&
تمنيت ان التقي المسؤولين في الحكومات العربية، واحدا تلو الآخر، لكي اقنعهم بضرورة وأهمية التصديق على اتفاقية انشاء المحكمة الجنائية الدولية، ولكن اما وان مثل هذه اللقاءات من الصعوبة بمكان، فلست املك سوى ان ألح على تلك الفكرة كلما اتيح ذلك، حتى اذا اصاب القارىء بعض الملل، واشاح بعضهم بوجوههم قائلين:
ألا يكفي في ذلك ان تكتب مرة أو اثنتين؟
ردي على السؤال انني سأكتفي في حالة واحدة، هي ان اجد عددا معقولا من الدول العربية بادر الى التصديق، حيث لا يعقل ان تعلن 13 دولة عربية تأييدها للاتفاقية وتوقع عليها بعدما تم التوصل إليها في سنة 1998 (انتهى أجل التوقيع في (31/12/2000)، ثم تتقاعس تلك الدول عن التصديق عليها بعد ذلك، ولا يتم ذلك التصديق إلا من جانب دولة واحدة هي المملكة الاردنية الهاشمية، في حين ان المحكمة سوف تبدأ اجراءات تشكيلها ومن ثم تستهل أعمالها بعد اسابيع قليلة، في اول شهر يوليو (تموز) المقبل.
اذا سأل سائل عن مدى أهمية المحكمة ومشروعها، فردي على ذلك ان تلك المحكمة يمكن ان تكون إحدى الساحات التي ينقل إليها الصراع العربي الاسرائيلي، وتجرم أمامها كل القيادات الاسرائيلية، عن مختلف الجرائم التي ارتكبتها بحق الشعب العربي عامة والفلسطيني بوجه أخص، وان شئت فقل ان مشروع المحكمة يوفر لنا فرصة غير مسبوقة لهزيمة اسرائىل قانونيا واخلاقيا، بل ومعاقبة قادتها الضالعين في ما يرتكبونه من جرائم.. كيف؟
يعرف الجميع انه لا توجد في العالم محكمة جنائية خاصة بمحاسبة الطغاة والظلمة والمفترين على ما يرتكبونه بحق الشعوب من جرائم، هناك حقا محكمة العدل الدولية في لاهاي، وهذه مختصة بالنظر في نزاعات الحكومات والدول وليس الأفراد أو الشعوب، وفي اعقاب الحرب العالمية الثانية شكلت محكمة "نورمبرج"، التي حاكمت الزعماء النازيين على جرائمهم، كما شكل مجلس الأمن في عام 1993 محكمتين، احداهما لمحاكمة مجرمي الحرب اليوغسلافية، والثانية لمحاكمة المسؤولين عن مذابح رواندا، لكن هذه المحاكم كانت منصوبة لمهام مؤقتة وفي قضايا بذاتها، لذلك فان مهمتها انتهت بمجرد انتهاء بعضها من محاكمة المتهمين في تلك القضايا.
من ناحية أخرى فقد ظل انشاء محكمة جنائية دولية دائمة حلما يراود ذوي الضمائر الحية في العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وكان ذلك وراء القرار الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1951، بتشكيل لجنة ضمت 17 دولة لصياغة معاهدة انشاء المحكمة الجنائية الدولية، غير ان تنفيذ هذا القرار ظل يتعثر لأكثر من 45 عاما لأسباب فنية حينا، وبسبب التراخي والبطء في التنفيذ والروتين المتبع في المنظمات الدولية، حتى تم اقرار مشروع النظام الاساسي للمحكمة في مؤتمر روما الذي شاركت فيه 120 دولة، وعقد في صيف عام 1998، وبمقتضى هذا النظام فان اتفاقية المحكمة تدخل حيز التنفيذ بعد ستين يوما من تصديق الدولة رقم 60 عليه، وقد توفر لها حتى الآن توقيع 66 دولة، الأمر الذي يفتح الباب واسعا لقيام المحكمة بمهمتها التي طال انتظارها.
طبقا للنظام الاساسي الذي اقرته الأمم المتحدة، فالمحكمة تختص بالنظر في أربعة أنواع من القضايا هي: جريمة الإبادة الجماعية - الجرائم ضد الانسانية - جرائم الحرب - جريمة العدوان، ويعد اقامة المستوطنات مثلا من قبيل جرائم الحرب، ورغم ان المحكمة لا تنظر إلا في الجرائم التي وقعت بعد بدء العمل بالنظام الاساسي، إلا ان اقتراب موعد تشكيلها أثار ذعرا لافتا للنظر في اسرائيل، التي تعرف ان قادتها العسكريين والسياسيين لا يتوقفون عن ارتكاب مثل تلك الجرائم التي تحاسب المحكمة فاعلها، لا فرق في ذلك بين دولة وقعت على الاتفاقية وصدقت عليها أم لم توقع، ذلك ان التوقيع يمكن الدولة المعنية من الحضور باعتبارها من المؤسسين، وذلك يعطيها الفرصة لإبداء الرأي في القضايا الواجب عرضها على المحكمة، أو للتمثيل في مناصب القضاة والمدعين العامين.
في 5/14 نشرت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية تقريرا لافتا للنظر حول مدى التوتر الذي انتاب الأوساط الاسرائيلية إزاء قرب تشكيل المحكمة الجنائية قالت فيه ان حالة من القلق وربما الفزع سادت في اوساط القيادة الأمنية - القضائية من امكانية تقديم شخصيات اسرائيلية عليا، سواء من الاذرع الأمنية أو من السياسيين الى القضاء في الخارج، وفي المستقبل القريب بتهمة تنفيذ جرائم حرب، وكان المستشار القضائي للحكومة الياكيم روبنشتاين قد بدأ يحذر من هذه الامكانية قبل عامين وأكثر، بعد ان اعتقل اغوستو بينوشيه الطاغية التشيلي في لندن حسب طلب التسليم الاسباني. روبنشتاين طرح في حينه امكانية اعتقال قادة اسرائيليين في هذا السياق.
قبل اسبوعين كرر روبنشتاين كلامه قائلا ان هناك اتجاها لتدويل المسألة الجنائية وانه يخشى من تقديم "قادتنا" للمحاكمة كمجرمي حرب، وكان المستشار القضائي يقصد بأقواله اقامة المحكمة الدولية الوشيكة وميل بعض الدول المتزايد وبلجيكا على رأسها الى افساح المجال أمام محاكمة قادة أجانب في محاكمها بتهمة ارتكاب تجاوزات خطيرة في مجال حقوق الانسان.
بعد ذلك بأيام تطرق روبنشتاين للمسألة مرة أخرى من خلال محاضرة ألقاها أمام مكتب المحامين في إيلات، بعد ان قال بلهجة لا تخلو من الاستخفاف بأن عهدا جديدا قد لاح في سماء تطبيق القانون الجنائي يمهد للتطبيق الدولي، ثم اضاف بأن المسألة كلها تشعل أضواء حمراء من ناحية اسرائيل وان علينا ان نستعد لهذه المرحلة.
رئيس محكمة العدل الدولية اهارون باراك تطرق هو الآخر للمسألة وقال ان محكمة الجنايات الدولية ستبدأ عملها في يونيو (حزيران) القادم وان كل اسرائيلي قد يقدم الى المحاكمة فيها حتى لو لم توقع اسرائيل على معاهدتها، أما النائب العام العسكري اللواء مناحيم فنكلشتاين فقد أكد ان هيئة الاركان اجتمعت قبل فترة بمشاركة المستشار القضائي للحكومة وناقشت هذه المسألة وكان تقدير الحضور ان خطر المحاكمة يتهدد كبار الضباط وليس صغار القادة من العسكريين.
اضافت الصحيفة ان تحذيرات باراك وروبنشتاين وفنكلشتاين ما هي الا الطرف الظاهر لجبل الخوف الجليدي الذي يقض مضجع الكثيرين في قيادة وزارتي العدل والخارجية وجيش الدفاع، لذلك فقد بدأ تحت السطح الاستعداد في كل هذه المؤسسات وفي هيئات أخرى مثل "الشاباك" من الناحية العملية لمواجهة احتمال اعتقال شخصيات اسرائيلية في الخارج أو تقديم طلبات تسليم بحقها، وحسب قرار المستشار القضائي للحكومة فقد شكلت في الآونة الأخيرة لجنة وزارية برئاسة المحامية راحيل سوكر من النيابة العامة للدولة، وقد بدأت سوكر بجمع المواد القضائية اللازمة، التي قد تكون ضرورية للدفاع عن الاسرائيليين في حالة اتهامهم.
القرار الأول الذي اتخذته اللجنة كان التوصية أمام الحكومة بأن لا تصادق على توقيعها بشأن محكمة الجنايات في الكنيست، وقد صرح وزير العدل مئير شطريت بأن الحكومة تبنت التوصية، وهذه الخطوة ستحول دون استيعاب المعاهدة في القانون الاسرائيلي، إلا انه لن يكون ذي تأثير على المستوى الدولي الملزم.
حسب الصحيفة، فان ما يهم اسرائيل في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية ثلاثة بنود أكثر من غيرها، أولها ذلك البند الذي ينص على المحاسبة على الجرائم والمخالفات التي تقوم فقط بعد الأول من شهر يوليو (تموز) القادم، البند الثاني هو ذلك الذي يقرر ان المحكمة مخولة بالبحث في احداث لم يتم التحقيق فيها، ولم تخضع للقضاء في الدولة التي تمت فيها.
البند الثالث هو الذي يثير جدلا قضائيا واسع النطاق، فهو يقرر بأن المحكمة ستكون مخولة بالبحث في جنايات تم ارتكابها من قبل مواطن دولة ما، في داخل أراضي دولة أخرى، اذا ما وافقت الدولة الأخيرة على المضي في الاجراءات القضائية، إذ طبقا لذلك البند فان أي مستوطن يسكن هضبة الجولان بعد الاول من يوليو (تموز) يصبح معرضا للمثول أمام المحكمة، خصوصا ان سوريا ألمحت الى انها ستشجع تقديم الدعاوى ضد من يستوطن في أراضيها، وهذا الأمر يفتح بابا للجدل حول مكانة الضفة وغزة من الناحية القانونية، وامكانية محاكمة الذين يستوطنون على أراضيهما.
ختمت الصحيفة تقريرها بقولها ان البروفيسور ديفيد كرتشمر، المختص في القانون الدولي بالجامعة العبرية والعضو في لجنة حقوق الانسان في الامم المتحدة يشكك كثيرا في ادعاءات المؤسسة القضائية الاسرائيلية المناهضة للمعاهدة، ويذهب الى ان الأول من يوليو (تموز) سيكون بداية عهد قضائي جديد في اسرائىل، حيث لن يكون بامكان الدولة ان تتجاهل الجرائم المنفذة في اراضيها، ولو كانت أحداث جنين قد جرت بعد الأول من يوليو (تموز) لقدم منفذوها للمحكمة الدولية وأدينوا من جراء ما فعلوه.
اختتم بذلك الخبر الذي نشرته "الشرق الاوسط" في 5/15 وذكرت فيه ان المحكمة الاسرائيلية قامت بتأييد وتنسيق مع الحكومة الاميركية، ووضعت خطة تفصيلية لمواجهة احتمالات تقديم ضباط الجيش وغيرهم من القادة الاسرائيليين الى المحكمة الجنائية الدولية، ومن الاجراءات التي تم الاتفاق عليها مايلي:
* منع وسائل الاعلام المرئية من اظهار وجوه قادة الجيش الاسرائيلي بكل المستويات في المناطق الفلسطينية المحتلة والامتناع عن نشر اسمائهم.
* دراسة القوانين الدولية والمحلية بخصوص جرائم الحرب لايجاد الثغرات التي يمكن لاسرائيل ان تنفذ منها لمنع محاكمة قادتها.
* محاكمة ضباط وجنود اسرائيليين على مخالفات قاموا بها في المناطق الفلسطينية المحتلة أمام محاكم عسكرية داخلية (من أجل ضمان صدور احكام خفيفة عليهم) وبذلك ينفذون من خطر المحاكمة أمام المحكمة الدولية، لان قانونها الاساسي يمنع محاكمة الشخص الواحد على القضية مرتين، خصوصا اذا ثبت لديها انه تعرض في المرة الأولى لمحاكمة جادة وليست صورية.
* في حالة وقوع أي قائد اسرائيلي، عسكريا كان أو سياسيا أو دبلوماسيا، تحت طائلة المحكمة الدولية، فان حكومة اسرائيل تتحمل بالكامل مسؤولية تمويل عملية الدفاع عنه بكل طاقتها.
ان اسرائيل تدرك جيدا ان بيتها من هذه الزاوية من زجاج، وانها يمكن ان تصبح -ولعدة سنوات ـ المتهم الأول امام تلك المحكمة الدولية، وذلك يفسر الذعر الذي ينتابها والاحتياطات والترتيبات التي شرعت في اتخاذها من الآن تحسبا لاحتمالات المستقبل المحفوف بنذر الخطر.
هل يعقل ان نضيع هذه الفرصة من ايدينا، ونظل واقفين أمام المشهد متوجسين ومترددين من الانضمام الى المعاهدة والتصديق على نظامها.(الشرق الأوسط اللندنية)
ألا يكفي في ذلك ان تكتب مرة أو اثنتين؟
ردي على السؤال انني سأكتفي في حالة واحدة، هي ان اجد عددا معقولا من الدول العربية بادر الى التصديق، حيث لا يعقل ان تعلن 13 دولة عربية تأييدها للاتفاقية وتوقع عليها بعدما تم التوصل إليها في سنة 1998 (انتهى أجل التوقيع في (31/12/2000)، ثم تتقاعس تلك الدول عن التصديق عليها بعد ذلك، ولا يتم ذلك التصديق إلا من جانب دولة واحدة هي المملكة الاردنية الهاشمية، في حين ان المحكمة سوف تبدأ اجراءات تشكيلها ومن ثم تستهل أعمالها بعد اسابيع قليلة، في اول شهر يوليو (تموز) المقبل.
اذا سأل سائل عن مدى أهمية المحكمة ومشروعها، فردي على ذلك ان تلك المحكمة يمكن ان تكون إحدى الساحات التي ينقل إليها الصراع العربي الاسرائيلي، وتجرم أمامها كل القيادات الاسرائيلية، عن مختلف الجرائم التي ارتكبتها بحق الشعب العربي عامة والفلسطيني بوجه أخص، وان شئت فقل ان مشروع المحكمة يوفر لنا فرصة غير مسبوقة لهزيمة اسرائىل قانونيا واخلاقيا، بل ومعاقبة قادتها الضالعين في ما يرتكبونه من جرائم.. كيف؟
يعرف الجميع انه لا توجد في العالم محكمة جنائية خاصة بمحاسبة الطغاة والظلمة والمفترين على ما يرتكبونه بحق الشعوب من جرائم، هناك حقا محكمة العدل الدولية في لاهاي، وهذه مختصة بالنظر في نزاعات الحكومات والدول وليس الأفراد أو الشعوب، وفي اعقاب الحرب العالمية الثانية شكلت محكمة "نورمبرج"، التي حاكمت الزعماء النازيين على جرائمهم، كما شكل مجلس الأمن في عام 1993 محكمتين، احداهما لمحاكمة مجرمي الحرب اليوغسلافية، والثانية لمحاكمة المسؤولين عن مذابح رواندا، لكن هذه المحاكم كانت منصوبة لمهام مؤقتة وفي قضايا بذاتها، لذلك فان مهمتها انتهت بمجرد انتهاء بعضها من محاكمة المتهمين في تلك القضايا.
من ناحية أخرى فقد ظل انشاء محكمة جنائية دولية دائمة حلما يراود ذوي الضمائر الحية في العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وكان ذلك وراء القرار الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1951، بتشكيل لجنة ضمت 17 دولة لصياغة معاهدة انشاء المحكمة الجنائية الدولية، غير ان تنفيذ هذا القرار ظل يتعثر لأكثر من 45 عاما لأسباب فنية حينا، وبسبب التراخي والبطء في التنفيذ والروتين المتبع في المنظمات الدولية، حتى تم اقرار مشروع النظام الاساسي للمحكمة في مؤتمر روما الذي شاركت فيه 120 دولة، وعقد في صيف عام 1998، وبمقتضى هذا النظام فان اتفاقية المحكمة تدخل حيز التنفيذ بعد ستين يوما من تصديق الدولة رقم 60 عليه، وقد توفر لها حتى الآن توقيع 66 دولة، الأمر الذي يفتح الباب واسعا لقيام المحكمة بمهمتها التي طال انتظارها.
طبقا للنظام الاساسي الذي اقرته الأمم المتحدة، فالمحكمة تختص بالنظر في أربعة أنواع من القضايا هي: جريمة الإبادة الجماعية - الجرائم ضد الانسانية - جرائم الحرب - جريمة العدوان، ويعد اقامة المستوطنات مثلا من قبيل جرائم الحرب، ورغم ان المحكمة لا تنظر إلا في الجرائم التي وقعت بعد بدء العمل بالنظام الاساسي، إلا ان اقتراب موعد تشكيلها أثار ذعرا لافتا للنظر في اسرائيل، التي تعرف ان قادتها العسكريين والسياسيين لا يتوقفون عن ارتكاب مثل تلك الجرائم التي تحاسب المحكمة فاعلها، لا فرق في ذلك بين دولة وقعت على الاتفاقية وصدقت عليها أم لم توقع، ذلك ان التوقيع يمكن الدولة المعنية من الحضور باعتبارها من المؤسسين، وذلك يعطيها الفرصة لإبداء الرأي في القضايا الواجب عرضها على المحكمة، أو للتمثيل في مناصب القضاة والمدعين العامين.
في 5/14 نشرت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية تقريرا لافتا للنظر حول مدى التوتر الذي انتاب الأوساط الاسرائيلية إزاء قرب تشكيل المحكمة الجنائية قالت فيه ان حالة من القلق وربما الفزع سادت في اوساط القيادة الأمنية - القضائية من امكانية تقديم شخصيات اسرائيلية عليا، سواء من الاذرع الأمنية أو من السياسيين الى القضاء في الخارج، وفي المستقبل القريب بتهمة تنفيذ جرائم حرب، وكان المستشار القضائي للحكومة الياكيم روبنشتاين قد بدأ يحذر من هذه الامكانية قبل عامين وأكثر، بعد ان اعتقل اغوستو بينوشيه الطاغية التشيلي في لندن حسب طلب التسليم الاسباني. روبنشتاين طرح في حينه امكانية اعتقال قادة اسرائيليين في هذا السياق.
قبل اسبوعين كرر روبنشتاين كلامه قائلا ان هناك اتجاها لتدويل المسألة الجنائية وانه يخشى من تقديم "قادتنا" للمحاكمة كمجرمي حرب، وكان المستشار القضائي يقصد بأقواله اقامة المحكمة الدولية الوشيكة وميل بعض الدول المتزايد وبلجيكا على رأسها الى افساح المجال أمام محاكمة قادة أجانب في محاكمها بتهمة ارتكاب تجاوزات خطيرة في مجال حقوق الانسان.
بعد ذلك بأيام تطرق روبنشتاين للمسألة مرة أخرى من خلال محاضرة ألقاها أمام مكتب المحامين في إيلات، بعد ان قال بلهجة لا تخلو من الاستخفاف بأن عهدا جديدا قد لاح في سماء تطبيق القانون الجنائي يمهد للتطبيق الدولي، ثم اضاف بأن المسألة كلها تشعل أضواء حمراء من ناحية اسرائيل وان علينا ان نستعد لهذه المرحلة.
رئيس محكمة العدل الدولية اهارون باراك تطرق هو الآخر للمسألة وقال ان محكمة الجنايات الدولية ستبدأ عملها في يونيو (حزيران) القادم وان كل اسرائيلي قد يقدم الى المحاكمة فيها حتى لو لم توقع اسرائيل على معاهدتها، أما النائب العام العسكري اللواء مناحيم فنكلشتاين فقد أكد ان هيئة الاركان اجتمعت قبل فترة بمشاركة المستشار القضائي للحكومة وناقشت هذه المسألة وكان تقدير الحضور ان خطر المحاكمة يتهدد كبار الضباط وليس صغار القادة من العسكريين.
اضافت الصحيفة ان تحذيرات باراك وروبنشتاين وفنكلشتاين ما هي الا الطرف الظاهر لجبل الخوف الجليدي الذي يقض مضجع الكثيرين في قيادة وزارتي العدل والخارجية وجيش الدفاع، لذلك فقد بدأ تحت السطح الاستعداد في كل هذه المؤسسات وفي هيئات أخرى مثل "الشاباك" من الناحية العملية لمواجهة احتمال اعتقال شخصيات اسرائيلية في الخارج أو تقديم طلبات تسليم بحقها، وحسب قرار المستشار القضائي للحكومة فقد شكلت في الآونة الأخيرة لجنة وزارية برئاسة المحامية راحيل سوكر من النيابة العامة للدولة، وقد بدأت سوكر بجمع المواد القضائية اللازمة، التي قد تكون ضرورية للدفاع عن الاسرائيليين في حالة اتهامهم.
القرار الأول الذي اتخذته اللجنة كان التوصية أمام الحكومة بأن لا تصادق على توقيعها بشأن محكمة الجنايات في الكنيست، وقد صرح وزير العدل مئير شطريت بأن الحكومة تبنت التوصية، وهذه الخطوة ستحول دون استيعاب المعاهدة في القانون الاسرائيلي، إلا انه لن يكون ذي تأثير على المستوى الدولي الملزم.
حسب الصحيفة، فان ما يهم اسرائيل في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية ثلاثة بنود أكثر من غيرها، أولها ذلك البند الذي ينص على المحاسبة على الجرائم والمخالفات التي تقوم فقط بعد الأول من شهر يوليو (تموز) القادم، البند الثاني هو ذلك الذي يقرر ان المحكمة مخولة بالبحث في احداث لم يتم التحقيق فيها، ولم تخضع للقضاء في الدولة التي تمت فيها.
البند الثالث هو الذي يثير جدلا قضائيا واسع النطاق، فهو يقرر بأن المحكمة ستكون مخولة بالبحث في جنايات تم ارتكابها من قبل مواطن دولة ما، في داخل أراضي دولة أخرى، اذا ما وافقت الدولة الأخيرة على المضي في الاجراءات القضائية، إذ طبقا لذلك البند فان أي مستوطن يسكن هضبة الجولان بعد الاول من يوليو (تموز) يصبح معرضا للمثول أمام المحكمة، خصوصا ان سوريا ألمحت الى انها ستشجع تقديم الدعاوى ضد من يستوطن في أراضيها، وهذا الأمر يفتح بابا للجدل حول مكانة الضفة وغزة من الناحية القانونية، وامكانية محاكمة الذين يستوطنون على أراضيهما.
ختمت الصحيفة تقريرها بقولها ان البروفيسور ديفيد كرتشمر، المختص في القانون الدولي بالجامعة العبرية والعضو في لجنة حقوق الانسان في الامم المتحدة يشكك كثيرا في ادعاءات المؤسسة القضائية الاسرائيلية المناهضة للمعاهدة، ويذهب الى ان الأول من يوليو (تموز) سيكون بداية عهد قضائي جديد في اسرائىل، حيث لن يكون بامكان الدولة ان تتجاهل الجرائم المنفذة في اراضيها، ولو كانت أحداث جنين قد جرت بعد الأول من يوليو (تموز) لقدم منفذوها للمحكمة الدولية وأدينوا من جراء ما فعلوه.
اختتم بذلك الخبر الذي نشرته "الشرق الاوسط" في 5/15 وذكرت فيه ان المحكمة الاسرائيلية قامت بتأييد وتنسيق مع الحكومة الاميركية، ووضعت خطة تفصيلية لمواجهة احتمالات تقديم ضباط الجيش وغيرهم من القادة الاسرائيليين الى المحكمة الجنائية الدولية، ومن الاجراءات التي تم الاتفاق عليها مايلي:
* منع وسائل الاعلام المرئية من اظهار وجوه قادة الجيش الاسرائيلي بكل المستويات في المناطق الفلسطينية المحتلة والامتناع عن نشر اسمائهم.
* دراسة القوانين الدولية والمحلية بخصوص جرائم الحرب لايجاد الثغرات التي يمكن لاسرائيل ان تنفذ منها لمنع محاكمة قادتها.
* محاكمة ضباط وجنود اسرائيليين على مخالفات قاموا بها في المناطق الفلسطينية المحتلة أمام محاكم عسكرية داخلية (من أجل ضمان صدور احكام خفيفة عليهم) وبذلك ينفذون من خطر المحاكمة أمام المحكمة الدولية، لان قانونها الاساسي يمنع محاكمة الشخص الواحد على القضية مرتين، خصوصا اذا ثبت لديها انه تعرض في المرة الأولى لمحاكمة جادة وليست صورية.
* في حالة وقوع أي قائد اسرائيلي، عسكريا كان أو سياسيا أو دبلوماسيا، تحت طائلة المحكمة الدولية، فان حكومة اسرائيل تتحمل بالكامل مسؤولية تمويل عملية الدفاع عنه بكل طاقتها.
ان اسرائيل تدرك جيدا ان بيتها من هذه الزاوية من زجاج، وانها يمكن ان تصبح -ولعدة سنوات ـ المتهم الأول امام تلك المحكمة الدولية، وذلك يفسر الذعر الذي ينتابها والاحتياطات والترتيبات التي شرعت في اتخاذها من الآن تحسبا لاحتمالات المستقبل المحفوف بنذر الخطر.
هل يعقل ان نضيع هذه الفرصة من ايدينا، ونظل واقفين أمام المشهد متوجسين ومترددين من الانضمام الى المعاهدة والتصديق على نظامها.(الشرق الأوسط اللندنية)
التعليقات