&باريس- هدى ابراهيم: قدمت المطربة اللبنانية فيروز مساء الخميس، في قاعة "بلايل" في الدائرة الثامنة من العاصمة الفرنسية، اولى حفلتيها اللتين تقيمهما في باريس، بعد فترة غياب عن جمهورها في فرنسا دامت نحوا من 14 عاما. وكانت فيروز احيت آخر حفلة لها في باريس في خريف العام 1988 في قاعة "بيرسي" الضخمة.
حفل الخميس تميز بحماس الجمهور الشديد وبحضور عدد من نجوم التمثيل والغناء في فرنسا ومن بينهم : جان مورو وفاني آردان وشارل ازنافور ونانا موسكوري وسافو وناتاشا اطلس وغيرهم. وكانت ليلى شهيد المندوبة العامة لفلسطين في فرنسا من بين الحضور. وقاد الاوركسترا التي رافقت فيروز الارمني كارن دورغاريان الذي قاد اهم حفلات فيروز منذ العام 2000 وهو يترأس حاليا اوركسترا مسرح واوبرا وباليه يرفان عاصمة ارمينيا، فيما شارك في العزف عدد من اعضاء اوركسترا ارمينيا الفيلهارمونية. وبينما غاب زياد الرحباني عن حفل باريس فيما كان الجمهور يترقب حضوره الى جانب امه، قدمت فيروز عددا هاما من الاغاني الجديدة التي لحنها لها في السنوات الاخيرة، وحضرت ابنتها ريما رحباني لتعمل كمديرة فنية للحفل. في مستهل الحفل عزفت الفرقة الموسيقية مقطوعة لزياد الرحباني افتتاحية "بيروت 82" لتدخل بعدها فيروز القاعة وسط التصفيق الحار من قبل الجمهور الذي نسي منذ اللحظة الاولى ارتفاع سعر البطاقات التي حصل عليها نسبة الى اسعار ما يقام من حفلات موسيقية اخرى في باريس. استهلت فيروز الغناء بقصيدة من وحي الاحداث التي تعصف بالاراضي الفلسطينية فادت مقاطع من "زهرة المدائن" لتنتقل بعدها الى قصيدة صغيرة "يا جسرا خشبيا" ثم الى الاغنية التي عرفها الجميع فصفق من المطلع " في قهوة عالمفرق".& وادى الكورس بعد ذلك، بينما توارت فيروز في الكواليس اغنية "يا شيخ المينا" ثم اغنية زياد التي شاعت كثيرا خلال الحرب الاهلية "اسمع .. اسمع يا رضى".
وعادت فيروز للظهور لتؤدي هذه المرة اغنية جديدة نسبيا من تاليف وكلمات زياد وهي اغنية "سلملي عليه" التي رحب بها الجمهور ايضا كما رحب بجميع ما ادته المطربة والكورس طوال الحفل الذي دام نحو ساعتين.
ولم يتوقف الجمهور عن التصفيق وابداء الحماس كلما هل مطلع اغنية وكلما خرجت فيروز من المسرح او عادت اليه، مبديا حماسا كبيرا للمطربة اللبنانية. من جديد ادى الكورس اغاني لزياد احبها الجمهور وطبعت بصيغتها ومضمونها ورنتها الخاصة اجيالا كاملة من الشباب اللبناني والعربي الباحث عن حداثة تقترب اكثر من ذاته وروحه، بل هي تربت على خطاب تلك الاغاني بلهجتها الساخرة ولغتها اليومية التي عرف زياد كيف يخرجها من عاديتها. وكان زياد استعمل معظم هذه الاغاني في مسرحياته مثل اغنية "نزل السرور" و"قلتيلي تاركتك". بعد ذلك ادت فيروز التي زادها تشجيع الجمهور وحماسه لها حضورا وانطلاقا اغنيتين حديثتي العهد: "صباح ومسا" التي تقترب اكثر في نسقها من الاسلوب الكلاسيكي المعتاد لدى الرحابنة و"داق خلقي يا صبي" الاكثر شعبية ومشاغبة. واختتم الجزء الاول من الحفل باغنية "اشتقتلك" التي اجادت في ادائها على عادتها بل واكثر دافعة بالكلمة الى حدودها القصوى، فطرب الجمهور وحلق مع نجمته في فضاء روحي زاخر وعال.
وبدا الجمهور الفرنسي الحاضر مندهشا بتلك المكانة التي لفيروز في قلوب مستمعيها وبذلك التجاوب المذهل الذي حل بين القاعة وبين الخشبة في علاقة التحامية نجح في الالتحاق بها رغم صعوبة اللغة محمولا بحرارة الجو وسحره. وشبه بعض هذا الجمهور فيروز "سفيرة لبنان الى النجوم" بغريتا غاربو، بعد ان كانت احدى الصحف الفرنسية وصفتها في رحلتها السابقة الى باريس ب "المرأة التراجيدية". في الجزء الثاني من الحفل قدمت فيروز من قديمها: "طريق النحل" و "شادي" و"سألوني الناس" التي كانت اول اغنية لحنها لها زياد وهو في ال17 من العمر عام 1973. وغنى الكورس "عايشي وحدا بلاك".& اما من الجديد فقدمت فيروز اغنية "انا فزعانة" التي صدرت في آخر اسطوانة لها "ولا كيف" وكذلك "بيذكر بالخريف" المقتبسة عن لحن "الاوراق الميتة" التي اداها الفرنسي الراحل ايف مونتان. وكما افتتحت فيروز حفلها باغنية لفلسطين، عادت لتختمه باغنيتين يثيران ذلك المكان الذي يحتل الوجدان العربي : "جسر العودة" التي اشعلت القاعة تصفيقا ثم "اجراس العودة" التي ادتها في توزيع جديد. ونتيجة الحاح الجمهور واستمراره في التصفيق عادت فيروز الى المسرح للتحية خمس مرات وفي كل مرة كانت تعيد مقطعا صغيرا من "جسر العودة" او من "اجراس العودة" وتقول : "سلامي لكم، يا اهل الارض المحتلة" فيدوي الصراخ والتصفيق وتهتف القاعة بصوت واحد باسم "فلسطين".
وظلت فيروز صامتة امام هتاف الجمهور وتصفيقه، واكتفت باحناء رأسها شكرا وبالتلويح بيدها عاليا، مثنى وثلاثا ورباعا، كلما همت بمغادرة المسرح. واستمر التصفيق والجمهور وقوفا على هذا النحو قرابة العشرين دقيقة عبر خلالها الحضور عن حبه للمطربة التي تعتبر آخر حبة في عنقود جيل من المطربين العرب يجمع بين المكانة والرفعة، بين العذوبة والبساطة في الكلمة وفي الموسيقى كما في الاداء وفي الحضور الانيق الذي ينضح بالاحترام الشديد للجمهور وللذات.