يختلف مفهوم عبارة quot;الوطنيةquot; من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان آخر، ومن شعب إلى شعب آخر. وتشهد الرياض أخيرًا سجالاً حول هذا المفهوم اثاره رئيس اللقاء الوطني للحوار الفكري الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين بعد أن ألقى محاضرة امام طلبة العلم الشرعي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض. وفيما تناقلت الصحف وبعض مواقع الانترنت هذا الجدل وأبرزت مضامينه، من المنتظر أن تشهد الساحة السعودية الفكرية جدلاً أكثر اتساعًا بخصوص المفهوم.
الرياض: أثارت محاضرة رئيس اللقاء الوطني للحوار الفكري الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين حول الحوار وأثره في الوحدة الوطنية التي ألقاها على طلبة العلم الشرعي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض في السادس من أكتوبر الجاري، جدلاً ملحوظًا في الوسط الإعلامي والثقافي السعودي.
فقد انتقد الحصين مفهوم الوحدة الوطنية ورأى أن هذا المفهوم لا يتناسب مع ما جاء به الإسلام، وفي ما يتعلق بدور الحوار الداعم للوحدة الوطنية، فيتحقق بالتوعية بالمفهوم السليم للوحدة الوطنية، ونشر هذا الوعي ومقاومة التشويش في فهم هذا المصطلح، ذلك أن (الوحدة الوطنية) مؤسسة على فكرة (الوطنية) وهذا المصطلح (الوطنية) له مفاهيم متعددة بل ومتعارضة. فكل بلد من البلدان له مفهومه الخاص للأساس الفكري للوطنية، وقد يكون هذا الأساس الفكري سندًا للاتحاد كما يكون سندًا لحركات الانفصال. وطالب الحصين بتبديل هذا المفهوم بمفهوم quot;الجماعةquot; في الإسلام.
وقد - كتب الدكتور عبدالله بن ناصر الفوزان مقالة معلقًا فيها على آراء الحصين بعنوان: quot;رئيس الحوار الوطني ينتقد الحوار الوطنيquot; نشرها بصحيفة الوطن في 19 أكتوبر الجاري أوضح فيها أن الشيخ صالح الحصين ينتقد مفهوم الوحدة الوطنية على الرغم من أن هذا المفهوم يمثل ركيزة جوهرية وهدفًا أساسيًّا من أهداف مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الذي يرأسه الحصين، وقد ركز الفوزان على فكرة أن الشيخ الحصين انتقد بشدة الاتجاه الوطني في الحوار الذي ينظمه مركز الحوار، من خلال رفضه لمقولة: الوحدة الوطنية. وقد بنى الكاتب زعمه من خلال تأويل عبارات للشيخ صالح الحصين دعا فيها طلبة العلم الشرعي إلى مقاومة فكرة ((الغلوّ في الوطنية)) التي قال ((إنها تسربت إلى المجتمع)) ووصفها بأنها ((غير ملائمة للقيم الإسلامية))، وبأنها ((تقوم على التمييز بين المواطن والمقيم)) وقال ((إن ذلك التمييز ليس موجودًا لدى الشعب ولكنه لدى فئة من المواطنين.
كما قال الشيخ صالح إن الوطنية عبارة مستوردة تعني مفهومًا معينًا، ولكن هذا المفهوم ليس واضحًا، إذ إن هذه العبارة في سندها الفكري تختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان آخر ومن شعب إلى شعب آخر.
وقد رأى الكاتب أن هناك تناقضًا بين دعوة الشيخ صالح الحصين لرفض مفهوم الوحدة الوطنية وبين ترؤسه لمركز الحوار الوطني الذي يدعو إلى الوحدة الوطنية، كما رأى أن الشيخ الحصين لا يفرق هنا بين المواطن والمقيم في دعوته لمفهوم الجماعة في العقيدة الإسلامية، وأن في المقيمين من هم غير مسلمين.
وخلص الكاتب إلى أن ما يدعو إليه الشيخ صالح الحصين لا يستقيم في ظل الأوضاع الراهنة، وفيه الكثير من الخيال مما يستدعي إعادة النظر. كما كتب صالح العبدالرحمن التويجري بصحيفة المدينة يوم الاثنين 19 أكتوبر، مؤكدًا على أن دور الحوار مهم في تعزيز الوحدة الوطنية، متضامنًا مع ما ذكره الحصين في هذا الصدد.
وفي تعقيبه على ما جاء به الفوزان أكد الشيخ الحصين في مقالة نشرت بالوطن الجمعة 23 أكتوبر على أن التشويش في فهم الوحدة الوطنية قد ينتهي بنتائج مدمرة، ورأى أن للحوار دورًا وقائيًا ودورًا داعمًا في تعزيز الوحدة الوطنية، ويتركز الدور الوقائي في مقاومة التأثيرات السلبية على الوحدة الوطنية، ويتركز الدور الداعم على التوعية بمفهوم السعوديين الخاص للوحدة الوطنية.
وذكر الحصين أن مفهومنا للوحدة الوطنية، يجب أن يشمل كل ما يشمله مصطلح ( الجماعة) التي لا يكاد متن من المتون المختصرة في علم العقيدة ينقل التنصيص عليها عند تعداد مسائل الاعتقاد.
على سبيل المثال متن العقيدة (الطحاوية) المكتوب في القرن الثالث حيث يتضمن هذا النص quot; ونعتقد الجماعة حقًا وصوابًا والفرقة عذابًاquot;.
كما أكد على أن مصطلح (الجماعة) لا يشمل مجرد المعنى اللغوي والشكلي للمصطلح، بل يتجاوز ذلك إلى تحقيق قيم الأخوة والموالاة والتكافل والتواد والتراحم. ويعني دوائر متعددة يتضمن بعضها بعضا، ولكنها تعتمد على الأساس الفكري نفسه، وهذا سر قوتها في الانسجام والتناسق وعدم إتاحة الفرصة للتناقض، أو أن تحمل الفكرة بذور هدمها.
تبدأ صغيرة في دائرة (الأسرة) وتقتضي من الفرد تحمّل أبلغ المسؤوليات تجاه أفراد الأسرة الآخرين من الوالدين والأولاد والإخوة والأخوات والأقارب، وتحيط بدوائر (الأسر) دائرة الجوار (الحي) وللجار حقوق تتجاوز حقوق غير الجار، ثم تجيء دائرة (المدينة) و(القرية) وتتميز بحقوق لأفرادها ليست لغيرهم،وهكذا تتسع الدوائر حتى تشمل دائرة الأمة التي تكرر في القرآن اقترانها بعقيدة التوحيد ( وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون).
و(الجماعة) في عقيدة المواطن السعودي دوائر تنداح كما تنداح دوائر الماء عندما تلقي فيه بالحجر، تبدأ دائرة صغيرة وتنتهي بدائرة عظمى اسمها (الأمة) في داخل هذه الدائرة الواسعة توجد دائرة ضيقة نسبيًا هي مركز الإسلام (الوطن السعودي). هذه الدائرة تشمل ما يطلق عليه الفقهاء إلى ما بعد عصر الشافعي ( مكة ومخاليفها (أي توابعها) والمدينة ومخاليفها واليمامة ومخاليفها أي ما تشمله تقريبًا في الوقت الحاضر الحدود السياسية للمملكة العربية السعودية.
وهذه الدائرة تتميز بخصائص وتحكمها قواعد شرعية خاصة، من أبرزها: وجوب أن يكون المواطن فيها مسلما، ولا يجوز أن يكون غير المسلم مواطنًا فيها.
وأوضح الحصين صحة مفهوم مصطلح quot;الجماعةquot; وقوته وسهولة سيطرته على القلوب والعقول، ورسوخه واستعصائه على التشويش في الفهم والانحراف في الفكر، إلا أن هذا لا يعني ndash; كما يقول- ان نستغني عن استعمال مصطلح (الوحدة الوطنية) لأن هذا المصطلح اكتسب صفة الشعار، والفكرة تبلغ أعلى مستوى لقوتها عندما تتحول إلى شعار، ولكن يجب أن يكون مفهومنا لهذا المصطلح يشمل كل ما يدل عليه مصطلح quot;الجماعةquot; في كتب العقيدة. وأن تتم توعية الناس بهذا المفهوم، ويتحمل مسؤولية ذلك بالوسائل المتاحة ndash; ومنها الحوار ndash; طلبة العلم الشرعي والمهتمون بتنمية الشعور الوطني الصادق.
ومن المنتظر أن تشهد الساحة السعودية الفكرية جدلا أكثر اتساعا بخصوص هذا المفهوم، الذي عرض في إيلاف بعض ملامحه من خلال عرض وقراءة كتاب: الوحدة الوطنية ومفهوم المواطنة للكاتب محمد محفوظ منذ شهرين، وقد تناقلت بعض مواقع الإنترنت هذا الجدال وأبرزت مضامينه.
وكان مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني قد عقد لقاءه الوطني الأول الذي جرى في رحاب مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض عام 2003 تحت مسمى: quot;الوحدة الوطنية والمعاهدات والمواثيق الدوليةquot; شارك فيه أكثر من عشرين عالمًا وكاتبًا ومفكرًا من مختلف أطياف المشهد الفكري السعودي، وتوصل الاجتماع الذي جاء في ظل تفجيرات إرهابية ملحوظة شهدتها السعودية، إلى التأكيد على قيم الوحدة الوطنية والتسامح والوسطية والاعتدال.
من جانب آخر، يستعد مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني لعقد لقاء فكري موسع بعد شهرين بعنوان: quot;الخطاب الثقافي السعودي واستشراف المستقبلquot; بمشاركة عدد كبير من الكتاب والمثقفين يمثلون مختلف الأطياف الثقافية السعودية.
التعليقات