&
لم يعد هناك معنى للحديث عن جعل منطقة "الشرق الأوسط"، منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، أو منزوعة الأسلحة النووية، وهي السياسة التي انتهجتها البلدان العربية عموماً ومصر خصوصاً، ودعت اليها، وذلك بعد ان انضمت الى النادي النووي، في الآونة الأخيرة، كل من الهند وباكستان.
بل أصبحت منطقة الشرق الأوسط محفوفة بالمخاطر، من جراء السلاح النووي المعلن والمستتر في الهند وباكستان وإسرائيل، خصوصاً وان التطورات الأخيرة قد اثبتت ان اتفاقيات الحظر ليست وحدها كافية لاتقاء الأخطار النووية.
قولنا الأخير هذا يتبدى واضحاً، اذا لاحظنا ان الدول الثلاث المشار اليها، ليست دولاً في معاهدة "منع الانتشار النووي" التي تم تمديدها الى أجل غير مسمى (منذ العام 1995)، وهي الدول التي تسمى "دول العتبة"، كناية عن امتلاكها برامج عسكرية نووية غير معلنة (تضاف الى ذلك كوبا).
وأياً كان الأمر، فقد ثبت حتى الآن ان حيازة الأسلحة النووية لا تكون بقصد استخدامها في معارك عسكرية، بقدر ما تكون بقصد الحصول على وزن سياسي وقدرة ردع استراتيجية ودفاعية,,, وهذا، في ما يبدو، ما سعت اليه الدولتان الآسيويتان: الهند وباكستان.
ومن هنا، يبدو مفهوماً لماذا اكتسب التصعيد العسكري في ما بين الدولتين، في الآونة الأخيرة، حول إقليم كشمير، رغم محدوديته, (لماذا اكتسب) أبعاداً أكثر خطورة بكثير من أي تصعيد سابق بينهما؟ اذ انه ليس فقط التصعيد الأول من نوعه الذي جرى عقب التجارب النووية التي نفذتها الدولتان في مايو (آيار) 1998، واصبحت بمقتضاها ضمن اعضاء النادي النووي، ولكن، ايضاً، لأن هذا التصعيد اشتمل على اشارات صريحة من مســؤولي الدولــتين بإمكـانية اللجوء الى استخدام السلاح النووي.
صحيح ان بعض المصادر السياسية والعسكرية (الهندية خاصة)، اعتبرت ان الصين تقف خلف التصعيد والتوتر العسكري في كشمير، وذلك من حيث ان الصين تسعى بصورة تقليدية الى احتواء الهند وعزلها في جنوب آسيا، اضافة الى عدم ارتياحها لحقيقة انضام الهند الى النادي النووي, الا انه يبقى من الصحيح، ايضاً، ان التوتر في ما بين الهند وباكستان يدل على انه من غير الممكن التوصل الى تسوية سلمية لهذا التوتر، من دون حل مشكلة كشمير اولاً، باعتبارها جوهر هذا الصراع.
ترغب باكستان في ضم كشمير، وتطالب باجراء استفتاء فيها، وهو ما توصي به ايضاً منذ سنوات الا ان الحكومات الهندية المتعاقبة، لا تزال ترفض هذه الفكرة تماماً، خوفاً مما قد يؤدي اليه ذلك من تغذية النعرات الانفصالية الداخلية في الهند.
وفي ما يبدو، هكذا، فإن هذه الأزمة الناشبة في قلب آسيا بين الهند وباكستان، هي اقرب الى احتمال ان يتصاعد التوتر بين الدولتين ـ رغم المحاولات الراهنة في تهدئته ـ الى حدود الانفجار, ربما بحكم وجود التوتر على مقربة من حدود الصين، وربما بحكم الوجود "غير المباشر" لكل من روسيا والولايات المتحدة في هذا الصراع، وربما بحكم اصطدام التوتر بمنطقة الحدود "المباشرة" لسيادة طرفي الصراع: الهند وباكستان، وربما بحكم حداثة كل منهما في امتلاك الرادع النووي.
هذا "الحكم" الأخير، في اعتقادنا، هو ما يجب ان يدفعنا نحن العرب الى الاقتراب من احتمالات التوتر "الهندي ـ الباكستاني"، وآفاق هذه الاحتمالات مستقبلاً، وذلك لما يمثله من أهمية للأمن العربي بصفة عامة، ولأمن الخليج العربي على وجه الخصوص.
ولعل هذا ما يتبدى بوضوح اذا لاحظنا ثلاثة من المؤشرات:
من جهة، يمكن ملاحظة الدور الإسرائيلي في هذا الصراع، فقد كشفت صحيفة "هآرتس" (في عددها الصادر في 12 اغسطس/آب 2000) النقاب عن ان اسرائيل أسرعت بتسليم طلبين من الأسلحة والمعدات العسكرية الى الهند خلال ازمتها مع باكستان في ذلك الوقت, وكانت الصحيفة قد اشارت الى ان الحكومة الهندية طلبت، آنذاك، من الحكومة الإسرائيلية الإسراع بتسليم الأسلحة قبل تصاعد حدة التوتر مع باكستان، وان المسؤولين في وزارة الدفاع الإسرائيلية استجابوا للطلب الهندي.
ومن جهة اخرى، يمكن ملاحظة ان منطقة الخليج العربي، قد اصبحت محفوفة بالمخاطر من جراء السلاح النووي، المعلن والمستتر، في الهند وباكستان واسرائيل، اذ ان التطورات الأخيرة قد اثبتت ان اتفاقيات "حظر اسلحة الدمار الشامل"، ليست وحدها كافية لاتقاء الأخطار النووية، واحتمال استغلالها للحصول على مكاسب سياسية، او حسم صراعات اقليمية، خصوصاً ان الدول الثلاث، المشار اليها، ليست دولاً أطرافاً في "معاهدة الانتشار النووي".
ومن جهة أخيرة، يمكن ملاحظة انه مع امتلاك الهند لقدرة الردع النووي، فقد اصبحت جزءاً بالغ الأهمية من الأجزاء المكونة للوحة الاستراتيجية لمنطقة الخليج العربي، ومع التطور الموازي الذي استعادت به باكستان كبرياءها، بعد ان اكدت للعالم، وخصوصاً للبلدان العربية في الخليج، انها تملك القوة النووية ووسائلها، فقد دخلت هي الأخرى ضمن اللوحة الاستراتيجية للمنطقة, ولنا ان نتوقع بسهولة ان ايران لن تهدأ قبل ان تثبت، بالقوة النووية قطعاً، ان موقعها، بل مكانتها، في اطار تلك اللوحة لم يتأثر.
وفي ما يبدو، هكذا، عبر الدائرة المكونة لهذه الجهات الثلاث, نكون أمام احد احتمالين:
أولهما، ان تصبح منطقة الخليج العربي، بما تمتلكه من أكبر مخزون نفطي في العالم، محاصرة لـ "مربع نووي" مكون من أربع دول: الهند وباكستان، ثم ايران، اضافة الى اسرائيل.
اما الاحتمال الثاني، ان تتبنى الولايات المتحدة محاولة اقناع البلدان العربية في منطقة الخليج، بضرورة دعوتها لتقديم مظلة نووية لحماية النفط العربي، وغني عن البيان، هنا، التوقعات الخاصة بالمشاركة الإسرائيلية في ظل هذا الاحتمال.
والتساؤل الذي نود ان نطرحه، هنا، هو: هل يعيد "العرب" تقويم سياساتهم في التمسك بجعل منطقة "الشرق الاوسط" منطقة خالية من اسلحة الدمار الشامل؟!, ألم يحن الوقت بعد لكي نتمسك بالقاعدة التي أكدتها الأحداث اخيراً قاعدة "الاعتماد على الذات"؟!
كاتب وباحث مصري (الرأي العام الكويتية)
بل أصبحت منطقة الشرق الأوسط محفوفة بالمخاطر، من جراء السلاح النووي المعلن والمستتر في الهند وباكستان وإسرائيل، خصوصاً وان التطورات الأخيرة قد اثبتت ان اتفاقيات الحظر ليست وحدها كافية لاتقاء الأخطار النووية.
قولنا الأخير هذا يتبدى واضحاً، اذا لاحظنا ان الدول الثلاث المشار اليها، ليست دولاً في معاهدة "منع الانتشار النووي" التي تم تمديدها الى أجل غير مسمى (منذ العام 1995)، وهي الدول التي تسمى "دول العتبة"، كناية عن امتلاكها برامج عسكرية نووية غير معلنة (تضاف الى ذلك كوبا).
وأياً كان الأمر، فقد ثبت حتى الآن ان حيازة الأسلحة النووية لا تكون بقصد استخدامها في معارك عسكرية، بقدر ما تكون بقصد الحصول على وزن سياسي وقدرة ردع استراتيجية ودفاعية,,, وهذا، في ما يبدو، ما سعت اليه الدولتان الآسيويتان: الهند وباكستان.
ومن هنا، يبدو مفهوماً لماذا اكتسب التصعيد العسكري في ما بين الدولتين، في الآونة الأخيرة، حول إقليم كشمير، رغم محدوديته, (لماذا اكتسب) أبعاداً أكثر خطورة بكثير من أي تصعيد سابق بينهما؟ اذ انه ليس فقط التصعيد الأول من نوعه الذي جرى عقب التجارب النووية التي نفذتها الدولتان في مايو (آيار) 1998، واصبحت بمقتضاها ضمن اعضاء النادي النووي، ولكن، ايضاً، لأن هذا التصعيد اشتمل على اشارات صريحة من مســؤولي الدولــتين بإمكـانية اللجوء الى استخدام السلاح النووي.
صحيح ان بعض المصادر السياسية والعسكرية (الهندية خاصة)، اعتبرت ان الصين تقف خلف التصعيد والتوتر العسكري في كشمير، وذلك من حيث ان الصين تسعى بصورة تقليدية الى احتواء الهند وعزلها في جنوب آسيا، اضافة الى عدم ارتياحها لحقيقة انضام الهند الى النادي النووي, الا انه يبقى من الصحيح، ايضاً، ان التوتر في ما بين الهند وباكستان يدل على انه من غير الممكن التوصل الى تسوية سلمية لهذا التوتر، من دون حل مشكلة كشمير اولاً، باعتبارها جوهر هذا الصراع.
ترغب باكستان في ضم كشمير، وتطالب باجراء استفتاء فيها، وهو ما توصي به ايضاً منذ سنوات الا ان الحكومات الهندية المتعاقبة، لا تزال ترفض هذه الفكرة تماماً، خوفاً مما قد يؤدي اليه ذلك من تغذية النعرات الانفصالية الداخلية في الهند.
وفي ما يبدو، هكذا، فإن هذه الأزمة الناشبة في قلب آسيا بين الهند وباكستان، هي اقرب الى احتمال ان يتصاعد التوتر بين الدولتين ـ رغم المحاولات الراهنة في تهدئته ـ الى حدود الانفجار, ربما بحكم وجود التوتر على مقربة من حدود الصين، وربما بحكم الوجود "غير المباشر" لكل من روسيا والولايات المتحدة في هذا الصراع، وربما بحكم اصطدام التوتر بمنطقة الحدود "المباشرة" لسيادة طرفي الصراع: الهند وباكستان، وربما بحكم حداثة كل منهما في امتلاك الرادع النووي.
هذا "الحكم" الأخير، في اعتقادنا، هو ما يجب ان يدفعنا نحن العرب الى الاقتراب من احتمالات التوتر "الهندي ـ الباكستاني"، وآفاق هذه الاحتمالات مستقبلاً، وذلك لما يمثله من أهمية للأمن العربي بصفة عامة، ولأمن الخليج العربي على وجه الخصوص.
ولعل هذا ما يتبدى بوضوح اذا لاحظنا ثلاثة من المؤشرات:
من جهة، يمكن ملاحظة الدور الإسرائيلي في هذا الصراع، فقد كشفت صحيفة "هآرتس" (في عددها الصادر في 12 اغسطس/آب 2000) النقاب عن ان اسرائيل أسرعت بتسليم طلبين من الأسلحة والمعدات العسكرية الى الهند خلال ازمتها مع باكستان في ذلك الوقت, وكانت الصحيفة قد اشارت الى ان الحكومة الهندية طلبت، آنذاك، من الحكومة الإسرائيلية الإسراع بتسليم الأسلحة قبل تصاعد حدة التوتر مع باكستان، وان المسؤولين في وزارة الدفاع الإسرائيلية استجابوا للطلب الهندي.
ومن جهة اخرى، يمكن ملاحظة ان منطقة الخليج العربي، قد اصبحت محفوفة بالمخاطر من جراء السلاح النووي، المعلن والمستتر، في الهند وباكستان واسرائيل، اذ ان التطورات الأخيرة قد اثبتت ان اتفاقيات "حظر اسلحة الدمار الشامل"، ليست وحدها كافية لاتقاء الأخطار النووية، واحتمال استغلالها للحصول على مكاسب سياسية، او حسم صراعات اقليمية، خصوصاً ان الدول الثلاث، المشار اليها، ليست دولاً أطرافاً في "معاهدة الانتشار النووي".
ومن جهة أخيرة، يمكن ملاحظة انه مع امتلاك الهند لقدرة الردع النووي، فقد اصبحت جزءاً بالغ الأهمية من الأجزاء المكونة للوحة الاستراتيجية لمنطقة الخليج العربي، ومع التطور الموازي الذي استعادت به باكستان كبرياءها، بعد ان اكدت للعالم، وخصوصاً للبلدان العربية في الخليج، انها تملك القوة النووية ووسائلها، فقد دخلت هي الأخرى ضمن اللوحة الاستراتيجية للمنطقة, ولنا ان نتوقع بسهولة ان ايران لن تهدأ قبل ان تثبت، بالقوة النووية قطعاً، ان موقعها، بل مكانتها، في اطار تلك اللوحة لم يتأثر.
وفي ما يبدو، هكذا، عبر الدائرة المكونة لهذه الجهات الثلاث, نكون أمام احد احتمالين:
أولهما، ان تصبح منطقة الخليج العربي، بما تمتلكه من أكبر مخزون نفطي في العالم، محاصرة لـ "مربع نووي" مكون من أربع دول: الهند وباكستان، ثم ايران، اضافة الى اسرائيل.
اما الاحتمال الثاني، ان تتبنى الولايات المتحدة محاولة اقناع البلدان العربية في منطقة الخليج، بضرورة دعوتها لتقديم مظلة نووية لحماية النفط العربي، وغني عن البيان، هنا، التوقعات الخاصة بالمشاركة الإسرائيلية في ظل هذا الاحتمال.
والتساؤل الذي نود ان نطرحه، هنا، هو: هل يعيد "العرب" تقويم سياساتهم في التمسك بجعل منطقة "الشرق الاوسط" منطقة خالية من اسلحة الدمار الشامل؟!, ألم يحن الوقت بعد لكي نتمسك بالقاعدة التي أكدتها الأحداث اخيراً قاعدة "الاعتماد على الذات"؟!
كاتب وباحث مصري (الرأي العام الكويتية)
التعليقات