&
التطوير أو الإصلاحات لا تكون في جانب ثم تهمل الجوانب الأخرى.. ولا تكون في الجوانب الكبيرة ثم تهمل الجوانب الصغيرة أو البسيطة.. ذلك لأن إهمال هذه الجوانب الصغيرة لا بد أن يبطل مفعول الإصلاحات في الجوانب الكبيرة، ان لم يكن يفسدها! كانت البيانات التي تصدر عقب اجتماعات المجالس المختلفة في السبعينيات ومنها مجلس الوزراء مثلا تقتصر على أن "المجلس قد اجتمع ونظر الموضوعات المدرجة على جدول أعماله".
ثم شهد بيان مجلس الوزراء تطويرات متواصلة حتى أصبح يحوي بعض التفصيلات عن الموضوعات التي تخضع للبحث.. كنا ننشر خبر مجلس الوزراء في الصفحة الثانية تحت عنوان "الدولة".. ذلك لأنه كان لا يفيد المواطن، أي كان لا يسمن ولا يغني من جوع. لكن بيان مجلس الوزراء الآن يتصدر الصفحات الأولى من جرائدنا المحلية.. وعلينا أن نعترف بأن مثل هذا البيان لا يمكن أن يتضمن جميع التفصيلات والشرح الذي يريده قارىء الصحيفة أو يتمناه .. فتظل هناك علامات استفهام حائرة. المهم أن بعض الموضوعات الهامة التي يرد ذكرها في بيان مجلس الوزراء أو المجالس العليا الأخرى تنشر مبتورة.. الأمر الذي تترتب عليه بلبلة بين المواطنين.. أو تثار حوله تفسيرات وتأويلات خاطئة الى درجة أن البعض يلبسها أثوابا ليست أثوابها.. والأمر الذي "يغيظ" أن هذه التفسيرات والتأويلات الخاطئة تصل إلى أسماع المسئولين.. ولكنهم يقابلونها بالصمت الرهيب وببرود أعصاب يجيء مدمرا في بعض الأحوال.
مثلا قضية ازدواج الجنسية الخليجية التي أساء عدد كبير من الناس فهمها في داخل البحرين وخارجها.. مثل هذا التوجه كان يجب أن يأتي منذ البدء واضحا وبأنه ليس عاما بل ينطبق فقط على عدد ضئيل ممن يخدمون البحرين تجاريا واقتصاديا، ويعيشون على أرضها من أبناء دول مجلس التعاون ووفق الشروط والضوابط المنصوص عليها. بالنسبة إلى مجلس الوزراء نرى أن هذه المهمة منوطة بالوزراء.. لأن كل موضوع يطرح له علاقة بوزير معين .. وهو الأقدر على شرحه وتقديمه إلى الناس بكل تفاصيله .. ويتعين عليه عقد مؤتمر صحفي في نفس يوم اجتماع مجلس الوزراء، أو في اليوم التالي على الأكثر، أو يعد شرحا تفصيليا مكتوبا يرسله إلى الصحف ووسائل الإعلام عقب الاجتماع أو في اليوم التالي. وإن كانت هذه المهمة يقوم بها وزراء الإعلام في بعض الدول الأخرى حيث يلتقي وزير الإعلام الصحفيين عقب انتهاء الاجتماع وعقب تسليمهم البيان الرسمي ويرد على كل استفساراتهم.. والأمر الذي يسهل هذه المهمة انه يكون لكل وسيلة إعلامية مندوب في مجلس الوزراء.. لكن الحاصل أنه يوجد في مجلس الوزراء مندوب واحد وهو مندوب وزارة الإعلام الذي تعوّد أن يركب السهل ويميل الى الاقتضاب المخل، أو في أحسن الأحوال يُعد خبرا يكون صالحا لوسائل الإعلام الرسمية مثل الإذاعة والتليفزيون، وبكل تأكيد فإن هذا البيان المقتضب لا يصلح للصحف اليومية التي يتوق معها القارىء دائما إلى أن يقرأ الشرح والتفاصيل.
وللأسف فقد درج العمل الإعلامي في مجلس الوزراء واللجان الوزارية على تقليد واحد وقديم لا يرغب البعض في تطويره. وبالطبع فإن الأمر لا يقتصر على مجلس الوزراء بل يمتد ليشمل المجالس الأخرى مثل مجلس التنمية الاقتصادية ومجلس النقد ومجلس النفط.. وغيرها من المجالس. كان قرار إدخال الصحافة مجلس الشورى قرارا حكيما وعمليا بمعنى الكلمة.. كان المواطنون ينظرون إلى مجلس الشورى قبل اعتلاء الصحافة منصته العليا وكأنه كم مهملٌ لا جدوى منه ولا فائدة.. ثم تغيرت نظرة المواطنين إليه بعد أن دخلته الصحافة وأعطيت الحرية كاملة لتكتب ما تريد دون رقيب على ما تكتب أو تنشر.. ليس هذا فقط، بل جاء الإعجاب بهذه التجربة من خارج البحرين وأخضعت بعض دول المنطقة تجربة البحرين للدراسة بهدف الأخذ بها بالنسبة إلى مجالسها الشورية.. وان كان البعض قد عجز عن الأخذ بها.. لأن البحرين - اعترف الآخرون أم لم يعترفوا - تتمتع بدرجة أكبر من الوعي والنضج والحريات. عندما صدرت مؤخرا التعديلات الأخيرة على قانون العمل في القطاع الأهلي في مرسوم ملكي بقانون.. استعصى فهم مَراميها.. وأبعادها على النسبة العظمى من الناس وخاصة أصحاب العمل الى درجة أن البعض فهم أن الهدف منها هو مجرد مضاعفة الغرامات التي تحصّل من أصحاب العمل المخالفين لسد العجز الناتج عن الفرق الكبير بين المصروفات والواردات في الميزانية الجديدة للدولة (2003/ 2004). لذا كان يجب على وزير العمل أن يُسارع إلى تقديم الشرح الوافي لمقاصد هذه التعديلات قبل أن يُساء فهمها..! ويا ليت المسئولين في الدولة يفهمون أن الإعلام ليس وقفاً أو حِكرا أو مِلكاً لهم يستعملونه كيفما ووقتما يريدون.. وإنما هو ملك وحق أصيل لكل المواطنين. (أخبار الخليج البحرينية)