&
&
&
كتب سامي كليب : يثار جدل غريب منذ أيام في فرنسا العلمانية، فالبلد الذي فصل الدين عن الدولة منذ العام 1905 يجد نفسه متجاذبا بين رئيس وزراء بروتستانتي الطائفة مضطر لإثبات تعلقه بالدين، وبين اغلبية فرنسية كاثوليكية لم تنتخب سوى مرة واحدة في تاريخها الحديث رئيس الجمهورية بروتستانتيا. فهل يكون الدين عائقا امام وصول ليونيل جوسبان الى قصر الاليزيه؟
السؤال بحد ذاته كان يثير الضحك حتى نهاية السبعينات، فالشعب الفرنسي الذي تفنن في نبذ الكنيسة والديانات اجمع، وغرق طويلا في بوهيمية اجتماعية إلحادية مع كل ما تخللها من تحرر جنسي وثورة طلابية (1968) رائدة ومعدية، بدأ يشهد تغييرات لافتة في علاقته بالدين والله منذ مطلع الثمانينيات ربما كردة فعل على انتشار التيارات الاسلامية (وبينها قيام الثورة الايرانية) او بسبب العلاقة المعقدة مع الاجانب المسلمين على ارضه (5 ملايين تقريبا ويشكلون الديانة الثانية في البلاد)، او بكل بساطة بسبب انهيار الشيوعية واهتزاز أفكار اليسار وكل ما نشرته من دعوات لاعتبار <<الدين افيون الشعب>>، والدين في اوقات الحروب هو احد اهم الملاجئ كما يقال.
قبل يومين اضطر جوسبان للقول في حديث لصحيفة <<لاكروا>> الفرنسية اني علماني ولكني في الوقت نفسه ذو تأثر خاص بالدين>>، وشرح رئيس الوزراء مطولا علاقة اهله (امه كانت ممرضة توليد) بالكنيسة لا بل ايضا وعلاقة زوجته (الثانية) بالدين. وجوسبان نفسه كان قبل حوالى الشهرين قد اضطر لتبرير انتمائه السابق الى التيار التروتسكي بعد ان فشل في لصق تلك <<التهمة التروتسكية>> بشقيقه.
هذه التبريرات الجوسبانية تنطلق من هاجس واحد وهو الاستحقاق الرئاسي، فالانتخابات باتت على الابواب (حوالى 6 اشهر) ورئيس الوزراء، الذي جاء الى الحكومة من الامانة العامة للحزب الاشتراكي، قلق من ان تكون <<بروتستانتيته>> عائقا امام وصوله الى قصر الاليزيه المعتاد على الرؤساء الكاثوليك، ففرنسا لم تعرف في تاريخها الحديث إلا رئيسا بروتستانتىا واحدا هو غاستون دوميرغ (1924 1931)، ويقال ان رئيس الوزراء السابق والامين العام السابق للحزب الاشتراكي مىشال روكار كانا غالبا ما يشكوان من هذا الرفض الكاثوليكي الدفين لوصوله هو البروتستانتي الآخر الى الرئاسة رغم ان جاك شيراك نفسه يعترف بفضل روكار على ثقافته السياسية (حتى ولو ان روكار فشل في جذب شيراك طويلا الى اليسار).
وهذا ليس التبرير <<الديني>> الاول لجوسبان، فهو اضطر في السابق ايضا للرد على ما ورد في كتاب وضعه رئيس الوزراء اليميني السابق الان جوبيه والصحافي اليساري سيرج جولي حيث كان جوبيه (الرفيق الوفي لشيراك) عاب على الزعيم الاشتراكي معاداته للدين ورفضه ادراج <<التراث الديني>> لفرنسا في الشرعة الاوروبية للقوانين الاساسية التي وضعت قبل عام كامل تقريبا. ثم اضطر لتكذيب ما نقل عنه من انه يرفض ان تكون صورة الفاتيكان على الجانب الآخر من اليورو في عاصمة الكثلكة (حيث ان اليورو يترك لكل دولة حرية وضع ما تشاء على الجهة الثانية منه).
والواقع ان قلق جوسبان مبرر، ففرنسا التي يبلغ عدد سكانها حوالى 61 مليون نسمة تضم فقط 800 الف بروتستانتي رغم ان نسبة البروتستانتية في اوروبا تصل الى 30 في المئة، ولا يوجد في كل فرنسا اكثر من 400 كنيسة بروتستانتية و500 راهب بينهم 80 امرأة.
ويعود دخول البروتستانتية الى فرنسا الى عام 1598 مع لوثر وزوينغلي متزامنا مع مناخ الحريات الفكرية في عصر النهضة، وهي تعمقت مع جان كالفان قبل ان تغرق فرنسا بحرب الطائفتين عام 1562 والتي وصلت الى وقوع المجزرة الشهيرة المعروفة باسم مجزرة <<سان بارتيليمي>> 1572. وبعد فترة من الحريات النسبية للطائفة عاد البروتستانت ليعيشوا ابتداء من عام 1785 اسوأ فترات حياتهم فمُنعوا من ممارسة صلواتهم وجُرفت اماكن عبادتهم وسُجن او عُذب رهبانهم واضطر حوالى 200 الف منهم للهرب باتجاه دول اوروبية مجاورة. ولم يستعيدوا حريتهم إلا مع الثورة الشهيرة عام 1789.
واذا كان البروتستانت قبلوا عام 1905 تماما كمواطنيهم الكاثوليك مبدأ فصل الدين عن الدولة، إلا ان الفرنسيين الذين دغدغتهم افكار الالحاد مرارا عبر التاريخ الحديث والذين لم يصلوا بعد الى مستوى الاميركيين في ايلاء اهمية كبرى للدين في حياتهم السياسية، قد يفضلون اليوم مشاهدة شيراك مرافقا الى الكنيسة زوجته السيدة برناديت (التي تضع على رأسها الغطاء المسيحي اثناء القداس)، على جوسبان الذي سيضطر لتبريرات مسيحية كثيرة على ما يبدو قبل الانتخابات. الا اذا اقسم لهم على الانجيل انه ليس معاديا للكنيسة، وفي ذلك طبعا خطر إبعاد بقايا الملحدين عنه. (السفير اللبنانية)
السؤال بحد ذاته كان يثير الضحك حتى نهاية السبعينات، فالشعب الفرنسي الذي تفنن في نبذ الكنيسة والديانات اجمع، وغرق طويلا في بوهيمية اجتماعية إلحادية مع كل ما تخللها من تحرر جنسي وثورة طلابية (1968) رائدة ومعدية، بدأ يشهد تغييرات لافتة في علاقته بالدين والله منذ مطلع الثمانينيات ربما كردة فعل على انتشار التيارات الاسلامية (وبينها قيام الثورة الايرانية) او بسبب العلاقة المعقدة مع الاجانب المسلمين على ارضه (5 ملايين تقريبا ويشكلون الديانة الثانية في البلاد)، او بكل بساطة بسبب انهيار الشيوعية واهتزاز أفكار اليسار وكل ما نشرته من دعوات لاعتبار <<الدين افيون الشعب>>، والدين في اوقات الحروب هو احد اهم الملاجئ كما يقال.
قبل يومين اضطر جوسبان للقول في حديث لصحيفة <<لاكروا>> الفرنسية اني علماني ولكني في الوقت نفسه ذو تأثر خاص بالدين>>، وشرح رئيس الوزراء مطولا علاقة اهله (امه كانت ممرضة توليد) بالكنيسة لا بل ايضا وعلاقة زوجته (الثانية) بالدين. وجوسبان نفسه كان قبل حوالى الشهرين قد اضطر لتبرير انتمائه السابق الى التيار التروتسكي بعد ان فشل في لصق تلك <<التهمة التروتسكية>> بشقيقه.
هذه التبريرات الجوسبانية تنطلق من هاجس واحد وهو الاستحقاق الرئاسي، فالانتخابات باتت على الابواب (حوالى 6 اشهر) ورئيس الوزراء، الذي جاء الى الحكومة من الامانة العامة للحزب الاشتراكي، قلق من ان تكون <<بروتستانتيته>> عائقا امام وصوله الى قصر الاليزيه المعتاد على الرؤساء الكاثوليك، ففرنسا لم تعرف في تاريخها الحديث إلا رئيسا بروتستانتىا واحدا هو غاستون دوميرغ (1924 1931)، ويقال ان رئيس الوزراء السابق والامين العام السابق للحزب الاشتراكي مىشال روكار كانا غالبا ما يشكوان من هذا الرفض الكاثوليكي الدفين لوصوله هو البروتستانتي الآخر الى الرئاسة رغم ان جاك شيراك نفسه يعترف بفضل روكار على ثقافته السياسية (حتى ولو ان روكار فشل في جذب شيراك طويلا الى اليسار).
وهذا ليس التبرير <<الديني>> الاول لجوسبان، فهو اضطر في السابق ايضا للرد على ما ورد في كتاب وضعه رئيس الوزراء اليميني السابق الان جوبيه والصحافي اليساري سيرج جولي حيث كان جوبيه (الرفيق الوفي لشيراك) عاب على الزعيم الاشتراكي معاداته للدين ورفضه ادراج <<التراث الديني>> لفرنسا في الشرعة الاوروبية للقوانين الاساسية التي وضعت قبل عام كامل تقريبا. ثم اضطر لتكذيب ما نقل عنه من انه يرفض ان تكون صورة الفاتيكان على الجانب الآخر من اليورو في عاصمة الكثلكة (حيث ان اليورو يترك لكل دولة حرية وضع ما تشاء على الجهة الثانية منه).
والواقع ان قلق جوسبان مبرر، ففرنسا التي يبلغ عدد سكانها حوالى 61 مليون نسمة تضم فقط 800 الف بروتستانتي رغم ان نسبة البروتستانتية في اوروبا تصل الى 30 في المئة، ولا يوجد في كل فرنسا اكثر من 400 كنيسة بروتستانتية و500 راهب بينهم 80 امرأة.
ويعود دخول البروتستانتية الى فرنسا الى عام 1598 مع لوثر وزوينغلي متزامنا مع مناخ الحريات الفكرية في عصر النهضة، وهي تعمقت مع جان كالفان قبل ان تغرق فرنسا بحرب الطائفتين عام 1562 والتي وصلت الى وقوع المجزرة الشهيرة المعروفة باسم مجزرة <<سان بارتيليمي>> 1572. وبعد فترة من الحريات النسبية للطائفة عاد البروتستانت ليعيشوا ابتداء من عام 1785 اسوأ فترات حياتهم فمُنعوا من ممارسة صلواتهم وجُرفت اماكن عبادتهم وسُجن او عُذب رهبانهم واضطر حوالى 200 الف منهم للهرب باتجاه دول اوروبية مجاورة. ولم يستعيدوا حريتهم إلا مع الثورة الشهيرة عام 1789.
واذا كان البروتستانت قبلوا عام 1905 تماما كمواطنيهم الكاثوليك مبدأ فصل الدين عن الدولة، إلا ان الفرنسيين الذين دغدغتهم افكار الالحاد مرارا عبر التاريخ الحديث والذين لم يصلوا بعد الى مستوى الاميركيين في ايلاء اهمية كبرى للدين في حياتهم السياسية، قد يفضلون اليوم مشاهدة شيراك مرافقا الى الكنيسة زوجته السيدة برناديت (التي تضع على رأسها الغطاء المسيحي اثناء القداس)، على جوسبان الذي سيضطر لتبريرات مسيحية كثيرة على ما يبدو قبل الانتخابات. الا اذا اقسم لهم على الانجيل انه ليس معاديا للكنيسة، وفي ذلك طبعا خطر إبعاد بقايا الملحدين عنه. (السفير اللبنانية)
&
التعليقات