&
تولي الحكومة السعودية اهتماماً كبيرا لمكافحة المخدرات والحد من انتشارها في اوساط الشباب ومحاولة تفادي وصولها الى البلاد ومعالجة الادمان، وقد قطعت شوطا كبيرا في هذا المجال وحازت الجائزة التقديرية من الامم المتحدة لجهودها في برامج المكافحة، كما اقرت الامم المتحدة في عام 1996 ان السعودية تمتلك ثالث اقوى جهاز اداري في العالم لمكافحة المخدرات، وتركز استراتيجية وزارة الداخلية ممثلة في الادارة العامة لمكافحة المخدرات، على التوعية الوقائية وعلاج مدمن المخدرات من مبدأ ان الفئة المصابة في المجتمع فئة مريضة تحتاج لرعاية خاصة، لذلك نشأت فكرة مستشفيات الامل وصدر امر باقامة ثلاثة مستشفيات في كل من الرياض والدمام وجدة، وهي مراكز علاجية متخصصة بعلاج وتأهيل مرضى الادمان.
وليد بوعلي وممدوح المطيري من مكتب الدمام، اعدا هذا التحقيق حول مستشفى الأمل في المنطقة الشرقية في السعودية، والدور الفاعل الذي يقوم به في معالجة مدمني المخدرات.
تتبع السعودية استراتيجية مدروسة وتبذل جهودا كبيرة في مجال مكافحة المخدرات. وتعد محاولة علاج المدمنين احدى ابرز محاور هذه الاستراتيجية باعتبار الادمان مرضا يحتاج الى علاج قاس يساعد المدمن على التخلص منه، وهو ما تطلب انشاء مستشفيات متخصصة تحمل اسم "مستشفى الأمل" في كل من الرياض وجدة والدمام، مجهزة بأحدث التقنيات، وتتولى ادارتها نخبة من الاطباء المتخصصين لتقديم افضل الخدمات والرعاية الصحية واستكمال علاج مرضى الادمان وتأهيلهم من خلال برنامج علاجي متكامل، وعبر برنامج الرعاية المستمرة وتنفيذ خطة توعية وقائية على الفرد والاسرة والمجتمع عن اضرار المخدرات من خلال البرامج التوعوية أو التثقيفية الصحية، والتعاون المستمر مع القطاعات والجهات ذات العلاقة في مجال العلاج والوقاية من تعاطي المخدرات داخل السعودية وخارجها. ففي عام 1986 دشن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، مستشفى الأمل بالدمام، احد ثلاثة مستشفيات متخصصة في علاج وتأهيل مرضى الادمان، الذي اصبح شاهدا على التطور الطبي في مجال علاج الادمان وعلاج الاضطرابات النفسية بصفة عامة بعد ان تم اخيرا نقل قسم الصحة النفسية من مستشفى الدمام المركزي الى المبنى الجديد في مستشفى الامل حيث يعمل حاليا تحت ادارة واحدة بمسمى "مستشفى الأمل للصحة النفسية".
والمستشفى يشغل منذ سنتين تشغيلا ذاتيا تحت اشراف المديرية العامة للشؤون الصحية في المنطقة الشرقية، ويطبق مستشفى الامل بالدمام مراحل علاجية مميزة اهمها الاجراءات الخاصة بالتنويم للمتعاطين، وعلاج دوائي للاغراض الانسحابية والتقييم الشامل وعلاج تأهيلي ورعاية مستمرة.
ويتميز المستشفى ايضا بتطبيق برنامج الرعاية المستمرة ومشروع منتصف الطريق "دار الاقامة المؤقتة"، وهو برنامج يتميز به مستشفى الامل بالدمام عن سائر المراكز العلاجية المتخصصة والمستشفيات. ويشتمل المستشفى على اربعة اجنحة (اقسام علاجية) تتسع لـ 300 سرير للعلاج النفسي والاجتماعي التأهيلي، ويحتوي ايضا على قاعات للاجتماعات ومسرح ومكتبة ثقافية وقاعة الامير فيصل بن فهد ومسجد يتسع لـ 260 مصلياً، الى جانب مصلى خاص في كل جناح علاجي للمرضى.
وتضم الاقسام العلاجية مبنى عيادات للاطباء والاختصاصيين النفسيين والاختصاصيين الاجتماعيين وعيادة مكافحة التدخين وعيادة الاسنان.
كما توجد في المستشفى وحدات كاملة ومجهزة بأحدث الادوات والاجهزة الطبية للتحاليل وتخطيط القلب والاشعة والمختبر الى جانب مبنى العيادات الخارجية والصيدلية.
* قسم علاج المدمنات
* في ظل اهمية التوعية الوقائية باضرار المخدرات في الجانب النسائي افتتح جناح لعلاج مريضات الادمان في مستشفى الامل بالدمام يقع بقسم الصحة النفسية، ويعمل فيه فريق علاجي مكون من طبيبات نفسيات واختصاصيات اجتماعيات وممرضات. ويهدف جناح مريضات الادمان الى تشخيص وعلاج وتأهيل مريضات الادمان، ويطبق فيه برنامج علاجي متكامل مماثل للبرنامج المطبق في قسم علاج الادمان للرجال، وتتم جميع مراحل العلاج في الجناح النسائي بصورة سرية وتخضع المريضة بعد دخولها المستشفى لتقييم شامل عن حالتها الطبية والنفسية والاجتماعية، ويتم التعامل مع الاعراض الانسحابية وفق بروتوكول علاج الاعراض الانسحابية الصادر عن الجمعية الاميركية لطب الادمان والمعتمد في المستشفى، وفي حال استقرار حالة المريضة توضع لها خطة علاج تتناول المشاكل التي تعوقها عن التعافي. وبعد خروج المريضة من الجناح الداخلي تجري متابعة حالتها في العيادة الخارجية عن طريق جلسات الارشاد الفردي والارشاد الاسري.
* قسم الصحة النفسية
* يقدم قسم الصحة النفسية في مستشفى الامل خدمات علاجية للرجال والنساء والاطفال والتدخل الاجتماعي والرعاية الطبية العامة وتوفير قاعدة معلومات عن المرضى للاغراض التشخيصية العلاجية والمتابعة المستمرة عن طريق العيادات الخارجية. ويعتزم قسم الصحة النفسية تقديم خدمات علاجية اخرى خلال الفترة المقبلة، هي العلاج الترفيهي والعلاج التأهيلي والرعاية النهارية وعيادات استشارات المجتمع والعيادات الاستشارية المتخصصة.
ويرى محمد بن علي الزهراني، المشرف العام ومدير برنامج مستشفى الأمل للصحة النفسية بالدمام في حديث مع "الشرق الأوسط"، ان المتغيرات التي حدثت في المجتمع السعودي، مثلها مثل المتغيرات التي تحدث في المجتمعات الأخرى، خصوصا ان العالم اصبح قرية صغيرة واصبحت الحياة متسارعة ومرهقة. وقال ان العصر الراهن يطلق عليه عصر القلق بالاضافة للمتغيرات الاجتماعية والضغوط الحياتية وتأثيراتها في النفس البشرية، ربما انها تسببت في دفع البعض الى استخدام مواد تبدل المزاج ليكون في حالة افضل، وربما ان الكثير من الناس المغرر بهم ساهموا في ادخال ظاهرة كانت معدومة في المجتمع السعودي، وهي تعاطي المواد المخدرة والعقاقير، وهم نسبة ضئيلة لا تثير القلق.
وفي سؤالنا له اذا كانت هناك احصائية محددة لعدد المدمنين في السعودية وكذلك بالمنطقة الشرقية، اجاب الزهراني: هناك ميزة ما زال المجتمع السعودي يتميز بها، وهي انه مجتمع محافظ ومستوى التدين فيه مرتفع وكذلك الترابط الاجتماعي وحياة الاسرة ما زالا بحالة جيدة، كل هذه المعطيات جعلت عدد المدمنين في مجتمعنا اقل من المجتمعات الأخرى بكثير. واذا عملت مقارنة لعدد السكان تكون نسبة المتعاطين ضئيلة جدا ولا تمثل ظاهرة، لكن لحرص الحكومة السعودية على صحة المواطنين اقامت مستشفيات الأمل للاعتناء بهذه الفئة.
* من واقع خبرتك العملية في هذا المجال، خصوصا ان لك دراسة تحمل اسم "العلاقة بين الخصائص النفسية للمناخ الاسري وادمان الابناء للمخدرات"، ما هي العوامل المؤدية للإدمان وتعاطي المخدرات في السعودية؟
ـ هناك دراسات كثيرة جدا اجريت حول هذا الموضوع تؤكد جميعها انه ليس هناك سبب واحد لتعاطي المخدرات، بل ان السبب يختلف بطبيعة الشخص. فهناك اسباب نفسية تتعلق بشخصية الانسان نفسه، وهناك اسباب اجتماعية تتعلق بأصدقاء السوء والسفر للخارج والمشاكل الاسرية والمشاكل الاجتماعية، واحيانا تكون الاسباب متعلقة بطبيعة المخدر نفسه مثل ما يقال حول انواع من العقاقير يتوهم البعض انها تمنحهم جهدا اضافيا او تجعلهم يشعرون بالاستمتاع بأشياء يرون انهم لا يستطيعون الاستمتاع بها في الظروف العادية، جميع هذه الاشياء تعتبر مسببات للإدمان. ونحن في المستشفى نتعامل مع كل حالة على انها حالة متفردة بذاتها، لها اسبابها وخططها العلاجية التي يجب ان نتبعها بناء على تلك الاسباب في عملية العلاج.
* ماذا عن البرنامج العلاجي المطبق لديكم، وهل هناك متابعة من قبلكم للمدمن بعد تلقيه العلاج وخروجه من المستشفى لضمان عدم عودته للإدمان مرة أخرى؟
ـ البرنامج العلاجي لدينا يعد من انجح البرامج العلاجية على مستوى العالم، والاسلوب المستخدم في مستشفى الأمل بالدمام على وجه الخصوص، هو المنهج البيولوجي النفسي الاجتماعي، والعمل قائم على فريق علاجي متكامل يتكون من طبيب نفسي واختصاصي نفسي واختصاصي اجتماعي ومرشد التعافي ومرشد ديني، بالاضافة الى التمريض والعاملين في قسم التأهيل. وبرنامجنا العلاجي يبدأ من صلاة الفجر حتى العاشرة مساء، وكل ساعة في هذا الوقت، من دخول المريض حتى خروجه مخطط لها تماما، ويتم الانتقال من برنامج الى برنامج آخر ومن نشاط الى نشاط علاجي آخر طول فترة اقامة المريض.
وحتى يستمر ارتباط المدمن بالمستشفى بعد الخروج يحال الى قسم الرعاية المستمرة لفترة قد تستمر لعدة سنوات. وجرى افتتاح منزل منتصف الطريق، الذي تبلغ فترة الاقامة فيه ما يقارب تسعة اشهر، يكون المريض خلالها مرتبطا بقسم الرعاية الاجتماعية وله كامل الحرية في الذهاب والعودة والتنقل، ونحن نوفر له السكن في الاشهر الثلاثة الاولى ويكون ارتباطه ارتباطا كاملا مع الفريق المعالج، بعدها يمنح فرصة في ايام محددة في الاسبوع للبحث عن عمل اذا كان لا يوجد لديه عمل او اذا كانت علاقاته الاسرية يشوبها بعض التوتر وما شابه ذلك.
* ما هي الخبرات التي يستند اليها مرشدو التعافي، وما مدى تعاون الاسر مع المستشفى في حال تعرض احد افرادها للإدمان؟
ـ مرشدو التعافي كانوا مدمنين في السابق، وبعضهم الآن لهم عشر سنوات كأعضاء في الفريق المعالج ولهم دور كبير ونعمل لهم دورات تدريبية، واول دورة عملت لمدة ثمانية عشر شهرا والآن انتهت السنة الاولى منها، وهم الآن في مرحلة التطبيق داخل الاقسام، ويوجد ثمانية عشر متدربا من الرياض ومن الكويت وعمان. اما في ما يخص تعاون الاسر فليس هناك شك في ان الاسرة تلعب دورا كبيرا وربما تكون سببا في الادمان، وايضا لها دور كبير في التعافي، واحيانا تكون الاسرة اكثر من يعاني من الشخص المدمن. وهناك الكثير من السلوكيات التي يجب ان تحصل اسرة المدمن على تعليمات محددة بشأنها وذلك من خلال قسم الارشاد الاسري الموجود في المستشفى.
* هل علاج جميع المدمنين يتم في السعودية، وهل يوجد من يتطلب علاجه في الخارج؟
ـ جميع الحالات المرضية للمدمنين يتم علاجها داخل السعودية، وبالعكس نستقبل حالات مرضية من دول الخليج. ومع ان سياسة المستشفى لا تسمح سوى بعلاج السعوديين ومواطني دول مجلس التعاون، الا ان هناك بعض الحالات تتطلب معالجة مدمنين من جنسيات أخرى.
* متى تم تدشين القسم النسائي، وكم تبلغ طاقته الاستيعابية وعدد اللائي تمت معالجتهن؟
ـ الجناح النسائي دشنه الامير محمد بن فهد قبل عام ونصف العام تقريبا. وحسب علمي انه اول قسم يستقبل حالات تنويم وطاقته الاستيعابية عشرة أسرّة هي الآن خالية لعدم وجود مدمنات. والحالات التي تمت معالجتها كانت منذ افتتاح القسم قليلة جدا، وكان اغلبها نتيجة لسوء استخدام عقاقير مخدرة او ان احد الاقارب كان مدمنا، وهي لا تتجاوز ست حالات، وبعض من تم ادخالهن للمستشفى كان بسبب ان ازواجهن مدمنون او لوجود قدوة سيئة في المنزل دفعتهم لمثل هذه الاعمال. وبشكل اجمالي يعتبر عدد المدمنات قليلا جدا ولا يستحق الذكر.
* هل تجرى من قبلكم دراسات حول المدمنين والمخدرات، وما مدى التعاون بينكم وبين ادارة المخدرات، وهل يتم علاج من يتم القبض عليه متلبسا من قبل ادارة مكافحة المخدرات، وكيفية تعاملكم معه؟
ـ هناك اكثر من عشرين دراسة اجريت على مستشفى الامل في الدمام من قبل باحثين من الجامعات السعودية، وكان بعضها في الجانب الاجتماعي وبعضها في الجانب النفسي والجوانب الطبية، وهناك تعاون كبير بيننا وبين جميع الباحثين، بالاضافة الى الدراسات التي تجريها وزارة الداخلية كتقييم لمستشفيات الامل والنجاح الذي تحقق والسلبيات اذا كانت هناك سلبيات. وبالنسبة للمدمنين المقبوض عليهم من قبل ادارة مكافحة المخدرات يتم علاجهم لدينا ويوجد قسم في المستشفى تشرف عليه من الناحية الامنية ادارة مكافحة المخدرات في المنطقة.(الشرق الأوسط اللندنية)