عزيزي الجنرال، تحياتي، لقد أجلسك القدر علي مقعد ساخن، في مرحلة حاسمة من صراع الشرق الأوسط، حيث يشتبك الفلسطينيون والاسرائيليون في حرب لا هوادة فيها. أنت رجل الساعة! إذا ما نجحت في مهمتك، فسيصفق لك العالم، وآنئذ، ستحتل مكانك في كتب التاريخ.
ولكن اذا ما فشلت، فسيضاف اسمك الي قائمة طويلة من المبعوثين الاميركيين، جلبت عدم قدرتهم علي ايجاد تسوية للصراع العربي - الاسرائيلي الموت والدمار الي العرب واليهود، والي اميركا ذاتها.
ولم يُيسر موقف حكومتك مهمتك، إن لم يجعلها مستحيلة: لقد وقف الرئيس جورج بوش، هذا الاسبوع، الي جانب ارييل شارون، وضد ياسر عرفات، فأراح الاسرائيليين، بعد موجة الهجمات الانتحارية، ولكنه اشعل غضب الفلسطينيين ويأسهم. لقد منح اسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها - ما معناه، واقعياً، اعطاء اسرائيل الضوء الأخضر للقيام بهجوم شامل علي السلطة الوطنية الفلسطينية التي يرأسها ياسر عرفات - ولكنه لم يأت علي ذكر حقوق الفلسطينيين أو عذاباتهم!
ويحق للعرب ان يستنتجوا ان التصريحات التي أدلي بها الرئيس بوش، ووزير خارجيته كولن باول الاسبوع الماضي، عن ضرورة اقامة الدولة الفلسطينية هي تصريحات منافقة وانتهازية ، غايتها حشد العرب وراء الولايات المتحدة في حربها ضد الارهاب . اما اليوم، وقد لاح النصر في افغانستان، عادت الولايات المتحدة والتصقت بموقفها التقليدي المؤيد لاسرائيل. ان غلاة المحافظين، وقد بدأ رصيدهم يرتفع في الادارة الاميركية الحالية، يعتبرون شارون كأنه واحد منهم، وفي الوقت ذاته، همش المسؤولون الأكثر اعتدالاً في وزارة الخارجية الاميركية.
ان انحياز الولايات المتحدة الفاقع الي جانب اسرائيل لن يساهم في تحقيق السلام، كما انه لن يساعد اسرائيل علي اتخاذ خياراتها الصعبة، بل وسيعرض الولايات المتحدة ذاتها ومواطنيها الي المزيد من هجمات العرب والمسلمين الغاضبين الثائرين.
هل أنت قادر، وأنت في المنطقة الآن، ان تعيد شيئاً من التوازن الي سياسة بلادك، وان تنتزع لها صدقية لدي الرأي العام العربي؟. اذا تعذر عليك ان تفعل هذا، فقد يكون من الأحسن ان تتنحي عن مهمتك فوراً، وأقدّر انه في هذه اللحظة التي تُطبع فيها رسالتي اليك، قد يتم استدعاؤك من جانب حكومتك، ويعلن فشل الوساطة الاميركية. وسيكون، في وسع شارون ان يفسر السلوك الجديد هذا علي انه دعوة لاستخدام المزيد من العنف.
هناك اقتراحان يلخصان الموقف الراهن، سيعترض عليهما الكثير، من دون أي شك، ولكن المنصفين سيجدون انهما يمثلان البداهة:
1- الارهاب الفلسطيني هو ردة فعل علي الاحتلال الاسرائيلي. واذا ما وُضع حدٌ لهذا الاحتلال، فسيزول الارهاب.
2- ان الارهاب الاسلامي ضد الولايات المتحدة - تماماً كما حدث في 11 ايلول (سبتمبر) - هو، الي حد كبير، ان لم يكن حصراً، ردة فعل علي تأييد الولايات المتحدة المتميز لاسرائيل. ان معالجة اميركية عادلة للصراع في الشرق الأوسط، تقوم علي الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، كما تعترف بالمستلزمات الأمنية الاسرائيلية، وبشكل أفضل، إقدام الولايات المتحدة علي هندسة تسوية سلمية مباشرة، من شأنه ان يضع حداً لهذه الكراهية التي يكنّها العرب والمسلمون للولايات المتحدة.
أنت جنرال سابق في سلاح البحرية، ومعروف بقوة تفكيرك وصراحتك لقد وصفت، في محاضرة القيتها في كلية هيئة أركان القوات الاميركية المشتركة في ايار (مايو) الماضي الفوضي العالمية الجديدة التي تواجهها اليوم، وقد تنبأت، في محاضرتك تلك ان الدول المتداعية والمنهارة قد تصلح لأن تكون ملاذاً، تلجأ اليه الجماعات المتطرفة، لاستخدامها قواعد للتخطيط أو التدريب علي اعداد ضربات موجعة ضد الولايات المتحدة ، وقد ابديت أسفك، وتذمرت من فقدان التحليل الاستراتيجي الجدي في مواجهة التهديدات الجديدة التي قد تتعرض لها الولايات المتحدة، وقد وصلت في محاضرتك الي الاستنتاج التالي: لم تكن الحاجة الي صياغة استراتيجية قومية شاملة بأكثر إلحاحاً في تاريخ بلادنا، مثلها الآن، استراتيجية تعبر عن مصالحنا وأهدافنا وأولوياتنا وتوزع ثروتنا .
كنت، أنئذٍ، تتحدث عن الاحتياجات العسكرية الاميركية اما اليوم، فأنت امام ما هو أوسع من هذه الاحتياجات بكثير: ان الولايات المتحدة بحاجة الي استراتيجية شاملة للشرق الأوسط. لكنها تفتقر الي مثل هذه الاستراتيجية، بكل صراحة، وأنت، من موقعك الذي تحتله الآن، قادر علي صياغة هذه الاستراتيجية.
ولكن اذا ما فشلت، فسيضاف اسمك الي قائمة طويلة من المبعوثين الاميركيين، جلبت عدم قدرتهم علي ايجاد تسوية للصراع العربي - الاسرائيلي الموت والدمار الي العرب واليهود، والي اميركا ذاتها.
ولم يُيسر موقف حكومتك مهمتك، إن لم يجعلها مستحيلة: لقد وقف الرئيس جورج بوش، هذا الاسبوع، الي جانب ارييل شارون، وضد ياسر عرفات، فأراح الاسرائيليين، بعد موجة الهجمات الانتحارية، ولكنه اشعل غضب الفلسطينيين ويأسهم. لقد منح اسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها - ما معناه، واقعياً، اعطاء اسرائيل الضوء الأخضر للقيام بهجوم شامل علي السلطة الوطنية الفلسطينية التي يرأسها ياسر عرفات - ولكنه لم يأت علي ذكر حقوق الفلسطينيين أو عذاباتهم!
ويحق للعرب ان يستنتجوا ان التصريحات التي أدلي بها الرئيس بوش، ووزير خارجيته كولن باول الاسبوع الماضي، عن ضرورة اقامة الدولة الفلسطينية هي تصريحات منافقة وانتهازية ، غايتها حشد العرب وراء الولايات المتحدة في حربها ضد الارهاب . اما اليوم، وقد لاح النصر في افغانستان، عادت الولايات المتحدة والتصقت بموقفها التقليدي المؤيد لاسرائيل. ان غلاة المحافظين، وقد بدأ رصيدهم يرتفع في الادارة الاميركية الحالية، يعتبرون شارون كأنه واحد منهم، وفي الوقت ذاته، همش المسؤولون الأكثر اعتدالاً في وزارة الخارجية الاميركية.
ان انحياز الولايات المتحدة الفاقع الي جانب اسرائيل لن يساهم في تحقيق السلام، كما انه لن يساعد اسرائيل علي اتخاذ خياراتها الصعبة، بل وسيعرض الولايات المتحدة ذاتها ومواطنيها الي المزيد من هجمات العرب والمسلمين الغاضبين الثائرين.
هل أنت قادر، وأنت في المنطقة الآن، ان تعيد شيئاً من التوازن الي سياسة بلادك، وان تنتزع لها صدقية لدي الرأي العام العربي؟. اذا تعذر عليك ان تفعل هذا، فقد يكون من الأحسن ان تتنحي عن مهمتك فوراً، وأقدّر انه في هذه اللحظة التي تُطبع فيها رسالتي اليك، قد يتم استدعاؤك من جانب حكومتك، ويعلن فشل الوساطة الاميركية. وسيكون، في وسع شارون ان يفسر السلوك الجديد هذا علي انه دعوة لاستخدام المزيد من العنف.
هناك اقتراحان يلخصان الموقف الراهن، سيعترض عليهما الكثير، من دون أي شك، ولكن المنصفين سيجدون انهما يمثلان البداهة:
1- الارهاب الفلسطيني هو ردة فعل علي الاحتلال الاسرائيلي. واذا ما وُضع حدٌ لهذا الاحتلال، فسيزول الارهاب.
2- ان الارهاب الاسلامي ضد الولايات المتحدة - تماماً كما حدث في 11 ايلول (سبتمبر) - هو، الي حد كبير، ان لم يكن حصراً، ردة فعل علي تأييد الولايات المتحدة المتميز لاسرائيل. ان معالجة اميركية عادلة للصراع في الشرق الأوسط، تقوم علي الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، كما تعترف بالمستلزمات الأمنية الاسرائيلية، وبشكل أفضل، إقدام الولايات المتحدة علي هندسة تسوية سلمية مباشرة، من شأنه ان يضع حداً لهذه الكراهية التي يكنّها العرب والمسلمون للولايات المتحدة.
أنت جنرال سابق في سلاح البحرية، ومعروف بقوة تفكيرك وصراحتك لقد وصفت، في محاضرة القيتها في كلية هيئة أركان القوات الاميركية المشتركة في ايار (مايو) الماضي الفوضي العالمية الجديدة التي تواجهها اليوم، وقد تنبأت، في محاضرتك تلك ان الدول المتداعية والمنهارة قد تصلح لأن تكون ملاذاً، تلجأ اليه الجماعات المتطرفة، لاستخدامها قواعد للتخطيط أو التدريب علي اعداد ضربات موجعة ضد الولايات المتحدة ، وقد ابديت أسفك، وتذمرت من فقدان التحليل الاستراتيجي الجدي في مواجهة التهديدات الجديدة التي قد تتعرض لها الولايات المتحدة، وقد وصلت في محاضرتك الي الاستنتاج التالي: لم تكن الحاجة الي صياغة استراتيجية قومية شاملة بأكثر إلحاحاً في تاريخ بلادنا، مثلها الآن، استراتيجية تعبر عن مصالحنا وأهدافنا وأولوياتنا وتوزع ثروتنا .
كنت، أنئذٍ، تتحدث عن الاحتياجات العسكرية الاميركية اما اليوم، فأنت امام ما هو أوسع من هذه الاحتياجات بكثير: ان الولايات المتحدة بحاجة الي استراتيجية شاملة للشرق الأوسط. لكنها تفتقر الي مثل هذه الاستراتيجية، بكل صراحة، وأنت، من موقعك الذي تحتله الآن، قادر علي صياغة هذه الاستراتيجية.
ماذا يريد العالم منك
اسمح لي أن أرفع اليك الآراء التالية، وهي في قناعتي، تعكس الاجماع الدولي:
- يناضل الفلسطينيون لإقامة دولة مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، عاصمتها القدس الشرقية، وتعيش في سلام، الي جانب اسرائيل. انهم لا يسعون الي إفقاد اسرائيل شرعيتها، ولا يهددون وجودها. ان الجماعات المتطرفة، مثل حماس ، لا تزداد شعبية الآن إلا لأن اسرائيل ترفض حتي الآن انهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية.
- تتعذر تسوية الصراع العربي - الاسرائيلي بالقوة. فاسرائيل لن تستسلم لمفجري القنابل الاستشهاديين، كما لن يستسلم الفلسطينيون تحت وطأة الضربات العسكرية الاسرائيلية. ان سياسات شارون القمعية القائمة علي الذراع العسكرية الطويةل - الاغتيالات المنتقاة، محاصرة المدن والقري، التوغل المسلح في الأراضي، القتل العشوائي، نسف البيوت والمزارع، والآن اللجوء الي الهجوم العسكري الشامل. هذه كلها لن تحطم ارادة الفلسطينيين، بل هي علي العكس تماماً ستحيل مقاومتهم اكثر عناداً وعنفاً!
- لا بد من التنحي عن العنف لكسر الحلقة المفرغة عند الطرفين - لا الاقتصار علي طرف واحد - واذا مورست الضغوط علي ياسر عرفات للقبض علي الناشطين، فلا بد من ممارسة الضغوط ذاتها علي شارون وجيشه ليكونا اكثر انضباطاً وانصياعاً.
ولن يستطيع عرفات، ولا أي وريث آخر يأتي بعده، ان يُنهي الانتفاضة من دون الحصول علي مردود سياسي واضح. لقد قدم الفلسطينيون الكثير من الضحايا بين قتلي وجرحي، وجري تدمير الكثير من ممتلكاتهم وأراضيهم، بحيث بات متعذراً علي الانتفاضة ان تتلاشي من دون الحصول علي مكسب سياسي.
- ان التقويم الزمني الذي يتقدم به شارون عن السلام لا يتفق مع مفهوم السلام الذي يُطالب به المجتمع الدولي. انه يطالب بأن يُصفي عرفات الارهابيين ولكنه يدمر في الوقت ذاته الوسائط التي يحتاج اليها عرفات لتنفيذ هذا الأمر. وهكذا تكتيك معروف، فطالما اعتمد عليه اليمين الاسرائيلي! والحقيقة ان شارون لا يريد المفاوضات، لأنها لا بد من ان تفضي الي التخلي عن بعض المناطق. هدفه هو ان تزداد الحركات الفلسطينية تطرفاً وتصفية اي مسؤول فلسطيني علي استعداد للتفاوض. ومن هنا هذا الإصرار علي تصفية ياسر عرفات شخصياً. وفي أثناء ذلك يسعي شارون الي تأجيج الحرب الأهلية الفلسطينية، واذا ما نجح في تحقيق غرضه، ستكون سعادته بلا ثمن وسيكون قد حصل علي مكافأة اضافية. كان جيمس بيكر، وزير خارجية اميركا الأسبق، يحض الاسرائيليين دوماً علي التخلي عن فكرة اسرائيل الكبري التي لا يمكن تحقيقها.
عزيزي الجنرال: اذا أردت ان تنجح في مهمتك، فينبغي ان تكون هذه هي رسالتك: التخلي عن اسرائيل الكبري! .
ان المهمة التي كلفت بها تتطلب إرادة سياسية وعضلات سياسية ايضاً. عليك قبل كل شيء، ان تخصص فضاء خاصاً بك ، يتيح لك حرية الحركة، وحينئذ تستطيع ان تحدد مهمتك بذاتك.
إنس كل شيء حول تنفيذ تقرير ميتشل، واقتراحات تينيت، إنها لن تمضي بك بعيداً، ولهذا كان مصيرها الفشل. ثم ان الحصول علي وقف لإطلاق النار غير كاف وحده. عليك ان تتقدم بخطة سياسية، وعليك ان تسعي الي انجاحها، مهما كانت العقبات والصعاب. عليك ان تضرب الطاولة بقبضتك وان تقارع الرؤوس الصغيرة، وعليك ان تقف في وجه الصقور في اسرائيل، وفي واشنطن، وعليك ان تُعلن بكل وضوح انك تعرف ماذا تفعل.
من الواضح ان الفلسطينيين والاسرائيليين لا يمكن ان يتوصلوا الي سلام بمفردهم. هم بحاجة الي مساعدة خارجية. ولأنهم منهكون من طول مدة الصراع، فهناك، علي الأرجح، اكثرية منهم سترحب من دون شك بـ سلام مفرو ض عليهم من جانب المجتمع الدولي. وقد بدأ فعلاً، بعض زعماء حزب العمل الاسرائيلي، مثل شلومو بن عامي، وزير الخارجية الأسبق، يدعون الي القبول بهذا الحل، بل ان حزب العمل علي وشك مغادرة حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها شارون.
لقد اقترب المفاوضون الفلسطينيون والاسرائيليون، في طابا في كانون الثاني (يناير) من عام 2001 من التوصل الي اتفاق. ويمكن تحقيق التقدم ذاته، الآن، بالرجوع الي البنود ذاتها التي قبل بها الطرفان، مع اجراء تعديلات طفيفة، ولكن المهم ان تكون النيات حسنة وطيبة.
وهنا لا بد من ان يفهم الاسرائيليون ان السلام، واقامة علاقات حسن جوار مع الفلسطينيين هي الضمانة الوحيدة للسلام الدائم والطويل الأمد. أما القيام بغارات جوية بطائرات أف 16 والحوامات ومقاتلات أباتشي لن تولد الا عمليات استشهادية جديدة، قد تكون اعنف وأقوي.
ولا بد من ان يفهم ياسر عرفات ايضاً ان الغصة التي يولدها مبدأ حق العودة للفلسطينيين لدي الاسرائيليين، حتي لدي اليساريين منهم - اذ يرون فيه تهديداً لوجود اسرائيل بالذات - لا بد من ان تؤخذ بعين الاعتبار. علي عرفات ان يعرف أن هذا الحق إذا ما منح وأقرّ للفلسطينيين، فينبغي ان يجري تطبيقه بشكل رمزي، كما تم الاتفاق عليه في طابا. ومن هنا، يتوجب علي الاسرائيليين ان يتخلوا عن مخاوفهم حول هذا الموضوع.
يحتاج الطرفان الي حوافز لتغيير موقفهما وسلوكهما. الناخب الاسرائيلي الذي افقده الخوف والحقد اتزانه انزلق نحو اليمين، وهو بحاجة الي حوافز للعودة الي الوسط واستعادة ايمانه بالسلام، وحزب العمل الاسرائيلي بحاجة هو الآخر، الي حوافز ايضاً للخروج من ائتلاف الوحدة الوطنية الحاكم ولإسقاط شارون، وللدعوة الي السلام في انتخابات جديدة. ثم ان ياسر عرفات بحاجة ايضاً الي حوافز سياسية لايقاف الاعمال الاستشهادية ولإقناع أبطالها بعدم لزومها. ثم ان الولايات المتحدة لا يجوز لها ان تخلط بين الحرب علي الارهاب، ونضال الشعب الفلسطيني المشروع من أجل الاستقلال والحرية.
هكذا ينبغي ان تكون خريطة سيرك. لا تستسلم، ولا تيأس. ومردود النجاح سيكون كبيراً جداً.
اسمح لي أن أرفع اليك الآراء التالية، وهي في قناعتي، تعكس الاجماع الدولي:
- يناضل الفلسطينيون لإقامة دولة مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، عاصمتها القدس الشرقية، وتعيش في سلام، الي جانب اسرائيل. انهم لا يسعون الي إفقاد اسرائيل شرعيتها، ولا يهددون وجودها. ان الجماعات المتطرفة، مثل حماس ، لا تزداد شعبية الآن إلا لأن اسرائيل ترفض حتي الآن انهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية.
- تتعذر تسوية الصراع العربي - الاسرائيلي بالقوة. فاسرائيل لن تستسلم لمفجري القنابل الاستشهاديين، كما لن يستسلم الفلسطينيون تحت وطأة الضربات العسكرية الاسرائيلية. ان سياسات شارون القمعية القائمة علي الذراع العسكرية الطويةل - الاغتيالات المنتقاة، محاصرة المدن والقري، التوغل المسلح في الأراضي، القتل العشوائي، نسف البيوت والمزارع، والآن اللجوء الي الهجوم العسكري الشامل. هذه كلها لن تحطم ارادة الفلسطينيين، بل هي علي العكس تماماً ستحيل مقاومتهم اكثر عناداً وعنفاً!
- لا بد من التنحي عن العنف لكسر الحلقة المفرغة عند الطرفين - لا الاقتصار علي طرف واحد - واذا مورست الضغوط علي ياسر عرفات للقبض علي الناشطين، فلا بد من ممارسة الضغوط ذاتها علي شارون وجيشه ليكونا اكثر انضباطاً وانصياعاً.
ولن يستطيع عرفات، ولا أي وريث آخر يأتي بعده، ان يُنهي الانتفاضة من دون الحصول علي مردود سياسي واضح. لقد قدم الفلسطينيون الكثير من الضحايا بين قتلي وجرحي، وجري تدمير الكثير من ممتلكاتهم وأراضيهم، بحيث بات متعذراً علي الانتفاضة ان تتلاشي من دون الحصول علي مكسب سياسي.
- ان التقويم الزمني الذي يتقدم به شارون عن السلام لا يتفق مع مفهوم السلام الذي يُطالب به المجتمع الدولي. انه يطالب بأن يُصفي عرفات الارهابيين ولكنه يدمر في الوقت ذاته الوسائط التي يحتاج اليها عرفات لتنفيذ هذا الأمر. وهكذا تكتيك معروف، فطالما اعتمد عليه اليمين الاسرائيلي! والحقيقة ان شارون لا يريد المفاوضات، لأنها لا بد من ان تفضي الي التخلي عن بعض المناطق. هدفه هو ان تزداد الحركات الفلسطينية تطرفاً وتصفية اي مسؤول فلسطيني علي استعداد للتفاوض. ومن هنا هذا الإصرار علي تصفية ياسر عرفات شخصياً. وفي أثناء ذلك يسعي شارون الي تأجيج الحرب الأهلية الفلسطينية، واذا ما نجح في تحقيق غرضه، ستكون سعادته بلا ثمن وسيكون قد حصل علي مكافأة اضافية. كان جيمس بيكر، وزير خارجية اميركا الأسبق، يحض الاسرائيليين دوماً علي التخلي عن فكرة اسرائيل الكبري التي لا يمكن تحقيقها.
عزيزي الجنرال: اذا أردت ان تنجح في مهمتك، فينبغي ان تكون هذه هي رسالتك: التخلي عن اسرائيل الكبري! .
ان المهمة التي كلفت بها تتطلب إرادة سياسية وعضلات سياسية ايضاً. عليك قبل كل شيء، ان تخصص فضاء خاصاً بك ، يتيح لك حرية الحركة، وحينئذ تستطيع ان تحدد مهمتك بذاتك.
إنس كل شيء حول تنفيذ تقرير ميتشل، واقتراحات تينيت، إنها لن تمضي بك بعيداً، ولهذا كان مصيرها الفشل. ثم ان الحصول علي وقف لإطلاق النار غير كاف وحده. عليك ان تتقدم بخطة سياسية، وعليك ان تسعي الي انجاحها، مهما كانت العقبات والصعاب. عليك ان تضرب الطاولة بقبضتك وان تقارع الرؤوس الصغيرة، وعليك ان تقف في وجه الصقور في اسرائيل، وفي واشنطن، وعليك ان تُعلن بكل وضوح انك تعرف ماذا تفعل.
من الواضح ان الفلسطينيين والاسرائيليين لا يمكن ان يتوصلوا الي سلام بمفردهم. هم بحاجة الي مساعدة خارجية. ولأنهم منهكون من طول مدة الصراع، فهناك، علي الأرجح، اكثرية منهم سترحب من دون شك بـ سلام مفرو ض عليهم من جانب المجتمع الدولي. وقد بدأ فعلاً، بعض زعماء حزب العمل الاسرائيلي، مثل شلومو بن عامي، وزير الخارجية الأسبق، يدعون الي القبول بهذا الحل، بل ان حزب العمل علي وشك مغادرة حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها شارون.
لقد اقترب المفاوضون الفلسطينيون والاسرائيليون، في طابا في كانون الثاني (يناير) من عام 2001 من التوصل الي اتفاق. ويمكن تحقيق التقدم ذاته، الآن، بالرجوع الي البنود ذاتها التي قبل بها الطرفان، مع اجراء تعديلات طفيفة، ولكن المهم ان تكون النيات حسنة وطيبة.
وهنا لا بد من ان يفهم الاسرائيليون ان السلام، واقامة علاقات حسن جوار مع الفلسطينيين هي الضمانة الوحيدة للسلام الدائم والطويل الأمد. أما القيام بغارات جوية بطائرات أف 16 والحوامات ومقاتلات أباتشي لن تولد الا عمليات استشهادية جديدة، قد تكون اعنف وأقوي.
ولا بد من ان يفهم ياسر عرفات ايضاً ان الغصة التي يولدها مبدأ حق العودة للفلسطينيين لدي الاسرائيليين، حتي لدي اليساريين منهم - اذ يرون فيه تهديداً لوجود اسرائيل بالذات - لا بد من ان تؤخذ بعين الاعتبار. علي عرفات ان يعرف أن هذا الحق إذا ما منح وأقرّ للفلسطينيين، فينبغي ان يجري تطبيقه بشكل رمزي، كما تم الاتفاق عليه في طابا. ومن هنا، يتوجب علي الاسرائيليين ان يتخلوا عن مخاوفهم حول هذا الموضوع.
يحتاج الطرفان الي حوافز لتغيير موقفهما وسلوكهما. الناخب الاسرائيلي الذي افقده الخوف والحقد اتزانه انزلق نحو اليمين، وهو بحاجة الي حوافز للعودة الي الوسط واستعادة ايمانه بالسلام، وحزب العمل الاسرائيلي بحاجة هو الآخر، الي حوافز ايضاً للخروج من ائتلاف الوحدة الوطنية الحاكم ولإسقاط شارون، وللدعوة الي السلام في انتخابات جديدة. ثم ان ياسر عرفات بحاجة ايضاً الي حوافز سياسية لايقاف الاعمال الاستشهادية ولإقناع أبطالها بعدم لزومها. ثم ان الولايات المتحدة لا يجوز لها ان تخلط بين الحرب علي الارهاب، ونضال الشعب الفلسطيني المشروع من أجل الاستقلال والحرية.
هكذا ينبغي ان تكون خريطة سيرك. لا تستسلم، ولا تيأس. ومردود النجاح سيكون كبيراً جداً.
ہ كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط (الحياة اللندنية)
التعليقات