محمد بن عبداللطيف آل الشيخ
&
الإجراء الذي أقره الكونجرس، وبدأ تطبيقه مؤخراً، والذي يلزم بعض رعايا الدول العربية والاسلامية بتقديم معلومات تفصيلية لكل من أراد من رعايا هذه الدول الدخول الى الولايات المتحدة، اعتبره الكثيرون من المحللين العرب عنصرياً ومجحفاً، وغير مبرر. وهم يرون فيه معاقبة امة بجريرة افراد معدودين، وفي رأي هؤلاء المحللين ان مثل هذه الاجراءات، التي يرونها تمييزية وتعسفية، لا تقود إلا الى تكريس الكراهية والبغضاء بين شعوب تلك الدول وامريكا. كما جاء في احد مقالات الاستاذ داودد الشريان في جريدة الحياة.
اما كونه تعسفياً وتمييزياً فهذه حقيقة. غير أنه يحمل في رأيي من الاسباب الموضوعية ما يبرره، ويبرر تطبيقه، فما حصل في واشنطن ونيويورك يوم 11 سبتمبر قلب الواقع الامريكي رأساً على عقب، الامر الذي جعل "الامن" له اولوية قصوى تتقدم حتى على تلك الاولويات والمبادئ الانسانية التي ناهض عنها الامريكيون طوال تاريخهم. والواقع يقول ان اهم نتائج تلك الاحداث، وما تبع هذه الاحداث من تداعيات وردود افعال شعبية، اثبتت ان ثمة "حالة" كره وبغضاء عميقة لدى شعوب العالمين العربي والاسلامي لامريكا كادارة ودولة وحضارة. وان هذه الحالة لها ذيول، ومنظمات ذات اتباع، وخلايا نائمة، كالخلية التي تم اكتشافها في المغرب مؤخراً، او تلك المظاهرات التي تظهر بين الحين والآخر منددة بأمريكا، وممجدة لما فعلته "القاعدة" وكل تلك مظاهر هي للاسف عربية او اسلامية، وهذا ما يؤشر بقوة الى ان ما حصل لواشنطن ونيويورك مرشح لان يتكرر مرة اخرى. ومثل هذه المؤشرات، منطقياً، تحتم على الادارة الامريكية ان تأخذ حذرها، وبذل كل ما من شأنه منع ضربة اخرى كتلك التي حصلت في نيويورك وواشنطن. وهذا الحذر تجسد في هذه الاجراءات التي قد تبدو لنا قاسية، وغير انسانية، الا ان الغايات والاهداف التي وضعت من اجلها ومن وجهة النظر الامريكية، تجعلنا موضوعياً نتفهمها، ونجد لها ما يبررها، وبالذات اذا كانت مؤقتة وليست دائمة.
في السابق كانت اجراءات الحصول على تأشيرة دخول الى الولايات المتحدة، لمواطني بعض الدول العربية، لا تستغرق سوى ساعات معدودة، وذات مدد طويلة، وصالحة لعدة سفرات. ومن نافلة القول ان سهولة الحصول على تأشيرات الدخول الى امريكا، والبقاء فيها، والتردد عليها، قد سهلت للمهاجمين تنفيذ مخططاتهم، الامر الذي جعل من الطبيعي جداً، وبالذات في هذه المرحلة المتوترة، ان يلجأ الامريكيون الى تتبع مثل هذه الاسباب، ومحاولة ضبطها، من اجل تحقيق الهدف الاول بالنسبة اليهم وهو تحقيق الامن مهما كانت الخسائر والتجاوزات. وطالما ان الذين نفذوا تلك الاحداث هم عرب ومسلمون، فمن الطبيعي ايضاً ان تقتصر مثل هذه الاجراءات الاحترازية علي فئة بعينها، وعدم اتساعها لتشمل الجميع. وهذا ما حدث بالضبط.
ولنا ان نتذكر ان اللبناني اثناء الحرب اللبنانية الاهلية البغيضة كان يتم التعامل معه من كل الدول، بما فيها بعض الدول العربية، على أنه انسان غير مرغوب فيه، اما السبب فهو سبب امني محض. واعتبر الكثيرون ان مثل هذا الموقف، رغم انه موقف تمييزي في النهاية، هو موقف مبرر، نظراً لكون لبنان ابان تلك الحرب منتجاً ومصدراً للارهاب بكل صوره واشكاله وادواته، ومع ذلك لم اتذكر ان احداً اعترض على ذلك. فالامن في الاوطان غاية اولى لكل المجتمعات، وبالتالي فان كل اجراء يكرسه يصبح في نهاية الامر مبرراً بكل المقاييس.
صحيح ان مثل هذه الاجراءات التشددية، وتحديداً امتناع السفارات الامريكية من منح تأشيرات لبعض الطلبة وطالبي العلاج هناك، قد انتج تبعات لا انسانية ومجحفة بالنسبة للبعض، غير اننا نعرف بحكم التجربة ان كل اجراء امني احترازي لابد وان يكون له دائماً وابداً ضحايا وغير مذنبين ومظلومين، ومع ذلك لابد من تحمل ذلك في سبيل تحقيق ما هو اهم واسمى، وهو تحصين المجتمع من انفراط عقد الأمن.