&
حتى الاسرائيليون اعترفوا بأن كم ونوع ضحايا جريمة القصف الاسرائيلي لبناية مأهولة ومزدحمة بالسكان في بقعة من أكثر بقاع العالم كثافة سكانية، جريمة لا يبررها الهدف البشري الذي ادعت اسرائيل ان رأسه وحده هو المطلوب وليس أحدا سواه من الضحايا. وإذا كنا لا نستبعد صحة الادعاء الاسرائيلي غير ان الذي لا شك فيه ان المتطرفين الصهاينة وعلى رأسهم رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون لم يشعروا بتأنيب الضمائر على سقوط أكثر من خمسة عشر قتيلا وعشرات الجرحى من مواطني غزة الفلسطينية ومتى كان للمتطرفين والمتعصبين قوميا أو دينيا ضمائر تتأثر بآلام ومصائب البشر بل متى كان لهم ضمائر لا تسعدها دماء وأشلاء من يصنفهم الفكر المتطرف والمتعصب بالأعداء. وأعداء هذا النوع من البشر ان صحت تسميتهم بشرا ليسوا مجرد أفراد أو مجموعات تقاوم احتلالهم أو طغيانهم أو ادعاءاتهم الكاذبة وإنما أعداؤهم هم كل من لا ينتمي إلى عرقهم أو عقيدتهم الدينية والنازيون الذين يدعون الصهاينة انهم أبادوا ستة ملايين منهم استخدموا قوتهم العسكرية لفرض هيمنة العرق الآري على الأعراق الأخرى والصهاينة المتضررون من النازية تقمصوا شخصيتها ومارسوا أفعالها ضد عرب فلسطين والصرب فعلوا الشيء نفسه ضد مسلمي البوسنة وألبان كوسوفا.
الاستعلاء الديني والقومي يشمل أقواما آخرين لكن المتطرفين والمتعصبين الصهاينة بالغوا في ممارسة جرائم التطهير العرقي والديني. وإذا كانوا لأسباب إقليمية ودولية قد اضطروا للابقاء على بعض الفلسطينيين في ما أصبح يعرف ظلما بدولة إسرائيل وإذا كانوا لنفس الأسباب قد اضطروا للقبول بكيان فلسطيني منزوع السلاح فإن هؤلاء المتطرفين والمتعصبين لم ولن يهنأ لهم بال ما لم تصبح أرض فلسطين كلها على الأقل أرض اسرائيل وحدها، إن هؤلاء المتطرفين المتعصبين لم يستهدفوا صلاح شحادة وحده ولم يستهدفوا قبله أبو جهاد أو أبو علي مصطفى وأبو هنود وعياش وقبلهم وبينهم عشرات وإنما هم يستهدفون الوجود الفلسطيني كله وبالتالي فإنه لا يزعجهم بقدر ما يسعدهم وقوع ضحايا مدنيين وإذا كانت جثث وأشلاء الأطفال قد استفزت مشاعر العالم فإنها حتما قد أثلجت صدور غلاة الاستعلائيين الصهاينة فهؤلاء لا يهمهم عمر وجنس الضحية فكل من ليس من قومهم ودينهم فهو عدو لهم. بل ان هؤلاء الاستعلائيين لن يتورعوا عن سفك دماء المعارضين لهم من بني قومهم وملتهم واغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحاق رابين يؤكد ذلك بالرغم من ان رابين ليس مجرد رئيس وزراء فاز بالانتخابات وإنما هو قائد عسكري خاض حروبا وقاد أخرى ضد العرب واشتهر بتكسير عظام الفلسطينيين لكن سجله الحافل بسفك دماء العرب لم يشفع له عند هؤلاء المتطرفين المتعصبين لأنه ارتكب عملا اعتبروه خيانة فالسلام في عقل الاستعلائيين عار لا يغسله إلاّ الدم. هؤلاء الاستعلائيون لن يتخلوا عن غرورهم وحروبهم ما لم يكرهوا على التسليم بحقوق الآخرين وشرعية وجودهم. لكن من يستطيع أن يفعل ذلك؟ استمرار المقاومة أو موقف أمريكي جريء ومختلف عن المواقف السابقة هما الوحيدان الممكنان لتنظيف العقل الاستعلائي من أوهامه وغروره لكن إذا كانت المقاومة ممكنة فإنها حتما ستكون طويلة المدى فهل يختصر الأمريكيون الطريق؟