السورية ـ الأردنية، لافتاً إلى أن هذه الأزمات وغيرها تكفي المراقب حتى يكتشف ببساطة أنها ظلت دائمًا موصومة بحقائق واقعية، فشل الخطاب القومي في جعلها علاقات طارئة ينبغي أن تعود لمسارها الودي المفترض.
معتدلون وراديكاليون
الإشكالية إذن جدلية على نحو ما، فالشأن العربي يؤثر في الساحة الفلسطينية، والعكس صحيح، ولعل نظرة تأمل لما يدور في الإقليم الآن من احتقان واستقطاب حادين بين عدد من العواصم العربية، تكشف حجم الانقسام الراهن حول الخيارات والأولويات السياسية، فالدول التي اصطلح على تسميتها بدول quot;الممانعةquot; وفي صدارتها سورية، تواجه اتهامات بالارتباط بأجندة إيرانية لا ينبغي أن يتورط فيها العرب، لأنها خارج إطار حسابات الأمن القومي العربي، وهنا يقول نبيل عبد الفتاح نائب رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة quot;الأهرامquot; المصرية، إن quot;الخطاب السياسي السوري يعيد انتاج الخطاب الايديولوجي القديم الذي كان سائدًا في الستينات والسبعينات، وهذا يعد توجهًا يختلف جذريًا مع التوجه السياسي المصري الحالي، كما رأى أن quot;دمشق تعتقد انها وحدها على صواب وتحاول فرض الوصاية باسم القومية العربية والممانعة على الآخرينquot;، على حد تعبيره.
لكن في الجانب الآخر هناك اتهامات رائجة لما يعرف بمعسكر quot;الدولة المعتدلةquot; وفي صدارتها مصر والسعودية، من أنها تصطف في خندق ما يسمى quot;المشروع الأميركيquot; في المنطقة، ويصل الأمر لحد توجيه الاتهامات الصريحة إلى السياسة المصرية بأنها quot;متواطئةquot; مع إسرائيل، بينما تدافع مصر عن نفسها ومواقفها السياسية بالتأكيد على دورها التاريخي في دعم الفلسطينيين ومساندتهم، وتحمّل قادة quot;حماسquot; المسؤولية عن تقديم المبررات المجانية لإسرائيل لتشنّ هذه العمليات العسكرية الواسعة وغير المسبوقة، ويربط ساسة مصريون وكتاب رأي ومحللون بين سلوك قادة حماس والأجندة الراديكالية الإيرانية، التي تضم دمشق وحزب الله اللبناني وغيرهم، وفي هذا السياق يبدو خيار المواطن المصري العادي محسومًا لجهة رفض أي توريط للبلاد في مواجهات عسكرية محتملة مع إسرائيل.
مشهد ملتبس
ووسط هذا المشهد الملتبس وإزاء حالة الانقسام والاستقطاب التي باتت تستعصي على الفهم والحسم، كان طبيعياً أن تأتي النتائج على السؤال الذي طرحته (إيلاف) في استفتائها الأسبوعي، حول أسباب انقسام العرب بشأن التعمل مع quot;أزمة غزةquot;، وبدت النتائج متقاربة في النقاط التي حصدها كل من الخيارات الثلاثة التي طرحتها في سياق الرد على سؤال الاستفتاء على النحو التالي :
ـ أرجعت نسبة قوامها (27%) وهي تساوي (1137) مشاركاً، السبب في انقسام العرب إلى موقف حماس، من مجمل المشاركين في الاستفتاء الذين بلغ عددهم (4212) شخصاً ساهموا بالرأي في استفتاء هذا الأسبوع، وهو كما نلاحظ عدد كبير نسبياً .
ـ اختارت نسبة قدرها (42%) والتي تعادل (1756) شخصاً، التفسير القائل إن السبب في انقسام العرب بشأن غزة يرجع إلى الشعور بالعامل السوري ـ الإيراني في هذا المضمار.
ـ وأخيراً فقد رأت نسبة بلغت (31%) تمثل (1319) مشاركاً، أن الانقسام بين الفلسطينيين هو السبب في انقسام الموقف العربي بشأن أزمة قطاع غزة الراهنة .
وبالطبع فإن هناك حزمة من الأسباب التي لا تبشر في مجملها بالتفاؤل إزاء إمكانية خروج الفلسطينيين من هذا المأزق الراهن، لاسيما في ظل العمليات العسكرية الإسرائيلية الراهنة في قطاع غزة، فضلاً عن ذلك التناقض الجوهري البالغ بين برنامجي حركة quot;حماسquot; ـ والتي لم تتردّد في إعلان ولائها الحقيقي لجماعة quot;الإخوان المسلمينquot; المحظورة في عدة بلدان عربية، وبين حركة quot;فتحquot; العلمانية، التي تعيش حالة انقسام داخلي أيضا بين أبرز قادتها .
وأخيراً يشير عدد من المحللين السياسيين والإستراتيجيين الى غزة باعتبارها كانت دائماً بمثابة قنبلة موقوتة حيث ظل مقاتلو حركة quot;حماسquot; والقوات الإسرائيلية يتبادلون إطلاق النيران عبر حدودها، على الرغم من التهدئة التي أعلنت قبل ستة أشهر والتي انتهت رسميًا يوم 29 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، فضلاً عن الاتهامات المتبادلة بين حماس، التي أحكمت سيطرتها على قطاع غزة منذ انقلابها العسكري، وبين حركة فتح والرئاسة الفلسطينية المتمركزة في الضفة الغربية .
quot;الجزيرةquot; نموذجًا
وكما أشرنا في صدر التقرير، فكما يبدو بالفعل أن هذا الانقسام الفلسطيني ليس أكثر من أحد تجليات الانقسامات العربية المتكررة، ولا يقتصر الأمر على الخلافات في الرؤى، بل يصل عادة لحد المهاترات، فبمجرد ما تنشب خلافات بين بلدين عربيّين يجري تسليط عدد من quot;الكتبةquot; الرسميين وأشباه الرسميين لممارسة فنون quot;الهجاءquot;، الذي يتدحرج ليصل إلى تخوم quot;الردحquot; بحق الدولة الأخرى قيادة وحكومة وربما شعباً أيضاً. ولا يقتصر النقد على موضوع الخلاف ، بل يمتد ليشمل أحياناً توزيع الاتهامات الجزافية من طراز بالغ الابتذال كالخوض في السيرة الشخصية لقادة البلدين، وتسود مئات الصفحات استناداً لمعلومات يجري تسريبها من خلال أجهزة متنفذة في البلدين، ويمارس رسامو الكاريكاتير أقصى درجات quot;حرية التعبيرquot;، وقد يصل الأمر لتخصيص إذاعات وفضائيات لتوصيل quot;الرسالةquot;، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى.
ولعل أكثر النماذج المعبرة عن طبيعة هذه المهاترات التقليدية، هي فضائية quot;الجزيرةquot; التي تبث من قطر، وكانت قد ظهرت للوجود بقوة في وقت كانت علاقات قطر محتقنة بعدد لا بأس به من الشقيقات العربيات ومنها السعودية، البحرين، مصر، الكويت، الجزائر وليبيا وغيرها.
وبعيدًا عن الخوض في تفصيلات ما يثار حول quot;الجزيرةquot; لكنها تكشف بوضوح عن منطق التعامل الإعلامي السائد في الذهنية العربية، فنحن حيال احتمالين لا ثالث لهما : إما أن تكون quot;الجزيرةquot; قناة إعلامية أنشئت بالفعل لأداء دور سياسي تسعى إليه الدبلوماسية القطرية، لسبب أو آخر، وهذا يؤكد منطق quot;داحس والغبراءquot;، أو ألا يكون الأمر كذلك ، بل مجرد quot;تجربة طليعيةquot; تعبر عن جيل جديد للإعلام العربي، وفي هذه الحالة فإن التفكير على نحو تآمري بشأنها حتى في أوساط النخبة يؤكد أن عقلية الهجاء لم تزل حيّة، وأن جرير والفرزدق وتأبط شرا ما زالوا خير من يعبر عن طبيعة الأداء في شتى أجهزة الإعلام العربية بدرجات متفاوتة.
التعليقات