لندن: عمار الجندي-استبعد الخبير العسكري البريطاني نيل باتريك استهداف سورية والسودان في المرحلة الثانية من حرب الارهاب الراهنة. وسلط رئيس قسم الشرق الاوسط في "المعهد الملكي للخدمات المتحدة لشؤون الدفاع" (روسي)، الضوء على الاشارة "الغريبة" لسورية في الكلمة المهمة التي ألقاها رئيس هيئة اركان الجيش البريطاني الادميرال مايكل بويس في المعهد قبل ايام. وتوقع ان عملية محدودة قد تتم في اليمن اذا تأكدت الولايات المتحدة من وجود صلة بين تنظيم القاعدة والناشطين الاسلاميين هناك. ورجح الخبير البريطاني ان الصومال هو المرشح الاقوى للتعرض لضربة اميركية. واعتبر أن احتمال ضرب العراق لا يزال بعيداً وغير مؤكد.
* هل تعتقد أن سورية التي اشار اليها الادميرال مايكل بويس في كلمته الاخيرة مهددة فعلاً بضربة عسكرية أميركية بسبب موقفها من "حزب الله"، وهل سيحظى اجراء من هذا النوع بمباركة المؤسستين العسكرية والحكومية البريطانيتين؟
ـ لا اعتقد أن سورية مرشحة للتعرض الى عمل عسكري. ولقد ذكرها سير مايكل بويس فعلاً في الكلمة (التي ألقاها في "روسي")، واتسمت الاشارة اليها بشيء من الغرابة، فان أحداً لا يعرف على وجه الدقة سبب حشرها. ومعروف أن الولايات المتحدة عمدت، قبل الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) بوقت طويل، الى اعتبار سورية دولة راعية للارهاب شأنها شأن ليبيا وايران ودول أخرى شرق أوسطية، واعتبار حزب الله (منظمة ارهابية) وهو يعمل من لبنان الخاضع للسيطرة السورية، وليس من جديد في هذا المجال. وربما كان اهتمام الولايات المتحدة بالارهاب الدولي، سيدفعها الى القيام باجراء ما ضد الذراع الخارجية لحزب الله، التي شددت بريطانيا على تمييزها عن عملياته الداخلية في لبنان. بيد ان ذلك متعلق كما أعتقد بعملية جمع المعلومات الاستخباراتية والضغوط الدبلوماسية. ومن المؤكد أن الاعتقاد السائد يقول بان المسؤول عن الذراع الخارجية ليس في لبنان او سورية. وعدا ذلك هناك الخيارات أو الاحتمالات التي يمكن ان يتساءل عنها المرء اذا كانت الولايات المتحدة مهتمة بالقيام بعمل عسكري ضد مجموعات موجودة في سورية وتقوم بنشاطات مسلحة معارضة لاسرائيل، كالجهاد الاسلامي. لكني لا اعتقد أن الولايات المتحدة أو بريطانيا ترغب بضرب هذه المجموعات. وعمل كهذا لا ينسجم بالتأكيد مع الاولوية التي أعطتها الولايات المتحدة لمهاجمة المنظمات الارهابية ذات البعد العالمي. ولذلك أظن أن الحديث عن استهداف سورية المحتمل يبدو غير قابل للتفسير، ولا أرجح أنه يعني ان عملاً عسكرياً ضدها قد بات وشيكاً. والامر الوحيد الذي يخطر لي هو أن آراء حاولت شرح هجوم الخبر في السعودية الذي سبقه بعام، وأشارت الى وجود علاقات بين بن لادن ووادي البقاع وحزب الله على الاقل من حيث التدريب. الا ان هذا الحديث تردد قبل زمن طويل ولا أرى بأن هذا يمثل تفسيراً مقنعاً للقول ان سورية مرشحة للتعرض الى هجوم.
* وفي اي سياق ذكرها الادميرال بويس؟
ـ ليس بوسعي تقديم اجابة دقيقة لانني لا أذكر خطابه كلمة بكلمة. بيد انه أفرد الشطر الاكبر من الكلمة التي ألقاها لتقديم صورة شاملة للفروق بين الولايات المتحدة وبريطانيا في التشديد على (هذا الجانب أو ذاك من حرب الارهاب). وأعرب عن اهتمامه بالاثر الذي قد تُحدثه المرحلة الثانية المحتملة لنشاطات التحالف على الرأي العام في العالم العربي، وضرورة معالجة الاسباب العميقة المؤدية الى التذمر الذي يتمخض بدوره عنه الارهاب. وفي هذا السياق، يبدو من الغريب ان الادميرال بويس كان يفكر بأولئك الذين قد يُستهدفون لايوائهم الارهاب وذُكرت سورية.
* وماذا عن المرحلة التالية من الحرب، فقد انتهى نظام طالبان وتنظيم "القاعدة" قد شُل، فإلى أين تمضي حرب الارهاب بعد أفغانستان في رأيك؟
ـ تحتفظ الحكومة الاميركية بحق اتخاذ عمل عسكري جديد من نوع أو آخر في سياق معالجة البعد الدولي لتنظيم القاعدة. وبالتأكيد كان هناك قدر كبير من التكهنات الصحافية، بأن ذلك يمكن له أن يشتمل على أعمال في دول كالصومال والسودان واليمن. ومن المحتمل اغتيال أشخاص نجحوا في الفرار من افغانستان الى اي دولة أخرى شرط توفر المعلومات الاستخباراتية. وبوسع المرء أن يتخيل ان هؤلاء اذا تمكنوا من الفرار، سيحاولون الوصول الى دول بلا حكومات كالدولة الفاشلة في الصومال. وهناك أيضاً التهمة التي تنص على أن غياب السيطرة المركزية (على الوضع) قد تسبب في السماح لمجموعة اسلامية تعتبر جزءاً من تنظيم القاعدة بالنشاط في الصومال. ولذا يمكن التكهن باحتمال القيام بعمل عسكري (اميركي) هناك، بيد أن شكل عمل عسكري كهذا لا يزال غير واضح. وفي حالة الصومال، يمكن للولايات المتحدة اذا شاءت أن تقوم بهذا العمل من الجو بدرجة نسبية من الحصانة. أما بالنسبة لليمن، فاذا اعتقدت الولايات المتحدة أن ثمة ادلة كافية على وجود مجموعات اسلامية تنتمي الى تنظيم القاعدة أو أشخاص هربوا من أفغانستان، فربما أمكن تنفيذ عملية قوات خاصة ذات مستوى محدود يمكن ان تتم من دون أن يتضح ذلك للآخرين. وهذا العمل قد يتم بالتعاون مع الحكومة في صنعاء، وبالطبع من دون وجود اعلان رسمي عنه. هذه كلها احتمالات، ويصعب التحقق مما اذا كانت الولايات المتحدة تعتقد بأن في هذه الدول أشخاصا أو جماعات لهم صلات بالقاعدة. لكن أظن أنها اذا كانت مصممة على القيام باجراءات مناسبة حيال البعد الدولي للقاعدة، فان هذين البلدين هما أقوى المرشحين للتعرض لأعمال من هذا القبيل.
* والسودان الذي ورد ذكره في سياق ما اسميته تكهنات صحافية؟
ـ لقد ذُكر فعلاً، لكني أعتقد ان احتمال استهدافه أضعف من اي دولة أخرى ورد اسمها في التنبؤات الاعلامية تلك. فالخرطوم تعاونت بصورة فعالة منذ العام 1996 مع الولايات المتحدة لجهة (تبادل) المعلومات الاستخباراتية. وقد جرى الحديث عن معلومات عُرضت (من قبل السودان) لكن واشنطن لم تقبلها. أعتقد أن سجل السودان هو على الارجح جيد. والولايات المتحدة حريصة على الاشراف على عملية سلام جديدة في السودان، وقد أبدت معارضتها لما تبقى من العقوبات المفروضة على السودان.
* لا يزال العراق أيضا منذ مدة موضع تكهنات واسعة وصفته بانه الدولة الثانية التي ستستهدف بعد افغانستان، فهل ترجح ذلك؟
ـ فيما يخص الحملة ضد القاعدة، لا أعتقد أن الولايات المتحدة ستكون في موقع يسمح لها بتقديم أدلة على وجود صلات ملموسة مباشرة لهذه المنظمة مع العراق، مع أن موظفين أميركيين اعربوا عن قلقهم حيال اجتماعات عقدت في عدد من العواصم بين ممثلين عن الجانبين. لكن في ما يتعلق بالعراق فالتركيز في الوقت الحالي على محاولة بناء فهم جديد في المناخ السائد في الامم المتحدة في مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر. فهناك قرارات جديدة وتأييد للعقوبات، وأيضا الاشارة غير المباشرة لاستئناف التفتيش على السلاح، قد حظيت كلها بمباركة روسيا مما أدهش البعض خصوصاً انها قامت باستخدام حق النقض في الماضي لعرقلة محاولات لاصلاح نظام العقوبات. وهذا (التأييد الروسي) قد يدل على ان الولايات المتحدة ستتحلى ببعض الصبر قبل أن تدرس كيفية القيام بعمل عسكري ضد العراق، وربما كانت تأمل باستئناف التفتيش على الاسلحة بمساعدة الاعضاء الدائمين لمجلس الامن الدولي. وبعد ذلك بوسعها أن تفكر بالعمل العسكري الذي قد ترغب باتخاذه. هناك أصوات في الادارة الاميركية تحث على تأييد الولايات المتحدة لمحاولة الاطاحة بنظام بغداد، الا انني شخصياً اعتقد ان الرئيس بوش سيكون اكثر حذراً من تقديم الدعم لنشاط من هذا النوع. واذا امتنع العراق عن التعاون (والموافقة على استئناف التفتيش)، وأمر الرفض او الموافقة ليس واضحاً حتى الآن، ستكون هناك خيارات مفتوحة أمام الولايات المتحدة لضرب مواقع معينة يشتبه في أنها تضم اسلحة تدمير شامل أو معسكرات تدريب للارهابيين. (الشرق الأوسط اللندنية)
&