قبل نحو شهرين من الآن، ناقشت الحكومة السورية كيفية تأمين محصول القمح للموسم الحالي 2024، فضلاً عن تخوفها من مخاطر ارتفاع أسعاره عالمياً، وصعوبات النقل التي تواجهه، بالإضافة إلى العقوبات الدولية والاضطرابات التي تعاني منها المنطقة بصورة عامة.

إنتاج سوريا من القمح، الذي يُعدّ من المحاصيل الاستراتيجية الرئيسية، وصل متوسطه قبل اندلاع الحرب إلى نحو أربعة ملايين طن، وفي بعض السنوات قفزت كمية الإنتاج لتصل إلى حوالى خمسة ملايين طن، يُستهلك أكثر من نصفها داخلياً، وما يفيض عن الحاجة تلجأ الحكومة إلى تصديره.

والموسم الزراعي للعام الحالي، وكما يؤكد المهندس محمد حسان قطنا وزير الزراعة الذي تفقد محصول القمح في كل من حماة ومنطقة الغاب، يبشر بإنتاج وفير، إلا أنّ المشكلة تكمن في المنافسة القائمة بين الحكومة السورية، والإدارة الذاتية شمال شرقي البلاد على شراء القمح في محافظة الحسكة التي تنتج 70 بالمئة من القمح السوري.

المهندس حسين عرنوس رئيس مجلس الوزراء أكد بدوره وأمام مجلس الشعب الأسبوع الماضي أنَّ الكميات المستوردة من القمح بلغت نحو 674 ألف طن، أي ما قيمته 3000 مليار ليرة سورية، وهذه الكمية لا تقارن مع ما كانت سوريا تستورده سنوياً من القمح، والذي يصل إلى أكثر من مليونين ونصف المليون طن. وبحسب كميات الأمطار الغزيرة التي شهدتها المدن السورية، فإن الإنتاج المحلي من القمح قد يصل إلى مليوني طن في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية. أما المناطق التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية في محافظة الحسكة، فإن المتوقع هو إنتاج مليون ونصف المليون طن.

المعروف أن الحسكة، بالإضافة إلى حلب، تعد من المدن الرئيسة المنتجة للقمح، والأخيرة يسيطر عليها بعض الفصائل المعارضة، وفي هذا الإطار سارعت دمشق إلى رفع سعر الكيلوغرام الواحد من أربعة آلاف ومئتي ليرة سورية، ليصبح السعر المعتمد 5500 ليرة سورية للكيلوغرام، أي بزيادة ألف وثلاثمئة ليرة سورية عن سعر الموسم الفائت.

الإدارة الذاتية بدورها ستعلن السعر الجديد للقمح خلال الأيام القادمة قبل الإقلاع بمحصول الإنتاج، في حين أنَّ دمشق ترغب في شراء كامل الإنتاج. والكمية المنتجة في حكومة الإدارة الذاتية نحو مليون ونصف المليون، وسارعت في الموسم الحالي إلى تخصيص 30 مركزاً في جميع مناطقها لاستلام القمح من الفلاحين والمنتجين، وفي العام الماضي بلغت الكميات المنتجة نحو مليون و300 ألف طن من محصول القمح بسعر ثلاثة وأربعين سنتاً أميركياً للكيلوغرام الواحد، أي ما يُعادل سبعة آلاف ليرة، وهو ضعف السعر الذي حدّثته دمشق في العام الماضي والعام الحالي.

في العام الماضي، وصلت الكميات التي استلمتها الحكومة السورية من قمح الجزيرة السورية 750 ألف طن، كما تعاقدت في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي مع روسيا لاستيراد نحو مليون وأربعمئة ألف طن من القمح. فالحكومة السورية عمدت إلى مقايضة كميات القمح السوري القاسي بكميات من القمح اللين المستورد اللازم لصناعة الخبز.

إقرأ أيضاً: فيصل القاسم... بابلو إسكوبار الإعلام العربي!

الجدير ذكره أنَّ سوريا مقسّمة إلى ثلاث مناطق محلية متصارعة، وهذه المناطق بمجملها تحتاج إلى حوالى 4.2 مليون طن من القمح سنوياً لتأمين حاجتها من الخبز. فمناطق النظام وحدها بحاجة إلى 3 ملايين طن، بالإضافة إلى 360 ألف طن من البذور، ونحو 800 ألف طن للاستخدامات الأخرى لصناعة البرغل، المعكرونة، الفريكة، السميد، وغيرها من منتجات القمح بحسب إحصاءات وزارة الزراعة.

أما بالنسبة للمناطق التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية، المدعومة من واشنطن، فتحتاج هي الأخرى إلى 600 ألف طن لطحين الخبز والبذور، والكمية نفسها تحتاجها غرب البلاد، وتدعم بدورها فصائل مسلحة موالية لها.

إقرأ أيضاً: عن تصحيح ورقة الامتحان

والسؤال هو: هل تتمكن الحكومة السورية من شراء محصول القمح المزروع في منطقة الجزيرة التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية لتغطية حاجتها منه بدلاً من اضطرارها إلى استيراده بأسعار مضاعفة؟

وبعد كل هذا هل سننصف الفلاح، بعد هذا الجهد الذي يبذله طوال عام كامل، ودفعه مبالغ باهظة لقاء تأمين مستلزمات الإنتاج بتحسين قيمة سعر الكيلوغرام من القمح، حتى يتمكن من تغطية الكثير من احتياجاته، ومساعدته على تأمين حياة أفضل تناسب قدراته وإمكاناته المتواضعة رأفة بالحال الذي يعيشه.