&
بيروت ـ من مصطفى ياسين: اعتبر رئيس المجلس السياسي في "حزب الله" السيد ابراهيم امين السيد، ان العملية العدوانية الاسرائيلية ضد الفلسطينيين "زادت ثباتهم وقوتهم واستعدادهم للمواجهة"، مشيراً الى انه "عندما يلجأ العدو الصهيوني الى اعادة احتلال الضفة الغربية، فهذا يعني ان المقاومة استطاعت اعادته الى نقطة الصفر وهذا مكسب فلسطيني".
ورأى "ان هناك محاولة اميركية ـ اسرائيلية منذ 11 سبتمبر لرسم خريطة سياسية لفلسطين ثم خريطة سياسية للمنطقة، لكن هذا الموضوع ليس بهذه البساطة، وليس في استطاعة الاميركي والاسرائيلي ان يفرضا على الفلسطيني القبول بدولة في غزة مع ابقاء مصير الضفة والقدس معلقاً".
وشدد على ان ليس هناك امكان لتعايش دولتين فلسطينية واسرائيلية "لان اسرائيل لا تستطيع الا ان تكون دولة عنصرية، وبالتالي لا يمكنها الدخول في النسيج الثقافي والتاريخي للمنطقة وستبقى معزولة".
وحرص رئيس المجلس السياسي في "حزب الله" على التأكيد ان الهدف من مبادرتي الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله لجهة مبادلة الاسرى الاسرائيليين بفك الحصار عن مخيم جنين وكنيسة المهد، "لم يكن تحقيق مكاسب سياسية بل تقديم مساعدة وعون للفلسطينيين المحاصرين وابقاؤهم احياء".
وكشف ان عمليات الحزب في مزارع شبعا "لم تعد مرتبطة فقط بالظروف الميدانية بل تخضع ايضاً لاعتبارات سياسية دقيقة جداً"، ونفى ان يكون لدى الحزب اي معطيات موضوعية عن احتمال توجيه ضربة عسكرية اسرائيلية ضد لبنان، "لكن الاحتمال يبقى وارداً".
واشار الى ان الحزب "يتفهم وجهات النظر التي تقول بعدم جدوى استمرار المقاومة، في ظل التركيبة السياسية المعقدة في لبنان".
ورد على الانتقادات التي توجه الى الحزب حول عدم جديته في التعاطي مع الازمة الاقتصادية وما يشاع عن سكوت السلطة عن هذه الازمة في مقابل استمرار المقاومة، مشيراً الى ان "الوسائل المستخدمة في المقاومة تختلف عن تلك المستعملة في الداخل، ونقل عن شخصيات مسؤولة وخبيرة جداً بالوضع الاقتصادي اللبناني ان كل شيء انتهى ولم يعد هناك مجال للمعالجة، ويتم تأجيل اعلان ذلك عبر اجراءات قاسية"، محملاً جميع الموجودين في السلطة المسؤولية.
مواقف السيد جاءت في حديث خاص لـ "الرأي العام":
*مع انتهاء الضربة العسكرية الاسرائيلية في الضفة الغربية، بدأ الحديث عن مؤتمر دولي للسلام؟ هل تعتقد ان هذا المؤتمر يمكن ان يعطي نتيجة ايجابية ام انه محاولة لتثمير الوضع العسكري سياسياً؟
ـ من الطبيعي جداً ان يعمل الاميركي والاسرائيلي لجني الارباح من هذا العدوان, واذا كان الثمن هو ما يطلق عليه المؤتمر الدولي، فهذا الامر مكشوف وواضح، كونه جزءاً من برنامج سياسي مكشوف عند ارييل شارون الذي يريد تجاوز مرجعية مدريد او مرجعية اوسلو الثانية على الاقل، وطرح اطار اخر للتفاوض هو المؤتمر الدولي.
والسؤال: هل هذا المؤتمر هو للتفاوض حول الشأن الفلسطيني السياسي ام يتعلق بامور اخرى مثل الامن والوضع الاجتماعي والانساني، ام صيغة للتفاوض في اطار الحل الشامل؟ هذا الامر حتى الان غير واضح، وحتى الاميركيون انفسهم لم يتعاطوا مع الموضوع على انه فكرة منجزة.
تسويات متفرقة
*بعد الاحداث في الضفة، يبدو ان السلطة الفلسطينية عادت الى سياسة التسويات المتفرقة مع الاسرائيليين، فمن فك الحصار عن عرفات وعن كنيسة المهد الى المخرج الذي اعتمد في قضية المتهمين باغتيال الوزير رحبعام زئيفي، وهذه التسويات تقابل بمعارضة الفصائل الفلسطينية ,,.
ـ اظن ان اللقاءات بين عدد من المسؤولين العرب والرئيس الاميركي تمخضت عن تسويات معينة, وهذا الامر ليس خارج الاطار السياسي الذي يريده شارون ولا خارج السياسات التي تريدها الولايات المتحدة, ما حصل لا يمكن تسميته تسويات جزئية وقد يكون تهيئة لمناخات معينة وتغطية لاوضاع موجودة في فلسطين, وهذا يعني ان الهدف من الحلحلة هو طمأنة العرب الى ان الامور تسير في اتجاه الهدوء، فيما يمارس العدو الصهيوني كل اجراءاته تحت الضباب الذي اوجدته الاجراءات التفصيلية.
*كيف تفسر التراجع الدولي عن لجنة "تقصي الحقائق"؟
ـ لم يعد خافياً على احد ان الامم المتحدة ومجلس الامن والمجتمع الدولي مستعدة للاستجابة للاملاءات والضغوط الاميركية, فالولايات المتحدة هي التي تسير الامور وفق مصالحها.
*ما مصير الانتفاضة في ظل هذا الوضع العربي والدولي، فضلاً عن الضربة العسكرية التي وجهت اليها؟
ـ حين نتحدث عن المقاومة او الانتفاضة، نتناولها من موقع التنظيم الكلاسيكي المحدد بكوادر وهيكلية, صحيح ان هذه المقاومة فيها طلائع وكوادر, ولكن هي روح وخط وسياسة, في هذا المعنى لم تعد الانتفاضة تنظيماً ضيقاً، فالاسرائيليون والاميركيون يواجهون مجتمعاً استشهادياً, وليس من البساطة الاستنتاج من العدوان الذي حصل ان الانتفاضة انتهت، وليس من البساطة القول ان المقاومة يمكن ان تتحرك بارتياح بعد العدوان, لا شك في ان هناك واقعاً جديداً له اجراءاته وترتيباته، ولكن سيبقى هناك فرص امام الشعب الفلسطيني وكوادره ومجاهديه.
*لكن ما الافق السياسي لهذه المقاومة في ظل ميزان قوى عسكري مختل بالكامل لمصلحة اسرائيل؟
ـ عندما نتحدث عن المقاومة في فلسطين لا نتحدث عن افق سياسي، فالمقاومة والانتفاضة هما الافق السياسي.
تحقيق الاستقلال
*برأيكم ما مدى قدرة المقاومة الفلسطينية، بعد العدوان، على تحقيق الاستقلال الذي كان يبدو قبل الضربة قريب المنال؟
ـ المقاومة الفلسطينية تأثرت بالضربة العسكرية، لكنها لم تتأثر من حيث الاتجاه والرؤية والمنهج والاستراتيجية, حين يلجأ العدو الصهيوني الى اعادة احتلال الضفة الغربية فهذا يعني ان المقاومة استطاعت ان تعيده الى نقطة الصفر، وهذا مكسب فلسطيني وليس اسرائيلياً.
اما بالنسبة الى الافق السياسي وتحقيق الاستقلال، فهذا الامر لا يتم الوصول اليه بـ "القلم والورقة"، بل يتحقق من مجموعة عوامل وعناصر وتراكمات وتضحيات.
*الاّ تخشى من الانقلاب على هذه الفكرة، خصوصاً انه مع انتهاء حرب الضفة، بدأت تحركات فلسطينية ـ اسرائيلية وعربية ـ اميركية تصب في هذا الاتجاه؟
ـ لم تمر فترة اسمها العصر الذهبي للمقاومة والانتفاضة، والوضع العربي دائماً على هذا النحو, الان ثمة محاولة اميركية ـ اسرائيلية بدأت في 11 سبتمبر لرسم خريطة سياسية داخل فلسطين ثم خريطة سياسية في المنطقة, ولكن الموضوع الفلسطيني ليس بهذه البساطة لان حجم الاخطار والهواجس لا تسمح للاميركي باتخاذ قرار وتنفيذه, المطروح حالياً هو دولة فلسطينية في غزة واريحا، وادارات محلية في الضفة على ان يتولى عرفات مواجهة الارهاب في غزة واريحا ومساعدة الاسرائيليين, اما التفاوض على موضوع الضفة ومصير القدس، فالاسرائيلي يقول ان كل هذه المواضيع تطرح لاحقاً، ومثله عودة اللاجئين وازالة المستوطنات.
السؤال: هل سيستطيع الاميركي والاسرائيلي ان يفرض على الفلسطينيين دولة في غزة؟
الشعب الفلسطيني لن يقبل بذلك.
*هل تعتقد ان هناك امكاناً لتعايش دولتين فلسطينية واسرائيلية؟
ـ اطلاقاً، والاسرائيلي يعرف ذلك، والعدوان الذي قام به هو مقدمة لخطوة اكبر, ليس هناك امكان لتعايش دولتين في فلسطين, اسرائيل لا تستطيع الا ان تكون دولة عنصرية وبالتالي لا تستطيع ان تدخل النسيج الثقافي والتاريخي للمنطقة وستبقى معزولة.
مبادرتا "حزب الله"
*تقدم الامين العام لـ "حزب الله" بمبادرتين خلال العدوان الاسرائيلي، تتعلقان بمبادلة الاسرى الاسرائيليين بفك الحصار عن مخيم جنين وكنيسة المهد, ما الهدف من ذلك؟ ولماذا لم يتعاط الاسرائيلي معهما بالجدية المطلوبة؟
ـ لم يكن عندنا هدف دعائي او تحقيق مكاسب سياسية او الدخول على خط التسوية السياسية للامور, بل كان هدفنا الوحيد والوحيد والوحيد، تقديم مساعدة وعون بكل جدية واخلاص للاخوة في فلسطين, اما ان يتجاوب الاسرائيلي او لا يتجاوب فهذا موضوع اخر.
*اضافة الى المبادرتين، قام الحزب بسلسلة عمليات في مزارع شبعا، وسقطت صواريخ "كاتيوشا" عدة على المستوطنات الاسرائيلية، ثم توقف ذلك ,,, ما تفسيرك لذلك؟
ـ استطيع ان اتحدث عن العمليات في مزارع شبعا، ولست معنياً باطلاق الصواريخ ومن اطلقها وكيف.
العمليات في مزارع شبعا كانت تحصل من وقت الى اخر ضمن تقدير سياسي دقيق, ولكن حين حصل العدوان في فلسطين، ولدت حوافز اضافية لتكثيف العمليات التي هي في الاساس حق مشروع للمقاومة, ونسأل الله تعالى ان تكون العمليات في مزارع شبعا قد خففت الضغط عن اخواننا الفلسطينيين.
طبعاً، العمليات لم تنته، واخيراً حصلت عمليات مدروسة في شكل دقيق على المستوى السياسي لتخدم هدفاً سياسياً محدداً.
*هذا يعني ان العمليات لم تعد مرتبطة فقط بالوضع الميداني؟
ـ كلا, العمليات في مزارع شبعا ليست مرتبطة بالوضع الميداني فحسب، انما تخضع لحسابات واعتبارات سياسية دقيقة جداً.
*هل يتخوف "حزب الله" من ضربة عسكرية للبنان؟
ـ كلا, نحن دائماً نضع هذا الامر في دائرة الاحتمال، ومن القراءة الموضوعية للواقع السياسي اليوم، لا نرى مثل هذه الامر.
*تقول جهات سياسية انه تم ابلاغ "حزب الله" خطة اميركية ـ اسرائيلية لاستهداف لبنان في حال استمرت العمليات في مزارع شبعا؟
ـ نسمع يومياً تهديدات اسرائيلية ولكن هذه التهديدات لم تثننا عن القيام بواجبنا ومسؤولياتنا في المقاومة لتحرير ارضنا, المعطيات التي لدينا حالياً لا تشير الى وجود شيء من هذا النوع، ولكن الاحتمال يبقى وارداً والحذر بالنسبة الينا يبقى وارداً ايضاً وكذلك الاستعداد.
*عاد الحديث مجدداً عن جدوى العمليات في مزارع شبعا، وخصوصاً انها لا تحظى باجماع لبناني على غرار ما حظيت به المقاومة قبل تحرير الجنوب؟
ـ نحن موجودون في لبنان، والمستوى الذي وصل اليه في التزامه خيار المقاومة وجرى التعبير عنه في الكثير من المناسبات هو امر جيد ومهم, نحن نطمح الى درجة عالية من الوعي والمسؤولية عند جميع اللبنانيين، لكن في التركيبة اللبنانية السياسية المعقدة، يجب الا نتوقع الوصول الى هذه النسبة, سنبقى نسمع افكاراً ووجهات نظر وتحاليل وآراء ومواقف، فيها نقد وسلبية وتساؤلات, ولكن رغم كل شيء المقاومة موجودة في ظروف مهمة جداً ومتماسكة.
*البعض يشكك في لبنانية "حزب الله"؟
ـ هذا الكلام حين نسمعه يجب ان نتفهمه ونتفهم خلفيته ودوافعه فهل هو مجرد وجهة نظر ام يستند الى سياق سياسي؟ كل ذلك متوقع في لبنان وميزة هذا البلد ان اللبناني يستطيع التعبير عن وجهة نظره سواء كانت سلبية او ايجابية، حيال اي قضية مطروحة, ويجب الا نتخذ موقفاً سلبياً حيال اي رأي، بل المطلوب تفهمه واحترامه ما دام المناخ والموقف والخط العام للبنان في موضوع المقاومة جيّد.
الازمة الاقتصادية
*المعروف ان لبنان يمر بأزمة اقتصادية واجتماعية صعبة، والبعض يأخذ على "حزب الله" عدم اهتمامه بهذا الموضوع، ويشير الى ان الحزب قايض السلطة بالسكوت عن هذه الازمة في مقابل حصوله على تأييدها لاستمرار عمليات المقاومة؟
ـ اقول بكل وضوح وموضوعية ان اهتمامنا بموضوع المقاومة لا يقل اهمية عن اهتمامنا بالوضع الداخلي والعكس صحيح, هذا في التوجه, اما الوسائل والادوات في المقاومة فتختلف عن الوسائل والادوات في الوضع الداخلي, نحن مقاومة، وغيرنا ليس مقاومة، فماذا استطاع ان يفعل؟ نحن لم نتخل عن مسؤولياتنا الداخلية، بل نمارسها بأدواتها ووسائلها, واذا كنت قوياً في المقاومة فهذا لا يعني انني قوي في معالجة الازمة الاقتصادية، لان وسائل التأثير في المقاومة ليست هي نفسها في معالجة الوضع الاقتصادي, نحن نقوم بما نستطيع على هذا الصعيد، لكن هذا غير كاف، ويبدو اننا وصلنا الى اللحظة التي يقول فيها كل مسؤول لمسؤول اخر على انفراد، انه لم يبق مجال لحل الوضع الاقتصادي والمالي, هذا ما يحصل في الغرف المغلقة.
*"حزب الله" ينتقد دائماً السياسات الاقتصادية الخاطئة ولكنه لا يقود معارك لتصويبها؟
ـ لسنا على استعداد لنقل وسائل المقاومة الى الداخل، لخوض المعارك الاقتصادية.
*لا اسأل عن معارك عسكرية بل عن معارك سياسية.
ـ لسنا في السلطة التنفيذية وتأثيرنا مجرد موقف, نستطيع ان نعطي رأينا وان نتعاون مع الاخرين في البرلمان، ولكننا لسنا رئيساً للحكومة ولا رئيساً للبرلمان ولا رئيساً للجمهورية.
*كيف يصنف "حزب الله" نفسه حالياً، معارضة ام موالاة؟
ـ نحن لسنا ضمن هذه التقسيمات، نحن في مكاننا.
*اين يقف الحزب من الخلاف القائم بين الرئيسين اميل لحود ورفيق الحريري حول الهاتف الخليوي؟
ـ ما يهمنا في الموضوع، لا الخلاف ولا الوفاق، بل ان يكون الموقف اللبناني قوياً حيال القضايا الاساسية المتعلقة بالوضع المصيري, ويهمنا في الداخل ان يكون هناك تعاون على درجة عالية من المسؤولية، سواء بين الرؤساء او بين كل مؤسسات الدولة لاجل ايجاد حل للازمة الاقتصادية والمعيشية.
*هل تعتبر ان هذه السلطة تستطيع ايجاد الحل؟
ـ لا استطيع القول انها قادرة ام لا, هم الذين يقولون ذلك، واذا كانوا كسلطة غير قادرين فيجب ان يقولوا ذلك وان يكونوا واضحين مع الناس، واذا كان الموضوع يحلّ بتغيير السلطة فيجب ان تتغير, موضوع الهاتف الخليوي يعالج بقرارات سياسية شجاعة، غايتها تحديد المسؤوليات ومواجهة الهدر والفساد، واعتماد الشفافية في الانفاق العام, السلطة الان تهرب الى صفيحة البنزين والى الهاتف الخليوي.
*هل الازمة استعصت على الحل؟
ـ يبدو اننا اصبحنا قريبين من الاستحالة في المعالجة, وكل ما يحصل انهم يتخذون اجراءات قاسية جداً في محاولة لاعطاء حياة لهذا الوضع, واذا حان وقت اعلان الافلاس فسيعلنونه او سيعلن هو نفسه, هل من الطبيعي كلما اشترى مواطن صفيحة بنزين ان يدفع 12 الف ليرة للدولة؟
*من يتحمل مسؤولية الوضع الذي وصلنا اليه؟
ـ لسنا في صدد تحميل المسؤوليات, كل الموجودين في السلطة يتحملون المسؤولية في الدرجة الاولى، ولا احد يستطيع التهرب.
*اذاً وصلنا الى الخط الاحمر؟
ـ يقولون اننا وصلنا، لقد سمعنا من شخصيات سياسية ومسؤولة وخبيرة جداً بالوضع الاقتصادي اللبناني ان كل شيء انتهى.(الرأي العام الكويتية)