كتب نبيل شـرف الدين: يقول "أمير المؤمنين طه المصطفى شكري مصطفى" أمير اخر الزمان ووارث الارض ومن عليها أن إقامة دولة الإسلام تبنى وتقام على أمرين:
1 - تدمير الكافرين.
2- توريث المؤمنين الأرض ومن عليها.
1 - تدمير الكافرين.
2- توريث المؤمنين الأرض ومن عليها.
فإذا محق الكافرون وتمحص المؤمنون يظهر دين الله الى أن يقول : "لا بد من الهجرة، فلا إسلام ودولة تقام له إلا بعد الهجرة، فان هلاك الكفار وتدمير الكفار وتدمير دولتهم لا يتأتيان وهناك مؤمنون في وسطهم والسنة& أن يخرج المسلمون من ارض الكفر ولايبقى إلا الكافرون. حين ذلك ينزل الله العذاب عليهم، وعلى الابناء أن يتركوا مدارسهم وجامعاتهم، لأن العلم وسيلة لعبادة الله وكل علم يتعلمه الانسان لغير العبادة& فقد تعمله لنفسه وتعلمه لغير الله وهذا شرك".
..
هكذا تحدث منذ أكثر من ربع قرن شكري مصطفى مؤسس "جماعة المسلمون" في أقواله أمام النيابة أثناء محاكمته وجماعته التي اشتهرت اعلامياً باسم جماعة "التكفير والهجرة" والتي كانت قد اختطفت الشيخ حسين الذهبي وزير الأوقاف المصري الأسبق ثم قتلته، وحتى ألفاظ وتعبيرات مثل "أمير آخر الزمان"، "أمير المؤمنين" ، "وارث الأرض ومن عليها"، هي نفس الألفاظ التي كان شكري يقدم نفسه بها للمحققين ، ويناديه أتباعه بها.
..
هكذا تحدث منذ أكثر من ربع قرن شكري مصطفى مؤسس "جماعة المسلمون" في أقواله أمام النيابة أثناء محاكمته وجماعته التي اشتهرت اعلامياً باسم جماعة "التكفير والهجرة" والتي كانت قد اختطفت الشيخ حسين الذهبي وزير الأوقاف المصري الأسبق ثم قتلته، وحتى ألفاظ وتعبيرات مثل "أمير آخر الزمان"، "أمير المؤمنين" ، "وارث الأرض ومن عليها"، هي نفس الألفاظ التي كان شكري يقدم نفسه بها للمحققين ، ويناديه أتباعه بها.
فكرة المهدي
لم يكن شكري رغم هذا السلوك "مجنوناً" ذلك الجنون المطبق الذي قد تشي به تلك العبارات، بل كانت له أسانيده الفكرية، ومبرراته الفقهية التي ساقها تفصيلياً في مؤلفه المحظور "الخلافة"، الذي استند إلى إشكالية (المهدي المنتظر) التي كانت ولم تزل واحدة من أكثر العناوين إثارة للجدل في الثقافة الإسلامية، والواقع إنها فكرة سابقة على ظهور الإسلام، فمسألة ترقب المنقذ العظيم الذي سينشر العدل والرخاء بظهوره في آخر الزمان، ويقضي على الظلم والاضطهاد في أرجاء العالم، ويحقق العدل والمساواة في دولته، هي فكرة آمن بها أهل الاَديان الثلاثة، واعتنقتها معظم الشعوب على اختلاف ثقافاتها ومرجعياتها العقائدية، فقد آمن اليهود بها، كما آمن المسيحيون بعودة عيسى (عليه السلام)، وبشر بها الزرادشتيون بانتظار عودة بهرام شاه ، كما اعتنقها مسيحيو الاَحباش بترقّبهم عودة ملكهم تيودور كمهدي في آخر الزمان، وكذلك الهنود اعتقدوا بعودة فيشنو، ومثلهم المجوس إزاء مايعتقدونه من حياة أُوشيدر.
وهكذا نجد البوذيين ينتظرون ظهور بوذا، كما ينتظر الأسبان ملكهم روذريق، والمغول قائدهم جنكيزخان، كما وجد لهذا المعتقد أسانيد تاريخية وعقائدية لدى قدامى المصريين والصينيين وغيرهم من الحضارات القديمة.
وإسلامياً فهناك ثمة اتفاق على حد أدنى حيال هذه المسألة، فالشيعة وأهل السنة يؤمنون بالظهور، وأنه سيكون آخر الزمان، وأنه سيملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً، لكن يكمن الشيطان دائماً في التفاصيل، ففكرة المهدي لدى الشيعة مسألة جوهرية بها تفاصيل لا حصر لها، إذ يذهب فقهاء الاثنا عشرية إلى حد توصيفه بشكل دقيق، وتحديد نسبه بل وشخصه بأنه محمد بن الحسن العسكري، وأنه (كناني ، قرشي ، هاشمي)، فقد أورد المقدسي الشافعي في عقد الدرر، ومثله الحاكم في المستدرك حديثاً ينسب الاِمام المهدي إلى كنانة، ثم إلى قريش ، ثم إلى بني هاشم ، وهو من رواية قتادة عن سعيد بن المسيب، قال : قلت لسعيد بن المسيب: "المهدي حقّ ؟، قال: حقّ ".
وفي سنن ابن ماجه، إن المهدي المنتظر من أولاد عبد المطلب، بالاسناد عن أنس بن مالك قال : "قال رسول الله (ص): "نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة : أنا، وحمزة، وعلي، وجعفر، والحسن، والحسين، والمهدي".
ومن أسماء المهدي المنتظر : المهدي ، محمد ،القائم ، الغائب ، الصاحب ، الحجة ، الخائف ، الخلف، أبو صالح ، الناحية المقدسة ، وغيرها كثير حتى بلغ بها النور الطبرسي بعدد أسماء الله الحسنى تسعة وتسعين اسماً.
وداخل الخندق الشيعي نشأت خلافات حول المهدي لا حصر لها، فقد ذهب البعض الى القول بأن العسكري هو المهدي ولم يمت ، وقال آخرون إن العسكري مات ثم عاش وهو المهدي، وقال فريق ثالث إن الإمامة لجعفر وأبطلت إمامة الحسن بينما ذهب فريق رابع إلى القول بأن الإمام بعده أخوه جعفر، وقال آخرون بإمامة محمد بن على الهادي وأبطلت إمامة الحسن، واشار آخرون إلى أن للحسن ولد اسمه محمد ولد في حياة أبيه، وقال بعضهم: ولد له بعد موته بثمانية أشهر ، وهكذا افترقوا حتى قالت الفرقة الثانية عشرة وهم الإمامية : لله حجة من ولد الحسن العسكري وليس للعباد أن يبحثوا في أمور الله ويقضوا دون علم، ويطلبوا آثار ما ستر عنهم، ولا يجوز ذكر اسمه، ولا يجوز السؤال عن مكانه، وليس علينا البحث عن أمره.
وهكذا يتضح كم هي مسألة شائكة ومعقدة إشكالية المهدي المنتظر هذه، حيث يختلط فيها التاريخ بالعقيدة بالأنساب بالمنطق بالغيب وبالفقه والتفسير وحتى بالسياسة والادعاء والهوس الديني أحياناً، والمعارك المشتعلة بين كل ألوان الطيف الشيعي، ونظرائهم في الخندق السني بكل مذاهبه ودرجاته.
وغني عن القول إن رؤية الاثنا عشرية تختلف عن رؤى فرق أخرى كالزيدية والإسماعيلية والفطحية والكيسانية والبترية والمختارية والكربية والهاشمية والراوندية والخطابية والناوسية، هذا بخلاف مذاهب أهل السنة والجماعات وفرق الإسلام السياسي المحدثة التي لم تتطرق لهذه المسألة.
لم يكن شكري رغم هذا السلوك "مجنوناً" ذلك الجنون المطبق الذي قد تشي به تلك العبارات، بل كانت له أسانيده الفكرية، ومبرراته الفقهية التي ساقها تفصيلياً في مؤلفه المحظور "الخلافة"، الذي استند إلى إشكالية (المهدي المنتظر) التي كانت ولم تزل واحدة من أكثر العناوين إثارة للجدل في الثقافة الإسلامية، والواقع إنها فكرة سابقة على ظهور الإسلام، فمسألة ترقب المنقذ العظيم الذي سينشر العدل والرخاء بظهوره في آخر الزمان، ويقضي على الظلم والاضطهاد في أرجاء العالم، ويحقق العدل والمساواة في دولته، هي فكرة آمن بها أهل الاَديان الثلاثة، واعتنقتها معظم الشعوب على اختلاف ثقافاتها ومرجعياتها العقائدية، فقد آمن اليهود بها، كما آمن المسيحيون بعودة عيسى (عليه السلام)، وبشر بها الزرادشتيون بانتظار عودة بهرام شاه ، كما اعتنقها مسيحيو الاَحباش بترقّبهم عودة ملكهم تيودور كمهدي في آخر الزمان، وكذلك الهنود اعتقدوا بعودة فيشنو، ومثلهم المجوس إزاء مايعتقدونه من حياة أُوشيدر.
وهكذا نجد البوذيين ينتظرون ظهور بوذا، كما ينتظر الأسبان ملكهم روذريق، والمغول قائدهم جنكيزخان، كما وجد لهذا المعتقد أسانيد تاريخية وعقائدية لدى قدامى المصريين والصينيين وغيرهم من الحضارات القديمة.
وإسلامياً فهناك ثمة اتفاق على حد أدنى حيال هذه المسألة، فالشيعة وأهل السنة يؤمنون بالظهور، وأنه سيكون آخر الزمان، وأنه سيملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً، لكن يكمن الشيطان دائماً في التفاصيل، ففكرة المهدي لدى الشيعة مسألة جوهرية بها تفاصيل لا حصر لها، إذ يذهب فقهاء الاثنا عشرية إلى حد توصيفه بشكل دقيق، وتحديد نسبه بل وشخصه بأنه محمد بن الحسن العسكري، وأنه (كناني ، قرشي ، هاشمي)، فقد أورد المقدسي الشافعي في عقد الدرر، ومثله الحاكم في المستدرك حديثاً ينسب الاِمام المهدي إلى كنانة، ثم إلى قريش ، ثم إلى بني هاشم ، وهو من رواية قتادة عن سعيد بن المسيب، قال : قلت لسعيد بن المسيب: "المهدي حقّ ؟، قال: حقّ ".
وفي سنن ابن ماجه، إن المهدي المنتظر من أولاد عبد المطلب، بالاسناد عن أنس بن مالك قال : "قال رسول الله (ص): "نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة : أنا، وحمزة، وعلي، وجعفر، والحسن، والحسين، والمهدي".
ومن أسماء المهدي المنتظر : المهدي ، محمد ،القائم ، الغائب ، الصاحب ، الحجة ، الخائف ، الخلف، أبو صالح ، الناحية المقدسة ، وغيرها كثير حتى بلغ بها النور الطبرسي بعدد أسماء الله الحسنى تسعة وتسعين اسماً.
وداخل الخندق الشيعي نشأت خلافات حول المهدي لا حصر لها، فقد ذهب البعض الى القول بأن العسكري هو المهدي ولم يمت ، وقال آخرون إن العسكري مات ثم عاش وهو المهدي، وقال فريق ثالث إن الإمامة لجعفر وأبطلت إمامة الحسن بينما ذهب فريق رابع إلى القول بأن الإمام بعده أخوه جعفر، وقال آخرون بإمامة محمد بن على الهادي وأبطلت إمامة الحسن، واشار آخرون إلى أن للحسن ولد اسمه محمد ولد في حياة أبيه، وقال بعضهم: ولد له بعد موته بثمانية أشهر ، وهكذا افترقوا حتى قالت الفرقة الثانية عشرة وهم الإمامية : لله حجة من ولد الحسن العسكري وليس للعباد أن يبحثوا في أمور الله ويقضوا دون علم، ويطلبوا آثار ما ستر عنهم، ولا يجوز ذكر اسمه، ولا يجوز السؤال عن مكانه، وليس علينا البحث عن أمره.
وهكذا يتضح كم هي مسألة شائكة ومعقدة إشكالية المهدي المنتظر هذه، حيث يختلط فيها التاريخ بالعقيدة بالأنساب بالمنطق بالغيب وبالفقه والتفسير وحتى بالسياسة والادعاء والهوس الديني أحياناً، والمعارك المشتعلة بين كل ألوان الطيف الشيعي، ونظرائهم في الخندق السني بكل مذاهبه ودرجاته.
وغني عن القول إن رؤية الاثنا عشرية تختلف عن رؤى فرق أخرى كالزيدية والإسماعيلية والفطحية والكيسانية والبترية والمختارية والكربية والهاشمية والراوندية والخطابية والناوسية، هذا بخلاف مذاهب أهل السنة والجماعات وفرق الإسلام السياسي المحدثة التي لم تتطرق لهذه المسألة.
أدعياء
بثت يوم أمس وكالة الأنباء السعودية خبراً عن قيام أحد الأشخاص باقتحام مؤسسة النقد السعودية، وزعمه لرجال الأمن الذين حاصروا الموقع إنه "المهدي المنتظر"، وقبل ذلك ظهرت في مصر سلسلة قدرتها الأجهزة الرقابية بنحو خمسين حالة ادعاء "مهدوية" تارة، ونبوة تارة أخرى، والحق إن الفارق بين الادعائين لا يعول عليه كثيراً، فنفس المبررات التي يسوقها من يدعي النبوة لا تختلف كثيراً عن تلك التي يقدمها من يطرح نفسه "مهدياً منتظراً".
وقبل شهور ظهر في حي (حلوان) جنوب القاهرة من يزعم انه "المهدي المنتظر"، ولم يكن الرجل أكثر من عامل (ترزي) متواضع لم ينل حتى الحد الأدنى من العلوم الشرعية، ولم يعرف عنه الجنون أو الحماقة، لكنه كان شاباً عادياً بسيطاً، اشتهر بأخلاقه الطيبة والتزامه المعتدل بالدين، لكن حدث فجأة أن أعلن نفسه "مهدياً منتظراً"، وراح يجاهر بدعواه في كل مكان حتى تحدث مع شخص أبلغ عنه سلطات الأمن المصرية فالقت القبض عليه، ويروي هذا المواطن في التحقيقات القضائية كيف تعرف عليه قائلاً : كنت رايح أفصل بنطلونين عند الترزي. لم أجده حيث ذهب لشراء لوازم لورشته. ووجدت شابا جالسا يقص في قماش بنطلون.. سلمت عليه وعرفت ان اسمه محمد. وبعد لحظات فاجأني بسؤال لم يخطر لي علي بال، قال لي : هل تعرف المهدي المنتظر؟
* اعرف انه سوف يظهر من مكة وهو من نسل النبي عليه الصلاة والسلام ويملأ الأرض عدلاً بعد أن امتلئت جوراً،وينشر الخير بين الناس.
ـ في آية في القرآن يؤيد كلامك ؟
* لست متفقها في الدين ولكن هناك أحاديث كثيرة تقول ان المهدي المنتظر سيظهر مع علامات الساعة الأخيرة.
ـ أنا المهدي المنتظر. ما رأيك؟
* ماهو برهانك ؟
ـ برهاني اني نازل بقول الحق وعلم الساعة
* إذن، متى تقوم الساعة ؟
ـ لم يبح لي بها ربي بعد، لكنها بعد 100 سنة
* وما دليلك على صحة هذا الكلام ؟
ـ دليلي بشارتي، وهي تفسير حروف القرآن الكريم والتي أتت غامضة في أول السور. مثلا "ألم" تفسيرها "انه لكتاب مبين"، و"ألر" تفسيرها "انه لكتاب ربك". و"كهيعص" تفسيرها "كانت هبتك يا زكريا علي صدرك". و"المص" تفسيرها "إنه لكتاب مبين صادق".
* وما هي اهداف دعوتك اذن ؟
ـ تخليص نفوس الناس من شرورها وتطهير الارض من آثامها وآلامها.
* هل صدقك أحد؟
ـ لاكرامة لنبي في وطنه. وسأظل اجاهد من اجل رسالتي ولو اردت نصيحتي لامنت بي وقلت لي سمعا وطاعة يامحمد
* هل تصلي وتصوم؟
ـ صلاتي تختلف عن صلاتكم. وصومي أيضا.
ولم يتحمل الرجل كل هذا اللغو، فخرج من المحل ناسيا السبب الذي أتى به الي هناك واسرع الى الشرطة ليبلغ عن "مهدي حلوان" المزعوم، وأمام المحقق لم يتراجع الرجل عن أقواله، فمضت أوراق التحقيق تنقل عنه هذا الحوار الذي دار بينه وبينه المحقق الذي نورد منه جانباً يشير إلى لب المسألة :
المتهم : لم أدع شيئاً. وانما البشارة هي التي اتت لي، وعليكم ان تصدقوا هذا وتصدقوني معها.
المحقق : ماذا تقصد بكلامك؟
المتهم : منذ ثلاثة أشهر تقريبا وأنا نائم وحدي في الغرفة التي اعيش فيها بمفردي جاءني صوت من السماء ففزعت من نومي وكنت أظن أنه كابوس ولكن ظل الصوت يرن في اذني يقول انه وحي من السماء جاء يبلغني بحمل الرسالة الجديدة ويبشرني بأنني المهدي المنتظر والنبي خاتم المرسلين وأمرني أن أبلغ هذا الي أهلي وعشيرتي والناس من حولي حتي يصدقوني.. وفعلت ما أمرت به حتي القت الشرطة القبض علي قبل أن اؤدي هذه الأمانة التي حملتها.
المحقق : وهل صدقك أحد من أسرتك أو عشيرتك أو الناس؟
المتهم : للأسف كلهم انفضوا من حولي معتقدين انني مجنون أو مسني جن رغم انها الحقيقة.
المحقق : وماهي الرسالة التي تزعم انها اتتك من السماء؟
المتهم : انها رسالة التفسير.
المحقق : اشرح لنا رسالتك هذه؟
المتهم : رسالتي هذه عبارة عن كتاب جديد الهمه الله لي وخصني وحدي لتفسير أسرار القرآن الكريم. وأيضا كلفني الوحي بتخليص البشرية من آلامها وتطهير الأرض من الشرور والآثام التي تمتليء بها.
بثت يوم أمس وكالة الأنباء السعودية خبراً عن قيام أحد الأشخاص باقتحام مؤسسة النقد السعودية، وزعمه لرجال الأمن الذين حاصروا الموقع إنه "المهدي المنتظر"، وقبل ذلك ظهرت في مصر سلسلة قدرتها الأجهزة الرقابية بنحو خمسين حالة ادعاء "مهدوية" تارة، ونبوة تارة أخرى، والحق إن الفارق بين الادعائين لا يعول عليه كثيراً، فنفس المبررات التي يسوقها من يدعي النبوة لا تختلف كثيراً عن تلك التي يقدمها من يطرح نفسه "مهدياً منتظراً".
وقبل شهور ظهر في حي (حلوان) جنوب القاهرة من يزعم انه "المهدي المنتظر"، ولم يكن الرجل أكثر من عامل (ترزي) متواضع لم ينل حتى الحد الأدنى من العلوم الشرعية، ولم يعرف عنه الجنون أو الحماقة، لكنه كان شاباً عادياً بسيطاً، اشتهر بأخلاقه الطيبة والتزامه المعتدل بالدين، لكن حدث فجأة أن أعلن نفسه "مهدياً منتظراً"، وراح يجاهر بدعواه في كل مكان حتى تحدث مع شخص أبلغ عنه سلطات الأمن المصرية فالقت القبض عليه، ويروي هذا المواطن في التحقيقات القضائية كيف تعرف عليه قائلاً : كنت رايح أفصل بنطلونين عند الترزي. لم أجده حيث ذهب لشراء لوازم لورشته. ووجدت شابا جالسا يقص في قماش بنطلون.. سلمت عليه وعرفت ان اسمه محمد. وبعد لحظات فاجأني بسؤال لم يخطر لي علي بال، قال لي : هل تعرف المهدي المنتظر؟
* اعرف انه سوف يظهر من مكة وهو من نسل النبي عليه الصلاة والسلام ويملأ الأرض عدلاً بعد أن امتلئت جوراً،وينشر الخير بين الناس.
ـ في آية في القرآن يؤيد كلامك ؟
* لست متفقها في الدين ولكن هناك أحاديث كثيرة تقول ان المهدي المنتظر سيظهر مع علامات الساعة الأخيرة.
ـ أنا المهدي المنتظر. ما رأيك؟
* ماهو برهانك ؟
ـ برهاني اني نازل بقول الحق وعلم الساعة
* إذن، متى تقوم الساعة ؟
ـ لم يبح لي بها ربي بعد، لكنها بعد 100 سنة
* وما دليلك على صحة هذا الكلام ؟
ـ دليلي بشارتي، وهي تفسير حروف القرآن الكريم والتي أتت غامضة في أول السور. مثلا "ألم" تفسيرها "انه لكتاب مبين"، و"ألر" تفسيرها "انه لكتاب ربك". و"كهيعص" تفسيرها "كانت هبتك يا زكريا علي صدرك". و"المص" تفسيرها "إنه لكتاب مبين صادق".
* وما هي اهداف دعوتك اذن ؟
ـ تخليص نفوس الناس من شرورها وتطهير الارض من آثامها وآلامها.
* هل صدقك أحد؟
ـ لاكرامة لنبي في وطنه. وسأظل اجاهد من اجل رسالتي ولو اردت نصيحتي لامنت بي وقلت لي سمعا وطاعة يامحمد
* هل تصلي وتصوم؟
ـ صلاتي تختلف عن صلاتكم. وصومي أيضا.
ولم يتحمل الرجل كل هذا اللغو، فخرج من المحل ناسيا السبب الذي أتى به الي هناك واسرع الى الشرطة ليبلغ عن "مهدي حلوان" المزعوم، وأمام المحقق لم يتراجع الرجل عن أقواله، فمضت أوراق التحقيق تنقل عنه هذا الحوار الذي دار بينه وبينه المحقق الذي نورد منه جانباً يشير إلى لب المسألة :
المتهم : لم أدع شيئاً. وانما البشارة هي التي اتت لي، وعليكم ان تصدقوا هذا وتصدقوني معها.
المحقق : ماذا تقصد بكلامك؟
المتهم : منذ ثلاثة أشهر تقريبا وأنا نائم وحدي في الغرفة التي اعيش فيها بمفردي جاءني صوت من السماء ففزعت من نومي وكنت أظن أنه كابوس ولكن ظل الصوت يرن في اذني يقول انه وحي من السماء جاء يبلغني بحمل الرسالة الجديدة ويبشرني بأنني المهدي المنتظر والنبي خاتم المرسلين وأمرني أن أبلغ هذا الي أهلي وعشيرتي والناس من حولي حتي يصدقوني.. وفعلت ما أمرت به حتي القت الشرطة القبض علي قبل أن اؤدي هذه الأمانة التي حملتها.
المحقق : وهل صدقك أحد من أسرتك أو عشيرتك أو الناس؟
المتهم : للأسف كلهم انفضوا من حولي معتقدين انني مجنون أو مسني جن رغم انها الحقيقة.
المحقق : وماهي الرسالة التي تزعم انها اتتك من السماء؟
المتهم : انها رسالة التفسير.
المحقق : اشرح لنا رسالتك هذه؟
المتهم : رسالتي هذه عبارة عن كتاب جديد الهمه الله لي وخصني وحدي لتفسير أسرار القرآن الكريم. وأيضا كلفني الوحي بتخليص البشرية من آلامها وتطهير الأرض من الشرور والآثام التي تمتليء بها.
المسيح الدجال
وترتبط مسألة "المهدي المنتظر" ارتباطاً وثيقاً باشكالية أخرى هي "المسيح الدجال"، ولم يقتصر الأمر على حد بسطاء الدجالين، بل امتدت الكارثةلتشمل باحثين وكتاباً، إذ يقول الباحث الراحل سعيد أيوب فى كتابه: (عقيدة المسيح الدجال فى الأديان : دار الهدى - بيروت - 1991) :
"إن خروج خراسان (منطقة أفغانستان وايران) هو خروج المسيح الدجال كرئيس دولة من أجل الحصول على أطماع له بالمنطقة أما خروج أصبهان فهو خروج مناصرين له من هذه المنطقة يكون لهم التأثير على سير الأحداث لصالحه، أما الخروج الثالث الآتى من (الخلة) وهى فلسطين الحالية ، فهو خروجه كفتنة تفسد يميناً وشمالاً وفى العالم أجمع.
ويتبنى كاتب سياسي مصري معروف هو د. رفعت سيد أحمد هذه الآراء التي خلص إليها الباحث، ويحاول ربطها بالواقع الراهن، مع السعي لما أسماه بإعادة قراءة سياسية ـ اجتماعية ـ حضارية، في ضوء تطورات أحداث المنطقة والعالم، في خلط ممجوج بين الكهنوت والسياسة، فيستهل مقالاً له بالحديث عن صفات المسيح الدجال قائلاً إنه "في أحاديث متعددة عن الرسول (ص) وردت أوصاف للمسيح الدجال منها على سبيل المثال (جفال الشعر : أى شعره كثيف ملتف) و(كأن رأسه أصلة)، والأصلة هى الحية والعرب تشبه الرأس كثير الحركة برأس الحية، وأن (المسيح الدجال هجان أزهر)، أى أبيض فيه حمرة، وأنه (أجلى) أى عريض الجبهة، وأنه مكتوب بين عينيه "كفر" لا يقرؤها الا مؤمن ، وأنه (أعور العين اليسرى)، وبهذا العبث شديد الوضوح، يسعى "الكاتب السياسي" إلى قراءة وتحليل أحداث العالم، ليخلص في النهاية إلى نتيجة مفادها إن الولايات المتحدة هي "المسيح الدجال"،ولا يركن إلى هذا التفسير الخرافي فحسب، بل يضخه في نفوس وعقول ليست بحاجة إلى مزيد من الخرافات والقراءات الميثولوجية لأحداث العالم، فيقول د. رفعت سيد أحمد :
"لماذا لا تكون الولايات المتحدة، كقوة شيطانية مدمرة هى المسيح الدجال، خاصة وأن بعض المفسرين الاسلاميين الكبار من علماء الأزهر الشريف سبق وأكدوا أن المسيح الدجال ليس بالضرورة أن يكون (رجلاً من لحم ودم) بل من الجائز ان يكون "ظاهرة"، أو "قوة" وفى هذا المعنى تحدث العالم الأزهرى الكبير الشيخ طنطاوي الجوهري الذى عاش فى الربع الأول من القرن العشرين ووضع تفسيراً كبيراً للقرآن الكريم فى 26 جزءاً أسماه (تفسير الجواهر) وذكر فيه ان المسيح الدجال في ظنه هو (الغرب المعاصر) وأن نصيحة الرسول بشأنه هو (أن نأخذ ناره) و(لا نأخذ جنته) نصيحة صحيحة، فنار الغرب هى علمه وتقدمه العسكري، أما جنته فهي النزعات الاستهلاكية والأخلاقيات المنحطة وغيرها من القيم المبتذلة التي لا ينبغي أن نأخذ بها، اذا أخذنا بهذا التفسير، فإننا تجاه المسيح الدجال في أنصع صوره وهو الولايات المتحدة".
انتهى الاقتباس الذي أوردته على سبيل الاستدلال، ولم يعد لدينا ما نقوله سوى التأكيد على حقيقة بسيطة مؤداها إن الاستئساد بالجهل لا يغير من طبيعة القط حين يحاكي صولة الأسد، ذلك لأن الغرب لم يصنع "ناره وجنته" استناداً إلى فتاوى الشيخ الذي عاش في الربع الأول من القرن العشرين، ولم يبلغ ما بلغه، اتفقنا أو اختلفنا معه، بهذه الكهانة التي يسقط فيها حتى الذين يعول عليهم كمشاعل تنوير، ودحض للخرافات التي صارت بفعل التواتر تبدو وكأنها من أصل الدين، رغم انها الكهنوت بعينه، والخرافة في أنصع صورها، والجهل في أكثر حالاته تبجحاً، ومع ذلك نلتمس للترزي الدجال الذي ادعى انه "المهدي المنتظر"، وللص السعودي الذي اقتحم مؤسسة النقد، وللكاتب السياسي الذي اعتبر أميركا "مسيحاً دجالاً".. وغيرهم، نلتمس لهم جميعاً العذر، ذلك لأن الانسان في حالة المرض يبحث عن أي وسيلة لأن الالم يفقد الانسان موضوعيته، وهذه الأمة مأزومة، ولا مفر من الاعتراف بهذا كخطوة أولى لتجاوز هذه الأزمة، كما فعلت غيرها من الأمم مثل الألمان واليابانيين وغيرهم.
وترتبط مسألة "المهدي المنتظر" ارتباطاً وثيقاً باشكالية أخرى هي "المسيح الدجال"، ولم يقتصر الأمر على حد بسطاء الدجالين، بل امتدت الكارثةلتشمل باحثين وكتاباً، إذ يقول الباحث الراحل سعيد أيوب فى كتابه: (عقيدة المسيح الدجال فى الأديان : دار الهدى - بيروت - 1991) :
"إن خروج خراسان (منطقة أفغانستان وايران) هو خروج المسيح الدجال كرئيس دولة من أجل الحصول على أطماع له بالمنطقة أما خروج أصبهان فهو خروج مناصرين له من هذه المنطقة يكون لهم التأثير على سير الأحداث لصالحه، أما الخروج الثالث الآتى من (الخلة) وهى فلسطين الحالية ، فهو خروجه كفتنة تفسد يميناً وشمالاً وفى العالم أجمع.
ويتبنى كاتب سياسي مصري معروف هو د. رفعت سيد أحمد هذه الآراء التي خلص إليها الباحث، ويحاول ربطها بالواقع الراهن، مع السعي لما أسماه بإعادة قراءة سياسية ـ اجتماعية ـ حضارية، في ضوء تطورات أحداث المنطقة والعالم، في خلط ممجوج بين الكهنوت والسياسة، فيستهل مقالاً له بالحديث عن صفات المسيح الدجال قائلاً إنه "في أحاديث متعددة عن الرسول (ص) وردت أوصاف للمسيح الدجال منها على سبيل المثال (جفال الشعر : أى شعره كثيف ملتف) و(كأن رأسه أصلة)، والأصلة هى الحية والعرب تشبه الرأس كثير الحركة برأس الحية، وأن (المسيح الدجال هجان أزهر)، أى أبيض فيه حمرة، وأنه (أجلى) أى عريض الجبهة، وأنه مكتوب بين عينيه "كفر" لا يقرؤها الا مؤمن ، وأنه (أعور العين اليسرى)، وبهذا العبث شديد الوضوح، يسعى "الكاتب السياسي" إلى قراءة وتحليل أحداث العالم، ليخلص في النهاية إلى نتيجة مفادها إن الولايات المتحدة هي "المسيح الدجال"،ولا يركن إلى هذا التفسير الخرافي فحسب، بل يضخه في نفوس وعقول ليست بحاجة إلى مزيد من الخرافات والقراءات الميثولوجية لأحداث العالم، فيقول د. رفعت سيد أحمد :
"لماذا لا تكون الولايات المتحدة، كقوة شيطانية مدمرة هى المسيح الدجال، خاصة وأن بعض المفسرين الاسلاميين الكبار من علماء الأزهر الشريف سبق وأكدوا أن المسيح الدجال ليس بالضرورة أن يكون (رجلاً من لحم ودم) بل من الجائز ان يكون "ظاهرة"، أو "قوة" وفى هذا المعنى تحدث العالم الأزهرى الكبير الشيخ طنطاوي الجوهري الذى عاش فى الربع الأول من القرن العشرين ووضع تفسيراً كبيراً للقرآن الكريم فى 26 جزءاً أسماه (تفسير الجواهر) وذكر فيه ان المسيح الدجال في ظنه هو (الغرب المعاصر) وأن نصيحة الرسول بشأنه هو (أن نأخذ ناره) و(لا نأخذ جنته) نصيحة صحيحة، فنار الغرب هى علمه وتقدمه العسكري، أما جنته فهي النزعات الاستهلاكية والأخلاقيات المنحطة وغيرها من القيم المبتذلة التي لا ينبغي أن نأخذ بها، اذا أخذنا بهذا التفسير، فإننا تجاه المسيح الدجال في أنصع صوره وهو الولايات المتحدة".
انتهى الاقتباس الذي أوردته على سبيل الاستدلال، ولم يعد لدينا ما نقوله سوى التأكيد على حقيقة بسيطة مؤداها إن الاستئساد بالجهل لا يغير من طبيعة القط حين يحاكي صولة الأسد، ذلك لأن الغرب لم يصنع "ناره وجنته" استناداً إلى فتاوى الشيخ الذي عاش في الربع الأول من القرن العشرين، ولم يبلغ ما بلغه، اتفقنا أو اختلفنا معه، بهذه الكهانة التي يسقط فيها حتى الذين يعول عليهم كمشاعل تنوير، ودحض للخرافات التي صارت بفعل التواتر تبدو وكأنها من أصل الدين، رغم انها الكهنوت بعينه، والخرافة في أنصع صورها، والجهل في أكثر حالاته تبجحاً، ومع ذلك نلتمس للترزي الدجال الذي ادعى انه "المهدي المنتظر"، وللص السعودي الذي اقتحم مؤسسة النقد، وللكاتب السياسي الذي اعتبر أميركا "مسيحاً دجالاً".. وغيرهم، نلتمس لهم جميعاً العذر، ذلك لأن الانسان في حالة المرض يبحث عن أي وسيلة لأن الالم يفقد الانسان موضوعيته، وهذه الأمة مأزومة، ولا مفر من الاعتراف بهذا كخطوة أولى لتجاوز هذه الأزمة، كما فعلت غيرها من الأمم مثل الألمان واليابانيين وغيرهم.
&
التعليقات