الصحافة اليمنية في قفص الاتهام:
الحكومة اعتبرتها ضد الوحدة والصحافيون يرون إيقافها مذبحة
علي عبد الجليل من صنعاء:
حجبت الحكومة اليمنية موقعين إخباريين على شبكة الإنترنت تواصلا لحملتها ضد الصحافة الأهلية بحجة أنها quot;تنشر مقالات ومواد ضد الوحدة الوطنية وتحرض على الكراهية بين أبناء الشعب اليمنيquot;. وفي تصريحات خاصة لـ (إيلاف) اعتبر صحافيون يمنيون قرارات الحكومة بمثابة quot;مذبحة للصحافةquot;.


وقال سامي غالب رئيس تحرير صحيفة (النداء) إن السلطة اليمنية quot;فرجت توترها الناجم عن عجزها عن مواجهة المطالب الشعبية بخاصة في الجنوب، بالذهاب إلى الطرف الأضعف داخل اليمن وهو الصحافة المستقلةquot;.
وعن خلفية القرار قال غالب لـ (إيلاف) إن quot;السلطة عمدت منذ الخريف الماضي إلى تحميل الصحافة مسؤولية تنامي الاحتجاجات في الجنوب. وأبدت عبر وسائل الإعلام الخاضعة لسيطرتها انزعاجا من قيام هذه الصحف بتغطية ما يجري في الجنوب من أحداث وصدامات وانتهاكات. كما انزعجت أكثر من الحيز الذي أتاحته هذه الصحف لعرض وجهات نظر أخرى حيال التطورات في الجنوب, علما بأن الإعلام العام (الحكومي) حجب تماما حقيقة الأحداث هناكquot;.
وأوقفت وزارة الإعلام اليمنية ثماني صحف عن الصدور(الأيّام، النداء، المصدر، الشارع، الأهالي، الوطني، الديار، المستقلة) بالإضافة إلى موقعي التغيير نت ومارب نيوز.


ونقل رئيس تحرير (النداء) ، عن مصادر قال إنها قريبة من دوائر القرار الرسمي quot;أن قرار مصادرة هذه الصحف المستقلة وملاحقتها قضائيا صدر من لجنة أمنية رفيعة, وتولى وزير الإعلام الذي يرأس بدوره لجنة إعلامية حكومية تضم مسؤولين في الإعلام الرسمي, تولى إخراج القرار بالطريقة المعروفة: أي إتباع إجراءات شفهية بمصادرة الصحف من الأكشاك ثم ممارسة الرقابة المسبقة وصولا إلى منع طباعتها في المطابع العامة والأهليةquot;.


وكشف غالب أن القرار استهدف أولا quot;صحيفة الأيام باعتبارها الصحيفة اليومية المستقلة الوحيدة التي لا تخضع لسيطرة السلطة, وتم بالموازاة استهداف الصحف الأخرى للاعتبارات نفسهاعلاوة على إضفاء طابع قمعي وحدوي على القرارquot;.
ومن المؤكد في القرار، حسب غالب quot;هو استهداف الصحف ، وأنه يؤشر على مرحلة جديدة يتم فيها إخضاع الصحف المستقلة لقيود جديدة، مادية ومهنية وقانونية, بحيث تضطر هذه الصحف إلى التنازل عن سياساتها التحريرية لكي تستأنف الصدورquot;.

ترجع إلى الوراء

وكان وزير الإعلام حسن أحمد اللوزي قد قال في بيان رسمي quot;إن الوزارة قامت بالحجز الإداري على عدد من الصحف الأهليةquot; التي قامت كما قال quot; بالنشر ضد الوحدة الوطنية والمصلحة العليا للوطن وقامت بالتحريض على الخروج على القانون والنظام وبث الكراهية والعداء بين أبناء الشعب اليمني الواحد والدعوة إلى تمزيق وحدة الوطن اليمني وهو ما يعتبر من جرائم النشر ومخالفة صريحة لنص المادة (103) من قانون الصحافة والمطبوعاتquot;. وأكد أن الصحف المحجوزة ستقدم إلى المحاكمة، حيث طلبت الوزارة من النائب العام إحالتها إلى quot;نيابة الصحافة والمطبوعات للتحقيق حول تلك الوقائع المجرمة وفقا لقانون العقوبات وتقديم مرتكبي تلك المخالفات إلى العدالة وفقا للقانونquot;.


ورأى عرفات مدابش ناشر ورئيس تحرير موقع التغيير نت أن quot;مصادرة أعداد ثماني صحف ومنع طباعتها وصدورها وحجب مواقع تلك الصحف ومواقع إخبارية أخرى ، مذبحة حقيقية بحق الصحافة اليمنية لم تحصل منذ قيام الوحدة اليمنية عام 1990م ، وهي ـ الوحدة ـ التي كان احد شروط قيامها ، التعددية السياسية وحرية التعبير والصحافة quot;. وقال لـ (إيلاف) إن quot;هذه المذبحة أو المجزرة التي ارتكبتها وزارة الإعلام ضربة قاسية وقاسمة لخاصرة الديمقراطية اليمنية والتعددية السياسية والحزبية وحرية التعبير ، لها مضارها وانعكاساتها السلبية والخطرة على اليمن حاليا ومستقبلاquot;.


وباعتقاد مدابش quot;أن اليمن وبما يجري حاليا للصحافة ، تراجع إلى الوراء أكثر من عشرين عاما ، عاد إلى أيام الشمولية المقيتة وذكّر قولا وفعلا ، بأيام الرقابة المسبقة على الصحف ، وزاد النظام الحالي من الشعر بيتا و ( أخذها من قاصرها ) ، على رأي إخواننا المصريين ، ومنع الطباعة وصادر أعداد أي صحيفة تصدر ، وعمل على حجب المواقع الالكترونية ، ومنها موقعنا المستقل والمهني والمحايد ، وكأنه يريد أن يغطي (الشمس بمنخل )كما يقالquot; .
وأضاف رئيس تحرير التغيير نت أن المشكلة في اليمن هي quot;أننا ورغم مرور 19 عاما على قيام الوحدة واقترانها بالديمقراطية ، لم نعتد بعد على سماع الرأي الآخر وعلى حرية الصحافة ، وهذا ما أثبتته السلطات اليمنية من خلال ذهنيتها القديمة والمعتقة ، في امتحان هو الأصعب منذ ما بعد الحرب الأهلية عام 1994م ، وهو الأحداث والتطورات في جنوب البلاد ، فتركت المعالجات الحقيقية للأزمة هناك ولجأت إلى قمع الصحافة والشهود ، اعتقادا بان هذه الأساليب ناجعة في عصر متقدم كثيرا تكنولوجياquot;.


واعتبر مدابش أن quot;إنشاء محكمة خاصة بالصحافة والصحافيين، يأتي في إطار مساع سابقة ومتواصلة للحكومة اليمنية للتضييق على الصحافة وتقييد حريتها ، ففي السابق أنشأت نيابة الصحافة والمطبوعات، واليوم هذه المحكمة والمشكلة الكبرى أن الصحافيين والصحف في اليمن لا يحاكمون في هذا القضاء الخاص ، بقانون الصحافة فقط ، وإنما بقوانين أخرى إلى جانبه مثل قانون الإجراءات الجزائية وعادة فان الأحكام التي تصدر (تودي في ستين داهية)..quot;.
وترفض إدارات تحرير الصحف الموقوفة اتهامات الوزارة المعلنة ضدها. وبدت نقابة الصحافيين بموقف غير موحد تجاه توقيف الصحف، واقتصرت بيانات التنديد والاستنكار عن لجنة الحريات في النقابة إضافة إلى تصريحات شخصية من سعيد ثابت سعيد وكيل أول نقابة الصحافيين تعترض على إجراءات الوزارة وإنشاء محكمة خاصة بالصحافة.


وتعتبر صحيفة (الأياّم) أقدم الصحف التي تم توقيفها، حيث تأسست في عدن عام 1958م ، وهي إلى جانب الصحف الموقوفة الأخرى تمثل اتجاها مستقلا . وتعترض الحكومة اليمنية على نشرها أخبار الحراك السلمي في جنوب اليمن الذي يدعو إلى انفصال جنوب اليمن عن شماله.
وبدأت النيابة سلسلة تحقيقات مع بعض رؤساء تحرير الصحف الموقوفة تمهيداً لتقديمهم لمحكمة الصحافة والمطبوعات التي أعلن عن إنشائها في 11مايو الحالي.