&
لندن- نصر المجالي: هذا الصحافي كان ثوريا وملكا في آن، وهو تحدى احداث الدنيا، ومات مرتاحا في ريعان العطاء متقاعدا رغم صغر السن في الاعتبارات جميعها،وهو كان الوحيد الذي صبر ورابط من دون خشية الخطف والقتل في بيروت الغربية حين كانت تحكمها العصابات السياسية التي اسست لعهد من الارهاب والفوضى في الشرق الاوسط كله حتى افغانستان، وكانت قوات الشقيقة سورية تراقب ان لم ترعى كل شيء.
واذ الميليشيات المدعومة من دمشق وطهران تمارس القتل والخطف والارهاب في شوارع بيروت وهي كانت سويسرا الشرق كله، واذ هرب عديدون من رجال سياسة واغلقت سفارات دول كبرى تحت وطأة افعال العصابات، ظل "الملك خوان كارلوس غوموشيو" وحده يزاول المهمة الصحافية في بيروت الغربية.
قبل يومين نعت الانباء من بوليفيا، خوان كارلوس غوميشيو، حيث تقاعد قبل الاوان من بعد تجوال وخبطات صحافية في مناطق العالم الرحبة المسكونة صدامات وجراحات ودماء وهي التي لاتحكم هذه الايام الا من عصابات القتلة والسفاحين تحت الشعارات اياها في الاسلام والتحرر.ولا بيد اميكا والغرب والعالم المتحرر سوى اعلان حروب هنا وهناك.
وهذا الصحافي المتفرد كان ابن اثنتين وخمسين سنة من العمر، وهو رحل معتبرا العالم كله وطنه وقضيته،
نحن الصحافيون نحب ان يكتب احد عنا، ونذهب ونموت ونقتل ولا منظمة تتحرك حتى ولا حكومات او مؤسسات، الدليل ذبح المراسل الاميركي لصحيفة (وول ستريت جورنال) على ايدي متشددي كشمير الاسلاميين.من الوريد الى الوريد. وكأن الصحافة هي منذ قرون النبؤات مسؤولة عن كل المهالك والمجازر، لماذا لأنها تطالب بالكلمة الحرة والمعلومة الحرة بعيدا عن العسف والقتل والدم.
في بيروت حيث حل في العام 1986 مراسلا للاسيوشيتدبرس الاميركية بدلا من الصحافي الذي اختطف على ايدي المتشددين من جماعات حزب الله وحركة امل المواليتان الى نظام الملات في طهران آنذاك تيري اندرسون قرر خوان كارلوس غوميشيو الصمود،.
ومن فندق الكومودور في بيروت الغربية مارس من دون ان يعرف احد من مسؤوليه انه كان يمارس المهمة المستحيلة في عاصمة عربية تنتحر وتنحر برشاشات ومتفجرات من ادعوا والى اللحظة الانتماء الى الوطن اللبناني العتيد.
وحين لم يكن في بيروت الغربية من صوت ينقل الحدث الساخن الى العالم من الصحافة الاجنبية فضلا عن الصحافة العربية التي لم يكن هنالك في الاساس خوفا من القتل كان خوان كارلوس صوتا في المعلومات والتقارير، ولأنه متحدر من اسرة هي اثرى اثرياء بوليفيا ولأنه حمل اليسار الواقعي فكرة وتأصلا فلم تمتد اليه يد تتهمه بالعمالة مثل غيره من رجال اعلام المرحلة تلك لـ (سي آي ايه) وهي وكالة المخابرات المركزية الاميركية.
صحافيون كثيرون مروا وعملوا في المنطقة ابتداء من عبدالله فيلبي وصولا الى جون سيمبسون وديفيدهيرست وروبرت فيسك وحتى توماس فريدمان كلهم موسومون بتعامل ما وبعلاقة ما وارتباط ما مع اجهزة من العمل الاستخباري المثير.
خوان كارلوس غوموشو كان متفرد الكتابة والتعامل والتعاطي ولذلك فانه ذهب وحبدا في هذا السن الذي لو امهل كان ممكن ان يعطي الكثير.
هذا الصحافي الراحل متحدر من اهم اسر بوليفيا التي ينتمي اليها الثائر التاريخي تشي غيفارا، وعلى الرغم من الحاللا المالي الميسور والثراء والجاه، فهو ذهب الى اليسار بكل معاني التعبير الايدولوجي في التطبيق والممارسة، واذ ذاك بدأت حياة المنافي، وجال العالم. وتنقل بين مؤسسات صحافية عديدة خدمها وخدمته وذهب راضي الضمير. من بعد ذلك مبكرا.
"الملك خوان كارلوس" كما يعرفه الزملاء والمريدون واصحاب جلسات بيروت والقدس ولندن ايضا، كان يدخل الى المطعم ويحاسب عن فاتورة الجميع مهما كان المبلغ المطلوب، ومع خفة الظل الذي رافقته للعقود الخمسة الذاهبة ولن تعود مع فقده، فان مارك توين (الفيلسوف والكاتب البريطاني) صدق في التعبير عن ان "خفة الظل نتاج هذا الالم الداخلي".
كان الملك الذي تستهويه "الفودكا والكافيار" لنفسه ولأصدقاء السؤ والخير ايضا مغامرا، الى حد الثورة المرفوضة عند البعض في حال الرقابة حتى في الدول التي تدعي الحرية الشخصية وحرية المعلومات والديموقراطية.
تنقل خوان كارلوس في مواقع كثيرة في وسائل الاعلام حاملا هما واحدا هو "كيف ان نكتب المعلومة الصادقة والصحيحة"،.هذه الصدقية في التوجه كانت انتاج تلك القرية البوليفية في جنوب اميركا تشوكابامبا حيث ولد (الملك الراحل) في العام 1949 ومات منذ ايام. تلك القرية الصغيرة التي اعطت الصحافة رجلا كبيرا لا تزال هادئة وستظل انتظارا لميلاد آخر& من مثل خوان الراحل.
وهو عاد اليها متقاعدا رغم صغر السن، ليحاضر امام ابنائها في الجامعة الصغيرة هناك، ولم يطل به المقام، فقضى، هذا المزواج الكبير وهذا الملتقط للمعلومة حتى من متشددي حزب الله وزعامات الجيش الايرلندي من امثال جيري آدامز الذي لم يستطيع صحافي ابن انثى ان ينتزع منه مقابلة في السبعينيات حيث انطلقت حركة جيش التحرر الا خوان كارلوس غوميشيو.
خوان كارلوس عمل مع جميع مؤسسات التناقض الاعلامي والصحافي ، راسل اسوشيتيد برس وكذا حال سي بي اس وندها شبكة أي بي سي ومن ثم الى التايمز البريطانية والبائيس الاسبانية، وهو اذ رحل اتقن كل لغات الارض، وفهم ماذا يريد، ولكننا لم نعرفه الى لحظة الفراق الابدي.