محمد ولد المنى: عاد المسؤولون الفلسطينيون الى القول بأن تأجيل الزيارة التي كان مقرراً ان يقوم بها الرئيس ياسر عرفات الى دمشق في الثامن عشر من سبتمبر المنصرم، هو لأسباب اجرائية وأن الاجواء ودية في الوقت الحالي بين سوريا وسلطة الحكم الذاتي·
وقد جاءت هذه الاشارة في توقيت يضفي عليها بعض الدلالات الأساسية ومن ثم يكشف جانباً من أبعاد الخلاف الغامض الذي أدى الى تأجيل الزيارة المرتقبة من عرفات الى دمشق أكثر من مرة· فغداة التأجيل الأخير تبادل الجانبان الفلسطيني والسوري تحميل المسؤولية كل للآخر في موضوع التأجيل،وقالت دمشق ان عرفات قرر التخلي عن الزيارة في ذلك الوقت تحديداً في اشارة الى اللقاء الذي أعلن عنه يوماً واحداً بعد ذلك بينه وبين وزيرخارجية اسرائيل شيمون بيريز· وقالت السلطة الوطنية انها أُبلغت من السوريين في آخر لحظة بقرار يفيد رغبتهم في تأهيل انعقاد قمة الأسد - عرفات·ورغم أن المسؤولين الفلسطينيين نفوا بشدة وجود أي علاقة بين الصعوبات التي كانت وراء تأجيل زيارة عرفات الى دمشق، وبين المحاولات التي كانت تبذل وقتها لعقد لقاء تأجل مراراً هو الآخر بين عرفات وشيمون بيريز بسبب التمنع الاسرائيلي، فإن توقيت الموافقة الاسرائيلية أوحى بأن ثمة علاقة غير افتراضية بين التأجيل هنا واللقاء هناك· فربما تكون اسرائيل أرادت من لقاء بيريز -عرفات ان تفسد على الأخير اجواء زيارته الى دمشق، وهذا الأمر، حتى بوصفه مجرد إمكانية، يكفي بحد ذاته لتخريب ماهو قائم من تفاهم سوري -فلسطيني· ومهما يكن فإن شرخاً أصاب هذا التفاهم خلال الاسبوعين الأخيرين، وانتكست فعلاً محاولة العودة بالعلاقات بين الجانبين الى ماقبل أوسلو· وهذا لايمكن أن ينفيه اعلان نبيل شعث وزير التخطيط والتعاون الدولي يوم الاربعاء الماضي، عن زوال سوء التفاهم الذي شاب العلاقة مع المسؤولين السوريين اثر تأجيل زيارة عرفات الى دمشق قبل حوالي اسبوعين·
اذا كان سوء التفاهم الذي حصل هو فعلاً قد نتج بسبب أخطاء في التنسيق - كما قال الفلسطينيون - على يد طرفا عربي ثالث، مما أدى الى تعطيل انعقاد القمة الثنائية، فان هذا سبب يمكن تفاديه من الآن·وكذلك الأمر أيضاً اذا كان ثمة دور مشوش لعبته الفصائل الفلسطينية المعارضة في دمشق·
الا ان الاعتقاد الأرجح هو أن ثمة خلافاً أعمق من الأسباب المذكورة، خلاف يعود الى تباين جذري في حسابات الموقف لدى كل من الطرفين· فعندما أكد السوريون منذ البداية على ضرورة التحضير الجيد للقاء القمة فهم كانوا يعنون مايفكرون فيه باهتمام خاص·يريدون من عرفات موافقتهم على ضرورة اندراج المقاربات في الاطار العربي حيال الوضع الحالي تحت مبادئ ثابتة·بمعنى أن التحضير الجيد هو بالأساس تعبير دبلوماسي عن أربعة اشتراطات سورية على الجانب الفلسطيني· في مقدمة هذه الاشتراطات اقرار عملي بافلاس أوسلو وكل ماترتب عليها من سياسات في الماضي، ومايجري راهناً من محاولات انعاشها ببعض المقويات· وثانيها موقف من السلطة الوطنية داعم كلياً وعلنياً للانتفاضة الشعبية· اضافة الى الاشتراط الثالث وهو قبول السلطة الفلسطينية باعادة تفعيل الوحدة الوطنية على أساس المراجعة الكاملة واعادة النظر في أساليب العمل السياسي وفي المنهج التفاوضي القائم منذ عام ·1991 وأخيراً وليس آخراً العودة الى تنسيق المواقف العربية ضمن إطار واحد مشترك في عملية المفاوضات مع اسرئيل التي نجحت في تفكيك المسارات التفاوضية ولعبت على فصلها عن بعضها البعض منذ قبل الفلسطينيون السير المنفرد في أوسلو ·
وتعتقد سوريا أن اشتراطاتها السابقة هي أكثر ماتكون تعبيراً عن خلجات الشارع الفلسطيني ومواقفه خلال المرحلة الحالية بالذات، ومن ثم قال الرئيس السوري بشار الأسد نحن لانطلب من عرفات الاما يطلبه منه الشعب الفلسطيني ·
وإذا كان من غير المحتمل ان يرفض عرفات علنيا أي واحد من بنود المطلب السوري، فمن غير المحتمل أيضاً أن يقبل بأي منها· ان القاعدة هي ان أوسلو تمثل الاساس الذي أوجد السلطة الوطنية الفلسطينية واتفاقاتها ذاتها هي الاطار القانوني دولياً لشرعية كيان الحكم الذاتي ·
وكما أنه بحسابات معينة يعد التخلي عن السلطة مقابل الانخراط في رهانات شعبية هو مغامرة لاتتواءم مع تفكير ذوي الكراسي، ولو كان تاريخهم النضالي حياة حافلة طولاً وعرضاً، فإن السلطة الفلسطينية ماتزال بحاجة الى بعض الوقت كي تتأكد من النتائج النهائية لاتفاقات أبرمت بعيداً عن الاطار العربي، وربما حتى ليس على قاعدة الاجماع الفلسطيني، مثل اتفاق أوسلو·
على الجانب الثاني فإنه يبقى من المستبعد أن تنعقد قمة بين عرفات والأسد طالماً ظلت دمشق تشترط موافقة فلسطينية على مواقف محددة قبل انعقاد اللقاء الذي يفترض أن يكون مصهراً لتوليد تلك المواقف والموافقات وليس مشروطاً بها·
والظاهر أنه بقدر ما تحولت عقدة القرار الوطني الفلسطيني المستقل الى مصدر لسياسات معيبة أحياناً، تحولت أيضاً عادة الوصاية العربية على القرار الفلسطيني الى نوع من الفوقية التي كثيرا ما تجاوزت حدود القدرة على التحمل لدى الفلسطينيين، وهم الذين تعودوا اهانات الاحتلال اكثر من نصف قرن·
وعلاوة على ذلك سيقف بين عرفات وبين الدنو من ابواب دمشق، تراث يصل إلى عشرين عاماً من الخلافات السياسية بينه وبين الرئيس الراحل حافظ الاسد· من حرب المخيمات الى الخروج الفلسطيني من بيروت عام ،1982 الى اوسلو التي عارضها الاسد بشدة لا تقل عن رفضه سنوات طويلة مبدأ حصر التمثيل الفلسطيني وشرعيته السياسية من خلال المنظمة التي يقودها عرفات، ولو انها اليوم تتصدر الانتفاضة في خط يقر بها الى دمشق، لكن هل يقرب ذلك في المسافة السياسية بين عرفات وبين مواقف دمشق؟ (عن "البيان" الاماراتية)
وقد جاءت هذه الاشارة في توقيت يضفي عليها بعض الدلالات الأساسية ومن ثم يكشف جانباً من أبعاد الخلاف الغامض الذي أدى الى تأجيل الزيارة المرتقبة من عرفات الى دمشق أكثر من مرة· فغداة التأجيل الأخير تبادل الجانبان الفلسطيني والسوري تحميل المسؤولية كل للآخر في موضوع التأجيل،وقالت دمشق ان عرفات قرر التخلي عن الزيارة في ذلك الوقت تحديداً في اشارة الى اللقاء الذي أعلن عنه يوماً واحداً بعد ذلك بينه وبين وزيرخارجية اسرائيل شيمون بيريز· وقالت السلطة الوطنية انها أُبلغت من السوريين في آخر لحظة بقرار يفيد رغبتهم في تأهيل انعقاد قمة الأسد - عرفات·ورغم أن المسؤولين الفلسطينيين نفوا بشدة وجود أي علاقة بين الصعوبات التي كانت وراء تأجيل زيارة عرفات الى دمشق، وبين المحاولات التي كانت تبذل وقتها لعقد لقاء تأجل مراراً هو الآخر بين عرفات وشيمون بيريز بسبب التمنع الاسرائيلي، فإن توقيت الموافقة الاسرائيلية أوحى بأن ثمة علاقة غير افتراضية بين التأجيل هنا واللقاء هناك· فربما تكون اسرائيل أرادت من لقاء بيريز -عرفات ان تفسد على الأخير اجواء زيارته الى دمشق، وهذا الأمر، حتى بوصفه مجرد إمكانية، يكفي بحد ذاته لتخريب ماهو قائم من تفاهم سوري -فلسطيني· ومهما يكن فإن شرخاً أصاب هذا التفاهم خلال الاسبوعين الأخيرين، وانتكست فعلاً محاولة العودة بالعلاقات بين الجانبين الى ماقبل أوسلو· وهذا لايمكن أن ينفيه اعلان نبيل شعث وزير التخطيط والتعاون الدولي يوم الاربعاء الماضي، عن زوال سوء التفاهم الذي شاب العلاقة مع المسؤولين السوريين اثر تأجيل زيارة عرفات الى دمشق قبل حوالي اسبوعين·
اذا كان سوء التفاهم الذي حصل هو فعلاً قد نتج بسبب أخطاء في التنسيق - كما قال الفلسطينيون - على يد طرفا عربي ثالث، مما أدى الى تعطيل انعقاد القمة الثنائية، فان هذا سبب يمكن تفاديه من الآن·وكذلك الأمر أيضاً اذا كان ثمة دور مشوش لعبته الفصائل الفلسطينية المعارضة في دمشق·
الا ان الاعتقاد الأرجح هو أن ثمة خلافاً أعمق من الأسباب المذكورة، خلاف يعود الى تباين جذري في حسابات الموقف لدى كل من الطرفين· فعندما أكد السوريون منذ البداية على ضرورة التحضير الجيد للقاء القمة فهم كانوا يعنون مايفكرون فيه باهتمام خاص·يريدون من عرفات موافقتهم على ضرورة اندراج المقاربات في الاطار العربي حيال الوضع الحالي تحت مبادئ ثابتة·بمعنى أن التحضير الجيد هو بالأساس تعبير دبلوماسي عن أربعة اشتراطات سورية على الجانب الفلسطيني· في مقدمة هذه الاشتراطات اقرار عملي بافلاس أوسلو وكل ماترتب عليها من سياسات في الماضي، ومايجري راهناً من محاولات انعاشها ببعض المقويات· وثانيها موقف من السلطة الوطنية داعم كلياً وعلنياً للانتفاضة الشعبية· اضافة الى الاشتراط الثالث وهو قبول السلطة الفلسطينية باعادة تفعيل الوحدة الوطنية على أساس المراجعة الكاملة واعادة النظر في أساليب العمل السياسي وفي المنهج التفاوضي القائم منذ عام ·1991 وأخيراً وليس آخراً العودة الى تنسيق المواقف العربية ضمن إطار واحد مشترك في عملية المفاوضات مع اسرئيل التي نجحت في تفكيك المسارات التفاوضية ولعبت على فصلها عن بعضها البعض منذ قبل الفلسطينيون السير المنفرد في أوسلو ·
وتعتقد سوريا أن اشتراطاتها السابقة هي أكثر ماتكون تعبيراً عن خلجات الشارع الفلسطيني ومواقفه خلال المرحلة الحالية بالذات، ومن ثم قال الرئيس السوري بشار الأسد نحن لانطلب من عرفات الاما يطلبه منه الشعب الفلسطيني ·
وإذا كان من غير المحتمل ان يرفض عرفات علنيا أي واحد من بنود المطلب السوري، فمن غير المحتمل أيضاً أن يقبل بأي منها· ان القاعدة هي ان أوسلو تمثل الاساس الذي أوجد السلطة الوطنية الفلسطينية واتفاقاتها ذاتها هي الاطار القانوني دولياً لشرعية كيان الحكم الذاتي ·
وكما أنه بحسابات معينة يعد التخلي عن السلطة مقابل الانخراط في رهانات شعبية هو مغامرة لاتتواءم مع تفكير ذوي الكراسي، ولو كان تاريخهم النضالي حياة حافلة طولاً وعرضاً، فإن السلطة الفلسطينية ماتزال بحاجة الى بعض الوقت كي تتأكد من النتائج النهائية لاتفاقات أبرمت بعيداً عن الاطار العربي، وربما حتى ليس على قاعدة الاجماع الفلسطيني، مثل اتفاق أوسلو·
على الجانب الثاني فإنه يبقى من المستبعد أن تنعقد قمة بين عرفات والأسد طالماً ظلت دمشق تشترط موافقة فلسطينية على مواقف محددة قبل انعقاد اللقاء الذي يفترض أن يكون مصهراً لتوليد تلك المواقف والموافقات وليس مشروطاً بها·
والظاهر أنه بقدر ما تحولت عقدة القرار الوطني الفلسطيني المستقل الى مصدر لسياسات معيبة أحياناً، تحولت أيضاً عادة الوصاية العربية على القرار الفلسطيني الى نوع من الفوقية التي كثيرا ما تجاوزت حدود القدرة على التحمل لدى الفلسطينيين، وهم الذين تعودوا اهانات الاحتلال اكثر من نصف قرن·
وعلاوة على ذلك سيقف بين عرفات وبين الدنو من ابواب دمشق، تراث يصل إلى عشرين عاماً من الخلافات السياسية بينه وبين الرئيس الراحل حافظ الاسد· من حرب المخيمات الى الخروج الفلسطيني من بيروت عام ،1982 الى اوسلو التي عارضها الاسد بشدة لا تقل عن رفضه سنوات طويلة مبدأ حصر التمثيل الفلسطيني وشرعيته السياسية من خلال المنظمة التي يقودها عرفات، ولو انها اليوم تتصدر الانتفاضة في خط يقر بها الى دمشق، لكن هل يقرب ذلك في المسافة السياسية بين عرفات وبين مواقف دمشق؟ (عن "البيان" الاماراتية)
&
التعليقات